انتفاضة جديدة ؟ أبعاد حركة الشباب الفلسطيني ضد الاحتلال
2-2-2016

السفير د. بركات الفرا
* سفير فلسطين السابق لدي مصر
ظلت القضية الفلسطينية، لعدة عقود، الشغل الشاغل للرأي العام العربي، وربما الرأي العام العالمي، واحتلت مكان الصدارة في جدول أولويات الدول العربية، بل كانت القضية المركزية للأمة. ولكن لوحظ بوضوح، في السنوات القليلة الماضية، وتزامنا مع فترة المخاض الانتقالية التي تمر بها الدول العربية، تراجع مكانة القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، مما يشكل خطرا على قضية الأمة، يستوجب العمل على مواجهته.
 
وتتعدد وتتنوع أسباب التراجع المشار إليه، فمنها ما يتعلق بالنظام السياسي الفلسطيني، وفشل عملية السلام مع الجانب الإسرائيلي، ووصولها إلي طريق مسدود بعد "مفاوضات" دامت ربع قرن من الزمن.
 
كان بمقدور النظام الفلسطيني، ممثلا في السلطة الوطنية وأجهزتها، أن يكتشف مبكرا عدم جدية إسرائيل في تحقيق السلام، وأنها تدير عملية مفاوضات لكسب مزيد من الوقت لخلق وقائع جديدة على الأرض من خلال الاستيطان، وتغيير الواقع الجغرافي والديموجرافي في الضفة الغربية والقدس. وللأسف، فقد نجحت إسرائيل في بناء مئات المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، وتنفيذ خطة إسرائيل 2020 التي تقضي ببناء 50 ألف وحدة استيطانية، حتي تصبح نسبة السكان العرب فقط 20 من إجمالي السكان، كما أن عدد المستوطنين الآن في الضفة والقدس بلغ 700 ألف مستوطن. لقد حولت المستوطنات الضفة إلي كانتونات منعزلة، لم يعد معها بالإمكان الحديث الجاد عن دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس، متواصلة جغرافيا. وعلى صعيد آخر، كان بمقدور النظام الفلسطيني أن يغير من سياساته وأساليبه في التفاوض مع إسرائيل، عندما اكتشف عدم جديتها ونياتها الحقيقية.
 
وعلى الصعيد القومي، أصبحت المشكلة السورية وتداعياتها، وكذلك المشكلات الليبية والعراقية واليمنية، هي محور اهتمامات الدول العربية. ولم تعد القضية الفلسطينية بالدرجة ذاتها من الأهمية التي كانت عليها سابقا. وزاد من تفاقم المشاكل أطماع إيران في الهيمنة والسيطرة على الإقليم. كما أن تركيا لعبت دورا مهما في خلق مزيد من المشاكل في الوطن العربي بدعمها حركة "الإخوان المسلمين" في مصر، وهي لديها نفس أطماع إيران، حيث يراودها حلم الإمبراطورية العثمانية. وعلى الصعيد الدولي، أصبح هاجس العالم يتمثل في الحرب على "داعش" وأخواتها، بعد أن وصل خطرها إلي أوروبا، ثم الولايات المتحدة أخيرا، وكذلك الهجرة التي تهدد أوروبا والغرب بصفة عامة. كل ذلك جعل القضية الفلسطينية تتراجع للخلف من حيث أهميتها عربيا، وإقليميا، ودوليا.
 
العلاقات بين الدول هي علاقات مصالح، وليس علاقات عامة، لذا فإن العالم (ومنظومته المتمثلة في الأمم المتحدة) لا يتحرك إلا إذا لمس خطرا حقيقيا يتهدد أمنه، بل ويهدد الأمن القومي للدول الكبرى، وربما الأمن والسلم الدوليين. أما على جانب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فكل تجارب الماضي تؤكد أنه ما دامت إسرائيل تعيش في أمان وسلام، فهي لا تعبأ بالسلام، ولا بمن يريد السلام. أما إذا شعرت إسرائيل بأن أمنها مهدد، وأصابها الألم وبشدة، فتتنازل عن كبريائها وعجرفتها، وتدخل في مفاوضات جادة، وتستنجد بالولايات المتحدة الأمريكية الحامية لها. ولعل حرب أكتوبر 1973 أكبر دليل على ذلك، وكذلك انتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987، والانتفاضة الثانية في عام .2000 فلم تعقد إسرائيل اتفاق كامب ديفيد في مصر وتنسحب من سيناء إلا بعد حرب أكتوبر 1973، وانتصار الجيش المصري. كما أن مؤتمر مدريد للسلام، واتفاق أوسلو لم يتما إلا بعد انتفاضة الحجارة (1987) التي لم يستطع الجيش الإسرائيلي إيقافها.
 
لقد كثفت إسرائيل من عدوانها في السنوات الأربع الأخيرة، مستغلة الأوضاع العربية والإقليمية، فشنت حروبا مدمرة على قطاع غزة، وحاصرته برا وبحرا وجوا، وكثفت من تهويد القدس، وانقسام المسجد الأقصي زمانيا ومكانيا، وتدنيس المسجد الأقصي من قبل قطعان المستوطنين، وتحت حماية الجيش والشرطة الإسرائيليين. وتغول الاستيطان في الضفة الغربية، وزادت حدة الاغتيالات، والمداهمات، والاعتقالات، والإذلال المتعمد للشعب الفلسطيني، وحصار الاقتصاد الفلسطيني، وحرمانه من التواصل مع محيطه العربي، وكل ذلك يتم على مشهد ومراى من العالم والأمم المتحدة، ودون رد فعل على هذه السياسة الإسرائيلية المتوحشة. وعلى الجانب الفلسطيني، كان رد الفعل محصورا في الشكوي لمجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وفي الوقت نفسه الاستمرار في سياسة المقاومة الشعبية السلمية التي تتم أسبوعيا، وليس لها أي تأثير قوي، وهي أصبحت مجرد مظاهرة إعلامية لذر الرماد في العيون.
 
أمام هذا المشهد بزواياه الفلسطينية، والإقليمية، والدولية، هبّ الشباب المقدسي غضبا من كل ما يجري. وتأكيدا على أنه لا أحد يحمي الديار إلا أهلها، بدأ غضبه في الانفجار من أول أكتوبر 2015 وحتى الآن (منتصف ديسمبر)، مئة شهيد ونيف، ومستمر دون توقف. وأرغم العالم على أن يستمع ويلتفت إليه، فيتحرك أمين عام الأمم المتحدة، ورئيس الدبلوماسية الأمريكية، ويجتمع مجلس الأمن، وكذلك مجلس جامعة الدول العربية. وتهتم الشبكات الإخبارية والفضائيات بتغطية نضاله، وتستعيد قضية فلسطين جزءا من مكانتها دوليا وعربيا، وتعود لتتصدر نشرات الأخبار، بعد أن كانت قد اختفت تقريبا من الإعلام العربي، وليس فقط الدولي.
 
أولا- ملامح هبة شباب القدس:
 
توجد ملامح محددة يمكن رصدها في هذه الهبة الشبابية الفلسطينية،  يتمثل أبرزها في الآتي:
 
1- تتراوح أعمار الشباب المشارك فيها بين 16 و22 سنة، وهم "جيل أوسلو"، وكأنهم يقولون لا لهذه "الأوسلو" التي لم تلتزم بها إسرائيل، ولم تفد الشعب الفلسطيني في شيء.
 
2- ينتمي هؤلاء الشباب إلي قضية فلسطين، وليس لأي فصيل، أو تنظيم، أو حزب سياسي، ومقدراتهم وقرارهم في أيديهم، ولا يزعم أحد أنه صاحب القرار بشأنهم، وأنه يوجههم، ويقودهم، ويمولهم.
 
3- ابتدع هؤلاء الشباب أساليب جديدة في المقاومة، تتمثل في حمل السكين، والخنجر، والطعن، والدهس بالسيارات.
 
4- لا أحد يعرف ما يدور في خلدهم إلا هم أنفسهم، وكل المؤشرات تؤكد استمرار نضالهم.
 
5- تعدي هؤلاء الشباب حاجز الصمت والخوف، بل أرهبوا عدوهم، وأصابوا المستوطنين الإسرائيليين بالذعر والهلع في كل مكان في فلسطين التاريخية.
 
6- تداعي إلي هؤلاء الشباب إخوتهم في كل ربوع الوطن في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وفي فلسطين المحتلة عام .1948
 
لقد أربكت هذه الهبّة الوطنية لشباب القدس حسابات العدو الإسرائيلي، بل وجعلت الجيش الإسرائيلي في حيرة من أمره، كما أربكت حسابات أمريكا، والغرب، والعرب، والنظام السياسي الفلسطيني بمختلف مكوناته من سلطة، ومنظمات، وأحزاب، وقوي سياسية.
 
ثانيا- الانعكاسات على إسرائيل والفلسطينيين:
 
بينما كان جنرالات إسرائيل يتباهون باستقرار الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن سياسة القمع، والاغتيالات، وإرهاب الدولة المنظم قد نجحت، وأن تهويد القدس، واقتسام باحات المسجد الأقصي، زمانيا ومكانيا، يسيران وفق المخطط الإسرائيلي، وفي الوقت الذي بدا فيه أن التفاوض مع حركة "حماس" على كيان في غزة، وهدنة طويلة الأمد يمضي في طريقه، وأن النظام الفلسطيني لا يملك من مقدراته إلا الشكوي للأمم المتحدة، والإدانة، والشجب، بينما والتنسيق الأمني مستمر -إذ بالمفاجأة الكبرى المتمثلة في زلزال يهز كيان الجيش الإسرائيلي، وقوي الأمن، زلزال متمثل في الهبة الشبابية المقدسية، التي عدّوها في البداية مجرد هزة أرضية لا توابع لها. وإذ بالهزة تصبح زلزالا، وله توابعه يوميا. وبدأ العدو بأجهزته الاستخباراتية يعيد حساباته، ويحاول أن يتعرف على هؤلاء الشباب، ومن يحركهم، أو من يقودهم، أو من يمولهم، فلم يصل لنتيجة، مما أربك حساباته، ولتؤكد هذه الهبة الوطنية لإسرائيل، وجنرالاتها، وقادتها حقائق، عليهم أن يتدبروها جيدا، تتمثل في الآتي:
 
1- فشل سياسة القمع، والبطش، والإرهاب، والقتل، والمداهمات الإسرائيلية، والاعتقالات والإذلال، في استسلام الشعب الفلسطيني، وتأكيد أن هذا الشعب لن يتوقف عن مقاومة الاحتلال، مهما يبلغ حجم التضحيات، حتى ينتهي وإلي الأبد.
 
2- رفض الشعب الفلسطيني لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، والتعايش مع هذا الاحتلال، طال الزمن أم قصر.
 
3- لا يمكن أن ينعم الإسرائيلي بالأمن، والأمان، والاستقرار، إلا إذا تحقق ذلك للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
 
4- فشل سياسة العقاب الجماعي، وهدم البيوت، وحصار القدس، واحتجاز جثامين الشهداء الأبطال، والإعدام الميداني، في تحقيق الأمن للإسرائيليين.
 
5- على إسرائيل وقادتها أن يعترفوا بدولة فلسطين على خط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والسماح بعودة اللاجئين بموجب قرار الأمم المتحدة 194، ومبادرة السلام العربية، إذا أرادت إسرائيل لشعبها أن يعيش في أمن، وسلام، وحسن جوار مع دولة فلسطين والأمة العربية.
 
6- الحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا باستخدام القوة والإرهاب المنظم، ولا باستمرار الاحتلال، مهما يطل مداه. فأهل الحق يتوارثونه جيلا بعد جيل، ويظل دينا في رقاب هذه الأجيال، حتى يعود لأصحابه. إن الاحتلال إلي زوال مهما يطل.
 
لقد وضعت هذه الهبّة الحكومة الإسرائيلية في مأزق، وألحقت خسائر بالاقتصاد الإسرائيلي، تزداد يوما بعد يوم بمرور الوقت، مع استمرار استنفار الجيش، والشرطة، واستدعاء الاحتياط. وانتابت المواطن الإسرائيلي حالة من الخوف، والفزع، والقلق. وقد تدفع هذه الظروف بمجملها الحكومة الإسرائيلية للدعوة إلي انتخابات مبكرة قد تغير الخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية.
 
بالنسبة للفلسطينيين، لم يتوقع النظام السياسي الفلسطيني هبة شبابية بهذه القوة والعنفوان، وقد تجلي ذلك في طول فترة رد فعل مكونات النظام من تنظيمات وفصائل وطنية، وإسلامية، ويسارية. فبدلا من دعم هذه الهبة وحمايتها، انتظرت التنظيمات، على ما يبدو، لتتبين هل هي مجرد هبة عابرة وستنتهي بسرعة، أم بداية انتفاضة ثالثة. وبدلا من احتضان النظام الفلسطيني هذه الهبة الشبابية، ودعمها، وحمايتها، حتى تتحول إلي انتفاضة ثالثة تجبر العدو الإسرائيلي على تغيير سياسته، لم يفعل ذلك أي فصيل من الفصائل الفلسطينية، وكان أكثر الداعمين يوجه رسائل عبر شاشات الفضائيات. ولذلك، فالدلالة الأهم لهذه الهبة الشبابية هي أنها توجه رسالة للنظام الفلسطيني، مفادها أن الشعب لديه خيارات أخرى بخلاف خيار المفاوضات التي لا طائل من ورائها، وأن الشعب الذي يناضل منذ قرن من الزمن لم يفل عزمه، ولم ينهزم، وعلى القيادة الفلسطينية أن تدرك ذلك.
 
أسهمت هذه الحركة الشبابية أيضا في إلقاء الضوء من جديد على الخلل الكامن في النظام الفلسطيني، ولفت الانتباه إلي حقائق يعيشها هذا النظام بمختلف مكوناته من منظمة تحرير، وسلطة، وفصائل، وأحزاب، وهي على النحو الآتي:
 
1- يعيش الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال حالة فريدة من نوعها، تتمثل في ازدواجية هذا النظام منذ انقلاب حركة "حماس" في قطاع غزة في يونيو 2007. فحماس تحكم قطاع غزة بعيدا عن السلطة الوطنية، والضفة الغربية تحت حكم السلطة الوطنية، وهي التي تمثل الشرعية برئاسة الرئيس محمود عباس، وأصبح هناك نظامان يحكمان، ويناصب كلاهما الآخر العداء، وفشلت كل محاولات إنهاء هذه الحالة العبثية التي أضرت بالقضية الوطنية، وبالمشروع الوطني الفلسطيني.
 
2- عجز النظام السياسي عن تحقيق الوحدة الوطنية، وأصبح الشعب منقسما على نفسه، والمستفيد الأوحد من هذه الحالة هي إسرائيل، وأعداء الشعب الفلسطيني.
 
3- تعطيل الإطار التشريعي الفلسطيني، ممثلا في المجلس التشريعي. فمنذ انقلاب "حماس"، لم يجتمع المجلس التشريعي، وأصبح النظام الفلسطيني بدون مشروع، ومارست السلطة التنفيذية مهام السلطة التشريعية منذ عام 2007، حتى يومنا هذا، وهذا يهز الثقة في النظام السياسي.
 
4- تعطلت الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مما أدي إلي انتهاء ولاية السلطتين بموجب القانون الأساسي الفلسطيني، وتعطل الانتخابات، وهز السلطة في يد نفر قليل، وحال دون تداول السلطة، وعطل في الوقت ذاته الديمقراطية الفلسطينية التي سبق أن افتخرنا بها.
 
5- جددت الحركة الشبابية الغاضبة الحديث عن منظمة التحرير وما أصابها من تدهور عبر السنوات الماضية، وفشل كل محاولات إصلاحها، رغم أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي صاحبة الولاية على السلطة الوطنية، وهي التي وقعت اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر .1993 وتجدد الحديث عن تحديث أطر المنظمة، ممثلة في تشكيل مجلس وطني جديد، ومن ثم لجنة تنفيذية جديدة، ومجلس مركزي جديد، خاصة أن بعض أعضاء اللجنة التنفيذية قد بلغ من العمر ما لم يعد معه قادرا على القيام بمهامه، وكذلك أعضاء المجلس الوطني، وأعضاء المجلس المركزي. فهل يعقل أن أمين سر المجلس الوطني والمجلس المركزي لم يتغير منذ أكثر من أربعة عقود؟ لذلك، لابد من عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، بعد تشكيله، وفق ما تم التوافق الوطني عليه، بحيث يكون ممثلا لكافة التنظيمات والقوي السياسية في الوطن، وفي الشتات.
 
6- ألقت هذه الهبة الشبابية الضوء على المشاكل الداخلية التي تعانيها التنظيمات الفلسطينية المختلفة، وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس.
 
7- لفتت الانتباه إلي منظمات المجتمع المدني، وأهمية إعادة النظر في تكوين هذه المنظمات، وأهدافها، وضرورة مراجعة برامج عملها، ومصادر تمويلها.
 
لعل هذه التداعيات توضح مدي الحاجة إلي إعادة النظر في النظام السياسي الفلسطيني بمختلف مكوناته، ومعالجة كافة أوجه القصور، وتحديثه وتطويره ليكون قادرا على تلبية احتياجات الشعب الفلسطيني، ومواجهة المستجدات على الساحة الدولية، ومعالجة الاختلالات المتراكمة داخله، ومنها:
 
أ- أدي غياب الممارسة الديمقراطية، وتعطيل الإطار الشرعي، وإهمال منظمة التحرير إلي تركز السلطة في يد قلة ليسوا بالضرورة هم الأكفأ.
 
ب- غاب مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب الفلسطيني، مما أدي إلي تفشي المظالم، والرشاوي، والمحسوبيات، وانتفت قاعدة الكفاءة في اختيار الذين يحتلون الوظائف العليا، وحلت محلها قاعدة الولاء، مما حرم النظام من كفاءات مشهود لها في مختلف مفاصل الدولة، الأمر الذي كان سببا من أسباب مشاكل النظام.
 
ج- تعطل مبدأ تداول السلطة خلال السنوات الماضية، مما أصاب النظام بالترهل، وعدم التطور بالقدر المناسب. فقد غابت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في السلطة الوطنية، وفي منظمة التحرير الفلسطينية، وما لذلك من آثار سلبية، خاصة فيما يتعلق بثقة الشعب في النظام، والثقة الدولية في السلطة الوطنية.
 
د- لم يستطع النظام محاربة الفساد المالي والإداري، والقضاء عليه نهائيا، رغم الجهد الذي بذله. ولقد أدي ذلك إلي ضياع جانب من أموال الشعب، سواء عن طريق السرقات، أو عدم قدرة المسئولين على استثمارها بكفاءة، وما لذلك من ردود فعل سلبية لدي الشارع الفلسطيني.
 
هـ- ظل الاقتصاد الفلسطيني يعاني خللا هيكليا، وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، وفشلت السياسات الاقتصادية في الحد من معدلات الفقر، والحد من البطالة، وفشل الاقتصاد في تقديم خدمات ذات مستوى مرتفع، سواء في الصحة، أو التعليم، أو قطاع الإسكان، أو في الريف الفلسطيني.
 
و- فشل الفلسطينيون في إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته الحرب، وتلك نتيجة موضوعية للصراع على السلطة بين السلطة الشرعية، ممثلة في السلطة الوطنية، وحركة حماس التي تحكم قطاع غزة بعيدا عن الشرعية.
 
ز- لم يتم استثمار الإنجازات التي تحققت على صعيد المشروع الوطني الفلسطيني، وأبرزها الاعتراف بدولة فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة عام 2012، وانضمامها إلي المعاهدات، والمنظمات، والاتفاقات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية وغيرها، وكذلك رفع العلم الفلسطيني على مقرات الأمم المتحدة.
 
ثالثا- مقومات إصلاح النظام الفلسطيني:
 
ليس من السهل إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، في ظل الظروف التي يعيشها، سواء حالة الانقسام، أو تعثر مساعي السلام، أو استمرار الاحتلال، والاستيطان، وتهويد القدس، وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية من قبل المستوطنين، إضافة إلي المشاكل الداخلية للتنظيمات والقوي السياسية الفلسطينية.
 
وإذا أراد الفلسطينيون الدخول في عملية إصلاح جادة، يلتزم بها الجميع أو الكل الفلسطيني، فلابد أن تبدأ بعملية حوار وطني شامل، يتم الإعداد الجيد والمناسب له، بحيث يكون نصب أعين هذا الحوار وضع برنامج تنفيذي يراعي القضايا الأساسية الآتية:
 
1- الاتفاق على نظام انتخابي لكل من المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس التشريعي، يراعي ظروف الشعب الفلسطيني وأوضاعه، بحيث يحقق تمثيلا مناسبا لكافة قوي وفئات الشعب الفلسطيني في الوطن، وفي الشتات.
 
2- الاتفاق على البدء بانتخاب مجلس وطني فلسطيني، وبدوره ينتخب لجنة تنفيذية جديدة، ورئيسا، ومجلسا مركزيا جديدا.
 
3- انتخاب مجلس تشريعي جديد متزامن مع المجلس الوطني، وانتخاب رئيس سلطة جديد، بمعني إجراء الانتخابات الرئاسية، والتشريعية، والمجلس الوطني الفلسطيني بالتزامن، وبذلك يكون تم تجديد الأطر التنفيذية والتشريعية.
 
4- وضع منظمة التحرير استراتيجية للعمل الوطني الفلسطيني في المرحلة القادمة في مواجهة العدو الإسرائيلي، ويتم إقرارها من المجلس الوطني الفلسطيني لتكون ملزمة للكل الفلسطيني.
 
5- مراعاة المرونة في التنفيذ، حتى يتم التغلب على المشاكل التي قد تواجه تنفيذ البرنامج.
 
وقد يرى البعض أن إعلان فلسطين دولة مستقلة، وإجراء انتخابات لبرلمان فلسطيني، ورئيس لدولة فلسطين قد يكون بديلا عن إجراء انتخابات رئاسية، وتشريعية، ومجلس وطني، ولجنة تنفيذية.
 
ولكن الأهم أن تبدأ عملية الإصلاح بدعوة يوجهها الرئيس محمود عباس، بوصفه ممثل الشرعية الفلسطينية، لبدء حوار وطني شامل، يحدد له أهدافه المرجوة منه، ويشارك فيه الجميع، دون استثناء أو استبعاد لهذا الطرف أو ذاك.

رابط دائم: