هل تخشى إسرائيل الإرهاب أم‮ ‬تستثمره؟‮ ‬
17-5-2016

د. هبة جمال الدين
* ‬باحثة في الشئون الإسرائيلية،‮ ‬مدرس دبلوم الدراسات الإسرائيلية،‮ ‬كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعةالقاهرة‮.‬
تعالج هذه الورقة الرؤية الإسرائيلية للإرهاب، وتحاول البحث عن أولويات إدراك صانع القرار الإسرائيلي للتهديدات الكامنة التي تهدد السلم المجتمعي، بل وبقاء الدولة ككل، في ظل سياق محيط بالأزمات والصراعات وظهور فاعلين جديدين كداعش والقاعدة يعملان علي زعزعة استقرار المنطقة العربية المحيطة، وانغماس قوي إقليمية وعالمية في المنطقة، كروسيا والولايات المتحدة، ومطامع إقليمية للهيمنة والسيطرة، كإيران وتركيا.
 
ومن ثم، تحاول هذه الورقة الوقوف على الوزن النسبي الذي تضعه إسرائيل لخطر قوي الإسلام الراديكالي، خاصة داعش، على إسرائيل، مقابل الوجود الإيراني على الحدود مع إسرائيل، وتقييم مراكز الفكر للخطر الذي يهدد بقاء إسرائيل في ظل الاهتمام البحثي في إسرائيل بظاهرة الإرهاب ودراستها لتحديد الموقف الإسرائيلي في ظل التغيرات المحيطة.  ومن أبرز الجهود التي تمت في هذا السياق الأنشطة التي ينظمها معهد دراسات الأمن القومي، خاصة مؤتمره السنوي هذا العام، حيث نظم خلال شهر يناير 2016 (17-19) مؤتمرا يناقش خطر الإرهاب، والتهديدات المتعلقة بالدولة الإسرائيلية  تحت عنوان "التحديات الأمنية للقرن الحادي والعشرين". أيضا، ينظم معهد السياسة والاستراتيجية بشكل دوري سلسلة مؤتمرات هرتزيليا لميزان الأمن القومي التي تعقد بشكل متوال كل عام، وتناقش خطر الإرهاب بشكل منتظم. ومن ثم، تقدم هذه الورقة رؤية لمدركات الساسة بإسرائيل حول أخطر التحديات التي تهدد أمن واستقرار، بل وبقاء إسرائيل.
 
وفي هذا السياق، تنقسم هذه الورقة إلي أربعة أقسام رئيسية، هي: الرؤية الإسرائيلية للسياق المحيط بها، والرؤية الإسرائيلية لمصادر الخطر والتهديد، والمفهوم الإسرائيلي للإسلام الراديكالي: (القاعدة والدولة الاسلامية)، والرؤية الإسرائيلية للحرب الأمريكية على الإرهاب: الخطر الإيراني (والحلفاء حزب الله ونظام الأسد).
 
أولا- الرؤية الإسرائيلية لمصادر الخطر والتهديد:
 
تختلف دوائر صنع القرار بإسرائيل عند إدراكها، للخطر المتعلق بتهديد كيان الدولة العبرية، وتتعدد ما بين خطر الإسلام الراديكالي، والخطر الإيراني، وخطر حزب الله، والقضية الفلسطينية. واختلفت تلك الدوائر في ترجيحها لدرجة تهديد كل منها، خاصة خلال أروقة النقاش الدائر بمؤتمر معهد دراسات الأمن القومي السالف الإشارة إليه:
 
أ- خطر الدولة الإسلامية "داعش": رأي الخبراء خطر داعش تحديا استراتيجيا يواجه ليس فقط إسرائيل، ولكن العالم عامة، والشرق الأوسط خاصة. ويعتمد هذا التقييم على الرؤية الكونية للسلفية الجهادية، حيث عدّها البعض بداية للحرب العالمية الثالثة. وعدّها الرئيس "ريفيلين" التحدي الرئيسي، وأنها تمارس أنشطتها على الحدود الإسرائيلية، مؤكدا أن لـ"داعش" وجودا في إسرائيل يقلل من تأثيرها وإلهامها بين عرب .48 لهذا السبب، رأي "ريفيلين" أن الهدف الأساسي الذي يواجه دولة إسرائيل هو الاستثمار في المواطنين العرب لمنع عرب 48 من الانجراف نحو التوجه الأيديولوجي المدمر لـ"داعش". وشدد "ريفيلين" على مسئولية إسرائيل لمنع توسع الظاهرة واتساعها، وعدم المشاركة في توجيه الاتهام للآخرين.
 
ب- الخطر الإيراني: رأي موشيه يعالون، وزير الدفاع الإسرائيلي، أن إيران هي الخطر الأكبر والرئيسي الذي يواجه إسرائيل، وأعلن عن تفضيله لوجود "الدولة الإسلامية" بمرتفعات الجولان عن وجود إيران بها، ووجود وكلائها، ممثلين في نظام الاسد وحزب الله. وفي هذا السياق، وجد المحللون أن الاتفاق النووي مع إيران لن يمنع طهران من تقديم الدعم للعناصر الإرهابية، وتوسيع أنشطتها القمعية داخل الشرق الأوسط، أو استمرار جهودها لتحقيق الهيمنة الإقليمية. ووجد يعالون أن الاتفاقية تمنح إيران سقفا من الوفاق حول التداخل في الصراعات الإقليمية، ومدها بالموارد اللازمة للعناصر والقوى المتمردة.
 
ج- حزب الله: يعد الخطر الأهم كتحد عسكري رئيسي يواجه إسرائيل، خاصة بعد تزويد قواته بعشرات الآلاف من الصواريخ، والمدرعات، والدبابات، التي تمثل تهديدا للجبهة الإسرائيلية الداخلية. كما أن حزب الله قد اكتسب خبرة عسكرية مكثفة خلال انغماسه في الحرب بسوريا بجانب نظام الأسد.
 
د- القضية الفلسطينية: رأي عدد من الخبراء أن القضية الفلسطينية هي الخطر الرئيسي الذي يواجه إسرائيل، واعتمد الفريق على عدد من نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي. ويجد هذا الفريق أن ضمان إسرائيل للوضع الراهن الذي هو في مصلحتها على حساب الفلسطينيين أمر من المستحيل أن يستمر، خاصة في ظل الحملات الإرهابية التي يشنها بعض الأفراد الذين يصعب تحديد هويتهم، في ظل تعذية تلك التوجهات الراديكالية المستوحاة من داعش بشكل مستمر بالداخل العربي - الإسرائيلي والفلسطيني، مما يؤذي إحساس الإسرائيليين، ويهدد الشعور بالأمن الذاتي، ويزيد من الراديكالية والاستقطاب بالداخل الإسرائيلي.
 
وعلى الرغم من عدم إعلاء إسرائيل لأحد تلك التهديدات على الآخر، وعدم قدرة المحلل الإسرائيلي على ترجيح كفة بؤرة على الأخرى، ورغم حسبان عدد من دوائر صنع القرار بإسرائيل أن هذا التشتت قد يعكس درجة من الفشل في تحديد الفرص المتاحة، مما يمثل في حد ذاته ارتباكا استراتيجيا، فإن القضية الفلسطينية ستظل هي الهاجس الذي يؤرق ليس أمن إسرائيل، بل بقاءها بالأساس. ويمكن أن نفسر الاهتمام بتنظيم "داعش" كأداة لدعم السياسة الإسرائيلية القمعية ضد الفلسطينيين لانشغال المجتمع الدولي بها دون النظر إلي الأفعال الإسرائيلية في حق المدنيين الفلسطينيين، بل وتربط دورها بالفكر الداعشي الداعم لبعض الأعمال العنيفة داخل إسرائيل. وحينما تحدثت إسرائيل عن إيران، وحزب الله، كان الهاجس الأكبر هو الصراع على النفوذ بالمنطقة، والخوف من مد حزب الله بأسلحة ثقيلة قد تهدد الداخل الإسرائيلي من حين لآخر، ولكن عدّت روسيا بوابة لحمايتها من هذا الخطر والتهديد، بل ومنفذا لتحقيق سياساتها كحادث "القنطار" كما سيتضح. وهذا ما سيظهر خلال معالجة المنظور الإسرائيلي للتنظيمات الإرهابية، وللوجود الإيراني، وحزب الله بسوريا.
 
ثانيا - المفهوم الإسرائيلي للإسلام الراديكالي: (القاعدة والدولة الإسلامية):
 
تنظر إسرائيل للإسلام الراديكالي بحسبانه تهديدا لأمنها القومي، وتري أن هذا التيار شديد الخطورة بسبب إمكانية وصوله للداخل الإسرائيلي عبر تصدير فكره لعرب 48 . ومن ثم، تري إسرائيل أن خطورة هذا التهديد تكمن في ظهور طرق جديدة، وفاعلين غير تقليديين يمكنهم أن يدمروا الإنسانية ككل عبر تصدير العنف، والخوف، والخطر، واستخدام حرب المعلومات لكسب المعركة. وتري إسرائيل أن هناك نوعين لظاهرة الإرهاب، أحدهما كبير أو تقليدي، وآخر غير تقليدي، وهذا الذي تمارسه التنظيمات الجهادية كـ"داعش" والقاعدة.
 
أ- الإرهاب الكبير التقليدي:
 
هو كل فعل غير أخلاقي يسلك سلوكا عسكريا غير شرعي، يعتمد على التهديد بالعنف، أو استعماله فعلا. وقد يقوم به فرد أو عدة أفراد ينتمون إلي جماعة معينة ذات فكر متطرف عادة، أو دولة ما بهدف تحقيق منفعة خاصة، أو فرض رأي سياسي، أو مذهب معين، أو ممارسة ضغط على الغير بقصد إخضاعه. ويشمل الإرهاب جميع أعمال القتل، والاغتيال، والتخريب، والتدمير، وإتلاف المرافق العامة. ومن أمثلته استهداف الطائرة الإسرائيلية في مومباسا بكينيا نوفمبر .2003
 
ب- الإرهاب غير التقليدي:
 
كل  فعل لا أخلاقي، يتم من خلال سلوك عسكري غير شرعي، يعتمد على استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، وترويج صور ذهنية مخيفة، واستعمال أسلحة غير تقليدية، مثل الأسلحة البيولوجية والمعلوماتية. وقد يقوم به فرد واحد أو عدة أفراد ينتمون إلي جماعة معينة ذات فكر متطرف عادة، بهدف تحقيق منفعة خاصة، أو فرض رأي سياسي، أو مذهب معين. ومن أبرز الأمثلة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يستخدم نهجا مميزا في العنف ويسخِّر شبكة المعلومات في تحقيق مقاصده وغاياته.
 
فكل من هذين النوعين لا يراعي الحدود الجغرافية، ولا الأخلاقية. من هذا المنظور، يري بعض الخبراء في إسرائيل أنها تواجه سلسلة من التهديدات، في إطار ثلاث دوائر توحدية يجب مواجهتها، مما يضع على إسرائيل مسئولية التعاون مع الجماعة الدولية في هذا الشأن.
 
- دائرة مغلقة من التهديدات: مواجهات مستمرة مع الفلسطينيين، فهي عامل رئيسي في تحديد برنامج الحياة اليومية في إسرائيل.
 
- دائرة وسط لبنان وسوريا.
 
- دائرة بعيدة: إيران والعراق.
 
وتري إسرائيل أن أهم ما يميز قوى الإسلام الراديكالي هو السمة الدولية في ممارسة نشاطها. فتنظيما القاعدة و"داعش" يعملان على نطاق دولي من داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط في عدة دوائر. ومن أهم مقومات تميز التنظيمات عدم فهم العرب طبيعة الإسلام الراديكالي، والصحوة المؤقتة عند وقوع هجوم إرهابي، دون فهم التوجه اللاهوتي للشعوب (الباعث الديني)، وقدرة التنظيمين على استقطاب وتجنيد دماء جديدة بمزاعم دينية، فهما يهددان الاستقرار والأمن، مستخدمين مبررات لاهوتية. وتكمن بؤر هذه التنظيمات في:
 
1- "القاعدة" جنوب آسيا، حيث تقوي قدرتها على الهجوم على الأهداف الغربية.
 
2- "القاعدة" في العراق خلال النصف الثاني من عام 2007، وقد سجلت أمريكا عددا من الإنجازات خلال حربها ضد البنية الأساسية للقاعدة، حيث دمرت نسبة كبيرة منها.
 
3- "القاعدة" في شمال افريقيا (دول المغرب)، وتغيير أنماط الفعل، بما فيها الاستخدام المتزايد للهجوم الانتحاري ضد الأهداف الغربية.
 
4- "القاعدة" في الشرق الأوسط، حيث تمارس محاولات لاختراق تركيا، ولبنان، وقطاع غزة، والضفة الغربية.
 
5- أنشطة إيران التي تقيم جسرا واصلا بين الاختلافات التقليدية بين الإخوان المسلمين والشيعة كجزء من محاولاتها تصدير الثورة الإسلامية، بينما تمارس أعمالا إرهابية حول العالم، وتتعاون مع "القاعدة" والمنظمات العاملة بالعراق.
 
6- حزب الله امتداد للشبكة العالمية لتنظيم القاعدة، ومنظمة إيرانية بالوكالة.
 
7- داعش على الحدود العراقية -  السورية، حيث يسعي لاختراق المجال اللبناني
 
8- السلفية الجهادية في سيناء وتهديدها للمجال الأردني وتواصلها مع غزة
 
وتعمل هذه الدوائر السالف ذكرها على خلق فوضي تعم الشرق الأوسط، وتستغل افتقار القيادات العربية شرعية سياسية كافية، وقدرة على علاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مما ييسر العمليات الإرهابية في الداخل وعبر الحدود، ويخلق شبكات من الجريمة بالأقاليم التي لا يمارس فيها القانون، وتتسم بحرب العصابات المسلحة. وهكذا، فإن الارتباك الاقليمي يحول العديد من الدول القومية إلي مجرد قذائف فارغة من الصفة القانونية، إذ يتم استبدال رؤي لاهوتية وطائفية متنافسة للجماعات الراديكالية الإسلامية السياسية بالقومية العربية.
 
والأخطر هو دخول مرحلة العصر النووي الجديد نتيجة لوجود عدد كبير من الممولين الداعمين للسلاح النووي، وتطوير سبل تكنولوجية حديثة، ووفرة السلاح ، وفشل التحكم فيه،  في ظل تزايد التحديات والمخاطر المحيطة كتحقيق الأمن القومي للدول ذات السيادة،  في ظل خطر الإرهاب، وخطر استخدام الأسلحة النووية بواسطة منظمات إرهابية. فـ"داعش" أو القاعدة  ليس بمنأي عن السلاح النووي.  في هذا السياق، تري إسرائيل أنه من المستحيل أن توقع اتفاقية منع الانتشار النووي NPT، ولن تنضم لهيئة الطاقة الذرية IAEA ، رغم أهميتهما كركائز للنظام الكوني للتحكم في السلاح النووي من أجل تحقيق الاستقرار العالمي.
 
ثالثا - الرؤية الإسرائيلية للحرب الأمريكية على الإرهاب:
 
منذ بداية الحرب الأمريكية على الإرهاب عدتها إسرائيل بمنزلة حرب لإسرائيل ذاتها، فهي شريكة للولايات المتحدة، ومن ثم فهناك مصالح مشتركة بين أمريكا وإسرائيل خلال تلك الحرب. لذلك، فإن القدرات والنيات الأمريكية هي مكون رئيسي في ميزان الأمن القومي الإسرائيلي. فهناك ضرورة لتوجيه السياسة الخارجية الإسرائيلية في ضوء احتياج الولايات المتحدة الأمريكية. فالإسلام الراديكالي يعد تهديدا خطيرا لإسرائيل، والحرب ضدها يجب أن تكون أيديولوجية، على أن تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. فالقرن الحادي والعشرون هو مرحلة "المساحة الرمادية" بين الحرب والسلام، إذ لا يوجد فرق بين السكان المدنيين من غير المحاربين، والقوى المحاربة التي يعد نجاحها، بشكل حاسم وصريح، أمرا من الصعب تحقيقه، مما يؤدي إلي التحول عن الدور الحربي التقليدي. ويأتي الدعم الإسرائيلي للولايات المتحدة من اقتناع صانع القرار الإسرائيلي بأن الحرب الأمريكية على الإرهاب تساعد إسرائيل في الاستمرار في نهجها مع الفلسطينيين كامتداد لتلك الحرب العالمية على الإرهاب، أي أن إسرائيل كيفت حربها على الفلسطينيين كحرب على جماعات إرهابية ينبغي القضاء عليها.
 
بمعني آخر، تنظر إسرائيل إلي تلك التيارات الجهادية، ليس كخطر مدمر يجب اجتثاثه، كما تنظر إليها الدول العربية، وإنما كفاعل يساعدها في تحقيق غايتها الأساسية، ألا وهي إجهاض القضية الفلسطينية، وهي ذات مصلحة في بقائها، وعليها التدخل فقط حينما يمس الوضع الداخل الإسرائيلي المتمثل في التقاطع مع التيار العربي الإسلامي من عرب إسرائيل. إلا أن مكافحتها ستتم على نطاق داخلي عبر محاربتها بالداخل وتطوير وضع عرب 48 اجتماعيا واقتصاديا.
 
ومن أبرز الأدلة على ذلك الدعم الإسرائيلي للجماعات المتطرفة، حيث يذهب الإسرائيليون بعيدا في دعم المعارضة المسلحة ذات اللون التكفيري القاعدي بسوريا. فعلى سبيل الذكر، ينشط المسلحون، بحراسة الجنود الإسرائيلين، في تنظيف الأراضي المحاذية للشريط الحدودي من الألغام، حيث سهل ذلك عبورهم انطلاقا من الريف الغربي لحوران والجولان نحو "تل الجابية" ومنه نحو "تل الحص" و"تل المجاميع". كشف المنطقة من الألغام لم يكن ليحدث لولا الدعم اللوجيستي الإسرائيلي الذي زود المعارضين إن لم نقل بالخرائط، بل بالتقنية التي سمحت لهم بتنظيف الأرض في مدة قياسية لا تتجاوز الأيام. علاوة علي الدعم المعلوماتي والاستخباراتي حول مواقع حزب الله، والجيش النظامي، والقوات الإيرانية، وهذا ما تشير إليه العديد من المواقع الإيرانية. ومن أبرز المعارك التي ظهر بها الدعم الإسرائيلي لـ"جبهة النصرة" والجماعات التكفيرية الأخرى الهجوم على قرية "جاسم" القريبة من منطقة التلال، إضافة للمد بالسلاح، خاصة عبر المنطقة العازلة. وقد بدأ التعاون بعد التقريب الأمريكي بينها، من خلال السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد. وفي واقعة أخرى، ذكر مصدر سوري بالجيش النظامي أن "لواء الحرمين الشريفين تمده إسرائيل بالدعم، وتمكنه من استخدام شبكة الاتصالات الإسرائيلية في المنطقة لتسهيل التعاون مع قيادة اللواء، لكيلا يتمكن الجيش السوري من رصده".
 
رابعا- الخطر الإيراني (والحلفاء حزب الله ونظام الأسد):
 
تنظر إسرائيل لإيران بحسبانها راعية  للإرهاب الموجه ضد إسرائيل، كما أنه من المتوقع امتلاكها لقدرات نووية عسكرية خلال المستقبل القريب، رغم الاتفاق النووي2015 الذي لم يتضمن أية التزامات من إيران نحو إسرائيل، مما يهدد بقاء الأخيرة بالأساس. وتخشي إسرائيل من أن يضعها سقوط بشار أمام الاختيار بين "داعش" أو "نصر الله"، وتري أن خطر "داعش" أهون من خطر وجود "نصر الله"، فهي تنظر لحزب الله كامتداد للشبكة العالمية لتنظيم "القاعدة"، وكمنظمة إيرانية بالوكالة. إلا أن تقييم إسرائيل لخوض حرب مباشرة ضد إيران أو حزب الله أمر ليس مطروحا، خاصة في ظل الوجود الروسي بالمنطقة، والدعم الدولي لإيران، والخبرة العسكرية التي اكتسبها حزب الله خلال الحرب، علاوة على وصول ترسانة الأسلحة الثقيلة إليه. ومن ثم، فإن ما تطبقه هو ما يسمي بـ "الحرب السرية"، أي التصعيد الخفي الذي يترك هامشا للإنكار للطرفين، ويسمح للطرف الثاني بعدم الرد، من دون أن يظهر جراء ذلك، أنه "ضعيف".
 
وينظر الجانب الإسرائيلي إلي المواجهة مع حزب الله وإيران على الجبهة الشمالية على أنها من الأفضل أن تستخدم طريقة الحرب السرية لتقليص احتمالات التصعيد، واشتعال حرب لا يرغب الطرفان بها. فهدف إسرائيل في هذه المرحلة، وكذلك هدف إيران وحزب الله، هو إدارة الصراع على النفوذ، من دون الانجرار نحو الحرب. وفي المقابل، فإن مسألة تحييد سوريا من الصراع مع إسرائيل، بسبب قتالها مع داعش والقاعدة، قد لا تؤدي إلي ربح إسرائيلي كما تقول النظرية. فالقاعدة أو "داعش"، وإن حيدت إسرائيل في صراعها، ليسا كيانا واحدا متماسكا قد تستطيع إسرائيل التحالف معه. كما أن اختراقها من جميع استخبارات العالم لا يعني عدم إمكانية خرقها استخباريا من قبل أعداء إسرائيل، وبالتالي قيامها بعمليات انتحارية أو "جهادية" ضد إسرائيل.
 
ومن ثم، وجدت إسرائيل أن البديل الأفضل هو إنشاء آليات ردع ورقابة بإسهام وسطاء غربيين ، يمكنهم المساعدة في ضبط الردود، حال حدوث هجوم متبادل، وتوترات استثنائية، ولجم الانزلاق إلي حرب غير مرغوب بها. وقد حتم الوجود الروسي ضرورة التنسيق مع إسرائيل لتأمين مصلحتها. في ظل هذه المخاطر، تم مع بداية الوجود الروسي إجراء الاجتماع التنسيقي بين الطرفين بأكتوبر 2015، تضمن مطالبة الجانب الروسي لمنح إسرائيل نفوذا استراتيجيا في الجنوب السوري، على امتداد الحدود في هضبة الجولان، وكذلك في الجنوب اللبناني. والاعتراف بمكانة لإسرائيل في هذه المنطقة هو الضمان لئلا يقدم أطراف الصراع في سوريا، بما في ذلك حزب الله اللبناني، على المساس بإسرائيل، واستخدام الأراضي السورية لشن حروب عليها، علاوة على الحصول على ضمانات روسية مباشرة باستمرار نشاطها العسكري في سماء سوريا، بدعوي منع نقل أسلحة سورية إلي حزب الله، ومنع عمليات حزب الله في الجولان ضد إسرائيل، وتنفيذ غارات إسرائيلية أخرى في سوريا.
 
وبين الحين والآخر، تظهر قوة العلاقات الروسية - الإسرائيلية. فروسيا ليس لديها مانع من تعزيز موقف إسرائيل، مادام لن يمس مباشرة علاقة روسيا بحلفائها (وفقا للتقييم الإسرائيلي). ومن أبرز الأمثلة على هذا التنسيق حادث مقتل سمير القنطار، أحد عناصر حزب الله اللبناني، في غارة صاروخية استهدفت منطقة جرمانا في العاصمة السورية في ديسمبر .2015 ورغم إعلان إسرائيل ترحيبها بموته، قائلة إنه كان يخطط لهجمات ضدها من مقره في سوريا، فإنها لم تعلن مسئوليتها عن الحادث، رغم الاتهامات من داخل حزب الله وإيران لها باختراق المجال الجوي السوري، وقتل القنطار. وقد يمكن تفسير هذا الغموض بسبب درء دائرة الشبهات التي أحاطت بالدور الروسي حيال غض الطرف للفعل الإسرائيلي ضد حزب الله الذي يقف بالناحية السياسية التي ترجح روسيا كفتها. ويمكن عدّ مقتل القنطار تطبيقا لنهج الحرب السرية للتعامل مع إيران وحزب الله كخطر يجب مقاومته دون التصعيد العلني الذي سيكلفها الكثير. إلا أن هذه الضربة أثارت حفيظة مقاتلي حزب الله، متسائلين عن جدوي صواريخ 400S  التي أعلنت روسيا سيطرتها على الأجواء السورية، خاصة بعد التصعيد التركي ضدها. وهذا ما أكده بعض الخبراء العسكريين بإسرائيل مثل "أليكس فيشمان"، الذي أكد تواطؤا روسيا في نجاح عملية اغتيال القنطار، مبررا أن العمارة التي جري تدميرها تقع في محيط العاصمة السورية المحمية بمظلة دفاع جوي روسية وفي مركزها صواريخ اس 400 ورادار اكتشاف يغطي أجزاء واسعة من إسرائيل، خاصة أن هذا ما قد أعلنه نتنياهو في مطلع شهر ديسمبر 2015 أن إسرائيل تنفذ من وقت لآخر عمليات في سوريا، لكيلا تتحول لجبهة ضد إسرائيل، وأن تتفادي نقل أية أسلحة فتاكة من سوريا إلي لبنان.
 
إلا أن هذه الحادثة لا تعكس اعتماد إسرائيل على سيناريو التعاون الروسي فقط لتأمين جبهتها من الخطر الإيراني وخطر حزب الله، وإنما وضعت سيناريوهات بديلة تجاه تغير السياسة الروسية، يمكن طرح أبرزها فيما يأتي:
 
على صعيد التنسيق مع روسيا، وبعد تدخلها العسكري في سوريا، يجب المحافظة على التفاهمات التي تحققت بينها وبين إسرائيل في أكتوبر 2015، وتفحص ما إذا كان يتوجب تحسينها الآن بعد الحادثة على حدود تركيا، أم لا. بالإضافة إلي ذلك، فإن نصب منظومة صواريخ S-400 المتطورة يغير قواعد اللعبة داخل الحيز الإقليمي حتي بالنسبة لإسرائيل، ويفرض بلورة آلية صارمة للحيلولة دون اشتباك إسرائيلي - روسي. فإسرائيل يجب ألا تشكل لاعبا مركزيا في المواجهة الداخلية في سورية، وبين الأطراف الخارجية المتورطة في هذه المواجهة.
 
إلا أن الوقوف إلي جانب تركيا، التي تعمل ضد المحور الراديكالي في سوريا، يتناسب بصورة أفضل مع المنطق الاستراتيجي والمصالح الإسرائيلية الجوهرية. إن العمليات الروسية في سوريا، تحت غطاء محاربة "داعش"، تمنح عمليا شرعية دولية لأعداء هم الأكثر خطرا على إسرائيل: إيران، وحزب الله، ونظام الأسد. ضمن هذا السياق، ثمة مصلحة مشتركة بين تركيا وإسرائيل، تشمل رحيل الأسد، وإضعاف السيطرة الإيرانية في سوريا، وما ينتج عن ذلك من مساس بحزب الله. وإذا ما ألمحت تركيا إلي أنها مستعدة للعمل المشترك مع إسرائيل في مواجهة هذه التحديات والتهديدات، ولخفض عداوتها لإسرائيل، فيمكن حينها طرح مسائل أخرى تثمر أرباحا متبادلة: فتح السوق التركي أمام الغاز الإسرائيلي (وسوف تزداد الحاجة إلي ذلك مع تقليص تزود تركيا بالغاز الروسي)، وتحسين مشاركة إسرائيل في عمليات حلف شمال الأطلسي (التي تواجه عقبات جراء المعارضة التركية لها)، وعودة تركيا إلي وظيفة اللاعب الإيجابي والمركزي في عملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين والعالم العربي. وربما تدل المصالح المتناقضة لإسرائيل حيال المواجهة التركية - الروسية على الهدف الأكثر أهمية في الوقت الحالي- حتي بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا- ألا وهو الحاجة إلي بلورة استراتيجية تؤدي، في آن معا أو على مراحل، إلي ضعف وطرد القوتين السلبيتين اللتين تنشطان في سوريا: نظام الأسد وتنظيم داعش. إن المطلوب هو عمل مشترك من أجل حل الأزمة في سوريا من خلال تضافر المساعي العسكرية، والدبلوماسية، والسياسية. والابتكار الإسرائيلي في هذا السياق يجب أن يكون من خلال الإشارة إلي عدم القدرة على توحيد سوريا من جديد، وإلي الحاجة لتحقيق استقرارها بواسطة إعادة ترسيم حدودها ضمن إطار فيدرالي.
 
التزام الحياد والمراقبة والتأهب:  فإن روسيا ليست عدوة لإسرائيل، وتدخلها في سوريا لا يهدف إلي مساعدة الأسد، ومستقبلا مساعدة إيران وحزب الله في محاربة إسرائيل. لكن الروس في الوقت عينه لا يهمهم ما إذا كان السلاح المتطور الذي يبيعونه مقابل الكثير من الدولارات لإيران وسوريا، يضر بإسرائيل، أم لا.
 
ومما لا شك فيه أن تدخلا روسيا نشطا في سوريا سيفرض قيودا على قدرة تحرك إسرائيل التي درجت منذ وقت على مهاجمة أهداف في سوريا، كلما شكَّت في أن السوريين ينقلون سلاحا متطورا إلي حزب الله. قد لا ينقذ الروس بشارا، لكنهم يحولون سوريا إلي معقل روسي مهم، وجزء من صراعهم الدولي، سواء ضد الجهاد العالمي، أو في المواجهة المتجددة بينهم وبين الولايات المتحدة. ومن الأفضل لإسرائيل أن تراقب هذا الصراع من الخارج، خاصة أن الولايات المتحدة نفسها تنتهج سياسة الامتناع عن الفعل حيال الأزمة السورية.
 
من هنا، يمكن القول إن إسرائيل تقف في مركز وسط بين داعش وإيران، وتري ان الرغبة في إضعاف داعش يجب ألا تعني تأهيل نظام الأسد بدعم إيراني. وفي موازاة ذلك، فإن معارضة التدخل الروسي - الإيراني في سوريا يجب ألا تسمح بتعزيز تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" كبديل عن الأسد. والتحدي هو في العثور على الاستراتيجية الصحيحة، والشاملة، والحازمة، والمدعومة بالموارد والقوات البرية لمحاربة الأسد والقوى السلفية الجهادية في آن معا في سوريا، وذلك من أجل بلورة واقع مستقر في هذه الساحة. إلا أن بقاء الوضع على ما هو عليه هو في مصلحة إسرائيل التي استطاعت ان تتكيف معه عبر التقارب مع روسيا، والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة.
 
الخلاصة:
 
إن إسرائيل صاحبة مصلحة من وجود التيارات الإرهابية العنيفة بالمنطقة، وانغماس العالم في محاربتها، لأنها نجحت في صرف أنظار الحكومات والرأي العالم العربي، بل والعالمي، عن القضية الفلسطينية، التي تحرص دوما على وصفها بالإرهاب، وربطها بالفكر "الداعشي" المتطرف، كما أنها تخضع في تقييمها لخطر داعش من منطلق  العمليات العنيفة التي قد تحدث داخل إسرائيل بدعم من الفلسطينيين لوصم الانتفاضة أو المقاومة بالأيديولوجية الفكرية لتلك الجماعات الجهادية المتطرفة. كما تري إسرائيل أن الخطر الإيراني، وخطر حزب الله هو أسوأ من وجود داعش على حدودها، ولكنه يمكن مقاومته من خلال تطبيق ما يسمي بالحرب السرية بالتنسيق مع  روسيا والولايات المتحدة بين الحين والآخر دون الانغماس في مواجهة أو صدام مباشر قد لا تتحمل تبعاته كحالة مقتل القنطار التي دلت على نجاح إسرائيل في تحقيق مآربها، وأن خطر إيران وحلفائها ليس بالبؤرة صعبة المنال أو الاختراق. ولكنها لا تتصرف بثقة مطلقة، ولكن حتى الدعم الروسي تضع أمامه بدائل أخرى، حال تغيره دون النظر للمصلحة الإسرائيلية. فالفكر النفعي المصلحي هو أساس نشأة، بل وبقاء إسرائيل.
 
بعض المصادر الإسرائيلية التي يمكن الاطلاع عليها:
 
أولا- المصادر الإسرائيلية باللغة العربية:
 
1- أمنون لورد، إسرائيل تفضل الامتناع عن الدخول في معركة مع حزب الله ، معاريف، 29 أبريل 2015. 
 
2- إيال زيسر، خطر داعش على إسرائيل ليس أكبر من خطر حزب الله،  يسرائيل هيوم، 2 يونيو 2015.
 
3- شاوول شاي، سيناريو حرب لبنان الثالثة بين حزب الله وإسرائيل، ذي جروزالم ربورت، 15 يونيو 2015.
 
4- دودي سيمان طوف ويورام شفايتسر، مواجهة إسرائيل لحزب الله: بين الحرب السرية والحرب العلنية،  مباط عال، العدد 668، 2 مارس 2015.
 
5- عاموس يادلين،  المواجهة التركية - الروسية .. دروس لإسرائيل، مباط عال،  العدد 774، 1 ديسمبر 2015.
 
6- يهودا بلنغا، من الصحافة الإسرائيلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين، يسرائيل هيوم، 27 أبريل 2015.
 
ثانيا - المصادر الإسرائيلية باللغة الإنجليزية:
 
1- Proceedings of Herzliya Conference Series on the Balance of Israel's National Security, The Annual Edmond Benjamin de Rothschild Herzliya Conference Series on the Balance of Israel's National Security, from the First to the Thirteenth  Annual Herzliya Series of Conferences, 2000 : 2013 www.herzliyaconference.org/eng/CategoryID=85&ArticleID=.14, accessed on Nov. 2013
 
2- Shai Oseran and Stphane Cohen, Don't Be Fooled. Hezbollah Is Bigger and Badder Than Ever, http://www.thetower.org/article/dont-be-fooled-hezbollah-is-bigger-and-badder-than-ever/, accessed on 02/11/.2016
 
3- Udi Dekel & Omer Elnav, New Directions for Enabling Israel to Overcome its 'Strategic Confusion': Insights from the INSS Annual Conference, Institute for National Security, INSS Insight No. 790, January 31, .2016

رابط دائم: