السيناريو الغائب: مستقبل الترتيبات الأمنية في الشرق الأوسط
31-12-2015

د. دلال محمود السيد
* مدرس علوم سياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
يعد النظام الأمني الذي يمكنه تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط أحد أبرز التساؤلات الإشكالية في خضم الاضطراب واسع النطاق الذي تشهده المنطقة، والتحولات الهيكلية التي تتسارع داخلها وحولها، سواء علي مستوي دولها، أو  نظامها الإقليمي، أو النظام العالمي برمته.
 
وفي هذا الإطار، تحاول هذه الورقة استشراف ماهية الترتيبات الأمنية التي يمكن أن تشهدها المنطقة، ومدي إمكانية أن تتوافق الأطراف المعنية بهذه الترتيبات حول تصور مشترك لكيفية مواجهة التهديدات الأمنية علي المستوي الإقليمي.
 
أولا- تهديدات أساسية تواجه المنطقة:
 
اجتهدت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية الحرب الباردة، خاصة بعد انتهائها لتأكيد نفوذها القوي والممتد في الشرق الأوسط، واعتمدت في هذا علي بعض حلفائها في الإقليم في مرحلة الحرب الباردة، ثم بوجودها المباشر فيه بعد  حرب الخليج الثانية 1991/1990، ومحاولة ضبط اتجاهات تطوراتها الرئيسية، من خلال الوجود العسكري المباشر في منطقة الخليج العربي، والتأثير المباشر والقوي في ميزان القوي الإقليمي، الأمر الذي بدا في سعيها لضمان تفوق  إسرائيل العسكري، والدعم المقيد والمتغير لبعض حلفائها الإقليميين الآخرين بهدف ضمان موازنة أي قوي مناوئة أو ردعها، وضمان ضبط التطلعات والأدوار الإقليمية لهؤلاء الحلفاء، والاحتلال المباشر للعراق في عام .2003 نجحت  هذه الجهود الأمريكية في إيجاد قواعد مستقرة للأمن في المنطقة تتقبلها القوي الرئيسية فيه وتجعل الولايات المتحدة الضامن للنظام الأمني.
 
ومع حالة الحراك التي تشهدها المنطقة، منذ عام 2011، ظهرت متغيرات عدة شكلت تحديا لهذا النظام الأمني الأمريكي، وتشير إلي احتمال أن يشهد تحولا جذريا. من أبرز هذه المتغيرات:
 
1- انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وتطور أهدافها من حيث الطبيعة والنطاق. فلم تعد تقتصر علي مجرد التأثير في قرار سياسي في دولة ما، أو زعزعة نظام الحكم فيها، بل اتسعت لتشمل السيطرة علي الأرض، وإقامة دولة،  مهددة بذلك وجود العديد من الدول القائمة في المنطقة، وفاتحة المجال أمام تغيير جذري في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، كما تطورت مقدراتها المادية والتكنولوجية فباتت تمتلك تسليح جيوش نظامية، بل والقدرة علي إدارة شئون الدولة،  والأنشطة الاقتصادية، وأخيرا، فقد تطورت علاقاتها، سواء مع دول بعينها تتوافق مصالحها مع أهداف التنظيمات الإرهابية، أو من خلال تعاون هذه التنظيمات وبعضها بعضا، بل وتكاملها تنظيميا وفكريا، عبر نطاقات جغرافية ممتدة.

رابط دائم: