انتخابات 2016.. اختبار للنظام الأميركي
10-2-2016

الكاتب: يونيد بيرشيدسكي

انتخابات الرئاسة الأميركية التي بدأت مراحلها التمهيدية قبل أسبوعين هي الأكثر استقطاباً خلال نصف القرن الأخير، لدرجة أن بعض المعلقين يرون أن هناك خطراً يتمثل في احتمال استئثار الديماغوجين المتعطشين للسلطة بها، الأوروبيون، بأنظمتهم السياسية التي تهيمن عليها البرلمانات، يمكن لهم تجنب وقوع كارثة مثل هذه، من خلال بناء تحالفات لإبعاد السلطة عن أيدي الديماغوجين المتطرفين، أما الأميركيون فلا يستطيعون ذلك.. أم تراهم يستطيعون؟ في الاتحاد الأوروبي هناك دولتان فقط، تداران من قبل حكومة تتكون من حزب واحد(إسبانيا كانت الثالثة قبل أن تؤدي انتخابات ديسمبر الماضي لتغيير كفة ميزان القوى القائم)، والسبب في غلبة هذا النمط من المشاركة في السلطة هي أن أهم الانتخابات الأوروبية، هي تلك التي تقرر من الذي يسيطر على البرلمان أي أنها تدور في الأساس حول فكرة التنافس بين الأجندات، لا الشخصيات، كانت هناك لحظة كان يمكن فيه للولايات المتحدة الأميركية تبني مثل هذا النظام، على الأقل، هذا هو رأي «إف. إتش.باكلي» الأستاذ بكلية القانون بجامعة «جورج ماسون» الذي يذهب إلى أن الوفود التي حضرت مؤتمر فيلادلفيا عام 1787 لم يكن في نيتها أبدا أن تقيم النظام الرئاسي الحالي.

فمعظم تلك الوفود، كانت قد جاءت من ولايات كان يتم تعيين الحكام في معظمهما من قبل الهيئات التشريعية، وكانت- الولايات- معجبة بنظام الحكم البريطاني(ولكن ليس بالملكية البريطانية)، وتتخوف من«حكم الغوغاء»، وفي مرحلة ما من المؤتمر، صوتت تلك الوفود بالإجماع على إقامة نظام رئاسي يتم تعيين الرئيس فيه من قبل الكونجرس، ولكن تغيير الرأي الذي حدث تالياً لم يكن بالإجماع، وإنما كان نتيجة للمناورات السياسية، بالإضافة إلى بناء التحالفات.

في الممارسة العملية تطورت الأمور على نحو مختلف، وفي الحقيقة أن النظام الأميركي الحالي، وفقاً لـ«باكلي» كان نوعاً من المصادفة السياسية. ولكن الانتخابات الرئاسية القادمة، قد تختبر حدود النظام السياسي الأميركي القائم حالياً، فالحزبان المتنافسان، يختاران مرشحيهم من بين فريق من الشخصيات، لا يجمع بينها سوى القليل من القواسم المشتركة، فالمعسكر الجمهوري، يشمل طيفاً واسعاً من المرشحين يبدأ من المتمردين المناوئين للمؤسسة الرسمية مثل الملياردير«دونالد ترامب»، ويمر بالمحافظين دينياً واجتماعياً مثل سيناتور بنسلفانيا السابق«ريك سانتورم»، وينتهي بالانعزاليين مثل سيناتور كنتاكي«راند بول» ووجوه المؤسسة الرسمية، مثل حاكم فلوريدا السابق«جيب بوش»، أما بالنسبة للمعسكر «الديمقراطي»، فإن الطيف يشمل شخصية مثل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي تنتمي للجناح الوسطي المعتدل في مواجهة سيناتور«فيرمونت» بيرني ساندرز، الذي يصنف نفسه بأنه اشتراكي، وهذا التنوع يثير سؤالاً حول ما إذا كان الحزبان سيكونان قادرين على التوافق على مرشح بعينه.

ربما يكون الجمهوريون، قد بدأوا في توحيد صفوفهم، فحاكمة ألاسكا السابقة سارا بالين، المحافظة أيديولوجيا والتي لا يجمعها الكثير مع ترامب، انضمت مؤخرا للركب. ولكن، وكما يقول «رش ليمباو» مقدم برامج التوك شو اليميني، فإنه يكفي بالنسبة للأعضاء المحافظين من كافة الجماعات غير الرسمية، والذين يشكلون في مجموعهم الحزب الجمهوري، أن يتوحدوا فحسب حول المعارضة لسياسات باراك أوباما، وليس حول آيديولوجية بعينها.

هناك مرشحون «جمهوريون» آخرون منهم على سبيل المثال «بوب دول» المرشح الرئاسي في انتخابات عام 1996، يحاولون بشكل واضح أن يتخيلوا أنفسهم أعضاء في تحالف يقوده «ترامب».

ويشار إلى أن «دول» قد قال من قبل إن «ترامب»، وعلى النقيض من الشخصيات المثيرة للانقسام، مثل «تيد كروز» سيناتور تكساس، ربما يكون قادراً على العمل مع الكونجرس، لأنه يمتلك الشخصية الملائمة، ولديه قدرة على إبرام الصفقات«أي أنه بمعنى آخر رجل لديه القدر على بناء التحالفات. يرى«نيت سيرفر»خبير الإحصاء الذي تمكن من التنبؤ بدقة بالفائز في آخر انتخابين رئاسيين في الولايات المتحدة، أن القوى المختلفة داخل صفوف الحزب«الجمهوري»، ستختار«ترامب» كمركز للثقل بدلاً من«كروز»، وأنه وإن كان«ترامب» ليس أفضل اختيار لديهم، إلا أنهم يذهبون نحو السياسي المعروف بأنه يتعامل مع السياسة على أنها ممارسة في عقد الصفقات أكثر منها تعبيراً عن النقاء الأيديولوجي.

إنه لشيء مخجل حقاً أن يكون الناخبون الأميركيون غير قادرين على مساندة الحزب، الذي يروق لهم أكثر من غيره في انتخابات برلمانية حاسمة، ثم يراقبون هذا الحزب وهو يعقد الصفقات مع الأحزاب الأخرى للوصول إلى إجماع في نهاية المطاف، ولكن ليس هناك شك مع ذلك في أن النسخة الأكثر فوضوية التي نرى تفاصيلها تتكشف أمامنا في الولايات المتحدة، أكثر متعة في المشاهدة. ربما يكون هذا في حد ذاته سبباً يدفعنا لأن نشكر الأقدار لأن مؤتمر فلادلفيا قد انتهى إلى ما انتهى إليه.

------------------------------------
* نقلا عن نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 10-2-2016.


رابط دائم: