الأبعاد المتداخلة لظاهرة المخدرات عالميا
24-6-2016

كرم سعيد
* مساعد رئيس تحرير مجلة الديمقراطية
ليس جديدا أن شبكات الجريمة المنظمة صارت فاعلا مؤثرا في التفاعلات السياسية والاقتصادية علي المستويين الداخلي والخارجي‮. ‬وتمثل عملية إنتاج وتجارة المخدرات إحدي أهم الجرائم المنظمة،‮ ‬وأكثرها انعكاسا علي الأوضاع السياسية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والاجتماعية للدول المعنية، سواء المنتجة أو المستقبلة‮.‬
 
‮‬لذا،‮ ‬لم يكن مستغربا أن يخرج الرئيس المكسيكي بينا نييتو شخصيا ليعلن بنفسه نبأ اعتقال خواكين جوزمان لويرا،‮ ‬زعيم أكبر مافيا مخدرات في المكسيك،‮ ‬وواحدة من كبري العصابات العاملة في هذه التجارة‮ ‬غير المشروعة،‮ ‬الأمر الذي يجسد بوضوح تصاعد التأثير السياسي والاقتصادي لتجارة المخدرات،‮ ‬ليس في المكسيك وحدها،‮ ‬وإنما علي علي المستوي الدولي بشكل عام‮.‬
 
وتعد مشكلة انتشار المخدرات،‮ ‬وتداولها،‮ ‬وتعاطيها من أخطر القضايا التي تهدد دول العالم، لا فرق في ذلك بين دولة قوية،‮ ‬وأخري متخلفة‮. ‬وكان تقرير المخدرات العالمي‮ ‬2015‮ ‬قد دق ناقوس الخطر،‮ ‬حين أشار إلي أن معدلات زراعة الأفيون العالمية الأعلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مشيرا إلي ضخامة عدد الوفيات الناجمة عن المخدرات عالميا‮.‬
 
تأتي المخدرات في المرتبة الثانية في عمليات التجارة الأكثر ربحية في العالم،‮ ‬بعد السلاح،‮ ‬وقبل الاتجار بالبشر‮. ‬وما يزيد حجم أرباح المخدرات كل سنة هو الارتفاع الكبير في عدد مدمني المخدرات حول العالم، حيث أعلنت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات،‮ ‬التابعة لمنظمة الأمم المتحدة،‮ ‬في تقريرها السنوي‮ ‬2014،‮ ‬أن عدد من يتعاطون المخدرات أو يدمنونها نحو‮ ‬800‮ ‬مليون شخص من البشر‮.‬
 
في المقابل،‮ ‬هناك‮ ‬200‮ ‬ألف حالة وفاة سنويا بين المدمنين‮.‬ وحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة‮ (‬تقرير الأمم المتحدة‮ ‬2008‮)‬،‮ ‬فإن أقل من‮ ‬5٪‮ ‬من البالغين يتناولون المخدرات، وأقل من شخص واحد بين كل‮ ‬20‮ ‬شخصا‮ (‬تتراوح أعمارهم بين‮ ‬15‮ ‬و64‮ ‬عاما‮) ‬جربوا المخدرات مرة واحدة علي الأقل في الفترة نفسها، أما عدد متعاطي المخدرات ذوي الحالات المستعصية،‮ ‬فيصل إلي نحو‮ ‬26‮ ‬مليون شخص، أي نحو‮ ‬6٪‮ ‬من سكان الكرة الأرضية البالغين‮.‬
 
وحسب تقرير آخر للأمم المتحدة، فان أفغانستان وحدها تنتج‮ ‬92٪‮ ‬من الأفيون المتداول في العالم بطريقة‮ ‬غير شرعية، وأكثر من‮ ‬40‮ ‬مليونا يتناولون القات،‮ ‬معظمهم في اليمن، والصومال،‮ ‬وإثيوبيا،‮ ‬وكينيا‮. ‬وبلغ‮ ‬حجم تجارة المخدرات‮ ‬غير المشروعة في عام‮ ‬2014‮ ‬نحو‮ ‬320‮ ‬مليار دولار‮.‬
 
تتنوع جرائم المخدرات وفقا لطبيعة الأفعال المرتبطة بها، فتشمل الزراعة، الإنتاج أو التصنيع، والجلب، والتصدير، والنقل، والإتجار، والحيازة، والتعاطي،‮ ‬فضلا عن ارتباط جرائم المخدرات بأنواع أخري من الجرائم والأعمال‮ ‬غير المشروعة، مثل‮ ‬غسل الأموال،‮ ‬وتجارة الأسلحة الصغيرة‮.‬
 
أولا‮- ‬اتجاهات التعاطي والإنفاق‮:‬
 
تعد مشكلة المخدرات،‮ ‬بالنظر إلي تعدد جوانبها،‮ ‬وتغير طبيعتها باستمرار، أحد أكثر التحديات التي تواجه العالم المعاصر تعقيدا،‮ ‬حيث لها تأثير مباشر في التماسك الاجتماعي،‮ ‬والأوضاع الصحية،‮ ‬والبيئة،‮ ‬والأمن القومي،‮ ‬والاستقرار الإقليمي،‮ ‬وسيادة الدول،‮ ‬فضلا عن أنها تقوض احترام حقوق الإنسان،‮ ‬وسيادة القانون،‮ ‬والاستقرار،‮ ‬والمؤسسات الديمقراطية،‮ ‬والتنمية المستدامة‮.‬
 
وتشير تقديرات تقرير المخدرات العالمي لعام‮ ‬2015،‮ ‬الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلي أنه في عام‮ ‬2013،‮ ‬قام ما يقرب من‮ ‬246‮ ‬مليون شخص‮ (‬أي نحو‮ ‬5٪‮ ‬من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين‮ ‬15‮ ‬و64‮ ‬عاما علي مستوي العالم‮) ‬بتعاطي المخدرات،‮ ‬ونحو‮ ‬13‮ ‬مليون شخص يتعاطون المخدرات بالحقن،‮ ‬منهم‮ ‬1‭.‬65 ‮ ‬مليون مصابون بنقص المناعة‮ (‬إيدز‮).‬
 
كما يشير تقرير الأمم المتحدة إلي أن معدل تعاطي المواد الأفيونية‮ (‬الهيروين والأفيون‮) ‬اتسم بالثبات علي مستوي العالم ككل‮. ‬وبينما تراجع تعاطي الكوكايين عموما، استمر تزايد تعاطي القنب والمستحضرات الصيدلانية شبه الأفيونية لأغراض‮ ‬غير طبية‮.‬
 
أما المؤثرات العقلية الجديدة،‮ ‬فعلي الرغم من تنوعها وطبيعتها المتغيرة، فلا يتوافر عنها سوي بيانات محدودة‮. ‬وقد وصل عددها مع نهاية عام‮ ‬2014‮ ‬إلي نحو‮ ‬541‮ ‬مؤثرا عقليا،‮ ‬مما يشير إلي أن سوق المخدرات الاصطناعية تزداد رواجا‮.‬
 
وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة‮ ‬2012،‮ ‬تجاوز حاليا حجم التجارة العالمية في المخدرات،‮ ‬والأدوية،‮ ‬والعقاقير الممنوعة،‮ ‬والمواد المسموح بها قانونا في بعض بلدان العالم‮ (008) ‬مليار دولار سنويا، وهو ما يزيد علي مجموع ميزانيات عشرات من الدول النامية والفقيرة‮.‬
 
واللافت في انتشار ظاهرة‮ "‬تعاطي المخدرات‮"‬ أنها زادت بنسبة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة في الدول التي تعاني حالة من الاضطراب السياسي، والانفلات الأمني، وقصور الجهات الحاكمة في اتخاذ التدابير اللازمة للحد منها‮. ‬وتقدر تكلفة الإجراءات الدولية والمحلية لمكافحة انتشار المخدرات،‮ ‬والتوعية بأضرارها،‮ ‬وعلاج المدمنين،‮ ‬نحو‮ ‬120‮ ‬مليار دولار سنويا، وتمثل تجارة المخدرات‮ ‬8٪‮ ‬من مجموع التجارة العالمية‮.‬
 
ثانيا‮- ‬أبعاد متداخلة‮:‬
 
ثمة العديد من الأبعاد والتداخلات المرتبطة بظاهرة التعاطي والإتجار في المخدرات، أولها‮: ‬تصاعد ظاهرة‮ ‬غسل الأموال، والتي تؤثر سلبا في الاستقرار الاجتماعي،‮ ‬والسياسي،‮ ‬والاقتصادي‮. ‬ومن المعروف أن هناك صلات بين اقتصاد المخدرات‮ ‬غير المشروعة وغسل الأموال‮. ‬وكانت اتفاقية‮ ‬1988‮ ‬أول صك قانوني دولي يتضمن أحكاما تتناول‮ ‬غسل الأموال المتأتية من الإتجار بالمخدرات‮ ‬غير المشروعة وتجرمه، وذلك في الفقرة‮ (‬1‮) ‬من المادة الثالثة،‮ ‬وفي المادة الخامسة‮.‬
 
ثانيها‮: ‬العلاقة القوية بين ممثلي الحكومة وأباطرة المخدرات، إلي حد جعل اقتصادات بعض البلدان،‮ ‬مثل أفغانستان وكولومبيا، تعتمد بشكل أساسي علي تجارة المخدرات‮. ‬وتشكل هذه العلاقات المشبوهة بين عصابات المخدرات،‮ ‬وبعض الدوائر والشخصيات الرسمية عقبة حقيقية تصعب مهمة المنظمات الدولية في مكافحة المخدرات،‮ ‬حيث يستغل المتورطون من الجهات الرسمية نفوذهم في تسهيل عمليات التهريب والإتجار،‮ ‬وغض الطرف أيضا عن أنشطة‮ ‬غسل الأموال،‮ ‬وغيرها من الأنشطة المرتبطة بإنتاج وتجارة المخدرات‮.‬
 
ويرتبط البعد الثالث بظهور عدد متزايد من المؤثرات النفسية الجديدة‮ ‬غير الخاضعة للمراقبة،‮ ‬برغم مخاطرها علي الصحة العامة، وتحولها إلي ظاهرة عالمية بامتياز‮. ‬وكثيرا ما تعد هذه المواد بدائل‮ "‬قانونية‮" ‬أو‮ "‬طبيعية‮" ‬للمواد الخاضعة للمراقبة، الأمر الذي يؤدي إلي التصور الخاطئ بأنه لا خطر منها بسبب عدم خضوعها للمراقبة بموجب الاتفاقيات الدولية لمراقبة المخدرات‮.‬
 
وكشف مكتب الأمم المتحدة،‮ ‬المعني بالمخدرات والجريمة،‮ ‬عن أن عدد تلك المواد قيد الاستخدام زاد بأكثر من الضعف خلال الفترة من‮ ‬2009‮ ‬إلي‮ ‬2013،‮ ‬متجاوزا عدد المخدرات الخاضعة للمراقبة الدولية،‮ ‬في حين توجد‮ ‬234‮ ‬مادة مخدرة خاضعة للمراقبة الدولية، منها‮ ‬119‮ ‬مادة تخضع للمراقبة بموجب اتفاقية عام‮ ‬1961،‮ ‬و115‮ ‬مادة بموجب اتفاقية عام‮ ‬‭.‬1971
 
إضافة إلي ما سبق، تبرز أيضا العوامل الاجتماعية،‮ ‬والاقتصادية، خصوصا الفقر،‮ ‬وانعدام الأمن الغذائي،‮ ‬وعدم المساواة الاقتصادية،‮ ‬والتهميش الاجتماعي، فضلا عن قلة فرص العمل،‮ ‬وارتفاع معدل البطالة عالميا‮.‬
 
ومن العوامل الأخري الدور السلبي للأسرة خلال مرحلة الطفولة المبكرة، خاصة تعرض الأطفال للعنف،‮ ‬وسوء المعاملة‮.‬ وحسب الدراسات الاجتماعية، ثمة عوامل تسهم في زيادة الطلب علي المخدرات، وهي‮: ‬فقد السيطرة الأبوية، ووجود ميول إجرامية أو‮ ‬غير أخلاقية، وانعدام الجو العاطفي والمشاعر الطيبة داخل المنزل، والحيرة الزائدة،‮ ‬ووجود مشاعر الغيرة والإهمال، والتدليل الزائد، وازدحام المنزل،‮ ‬وغياب الرقابة الأسرية،‮ ‬وتدخل الأقارب في المنزل، وفقدان أو‮ ‬غياب أحد الوالدين، وضعف الوازع الديني لدي الوالدين، وضعف الموارد الاقتصادية للأسرة، وانشغال الوالدين عن الأبناء، والضبط القاسي والشديد،‮ ‬أو إهمال الوالدين لأبنائهم‮.‬
 
وتعد البطالة والأرباح الخيالية من بيع المخدرات من العوامل المباشرة للانحراف،‮ ‬حيث يندفع العاطل للاتجاه إلي تعاطي المخدرات بغرض الهروب من الواقع والشعور بالإحباط‮. ‬كما يعد التقليد،‮ ‬والمحاكاة،‮ ‬والتفاخر بين الشباب في سن المراهقة المتأخرة، سن الشباب، عاملا آخر يسهم في انتشار هذه الظاهرة،‮ ‬حيث‮ ‬يبين أغلب الدراسات الاجتماعية،‮ ‬وضبطيات رجال مكافحة المخدرات أن أغلب المتعاطين من الشباب كان بغرض حب الاستطلاع والتجريب‮.‬
 
صحيح أنه لا توجد علاقة سببية مباشرة بين هذه العوامل،‮ ‬واستعمال المخدرات‮ ‬غير المشروع وتعاطيها،‮ ‬أو الضلوع في عرضها،‮ ‬بيد أنها دوافع مهمة لانتشار ظاهرة المخدرات‮ ‬غير المشروعة‮.‬ وبالتالي،‮ ‬يظل لهذه الدوافع دور لا بأس به، وينبغي مراعاتها في إطار نهج شامل،‮ ‬ومتكامل،‮ ‬ومتوازن في التصدي لمشكلة المخدرات العالمية‮.‬
 
ثالثا‮- ‬انعكاسات متنوعة‮:‬
 
في القرن العشرين، أدرك العديد من القادة السياسيين حجم مشكلة المخدرات،‮ ‬وانتشارها علي مستوي العالم، الأمر الذي أدي إلي سن العديد من القوانين المحلية، والدولية، التي تهدف إلي التعامل مع المشكلة علي مستوي المتعاطي، والسوق، والتوزيع، والإنتاج‮.‬
 
لذلك،‮ ‬وقعت عديد من الدول معاهدات الأمم المتحدة المتعلقة بالتجارة‮ ‬غير المشروعة في المخدرات‮.‬ ففي نوفمبر‮ ‬2014،‮ ‬بلغ‮ ‬عدد الدول الأطراف في الاتفاقية الوحيدة للمخدرات‮ ‬1961،‮ ‬أو في تلك الاتفاقية بصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة‮ ‬1972،‮ ‬ما مجموعه‮ ‬186‮ ‬دولة، منها‮ ‬184‮ ‬دولة طرفا في اتفاقية سنة‮ ‬‭.‬1961
 
وواقع الأمر أن ثمة العديد من الأبعاد السياسية التي أفرزتها عملية تجارة المخدرات،‮ ‬من أهمها تأجيج العنف المسلح،‮ ‬والصراعات،‮ ‬والإرهاب في العديد من بقاع العالم عن طريق توفير التمويل المادي،‮ ‬فضلا عن أن تجارة المخدرات تسهم في تقويض سيادة القانون،‮ ‬وحقوق الإنسان،‮ ‬وإضعاف التنمية‮.‬
 
فعلي سبيل المثال،‮ ‬لا تزال أنحاء في القارة الإفريقية تناضل من أجل التغلب علي الصراعات المسلحة،‮ ‬والفترات الطويلة من انعدام الاستقرار،‮ ‬والتهديدات المستحكمة للسلم والأمن‮. ‬وقد أفضي الوضع السياسي المتردي في بعض المناطق دون الإقليمية إلي حفز الإتجار‮ ‬غير المشروع بالمخدرات‮.‬ وكان بارزا، هنا،‮ ‬دور أباطرة المخدرات في إفشال اتفاق السلم والمصالحة في‮ "‬مالي‮"‬، والذي تم توقيعه في يونيو‮ ‬2015‮ ‬بين الحركات المتمردة في إقليم أزواد شمال البلاد،‮ ‬والحكومة المركزية،‮ ‬عبر القيام بسلسلة من الاغتيالات لبعض القادة العسكريين، حيث يرون في اتفاق‮ "‬السلم والمصالحة‮"‬، تهديدا لمصالحهم، حيث تساعد حالة الحرب،‮ ‬والفوضي القائمة في تكريس واقع المنطقة كمعبر للمخدرات وتجارة السلاح، بعيدا عن الرقابة القانونية‮.‬
 
كما أسهمت تجارة المخدرات في زعزعة الاستقرار، والتمرد، والفساد،‮ ‬والجريمة المنظمة،‮ ‬وضعف مؤسسات الدولة في مناطق مختلفة من العالم‮.‬ فعلي سبيل المثال،‮ ‬تشهد دول،‮ ‬مثل كولومبيا والمكسيك، عدم استقرار،‮ ‬جراء حروب المخدرات‮. ‬وثمة صلة متنامية بين جرائم زراعة، ونقل وتجارة المخدرات، والجرائم المنظمة الأخري ذات العلاقة، ولاسيما جرائم العنف، والإرهاب، وتهريب الأسلحة، وتزييف العملة‮.‬
 
وبحسب دراسات أوردها تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات‮ ‬2013،‮ ‬فإن الجريمة ذات الصلة بالمخدرات باهظة التكاليف، ولكن تكلفتها تختلف بحسب اختلاف المناطق‮. ‬فوفقا لدراسة أجريت في استراليا،‮ ‬قدرت التكاليف بنحو ثلاثة مليارات دولار في السنة، بينما تقدر تكاليف الجريمة ذات الصلة بالمخدرات في الولايات المتحدة بنحو‮ ‬61‮ ‬مليار دولار سنويا‮.‬
 
كما تنعكس تجارة المخدرات سلبا علي‮ "‬الحوكمة‮"‬، حيث يسعي المتاجرون بالمخدرات في جميع بلدان العالم إلي إفساد المسئولين علي كل مستويات إنفاذ القانون،‮ ‬لكي يواصلوا أنشطتهم الإجرامية بلا عوائق‮. ‬ونتيجة لذلك، كثيرا ما يتعايش المواطنون في المناطق المتأثرة بذلك مع مؤسسات إنفاذ قانون‮ ‬غير نزيهة‮. ‬ويلاحظ ذلك في قطاع لا بأس به من دول العالم، حيث لا يزال العنان مطلقا لزراعة شجيرة الكوكا،‮ ‬وخشخاش الأفيون علي نحو‮ ‬غير مشروع، وهو الأمر الذي يزعزع استقرار المؤسسات الحكومية،‮ ‬ويفسد المسئولين الحكوميين‮.‬
 
كما أن ضعف الحوكمة يؤدي إلي تصاعد اقتصاد المخدرات‮ ‬غير المشروعة في المناطق أو البلدان التي يضعف فيها وجود الدولة أو سيطرتها علي الأراضي، وتفتقد فيها المؤسسات الوطنية القدرة علي ضمان حماية المواطنين،‮ ‬وإنفاذ القانون
 
خلاف ما سبق،‮ ‬تعرضت بعض المناطق في العالم للاستغلال من جانب الجماعات الإجرامية المحلية والدولية، خصوصا الدول التي تعتمد عليها عصابات المخدرات كمسارات لعبور شحنات المخدرات‮ ‬غير المشروعة إلي الأسواق، ومن ذلك دول أمريكا الوسطي والكاريبي،‮ ‬فضلا عن أن اتساع الأسواق‮ ‬غير المشروعة للمنشطات الأمفيتامينية يمثل أكبر دواعي القلق في شرق آسيا،‮ ‬وجنوب شرقها‮.‬
 
وفي‮ ‬غرب آسيا، أدت حالة عدم الاستقرار،‮ ‬والتناحر السياسي إلي تدهور قدرة عدة دول علي ممارسة رقابة فعالة علي حدودها وأراضيها،‮ ‬مما أتاح لمهربي المخدرات مواصلة استغلال تلك الأوضاع‮. ‬ويمثل النمو المطرد في تعاطي المواد الأفيونية،‮ ‬وزراعة الأفيون علي نحو‮ ‬غير مشروع في أفغانستان تحديات كبري تهدد المنطقة‮.‬
 
لكن يلاحظ أن ثمة انقساما في الخطاب السياسي الدولي المتعلق بأولويات مواجهة المخدرات‮.‬ ففي الوقت الذي يدعو فيه بعض الساسة،‮ ‬وجماعات الضغط إلي أهمية إرساء قوانين معينة متعلقة بالتعاطي للتقليل من التكلفة الاجتماعية الاقتصادية، تعتقد حكومات بأهمية تقوية قوانين المخدرات،‮ ‬وتكريس المزيد من الموارد لتطبيقها، واتخاذ نهج عدم التسامح مع التعاطي والتوزيع‮.‬
 
علي الجانب الآخر، أدي نجاح بعض الحكومات في تعقب وإسقاط جماعات الإتجار بالمخدرات إلي تحسين صورتها الذهنية،‮ ‬وتصاعد شعبيتها‮.‬ فمثلا،‮ ‬كان للقبض علي إل شابو‮ "‬جواكين جوزمان‮"‬،‮ ‬الهارب منذ عام‮ ‬2001،‮ ‬بعد سياسي‮. ‬إذ أدي سقوطه مطلع العام الجاري في أيدي السلطات المكسيكية إلي رفع أسهم إدارة الرئيس المكسيكي الجديد إنريكي بينا نييتو‮.‬
 
خلاصة القول إن مشكلة المخدرات تظل ظاهرة اجتماعية أمنية، تتداخل فيها الأبعاد السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والثقافية في كل مجتمع‮. ‬وعلي الرغم من الجهود المبذولة في مجال مكافحة المخدرات، فإن الحاجة لا تزال قائمة من أجل الأخذ بنهج شامل،‮ ‬ومتكامل،‮ ‬ومتوازن في التصدي لمشكلة المخدرات العالمية التي تفاقمت علي المستويات المحلية، والإقليمية، والعالمية‮.‬ وأصبح من المتعذر علي أي دولة، بمفردها، أن تتصدي وحدها للمشكلة، الأمر الذي فرض ضرورة مواجهتها،‮ ‬من خلال تعاون استراتيجي مشترك، يتم في آن واحد علي الأصعدة المحلية، والإقليمية، والدولية‮.‬
 
لذا،‮ ‬ينبغي علي الحكومات أن تضمن مواءمة التشريعات الوطنية مع أحكام المعاهدات الدولية لمراقبة المخدرات، والالتزام بتعديل قوائم المواد المخدرة الخاضعة للمراقبة الوطنية عند إدراج مادة مخدرة ما في أحد جداول معاهدة دولية لمراقبة المخدرات،‮ ‬أو عند نقل تلك المادة من جدول إلي آخر‮.‬
 
في المقابل،‮ ‬يبقي مهما تفعيل نظم الرقابة،‮ ‬وتقوية مستوي الإجراءات المتبعة في عمليات المكافحة بمراحلها المختلفة،‮ ‬فضلا عن أن القصور في التشريعات،‮ ‬أو آليات التنفيذ علي المستوي الوطني،‮ ‬أو التأخر في مواءمة قوائم المواد الخاضعة للمراقبة الوطنية مع جداول المعاهدات الدولية لمراقبة المخدرات،‮ ‬يؤدي إلي ضعف مستويات مواجهة الظاهرة،‮ ‬وتفاقمها عالميا‮.‬
 
ورغم أن شعار دورة الجمعية العامة الاستثنائية لعام‮ ‬1998،‮ ‬وهو‮ "‬عالم خال من المخدرات‮ .. ‬نستطيع أن نحقق ذلك‮"‬، وتبني استراتيجية للقضاء علي زراعة الخشخاش،‮ ‬والكوكا،‮ ‬والقنب بحلول عام‮ ‬2008،‮ ‬كان مثاليا أكثر منه واقعيا،‮ ‬فإن ثمة رهانات لا تزال قائمة علي إصدار اتفاقية دولية جديدة تتضمن إجراءات ممكنة لمكافحة المخدرات،‮ ‬خلال دورة الجمعية العامة الاستثنائية لعام‮ ‬‭.‬2016

رابط دائم: