"هجوم مالي".. دلالات استهداف مصالح فرنسا في غرب إفريقيا
29-11-2015

‬عمرو منصور
* ‬باحث مصري متخصص في شئون الدراسات الإسلامية‮.‬
تاريخ النشر: 29-11-2015
 
أين ستكون الضربة الجديدة التي ستتعرض لها فرنسا؟، هذا هو السؤال الذي كان يشغل بال القيادة الفرنسية، عقب قيامها بتنفيذ ضرباتها الجوية ضد مواقع تنظيم "داعش" في سوريا ردا على الهجوم الإرهابي على باريس الذي تبناه التنظيم، وأوقع نحو 129 قتيلا ومئات الجرحى. 
 
أيام قليلة وجاءت الضربة لفرنسا في غرب إفريقيا، رمز إمبراطوريتها، وحقل مصالحها الأكبر، وتحديدا في باماكو، عاصمة مالي في الـ20 من نوفمبر 2015 ، حيث هاجم مسلحون فندق "راديسون بلو" الذي يرتاده رجال الأعمال الأجانب، ومسئولو الأمم المتحدة، وجميع المهتمين بمكافحة شمال غرب إفريقيا "للإرهاب"، وقلب شراكة المنطقة مع بقية العالم، حسبما يذكر الكاتب جو بني في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
 
الهجوم الذي تبناه تنظيم "المرابطون"، بالاشتراك مع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، بدأ باحتجاز المهاجمين 140 نزيلا و30 من العاملين داخل الفندق، من بينهم 45 ماليا، و15 فرنسيا، وآخرون من الصين، والهند، وساحل العاج ، وإسبانيا ، وألمانيا ، والسنغال، وكندا، وأسفر عن مقتل نحو 19 شخصا ومنفذيه الاثنين "عبد الحكيم الأنصاري ومعز الأنصاري" اللذين قتلا خلال اشتباكات مع القوات المالية، والفرنسية، والأمريكية التي شاركت في تحرير الرهائن.
 
أهداف العملية
 
 على ما يبدو، فإن جماعة "المرابطون"، و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي" سعيا لتحقيق عدة أهداف من هذا الهجوم:
 
 أولا: محاولة قتل وخطف عدد من الفرنسيين المقيمين فيه بجانب استهداف عدد من حملة الجنسيات الغربية الأخرى. فوفقا لبيان "المرابطون"، الذي صدر قبل انتهاء عملية احتجاز الرهائن، فإنه وضع شرطا لإطلاق سراحهم هو تحرير "المجاهدين" من سجون باماكو، و"وقف العدوان على الأهالي" في شمال مالي، وذلك في رسالة واضحة للحكومة الفرنسية أننا قادرون على استهداف رعاياك، أينما كانوا، وأن تفوقك العسكري في مالي لن يوفر لهم الحماية، وهو ما تحقق عقب الهجوم بدعوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للفرنسيين في الخارج لالتزام الحذر. كما ذكرت شركة إير فرانس للطيران أن أحد طواقمها مؤلف من 12 شخصا كانوا موجودين في الفندق، أمكن إخراجهم بسلام.
 
ثانيا: يدرك المهاجمون أن القوات الفرنسية الموجودة بالعاصمة باماكو ستهرع لإنقاذ المخطوفين في الفندق، مما يضمن لهم فرصة مثالية للاشتباك معها وجها لوجه، واحتمالية إحداث إصابات في صفوفها بعيدا عن التحصينات العسكرية التي تحتمى بها هذه القوات، وهو ما حدث بالفعل، حيث شاركت القوات الفرنسية الموجودة بالعاصمة في عملية تحرير الرهائن. كما أعلنت فرنسا أن وحدة خاصة من الشرطة مختصة بعمليات تحرير الرهائن، يبلغ قوامها 50 جنديا، غادرت باريس في طريقها الى مالي. 
 
ثالثا: حالة العداء والتنافس بين "القاعدة" و"داعش" ربما كانت حاضرة في خلفية هذا الهجوم. فبعدما منحت هجمات باريس تنظيم "داعش" هالة إعلامية ضخمة، نظرا لأنها تمت في قلب فرنسا، ولعددها الضخم من الضحايا، فليس من المستبعد أن يكون مختار بلمختار زعيم "المرابطون" الذي أكد بقاء التبعية للقاعدة في يوليو الماضي، بعد خلعه لأبي الوليد الصحراوي، زعيم التنظيم السابق، عقب انضمامه لـ "داعش"، سعى من خلال الهجوم ليؤكد لأنصار التنظيم أنهم تحت قيادته الموالية للقاعدة سيكونون قادرين على شن هجمات قوية ضد فرنسا، وإجبارها على سحب قواتها من مالي.
 
 رابعا: عقب التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وتراجع قدرات تنظيم "المرابطون"، وكذلك "جماعة أنصار الدين"، وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على شن هجمات مؤثرة، باتت هذه الجماعات تبحث عن أهداف ليست عسكرية تثبت من خلالها وجودها، مستندة إلى النجاحات الكبيرة التي حققتها هجمات مماثلة على فنادق ومنتجعات ومسارح، كما حدث في هجوم باريس الأخير، وكما حدث مرارا من قبل "حركة شباب المجاهدين" في الصومال، والهجوم الذي استهدف منتجعا  في سوسة بتونس، وهى هجمات أوقعت عشرات القتلى، ومئات الجرحى.
 
هذا التوجه في التحرك العملياتي يذكيه ما أدركته جماعات العنف من أن استهداف الأهداف الرخوة، التي في مقدمتها الفنادق والأماكن السياحية بشكل عام، يحقق لها العديد من الفوائد، تتمثل في سهولة استهدافها نتيجة لضعف الحماية الأمنية قياسا بالأهداف العسكرية، أو المنشآت الحيوية، ووجود عدد كبير من الأفراد غير المسلحين، مما يعنى ضمان النجاح في إسقاط عدد كبير من الضحايا، وبالتالي كثافة وضخامة التغطية الإعلامية التي ستزيد من شعبية ورواج التنظيم المنفذ، وتمكنه من استقطاب العديد من الأنصار الجدد. كما أن بعض من هؤلاء الضحايا قد يكونون رجال أعمال، أو نوابا برلمانيين، أو مسئولين.  
 
من زاوية أخرى، فحصيلة هذا الهجوم من القتلى تعد قرابة ضعفي ضحايا الهجوم الأخير للتنظيم على فندق في مدينة سيفاري بوسط البلاد في أغسطس الماضي، وقرابة أربعة أضعاف ضحايا الهجوم على مطعم في باماكو في مارس الماضي، مما يعنى أن هناك ارتفاعا نسبيا في قدرات التنظيمين الهجومية.
 
لكن بالمقابل، وإذا ما التفتنا إلى أن الهدف المعلن للهجوم ليس هينا، وهو الإفراج عن "الجهاديين" في سجون باماكو، ووقف العدوان على سكان شمال مالي، بجانب هشاشة تأمين "الفندق" بدليل سهولة اقتحامه من قبل مهاجمين اثنين، وأن من تبناه تنظيمان المفترض أنهما كبيران، ويتمتعان بخبرة قتالية جيدة،  ويستخدمان عنصرين فقط لشنه، ثم تكون المحصلة سقوط هذا العدد المتوسط نسبيا من القتلى، ويتم تحرير باقي الرهائن، فإن هذا يوضح مدى ضعف قدرات هذين التنظيمين على التحرك في العاصمة ومحيطها بعدم تمكنهما من تأمين تحريك أكثر من عنصرين فقط إلى داخلها لشن هجومٍ، من المفترض أنه شديد الأهمية على هدف سهل وثمين.
 
من المتوقع أن يكون هجوم مالي أول الغيث في الهجوم على المصالح الفرنسية في غرب إفريقيا، وستكون بدايته على الأرجح من جماعة "بوكو حرام" الموالية لـ "داعش". وإذا كان الثمن سيكون دما، فعلى باريس أن تقبل بإعادة اقتسام كعكعة المصالح والنفوذ في غرب إفريقيا لمحاولة استقطاب عدد من القوى الأوروبية، أو محاولة دفع الولايات المتحدة لإرسال مزيد من التعزيزات العسكرية لمساندتها في الحفاظ على أمنها.

رابط دائم: