تأثير "سوء الإدراك" في الصراعات والأزمات .. إطار تحليلي
1-1-2016

د. داليا رشدي
* مدرس بقسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
تعد الصراعات والأزمات شكلا من أشكال التفاعلات الدولية ذات البعد الصدامي، وهي تنشأ أولا في عقول الناس وكذلك الساسة الذين يتحكمون في مصير العالم، قبل أن تترجم علي أرض الواقع. وبرغم ما قدمه علم السياسة من  تفسيرات لهذه التفاعلات للحد من آثارها، فقد ظلت هنالك جوانب نفسية يصعب تفسيرها، الأمر الذي جعل لعلم النفس السياسي دورا بارزا في تفسير الأزمات والصراعات في العلاقات الدولية، خاصة إذا نتجت عن سوء الإدراك الذي  يتسبب في تحريف الواقع، وتشويه الحقائق. ولذا، تسعي هذه الورقة إلي مناقشة الدور الذي يلعبه الإدراك في العلاقات الدولية بصورة عامة، وفي الصراعات والأزمات بصورة خاصة، وذلك من خلال التعرض لمفهومي الإدراك وسوء  الإدراك، ومستويات ومجالات تأثير الإدراك في العلاقات الدولية، ثم التطرق لملامح المنظومة الحاكمة لتأثير سوء الإدراك في الصراعات والأزمات الدولية.
 
أولا- الإدراك والعلاقات الدولية: المفهوم وأبعاد التأثير:
 
الإدراك من أهم العمليات العقلية التي يقوم بها الإنسان لفهم وتفسير العالم، ومن ثم تقييمه والتصرف علي أساسه. وتبرز أهمية العملية الإدراكية في مجالي العلاقات الإنسانية، حيث العلاقة بين الأفراد، والسياسة الدولية، حيث العلاقة بين  الفواعل الدولية، وهي تستند إلي كون السلوك البشري لا يتشكل من مثير واستجابة فحسب، بل يمر عبر مرحلة وسيطة هي التي تحدد شكل الاستجابة بناء علي الانطباعات والصور التي تم تلقيها من هذه المثيرات، وليس علي المثيرات  ذاتها. فالإدراك هو عملية عقلية معرفية يتم فيها إدراك المثيرات الاجتماعية بمساعدة الحواس، وتفسيرها في ضوء الإطار المرجعي، والخبرة السابقة، والظروف المحيطة، أو هو عملية تكوين انطباعات عن الآخرين، وتصنيفهم في  فئات ذات معني، وتقييمهم والحكم علي سلوكهم وخصالهم، أو هو تشكيل صور ذهنية للأشياء، والأشخاص، والأحداث، والأمم، والسياسات في عقل الإنسان، تعكس البيئة الاجتماعية والسياسية التي يحيا فيها، وتساعده علي تقييم العالم من  حوله.

رابط دائم: