الارتداد إلي المحلية: أسعار النفط والاستقرار السياسي في الشرق الأوسط
30-3-2016

د. عمرو عدلي
* دكتوراة في الاقتصادة السياسي من الجامعة الأوروبية بفلورانسا
انخفضت أسعار النفط العالمية بمقدار الثلثين تقريبا بين منتصف 2014 ومطلع 2016 لتهبط من نحو 110 دولارات للبرميل إلي ما دون الـ 30 دولارا في انخفاض هو الأعنف، مقارنة بدورات النفط السابقة في القرن العشرين (Williams et al 2015) . 
 
وقد أتي هذا الانخفاض بعد سنوات من الارتفاع المتواصل للبترول منذ سنة 2006، حيث تجاوز عتبة المئة دولار للبرميل في 2008. واستمرت أسعار النفط علي ارتفاعها، علي الرغم من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي بدأت في ديسمبر 2008، والتي لم يتعاف منها النمو العالمي حتي اليوم، وذلك بفضل ارتفاع الطلب الآسيوي، خاصة مع تحول الصين إلي قاطرة النمو للعالم منذ 2009، علي الرغم من الركود الاقتصادي في أوروبا واليابان، وتذبذب النمو في الولايات المتحدة.
 
ثم إذا بالأسعار تبدأ دورة جديدة من الهبوط الحاد. وقد اختلف المراقبون والمحللون في تفسير أسباب هذا الانهيار، فمنهم من ذهب إلي ضعف الطلب، خاصة مع تأكد علامات التباطؤ الاقتصادي في الصين منذ الربع الثالث لسنة 2014، بينما ذهب أغلب الآراء إلي حسبان أن الأزمة ليست في الطلب بقدر ما أنها في العرض (Baffes et al. 2005). ويرجع هذا إلي التوسع الشديد في إنتاج النفط منذ 2008، بعدما سمحت الأسعار المرتفعة آنذاك مع التطور التكنولوجي في استخراج البترول الصخري، بجعل الإنتاج اقتصاديا للمرة الأولي. ثم ما لبثت أن تحولت الولايات المتحدة - وهي المستورد الأكبر للبترول علي مستوي العالم، والمعتمد التقليدي علي بترول الشرق الأوسط وفنزويلا - إلي أكبر منتج في تلك الفترة بواقع تسعة ملايين برميل في اليوم، أو ما يناهز ما تنتجه المملكة العربية السعودية، أكبر منتج في العالم (Norland. 2015).
 
ويضاف إلي دخول البترول الصخري علي الخط تشجع العديد من المنتجين الصغار علي الإنتاج، مع الارتفاع الشديد في الأسعار ما بين 2008 و2014، مما أتاح الفرصة أمام عدد كبير منهم في إفريقيا جنوب الصحراء، وفي أمريكا اللاتينية (البرازيل علي سبيل المثال، والتي زاد إنتاجها للوفاء باحتياجات السوق المحلية)، وحتي في الصين لتلبية جزء من الاستهلاك المحلي. وبجانب هذا وذاك، فقد أثبتت السنوات الأخيرة عدم تأثير الاضطرابات السياسية والأمنية كثيرا في إنتاج ونقل البترول، كما هو الحال في العراق، والتي لم يضطرب إنتاجه وتصديره من البترول، علي الرغم من اتساع نطاق وحدة الحرب الأهلية، مع استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية علي الموصل قبل سنة ونصف سنة، وكذا الحال مع ليبيا، التي رغم انهيار الحكومة المركزية.

رابط دائم: