الارتفاع المشروط : عوامل غلبة "اللايقين" علي مستقبل أسعار النفط
30-3-2016

مجدي صبحي
* نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
انهارت أسعار النفط  بين يونيو 2014 ويناير 2016، وبلغت نسبة انخفاضها ما يزيد علي 75. إذ بينما بلغ سعر البرميل من خام برنت أعلي مستوي له في يونيو 2014 عند  115 دولارا، فإنه  سجل في الأسواق الآسيوية يوم 18 يناير 2016 نحو 27.67 دولار فقط، حيث كان يعد هذا  هو أقل سعر للبرميل منذ نوفمبر عام 2003 (1).
 
تسعي  هذه الدراسة إلي محاولة الإجابة علي التساؤل حول أسباب هذا الانهيار، كما تحاول استشراف المستقبل القريب والمتوسط لما يمكن أن تكون عليه مستويات أسعار النفط.
 
تاريخ حافل بالتقلبات السعرية:
 
لم تكن هذه هي المرة الأولي التي تشهد فيها أسعار النفط ارتفاعا كبيرا، ليعقبها انخفاض شديد. وفي هذا السياق، يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2015 إلي أنه وعلي خلاف انخفاضات السعر السابقة، يأتي الانخفاض هذه المرة مدفوعا من قبل كل من العرض والطلب في الوقت ذاته. فالنمو القياسي في العرض خلال عام 2014 يقدم واحدا من العوامل وراء هذا الانخفاض، بينما يقدم الانخفاض غير المتوقع في نمو الطلب العامل الآخر. فعلي جانب العرض، سمحت تكنولوجيا استخراج النفط الخفيف الصخري، الذي لم يعتد به كمصدر للإنتاج في تصحيحات السعر السابقة، بتوفير موارد واسعة للاستخراج، كان قد نظر إليها طويلا علي أنها خارج حدود القدرة الممكنة. وقد حدث الانخفاض الأخير في السعر في وقت كانت فيه عوامل الطلب العالمي، ومكانة النفط في مزيج الوقود تمران بفترة تغيرات كبيرة. 
 
فدول الاقتصادات الصاعدة - والصين علي رأسها- والتي كانت منذ نحو عشر سنوات مضت تبدو وكأنها محرك لا يهدأ، وذات منحني قريب من أن يكون رأسيا في نمو الطلب (أي أن هناك نموا ثابتا في الطلب بغض النظر عن مستوي السعر)، قد دخلت مرحلة جديدة من التنمية تتميز بانخفاض كثافة استخدام النفط. والاقتصاد العالمي ككل، الذي تمت إعادة تشكيله عبر ثورة تكنولوجيا المعلومات، قد أصبح عموما أقل كثافة في استخدام الوقود. كما أن الانشغال بالبيئة، وبشكل خاص التغير المناخي، أعاد صياغة سياسات الطاقة. كما أن عولمة سوق الغاز العالمية، مترافقة مع الانخفاضات المنتظمة في تكلفة ومدي إتاحة الطاقة المتجددة، عرّضت كلها النفط لمواجهة مستوي مرتفع من المنافسة الشديدة مع مصادر الوقود الأخري، خلال السنوات القليلة الماضية.
 
ويختلف تقرير للبنك الدولي مع هذا الطرح، مركزا علي أن الأمر الواضح في الانخفاض الحالي في السعر هو الزيادة الكبيرة في العرض مع عدم تحرك "أوبك" بالطبع لخفض مستوي إنتاجها للدفاع عن الأسعار. وعلي حين تحدث تقرير البنك الدولي عن أربعة انخفاضات كبيرة سابقة في أسعار النفط، هي تلك التي تمت في الفترة من يناير 1986 إلي يوليو 1986، ومن أكتوبر 1990 إلي أبريل 1991، ومن أكتوبر 1997 إلي أبريل 1998، ومن مايو 2001 إلي نوفمبر 2001، يشير البنك الدولي إلي أنه مقارنة بالانهيارات التاريخية السابقة، وبالتركيز علي الدور المهيمن لعوامل العرض، فإن الانهيار الحالي في الأسعار يتشابه فقط مع الانهيار الذي حدث في  عام 1986، حيث حدث كل من الانهيارين عقب ارتفاع كبير في أسعار النفط، أعقبه توسع كبير في إمدادات البلدان خارج الأوبك - ألاسكا، وبحر الشمال، والمكسيك في انهيار عام 1986، والنفط الصخري الأمريكي، والنفط الرملي الكندي، والوقود الحيوي في الانهيار الأخير. وفي كل من الانهيارين، غيرت "أوبك" سياستها من استهداف الأسعار إلي الدفاع عن حصتها في السوق. ففي عام 1986، استخدم وزير النفط السعودي الراحل، الشيخ أحمد زكي اليماني، تعبير "حرب الأسعار". أما في الانهيار الأخير، فقد كان الشعار المرفوع صريحا "ضرورة الدفاع عن الحصة السوقية". وعلي عكس هذين الانهيارين، كانت جميع الانهيارات الأربعة الأخري ترجع إلي انخفاض ملحوظ في الطلب العالمي.

رابط دائم: