سيناريوهات ما بعد الاتفاق النووي.. الإمارات وإيران من "الاحتواء المرن" إلى "الاحتواء الحرج"
22-11-2015

مالك عوني
* مدير تحرير مجلة السياسة الدولية، كاتب وباحث مصري في العلاقات الدولية، مؤسسة الأهرام
 تمتعت العلاقات الإماراتية-الإيرانية، منذ استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971 وحتى اللحظة، بحالة ممتدة من الإدارة المنضبطة لخلافاتهما وتوجساتهما، أفضت إلى انخفاض احتمالية انخراطهما في أي تصعيد إقليمي يمكن أن يفضي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، وانخفاض مؤشرات التدخل الكثيف والخطر في الشأن الداخلي للطرف الآخر قياسا إلى النمط السائد في علاقات إبران بعدد آخر من دول الجوار. وتكشف أي قراءة جيواستراتيجية عن أن سمتى تجنب المواجهات العسكرية الكبرى في العلاقات الإيرانية-الخليجية، وتفادي أي محاولات تغيير جذرية لجوهر البنية الجيوسياسية للنظام الإقليمي حول الخليج العربي، اللتين ميزتا تاريخ منطقة الخليج العربي في حقبتيه الحديثة والمعاصرة، تعدان إحدى النتائج المباشرة لارتباط أمن هذه المنطقة بالركائز الاقتصادية والجيواستراتيجية الأساسية التي تأسست عليها الأنظمة الدولية المتعاقبة، منذ الثورة الصناعية، مما حدا بالقوى الدولية الكبرى المهيمنة على النظام الدولي إلى التدخل المباشر للحفاظ على أمن هذه المنطقة واستقرار بنيتها الجيوسياسية، والحيلولة دون أي محاولات لإحداث تغيير راديكالي فيها، بما يضمن حماية لطرق التجارة العالمية، أو تدفق النفط إلى الأسواق العالمية.
 
إلا أن درس علاقات إيران بكل دول من دول الخليج العربية، وتتبعها في سياق هذا النمط العام الحاكم المشار إليه، يكشفان كذلك عن تباين كبير بين كل حالة من حالات العلاقات الإيرانية-الخليجية فيما يتعلق بأربع سمات أساسية لتلك العلاقات، هي:
 
1- احتمالية الانخراط في تفاعلات صراعية مباشرة أو غير مباشرة.
2- طبيعة قضايا الصراع المحتملة وأدوات إدارته.
3- درجة الحدة المحتمل أن يبلغها الصراع بدون أن يبلغ حد المساس بجوهر البناء الجيوسياسي للمنطقة.
4- مدى توافر محفزات وإمكانيات ثنائية لضبط أي صراع محتمل بين إيران وأي من دول الخليج العربية.
 
وإذا كان مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين شهد ما يمكن تسميته "ثورة النفط" في المنطقة، بالنظر لما بدأت الثروة النفطية تحدثه من تحولات جذرية في هياكل أنظمة الحكم الداخلية في كل دولة وأسس شرعيتها، وفي قدرات كل من دول المنطقة داخليا وخارجيا، وأهميتها النسبية على سلم الاستراتيجية العالمية، وفي طبيعة قضايا التفاعل الإيرانية-الخليجية، فإن تتبع علاقات إيران مع كل من دول الخليج العربية، منذ ذلك التاريخ، تكشف عن أن احتمالية تفجر الصراع تعد الأدنى في إطار علاقات إيران بكل من سلطنة عمان وقطر، فيما ترتفع إمكانيات ضبطه وإدارته في إطار علاقاتها مع الإمارات، وينعكس الحال بدرجة كبيرة في إطار علاقات إيران مع كل من البحرين والملكة العربية السعودية.
 
 وتتحدد احتمالية تفجر الصراع، ومدى حدته، وإمكانيات ضبطه في إطار علاقة إيران مع كل دولة خليجية بناء على معادلة دقيقة ومعقدة تجمع عناصرها، إضافة إلى القيود النظمية المتعلقة بالنمط العام للعلاقات الإيرانية-الخليجية، ومحفزات التعاون والصراع ثنائية الطابع بين إيران وكل دولة خليجية. وتتصاعد منذ نحو عقد كامل مؤشرات متزايدة على تحول متسارع قيد التشكل في المعطيات النظمية النابعة من هيكل النظام الدولي والمحددة تاريخيا للنمط العام للتفاعلات الإقليمية في منطقة الخليج العربي. ولعل أبرز محفزات هذه التحولات ما يتعلق بالتراجع النسبي والمتواصل في أهمية موارد الوقود الأحفوري المتوافرة في المنطقة بالنسبة للاقتصاد العالمي، ولاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص من جهة، وبأزمة القيادة الأمريكية للنظام الدولي، من جهة ثانية، وهي الأزمة التي يعد أحد أبرز عواملها، بحسب رؤية قطاع واسع من النخبة الأمريكية، التكلفة المرتفعة لانخراط الولايات المتحدة الأمني في منطقة الشرق الأوسط.
 
ولعل أول إرهاصات هذه التحولات على مستوى النظام الدولي هو ما يبدو من سعي أمريكي حثيث لخفض انخراطها في الشرق الأوسط، بما ينطوي عليه ذلك من حالة سيولة أمنية بدأت تتبدى في المنطقة. ويمكن رصد ثلاثة من أبرز تجلياتها في الآتي:
 
1- محاولة أطراف وفاعلين إقليميين من الدول ومن غير الدول مد نفوذها عبر الشرق الأوسط بأسره، بل وإعادة صياغة بنائه الجيوسياسي بشكل كامل، بما يولده ذلك من صراعات ذات طابع إثني وطائفي لا يمكن ضبط حدتها، أو نطاقات امتدادها.
 
2- سعي أطراف دولية ذات مصالح في الشرق الأوسط للنهوض ببعض الوظائف الأمنية المحددة في المنطقة، ولكن بقدر حدود قدراتها ونطاقات مصالحها، وبدون أن يمتلك أي منها رؤية متكاملة لبناء أمني شامل بديل للمنطقة بأسرها، أو القدرة على توفير الموارد اللازمة لإرساء هذا االبناء، مما يعزز فرص الصدام فيما بينها، أو بينها وبين أطراف إقليمية.
 
3- تنامي حالة فوران سياسي واجتماعي وثقافي داخل دول المنطقة، وبين جماعاتها المختلفة، بحثا عن أسس جديدة للشرعية السياسية، في ظل تراجع الحماية الأمريكية لكثير من نظم الحكم التي تفتقر إلى قواعد ديمقراطية وطنية حقيقية لوجودها.
 
من شأن التغير المتوقع في الأهمية النسبية لنفط منطقة الخليج العربي على سلم أولويات النظام العالمي أن يفتح المجال، في الأمدين المتوسط والبعيد، أمام تحولات تاريخية في معادلة "الضمانة الدولية" التي حفظت طوال قرون بناء جيوسياسيا شبه مستقر في منطقة الخليج العربي. وبحسب ما ترصد العديد من القراءات الاستشرافية، وما يجليه تنامي مقدرات قوى كبرى ذات نزعة مراجعة وقدرتها على التأثير، واتساع نطاق أدوراها وحضورها في التفاعلات الدولية، خلال السنوات الخمس الماضية، فإن النظام العالمي يقف هو الآخر بدوره على أعتاب تحول كبير، تحول يرجح حال اكتماله ألا يعيد فقط تعريف هياكل القوة والقيادة في هذا النظام، ولكن أيضا قواعد التفاعلات التي يمكن أن يتم السماح بها في إطاره. في ظل تعدد مستويات التحولات المشار إليها على الصعيد العالمي، والتداخل فيما بينها، بات جليا أن استشراف تأثيراتها فى موقع منطقة الخليج العربي وأهميته في التفاعلات الدولية ليس بالأمر البسيط، بل إن تحديد هذا الموقع وتلك الأهمية، سواء على مستوى المآلات الواقعية، أو النماذج التحليلية، سيكون من التعقيد بمكان يجعل أي رهانات على سيناريو مستقبلي، عدا تعزيز المقدرات الذاتية لتلك الدول، وتأسيسها ركائز قوة جديدة سياسية واقتصادية، خلافا لما تتيحه لها موارد الوقود الأحفوري، أمرًا غير مضمون بأي حال، بل ومحفوفا بمخاطر جمة.
 
في خضم هذه التحولات المتسارعة ومتعددة المستويات، سواء في هيكل النظام العالمي، أو في معطيات الأهمية النسبية لمنطقة الخليج العربية عالميا، أو في التحديات المتصاعدة لمرتكزات الشرعية المؤسسة لوجود أنظمة الحكم في دولها، يرجح أن يفضي سعي دول منطقة الخليج العربية الحتمي إلى إعادة بناء مقدراتها، وتعريف أدوارها ومرتكزات أهميتها، واتجاهات تحالفاتها على الصعيدين العالمي والإقليمي إلى إعادة صياغة معادلات علاقاتها الثنائية مع إيران، وأن يضع هذه المعادلات بدورها كأحد محددات اتجاهات تطور السياسات الخارجية والداخلية لكل من إيران ودول الخليج العربية على السواء. في هذا الإطار، فإن استشراف مستقبل العلاقات الإيرانية-الخليجية لا يمكن تحديد سيناريوهاته بدون البحث في مدى رسوخ محفزات التعاون والصراع الثنائية في إطار كل من هذه المعادلات، ومدى استقلاليتها في مواجهة التحولات النابعة من النظام الدولي أو قابليتها للتأثر بتلك التحولات، وأخيرا البدائل المتاحة لإدارة هذه العلاقات، تعاونا أم صراعا.
 
تحاول هذه الورقة فحص معادلة العلاقات الإماراتية-الإيرانية، واستشراف التغير الذي يمكن أن يلحق بعناصر تلك المعادلة أو بما لهذه العناصر من آثار، جراء بدء بروز التداعيات الأولى لهذا التحول الكبير المشار إليه آنفا في موقع الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج، خاصة على سلم أولويات النظام العالمي الجديد قيد التشكل. وتركز الورقة في هذا السياق على ما يمكن أن يكون لاحتمال رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران من تأثير في معادلة العلاقات الإماراتية-الإيرانية. وكان مقررا الشروع في تطبيق الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران والقوى الدولية الممثلة في مجموعة (5+1)، يوم 19 أكتوبر 2015. إلا أن مسئولة السياسة الخارجية الأوروبية فريدريكا موغريني رجحت عقب لقاء جمع وزراء خارجية أطراف الاتفاق مساء الاثنين 26 سبتمبر 2015، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ألا يكتمل العمل اللازم لبدء تطبيق الاتفاق قبل مطلع عام 2016.i
 
 ويُعدّ حرص إدارة أوباما على إبرام هذا الاتفاق، برغم كل تحفظات حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين وهواجسهم بشأنه، وبرغم أنه، أي الاتفاق، لا يوفر إطارا يقوض بشكل نهائي إمكانية عسكرة البرنامج النووي الإيراني، بقدر ما يقيد هذا السيناريو ويرجئه لمدة 15 عاما، هي أمد الاتفاق، مؤشرا جليا على التراجع النسبي لأهمية منطقة الخليج العربي، وأمن حلفاء الولايات المتحدة فيها، على سلم الأولويات الأمنية والاستراتيجية الأمريكية، وتأكيدا على تمسك إدارة أوباما باستراتيجية خفض الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، ومحاولة توفير أبنية وأدوات بديلة لإدارة صراعات المنطقة وتحدياتها الأمنية.
 
وتكتسب دراسة معادلة العلاقات الإماراتية-الإيرانية أهمية خاصة، في هذا الإطار، حيث كانت تلك المعادلة الأكثر قدرة بين كل معادلات العلاقات الثنائية بين دول الخليج العربية وإيران على توفير إطار من الكوابح التي تتيح ضبط أي إمكانية لتصعيد أي خلاف بين الطرفين إلى أنماط صراعية حادة أو عنيفة، بما في ذلك الصدام العسكري، أو التدخل السلبي الكثيف أو واسع المدى في شئون الطرف الآخر بما يطرح تهديدا خطيرا لاستقراره أو لشرعية نظامه السياسي. وتتميز "الكوابح الضابطة" في إطار العلاقات الإماراتية-الإيرانية بأنها لا تستند فقط إلى معطيات توازن القوى الإقليمي التي تتوافر لمختلف معادلات العلاقات الثنائية بين دول الخليج العربية وإيران، ولا توفر كابحا لأشكال التدخل السلبي الكثيفة، خاصة من جانب إيران في شئون الدول الخليجية العربية التي لا تتوافر لها مقومات كبح أخرى، ولكن الكوابح الضابطة في إطار العلاقات الإماراتية-الإيرانية تستند أيضا إلى عاملين آخرين مهمين يتميزان بنوع من التفاعل الديالكتيكي فيما بينهما، حيث كان لكل منهما تأثير في تعزيز الآخر، وهما:
 
1- ما تميزت به البنية المجتمعية والنخبوية في الإمارات والمناطق التي عُرفت منذ عام 1820 بإمارات الساحل المتصالح، وشكل سبع منها لاحقا دولة الإمارات العربية المتحدة من انفتاح نسبي إزاء إمكانية استيعاب العناصر ذات الأصول الفارسية التي هاجرت إلى تلك الإمارات والمناطق على الساحل الغربي للخليج العربي، خلال عمليات تفاعل بشري متواصلة لم تنقطع بفعل عامل القرب الجغرافي، وتنامي فرص التجارة المتبادلة، خاصة منذ القرن السادس عشر.ii ولعبت هذه العناصر ذات الأصول الفارسية، بحسب ما سيلي بيانه، أدوارا اقتصادية وسياسية مهمة في مراحل ما قبل نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة، وما بعدها، كما أسهمت في تعزيز شبكة منافع متبادلة بين ضفتي الخليج العربي، وفي إمكانية تقبل النخب السياسية على الضفتين لمصالح الطرف الآخر، وإعلائها لأولوية سبل الإدارة السلمية للعلاقات الثنائية.
 
ويمكن فهم هذا التميز النسبي الذي تمتعت به البنية الاجتماعية والنخبوية في دولة الإمارات، مقارنة بعدد من دول الخليج العربية المجاورة، في ضوء معطيين أساسيين:
 
أ‌- ضعف حدة الهاجس المذهبي في ظل حقيقة أن التركيبة السكانية للقبائل الإماراتية لم تعرف تاريخيا غلبة للمكون الشيعي،iii وبالتالي لم يكن هاجس إحداث انقلاب في التركيبة المذهبية حاضرا مثلما هو عليه الحال في حالة دولة البحرين، أو قلق السعودية من أي تنام للنفوذ الإيراني في مناطقها الشرقية.
 
ب‌- تطور النزعة التجارية لدى قبائل حلف بني ياس التي أسست إمارتي أبوظبي ودبي بما تتضمنه من انفتاح ضروري على شعوب وأمم مختلفة ومتعددة،iv حدت من انتشار النزعة المذهبية شديدة المحافظة لفكر السلفية الوهابية في هاتين الإمارتين، بينما تبنته صراحة قبائل القواسم. وعزز ذلك التوجه بعيدا عن المحافظة الوهابية، والذي أتاح استيعاب جماعات إثنية مختلفة مذهبيا في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ الساحل الإماراتي الحديث والمعاصر، تصدر شيوخ أبوظبي منذ مطلع القرن التاسع عشر حركة المقاومة القبلية لمحاولات الحركة الوهابية/السعودية مد سيطرتها إلى منطقة العين/البريمي.v
 
إلى ذلك، تتمايز درجة هذا الانفتاح بدورها بين إمارة وأخرى بحسب التفاعلات بين القبيلة المسيطرة والمهيمنة في كل من هذه الإمارات والجانب الإيراني. وفي المجمل، فإن درجة الانفتاح تلك تبلغ ذروتها في إمارة دبي التي مثلت التجارة والعوامل المحفزة لها، مثل التنوع البشري والنخبوي، ركنا جوهريا في نهضتها في ظل محدودية مواردها من النفط والغاز، مقارنة بإمارة أبوظبي.
 
2- شبكة معقدة من المنافع المتبادلة تطورت عبر هذا التاريخ الممتد من التفاعلات البشرية/الحضارية في مختلف جوانبها السياسية، والاقتصادية، والثقافية.
 
وبالرغم من النزاع الإقليمي الممتد بين البلدين، جراء احتلال إيران ثلاث جزر إماراتية في الثلاثين من نوفمبر 1971، قبل أيام قليلة من إعلان استقلال دولة الإمارات العربية المحتلة عن الحماية البريطانية في 2 ديسمبر 1971، وبالرغم من تمسك كلا الطرفين بدعاواه فيما يتعلق بالجزر الثلاث، فقد أثبتت معادلة العلاقات بين البلدين، منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، قدرتها على تحييد نزاعهما الإقليمي عن كل ما شهدته منطقة الخليج العربي من لحظات صراع كبرى وفارقة، ومما ترتب عليها من تحولات متوالية ودراماتيكية في موازين القوة، مدًا وجزرًا ، وتمسك البلدين بسياسة ثابتة وصارمة تقوم على تجنب تصعيد نزاعهما الإقليمي إلى أي مستوى يهدد بصدام عسكري مباشر بينهما. وأمكن للبلدين الحفاظ على تلك السياسة وتعزيزها من خلال سياسة "احتواء مرن" ارتكزت على عنصرين أساسيين:
 
1- شبكة معقدة من توازنات القوى العسكرية ترتكز على عمليات بناء للقوة العسكرية الذاتية، وهي سياسة كانت نشطة جدا في إيران طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن تلتحق بها الإمارات بقوة خلال السنوات العشر الأخيرة، وتحالفات إقليمية ودولية للدفاع المشترك، خاصة من قِبل الإمارات، وأخيرا عملية تموضع دقيقة في موازين القوى الكلية للنظام الدولي وبناه المصلحية الكبرى بما يحول دون استهداف مباشر ومدمر للنظام السياسي القائم في أي من البلدين.
 
2- شبكة موازية من العلاقات الاقتصادية الكثيفة والجوهرية في تحقيق نسق من المصالح التي ترتبط بأمن كلتا الدولتين، وفرص نموهما، وبحيث لا يقتصر مردود تلك العلاقات فقط على المنافع الاقتصادية المباشرة.
 
وستحاول الورقة فيما يأتي تفصيل أبرز الخصائص التي منحت معادلة العلاقات الإماراتية-الإيرانية سمة المرونة التي جعلت الحفاظ على علاقات سلمية، بل وتعاونية في كثير من الأحيان، خيارا إيجابيا يحرص عليه البلدان بقدر ما يعود عليهما بالنفع، ويخرج علاقاتهما عن أن تكون محصورة فقط في نطاق التداعيات السلبية والمقيدة لمنطق الردع المستند إلى توازن القوى العسكرية، أو القيود النابعة من البنية النظمية الإقليمية أو العالمية.
 
أولا- ركائز الاحتواء المرن بين الإمارات وإيران:
 
مثّلت العلاقات الاقتصادية، وتحديدا التبادل التجاري، وعمليات تهريب البضائع، الركن الأساسي الذي منح معادلة الاحتواء الإماراتية-الإيرانية سمة المرونة السابق الإشارة إليها، ووفرت لها دينامية داخلية خاصة تميزها عن النمط العام لحالة ضبط العلاقات الخليجية-الإيرانية التي ترتكز بالأساس على التوازنات الكلية والكبرى للنظامين الإقليمي والعالمي. وطوال نحو عشر سنوات، منذ بدأ مسار فرض عقوبات أممية على إيران،vi كانت الإمارات العربية المتحدة، وإمارة دبي تحديدا، بمنزلة الرئة بالنسبة للاقتصاد الإيراني، والباب الخلفي الرئيسي للجزء الأكبر والأهم من الواردات التي يحتاج إليها هذا الاقتصاد بمختلف أنواعها. بل وبحسب العديد من التصريحات الرسمية الأمريكية خاصة، والتقارير الإخبارية التي نشرتها عديد من الصحف ووكالات الأنباء العالمية،vii كان الكثير من الشركات العاملة في تجارة إعادة التصدير في إمارة دبي ممرا رئيسيا لعبور بعض المكونات ثنائية الاستخدام المدني/العسكري التي أسهمت في تمكين إيران من مواصلة تطوير برنامجها النووي، بالرغم من العقوبات المتوالية والمتصاعدة التي تم فرضها عليها.
 
هذا الدور المحوري في دعم قدرة الاقتصاد الإيراني، بل والبرنامج النووي الإيراني، على الاستمرار في مواجهة العقوبات الدولية، هو ما جعل للعلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وللحفاظ عليها أهمية خاصة بالنسبة لإيران، تتجاوز مجرد عائدها الاقتصادي المباشر، حيث كانت أحد عوامل قدرة إيران على مواصلة المواجهة طويلة الأمد مع العقوبات الدولية التي فرضت عليها، وهو ما يرتبط بجوهر الامن القومي الإيراني، وليس فقط بأي منافع اقتصادية محدودة.
إلا أنه سيكون من الإجحاف افتراض أن أهمية تلك العلاقات كانت تصب بالأساس في اتجاه واحد، بقدر ما كانت تحقق منافع متبادلة لطرفيها. ويمكن تبين ثلاثة متغيرات أساسية أسهمت في متانة العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإيران، وأهمية ما تولده من منافع متبادلة للبلدين خلال السنوات العشر الماضية، هي:
 
1- دور الهجرات البشرية التي تدفقت على الإمارات منذ نهاية القرن التاسع على الأقل في تطور البناء الاقتصادي والاجتماعي والنخبوي للدولة.viii
 
2- الاستثمارات الإيرانية في الاقتصاد الإماراتي. ورغم عدم وجود تقديرات دقيقة بشأن حجم الاستثمارات الإجمالية للجالية الإيرانية في الإمارات، فإن ناصر هاشم بور، نائب رئيس مجلس الأعمال الإيراني في دبي، قدر هذه الاستثمارات بما يتراوح بين200 مليار دولارو300 مليار دولار،ixموضحا أن الإمارات تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الاستحواذ على الأصول الاستثمارية للإيرانيين في الخارج.x
 
وتمثل حجم ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات، بحسب تلك التقديرات، ما يتراوح بين 20% و 30% من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات في عام 2012، والتي بلغت، بحسب تقرير "مؤشر ثروة الأصول المشيدة العالمية لعام 2013"، نحو تريليون دولار.xi ويعد حجم ثروة الأصول المادية، وكفاءتها، من العوامل الأساسية المحفزة للنمو في دولة ما، والمحددة لفرصه مستقبلا.
 
3- التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين، والذي تكرست عوامله الهيكلية المؤسسة طوال قرون ممتدة نتيجة عامل التقارب الجغرافي. إلا أن أهميته، كأحد أهم مقومات علاقة متبادل معقدة وقوية بين البلدين، بدأت تترسخ وتتزايد بشكل كبير منذ نهايات القرن التاسع عشر.
 
ويمكن ملاحظة أن علاقة التبادل تلك أمكنها توفير إطار فعال لاحتواء تداعيات أربعة أزمات حادة تعرضت لها علاقات البلدين والمنطقة منذ سبعينيات القرن العشرين، هي:
 
أ‌- احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث (أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى)، في 30 نوفمبر 1971 قبيل يومين فقط من إعلان تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
ب‌- الثورة الإسلامية في إيران وما استتبعته من مواجهة طويلة وممتدة بين النظام الجديد في إيران والولايات المتحدة الامريكية، ولم تحاول الإمارات استغلال هذا التحول لاتخاذ أي إجراءات تصعيد صراعية تجاه إيران. بل إن العكس هو الذي حدث، حيث أعلت دولة الإمارات العربية من التوجه التعاوني، وأولوية المنافع المتبادلة مع إيران على أي خيارات صراع مفتوح.
 
ج‌- تفجر الحرب العراقية-الإيرانية في عام 1980، وما أفضت إليه من توتر في علاقات إيران مع جيرانها من دول الخليج العربية التي عمدت إلى إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 كأحد إجراءات مواجهة أي تهديدات امنية من قبل إيران واحتوائها. وبالرغم من انضمام دولة الإمارات إلى هذا الكيان الإقليمي الجديد، فإنها حرصت، في الوقت ذاته، على تبني موقف محايد من الحرب بين العراق وإيران، وسعت إلى التوسط بين إيران وبقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بل وشهدت سنوات تلك الحرب تناميا ملحوظا في العلاقات التجارية بين الإمارات العربية المتحدة وإيران.
 
د- المواجهة التي تواصلت على مدار عقد كامل بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من حلفائها الأوروبيين، والإقليميين في الشرق الأوسط من جهة أخرى، على خلفية القلق الدولي من البرنامج النووي الإيراني، واحتمالات عسكرته. ويلاحظ أن أهمية التبادل التجاري مع الإمارات بالنسبة لإيران بلغت ذروتها خلال تلك الفترة، حيث يكفي ملاحظة أن الإمارات باتت تتصدر قائمة الدول الأكثر تصديرا لإيران منذ عام 2007، وبلغت نسبة ما تصدره أو تعيد تصديره من سلع إلى إيران نحو 39% من واردات هذا البلد في عام 2014، بعدما كانت تلك النسبة لا تتجاوز 14% في عام 2000.xii
 
في ضوء العرض السابق، يمكن تحديد أبرز خصائص سياسة الاحتواء المرن التي ميزت العلاقات الإماراتية-الإيرانية عن غيرها من العلاقات الخليجية-الإيرانية، فيما يأتي:
 
أ‌- ارتكزت سياسة الاحتواء المرن على شقين رئيسيين:
 
- يتعلق الشق الأول بتعزيز شبكة منافع متبادلة مكثفة تأسست تاريخيا على معطيات تفاعل بشري، وتجاري، واستثماري إيجابية، أتاحها التاريخ والجغرافيا بشقيها الطبيعي والسياسي. وتتيح شبكة المنافع تلك زيادة الحافزية لانتهاج سياسات تعاونية، وتجنب إحداث أي إضرار جسيم بالطرف الآخر وأمنه وأستقراره، بما سيعود خصما من تلك المنافع. تجلى ذلك التأثير في حرص إيران على عدم انتهاج أي سياسات تصعيدية، سواء على المستوى التهديد العسكري، أو على مستوى استغلال أداة الهوية الإثنية لمحاولة التدخل في شئون الإمارات الداخلية، والإضرار باستقرار الدولة والمجتمع فيها، خلافا للسياسة التي تتبعها إيران في أكثر من دولة من من دول المنطقة.
 
إلا أنه لا يمكن، في هذا السياق، إغفال أثر سياسات دولة الرعاية التي انتهجتها الإمارات منذ تأسيسها إزاء الجزء الأكبر من سكان الدولة في الحد من أي محاولات لتهديد أمن الدولة، أو تحدي شرعيتها السياسية. إلا أن هذه السياسات التي توسعت مباشرة، عقب انتفاضات الربيع العربي التي طالت عددا من البلدان العربية، تبقى رهنا باستمرار الوفرة المالية المتاحة حاليا للنظام السياسي في الإمارات، وهو ما قد يكون موضع تساؤل في حالة استمر تراجع أسعار النفط. كما لا يمكن إغفال أثر سياسة التوازن السكاني الدقيقة التي تنتهجها السلطات الإماراتية لضمان عدم ازدياد وزن أي مجموعة سكانية قد تمثل تهديدا لأمن الدولة على الحد الآمن الذي يمكن ضبطه.
 
 وفي المقابل، فقد حرصت الإمارات، من جانبها، على عدم الإسهام بشكل جوهري في تصعيد الضغوط الإقليمية أو ما وراء الإقليمية على النظام السياسي في إيران، بل إنها غالبا ما سعت لاستغلال تلك الضغوط للإفادة في تعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية مع إيران، وزيادة أهمية الإمارات على سلم المصالح الإيرانية.
 
- يتمثل الشق الثاني للمعادلة في الحفاظ على أدوات الردع العسكري لدى الطرفين، والتي تتمثل في حالة إيران في عمليات بناء وتطوير عسكري متواصلة، فيما تمثلت في حالة الإمارات في الدخول في تحالفات إقليمية، على غرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتحالفات ما وراء إقليمية، كما يتجلى في إبرام اتفاقات تعاون عسكري مع الولايات المتحدة والناتو، أو السماح بإقامة قاعدة عسكرية فرنسية على أراضيها. وسيكون هذا الشق بدوره موضع تساؤل، خاصة بالنسبة للإمارات، في ضوء الشكوك التي تحوم حول استمرار الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة ودولها. ولعل ذلك يفسر توجه الإمارات لتعزيز قوتها العسكرية منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
 
ب‌- تزداد أهمية معادلة الاحتواء المرن وجدواها في ظل تعرض الدولة الإيرانية لأزمات وضغوط خارجية، سواء إقليمية أو دولية، مثلما بدا ذلك بوضح إبان الحرب العراقية-الإيرانية، أو في ظل تصاعد الضغوط والعقوبات الأمريكية والدولية على إيران. ويمكن هنا افتراض أن تحرر إيران من تلك الضغوط والأزمات قد يضعف كثيرا من جوانب معادلة الاحتواء المرن تلك، خاصة ما يتعلق منها بالاعتماد الكبير على العلاقات التجارية والاقتصادية مع الإمارات العربية المتحدة، وإمارة دبي خاصة.
 
ثانيا- ما بعد الاتفاق النووي.. سيناريوهات الاحتواء الحرج:
 
يفتح اتفاق تسوية الخلاف بشأن البرنامج النووي الإيراني، أو ما يعرف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" (Joint Comprehensive Action Plan) الذي توصلت إليه إيران ومجموعة (5+1) في 24 يوليو 2015 الباب أمام تحولات واسعة وراديكالية في معطيات جوهرية هيمنت على المشهد الإقليمي منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، مما يشير بالتالي إلى تحولات مهمة ستطال بدورها معادلة الاحتواء المرن التي هيمنت بدورها على العلاقات الإماراتية-الإيرانية منذ تأسيس دولة الإمارات في عام 1971. وفي الواقع، فإن هناك عدة فضاءات تتقاطع مع معادلة الاحتواء المرن تلك، يتوقع أن يفضي الاتفاق النووي إلى تغييرات مباشرة في بعضها، خاصة ما يتعلق منها ببنية الاعتماد المتبادل بين الطرفين، أو يحفز تغييرات في بعضها الآخر، خاصة ما يتعلق بمحاولات تعزيز القوة العسكرية لكلا الطرفين، أو يتفاعل مع تغييرات جارية بالفعل في إطار بعضها الثالث، خاصة ما يتعلق بالتحولات الجلية في نمط الانخراط العالمي في المنطقة، وتداعيات ذلك على بناها الأمنية. وسنعمل فيما يأتي على تفصيل بعض جوانب التغيرات التي قد تلحق بشق الاعتماد المتبادل في معادلة الاحتواء المرن السابق بيانها، ذلك أن التغيرات في الجوانب الأخرى تصب في اتجاه معادلة احتواء بديلة تفتقر لسمة المرونة:
 
1- العقوبات الدولية: يعد فضاء العقوبات الدولية هو الفضاء المرجح أن يشهد تغييرات شبه مؤكدة وسريعة يفترض أن تتحقق مع نهاية عام 2015 الحالي، أو في مطلع عام 2016. وبحسب الاتفاق النووي، سيتم رفع العقوبات الأممية، وتجميد العقوبات الأمريكية والأوروبية تدريجيا بحسب مدى التزام إيران بتنفيذ التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق النووي، وبعد الحصول على تأكيدات من آلية التفتيش التي تديرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبينما يتوقع أن يتم رفع العقوبات المالية والاقتصادية في المدى القريب، بما في ذلك الحظر على تصدير النفط الإيراني، فإن الصادرات المتعلقة بتقنيات أو مواد عسكرية يمكن استخدامها في تطوير وسائل إيصال أسلحة نووية ستكون موضع فحص وتدقيق حالة بحالة لمدة تصل إلى ثمانية أعوام،xiii بحسب ما تضمنه قرار مجلس الأمن رقم 2231 الصادر في 20 يوليو 2015 بشأن إقرار الاتفاق النووي مع إيران، وتحديد معايير رفع العقوبات عنها. ولكن سيبقى مدى تقيد مختلف الدول بنظام الفحص هذا موضع تساؤل وشك، مثلما هو الحال بالنسبة للكثير من القرارات الأممية.
 
 ويستلزم استشراف ما يمكن أن يكون لرفع العقوبات المالية والاقتصادية من تأثير فى معادلة الاحتواء المرن الإماراتية-الإيرانية التمييز بين التأثيرات المتوقعة في المدى القريب، والتأثيرات المتوقعة في المديين المتوسط والبعيد. وتنحو أغلب التقديرات إلى أن دولة الإمارات، وإمارة دبي خاصة، ستستفيدان بشكل مباشر من رفع تلك العقوبات. ونظرا لضعف البنى الأساسية المادية في إيران من موانئ، ومطارات، ووسائل نقل، فضلا عن تقادمها ومحدوديتها، بالإضافة إلى ضعف تحديث أنظمة التشغيل المختلفة، وعدم امتلاك خبرات التعامل الكفء مع أكثرها حداثة، جراء العقوبات الدولية الطويلة التي تم فرضها على هذا البلد، يتوقع أن يعتمد الطامحون إلى دخول السوق الإيرانية، ومباشرة الأعمال معه على ما يتوافر لدى دولة الإمارات والشركات العاملة فيها من بنى أساسية، وأنظمة تشغيل، وبيئة عمل حديثة وكفء، إضافة إلى ما تتمتع به من شبكات اتصال قوية بكل من النظام الاقتصادي والمالي العالمي، وبالسوق الإيرانية، في آن واحد.
 
وإذا كان ذلك هو السيناريو المتوقع في المدى القريب، فمن غير المتوقع استمرار معطياته السابق الإشارة إليها في المديين المتوسط والبعيد، مع اتجاه إيران إلى تطوير بناها الأساسية، وتحديث أنظمة التشغيل، وبيئة العمل في قطاعاتها الإنتاجية والخدمية المختلفة، فإن ذلك سيفضي حتما إلى انتقال جزء كبير من التعاملات التجارية والاستثمارية مع إيران إلى أراضيها. ومن شأن ذلك أن يلقي بالآثار الأربعة الآتية على معادلة الاحتواء المرن الإماراتية-الإيرانية، في المديين المتوسط والبعيد:
 
أ‌- انتقال جزء مهم من الأعمال التي تتم مع إيران عبر الإمارات إلى إيران، مما قد يعني تقلصا جوهريا في حجم الأعمال التي تتم في الإمارات، خاصة في مجال إعادة التصدير بما سيكون لذلك من ضرر يمس قطاعا مهما من قطاعات الاقتصاد الإماراتي قد يستلزم تعديلا هيكليا في تخصيص موارده. ولكن الأخطر في هذا السياق هو احتمال انتقال عدد من الشركات ورءوس الأموال التي تنشط في الإمارات إلى داخل إيران، خاصة تلك الشركات التي تعنى بالأساس بتنفيذ أعمال ترتبط بالسوق الإيرانية، أو رءوس الأموال التي تخص إيرانيين يستثمرون في القطاع العقاري في دبي. وسيتجاوز تأثير ذلك مجرد تقلص حجم الأعمال إلى تقلص القدرة الاستثمارية ذاتها في الاقتصاد الإماراتي. وقد يترتب على ذلك مزيد من اختلال توازن القوى الاتحادي بين دبي وأبوظبي لمصلحة الاخيرة الأكثر غنى، خاصة مع احتمال أن تكون دبي، أحد أهم أركان معادلة الاحتواء المرن المشار إليها، هي الأكثر تضررا من أي انسحاب للأعمال ورءوس الأموال باتجاه الداخل الإيراني.
 
ب‌- مع اتساع دائرة العلاقات الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية التي ستتاح أمام إيران، جراء رفع العقوبات الدولية عليها، وتنوع الشركاء المتاحين إقليميا وعالميا بالنسبة لها، يرجح أن يتقلص الاعتماد الإيراني الذي ازداد بشدة، خلال السنوات العشر الأخيرة، على الإمارات العربية المتحدة، بعدّها مصدرا رئيسيا لتدفق موارد استراتيجية، ليس فقط بالنسبة للاقتصاد الإيراني، بل أيضا لبعض جوانب قوتها العسكرية، وبرنامجها النووي. وبقدر ما كان مثل هذا الاعتماد هو الركن الرئيسي لسمة المرونة التي تميزت بها معادلة الاحتواء المتبادل بين البلدين، فأغلب الظن أن كلا الطرفين سيعملان على البحث عن مقومات جديدة لتعزيز معادلة الاحتواء تلك، أو تعزيز رُكنها الآخر، وهو القائم على تعزيز قدرة الردع العسكرية الشاملة، وهي العملية المتسارعة بالفعل منذ بضع سنوات، مما يرجح معه أن تفقد معادلة الاحتواء سمة المرونة التي ميزتها طوال العقود الماضية.
 
ج‌- يرجح أن تتغير حركة التدفق الاستثماري تدريجيا باتجاه إيران، حيث يتوقع في المدى القريب استثمارات إماراتية للمشاركة في مشاريع البنية الأساسية التي يتوقع تسارعها في إيران خلال المرحلة المقبلة لتحديث مختلف قطاعات البلاد الإنتاجية والخدمية. أما في المدى المتوسط، فيتوقع أن تتزايد حركة الاستثمار من الإمارات باتجاه إيران، سواء أكانت استثمارات لشركات أسست في الإمارات، ويرتبط نشاطها بالسوق الإيرانية أساسا، أم كان تدفقا استثماريا يعبر عن سياسة إماراتية واعية ومقصودة بهدف تأسيس شراكات إماراتية-إيرانية جديدة في أي عملية تنموية، يرجح أن تتسارع في إيران خلال السنوات القليلة المقبلة. ويرجح أن تستهدف الإمارات، حال تبنيها خيار تكثيف استثماراتها في إيران في المدى المتوسط، تحقيق غايتين رئيسيتين:
 
- الاستفادة من عوائد أي فرص للنمو، والتي قد تتزايد في إيران عقب رفع العقوبات الدولية عنها، ولكن الأهم في هذا الصدد سيكون محاولة تأسيس شراكة استثمارية تحد من الآثار التنافسية السلبية المتوقعة على اقتصاد دولة الإمارات، ووضعها كمركز إقليمي رئيسي لتجارة إعادة التصدير والخدمات، حال تبني إيران مشاريع مماثلة ذات طابع إقليمي مستفيدة مما يتيحه لها سوقها الكبيرة، واتصالها الجغرافي المباشر بأسواق وسط آسيا، وسواحلها الطويلة الممتدة على بحر العرب والخليج العربي على السواء.
 
- محاولة استغلال هذه الشراكة الاستثمارية لتأسيس قواعد ومحفزات جديدة للاعتماد المتبادل بين البلدين، بما يتيح احتواء تداعيات أي تقلص مرجح في اعتماد إيران على الإمارات كبوابة تجارية واستثمارية رئيسية، مثلما كان الحال عليه تاريخيا. وسيكون الرهان الرئيسي في هذا الإطار هو محاولة خلق قواعد مجتمعية ونخبوية داخل إيران، ويعد الحفاظ على علاقات مستقرة وإيجابية بين إيران والإمارات بالنسبة لها مصلحة استراتيجية، وبالتالي أن يكون هذا الحفاظ على هذا النمط من العلاقات بين البلدين هو أحد المحددات الرئيسية لسياسة إيران المستقبلية تجاه الإمارات. بعبارة أخرى، قد نشهد محاولة إعادة إنتاج معاكسة لعلاقة الاعتماد المتبادل الإيجابية التي أنتجتها حركات رءوس الأموال الإيرانية باتجاه الإمارات طوال القرن العشرين وحتى الآن.
 
وفي ظل حقيقة أن تحقيق هاتين الغايتين لا يعد أمرا مضمونا، في ضوء تعقد معطيات الداخل الإيراني، وقوة التيارات الفكرية والسياسية، والأطراف المؤسسية الفاعلة في النظام التي تدعم فكرة التفوق الإيراني في صورته الإمبراطورية، وما قد تغتر به نخبة إيران السياسية من اندفاع دولي لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري معها، يرجح أن تعتمد الإمارات بشكل مواز ومتزامن، ومثلما سبقت الإشارة، استراتيجية تعزيز مكون الردع في معادلة علاقتها مع إيران.
وسيبقى تحديد شكل العلاقات التجارية والاستثمارية بين الطرفين في المدى البعيد رهنا بعاملين أساسيين، أولهما ما سيتمخض عن مرحلة ما بعد رفع العقوبات عن إيران في المدى المتوسط من غلبة نزعات الهيمنة أو التعاون المتوازن في سياسة إيران تجاه الإمارات وبقية دول الخليج العربية. ثانيهما: ما سيكون متاحا لدولة الإمارات من فوائض مالية، في ظل احتمالات تواصل اتجاه انخفاض أسعار النفط الخام. لكن التحول الاستثماري المتوقع باتجاه إيران في المديين القريب والمتوسط يرجح أن يزيد ثقل كفة إمارة أبوظبي، الغنية بفوائضها المالية، والعوائد النفطية، مقابل دبي في معادلة العلاقات الإماراتية-الإيرانية.
 
2- معضلة النزعة الإمبراطورية الإيرانية: تمثل نزعة التفوق الحضاري في مقابل محيطها الإقليمي أحد المكونات الرئيسية للشخصية القومية الإيرانية/الفارسية، التي تعكس في جزء مهم من العقل السياسي الإيراني نزعة للهيمنة الإمبراطورية تحت مسميات ودعاوى مختلفة تطورت عبر التاريخ الإيراني السياسي والمذهبي. وتجسدت هاتان النزعتان في العديد من مؤسسات النظام الإيراني وسياساته كإحدى آليات الدفاع والردع طوال سنيّ المواجهة مع المعسكر الغربي، منذ تفجر الثورة الإسلامية، خاصة مع عودة إيران لاستئناف تطوير برنامجها النووي في منتصف التسعينيات. ويبدو أحد التحديات المهمة أمام أي إعادة تأطير لإيران ودورها في النظام الإقليمي لمنطقة الخليج العربية، بعد رفع العقوبات الدولية عنها، رهنا بماهية التحولات التي قد تطرأ ليس فقط على السياسات الإيرانية، ولكن الأهم على الذهنية السياسية الإيرانية وإدراكها لمحيطها الإقليمي.
 
وبقدر ما يراهن الاتفاق النووي مع إيران على إحداث مثل هذا التغيير في سياسات الهيمنة والتفوق الإيرانية، من خلال سلسلة حوافز وشبكات منافع متبادلة، فإن مردود أي تغيير إيجابي في هذا الصدد يرجح أن ينصب على محاولة إزالة التعارض والمواجهة مع مصالح المعسكر الغربي في المنطقة، لكنه لا يضمن بالضرورة تحولا حقيقيا في نزعات الهيمنة الإيرانية إزاء محيطها القريب. بل إن هناك خشية حقيقية من أن تعتمد إيران فى هيمنتها الإقليمية على أحد عناصر قوتها في مرحلة سيولة وإعادة تشكل للنظام العالمي، وموازين القوى، وأدوار القوى الرئيسية فيه. وفي هذا الصدد، ومع ما هو متوقع من تآكل في العديد من مكونات الاعتماد المتبادل التقليدية بين الإمارات وإيران، ومع احتمالات اتجاه النظام الأمني في المنطقة نحو مزيد من الهشاشة، مع فقدانه المرجح لأولويته بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، القائد الدولي الراهن، واستراتيجيتها العالمية، تتزايد احتمالات تحول معادلة الاحتواء المرن بين الإمارات وإيران إلى معادلة بديلة للاحتواء الحرج، يتنازعها اتجاهان رئيسيان: أحدهما مدى قدرة إيران على امتلاك قدرات الهيمنة الإقليمية. أما الآخر، فهو مدى قدرة الإمارات على تعزيز أبنية الردع الذاتي والإقليمي.
 
وفي هذا الإطار، يرجح ألا نشهد في المديين القريب أو المتوسط سيناريو يتضمن سعي أحد الطرفين لممارسة تصعيد عسكري تجاه الطرف الآخر، أو الإضرار بأمنه وسلامته الإقليمية استراتيجيا، لكن سيبقى أمام كلتا الدولتين مجموعة سياسات يمثل مدى نجاحهما فيها محددا لميل كفة معادلة الاحتواء الحرج باتجاه هيمنة إيرانية، أو توازن ردع إماراتي. ويمكن إجمال هذه السياسات بالنسبة لكل من الدولتين فيما يأتي:
 
أ‌- بالنسبة لإيران:
 
- النجاح في بناء أسس نموذج تنموي مستقل وفاعل يتيح لها مواصلة جهودها في التحديث العسكري والنووي.
- فرض نظام أمني منعزل لمنطقة الخليج، يتم فيه تحييد أي حضور لقوى إقليمية أو دولية من خارج دول النظام الإقليمي الخليجي.
- التمكن من زعزعة استقرار دول الخليج العربية المجاورة وأنظمتها السياسية، استنادا إلى معطيات طائفية ومذهبية، وضعف مقدرتها على الاستيعاب الديمقراطي لمختلف مكوناتها، وأخيرا التآكل في قدرتهاعلى مواصلة انتهاج سياسات دولة الرعاية من تآكل قدراتها المالية الريعية.
 
ب‌- بالنسبة لدولة الإمارات:
 
- تبني سياسة تعزيز عسكري قوية ومتنوعة ومتسارعة، تبدو ملامحها واضحة بجلاء خلال العقد الماضي بأسره. وفي هذا الإطار، يعد امتلاك الإمارات لقدرات إيصال صاروخية كفء ومتوسطة المدى عنصر ردع أساسيا، وليس مجرد الاقتصار على امتلاك أنظمة دفاع صاروخية.
 
- تحقيق سياسة توزان سكاني، ليس فقط من المنظور العددي، ولكن من حيث منظور توازن توزيع الموارد وعدالته. ويعد الانفتاح الديمقراطي التدريجي، ومحاولة تطوير سياسة بوتقة صهر لتجنيس العناصر الأكثر كفاءة بما لا يخل بهذا التوازن، مدخلين مهمين لتوفير عوامل استقرار مجتمعي، واستدامة تنموية على المديين المتوسط والبعيد.
 
- الانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط، خاصة في مجالات التصنيع، وتطوير بدائل الطاقة، وعدم الاقتصار على الاقتصاد الريعي أو الخدمي. وهي جهود وإن كانت تبدو بعض إرهاصاتها في الإمارات، فإنها لم تبلغ بأي حال الحد الذي يضمن أمان البناء الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
 
- النجاح في تعزيز نظام أمني إقليمي بديل متعدد الأطراف. وفي هذا الإطار، وبقدر ما يعد تطوير التكامل الأمني الخليجي مهما، فإنه لا يبدو خيارا كافيا أو آمنا، في ظل عوامل الهشاشة السياسية والمجتمعية التي تعانيها أغلب دول الخليج العربي. ولذا، فإن الإمارات تبدو معنية بمدخلين آخرين لتعزيز نظام أمن إقليمي يستوعب تداعيات أي خفض للانخراط الأمريكي في المنطقة، أولهما: إعطاء زخم للتكامل الأمني العربي الأوسع نطاقا يعد ضروريا، وإن كان التحول الديمقراطي العسير يعد شرطا ضروريا لاستدامته وفاعليته. أما الآخر، فيتمثل في محاولة جذب أطراف دولية قوية وذات مصالح في المنطقة للعب أدوار أمنية في أي نظام جديد يتم تأسيسه. وفي هذا الصدد، يبرز سماح الإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية على أراضيها، مع تبني الإمارات سياسة مواجهة عنيفة تجاه التدخل الروسي الأخير في سوريا. ولكن سيبقى من المهم محاولة ربط هذه الأطراف الدولية بمصالح استراتيجية ومستدامة مع دول الخليج، خاصة روسيا والصين، وكذلك العمل على تنسيق هذا الحضور لأدوار أمنية لقوى من خارج المنطقة، من خلال اتفاقيات تعاون دفاعي واضحة ودقيقة منعا لتنافس هذه الأدوار وتعارضها.
 
وفي الخلاصة، يبدو أن معادلة العلاقات الإماراتية-الإيرانية التي كانت الأكثر تميزا، منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، بين كل معادلات العلاقات الخليجية-الإيرانية مقبلة على لحظة اختبار تاريخي جوهرية وحرجة في آن واحد.
 
-----------------------------
* نشرت هذه الورقة بدون هوامش في عدد نوفمبر 2015 من دورية "رؤى مصرية" التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية - مؤسسة الأهرام.
 
المراجع:
 
i Parties in Iran Nuclear Deal Aim for Implementation in Early 2016, The Wall Street Journal 2015, 28 September 2015.
 
http://www.wsj.com/articles/parties-in-iran-nuclear-deal-to-talk-again-1443473276
 
ii Eric Andrew McCoy, “Iranians in Bahrain and United Arab Emirates: Migration, Minorities and Identities in the Persian Gulf Arab States”, the University of Arizona, 2008, Pp. 79-84.
 
iii Ibid. P. 79
 
iv Nathan Al-Khazraji, “The Culture of Commercialism: Globalization in the UAE”, Georgetown University, 16 July 2009, Pp. 20-23.
 
Noura S. Al Mazrouei, “The Ownership of Khor al-Udaid and Al-Ain/ Buraimi Region in the 19th Century”, International Journal of Business and Social Science,  Vol. 5, No. 8(1); July 2014, Pp. 83-85.
 
vi بعضها وثيق الصلة ببعض مراكز صنع القرار في الإدارات الأمريكية المتعاقبة
 
vii انظر في هذا الصدد:
 
“Banned cargo on way to Iran held in UAE”, the Financial Times, 5 December 2007,
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/2ff6fdf4-a2d4-11dc-81c4-0000779fd2ac.html#axzz3p00RuCtR
“U.S. Alarmed as Some Exports Veer Off Course”, the New York Times, 2 April 2008,
 
http://www.nytimes.com/2008/04/02/washington/02UAE.html?pagewanted=all&_r=0
“Dubai is the 'hole in the net' of sanctions on Iran”, the Telegraph, 10 October 2008,
http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/middleeast/iran/3174106/Dubai-is-the-hole-in-the-net-of-sanctions-on-Iran.html
 
David Albright, Paul Brannan and Andrea Scheel, “Iran’s Procurement of U.S. Military Aircraft Parts: Two case studies in illicit trade”, Institute for Science and International Security, 21 May 2009,http://isis-online.org/uploads/isis-reports/documents/Iran_Aircraft_Procurement.pdf
 
viii لمزيد من التفصيل في شأن تاثير تلك الهجرات وتأثيرها في خلق عوامل هيكلية تعزز منطق الاهتماد المتبادل بين البلدين، يمكن مراجعة المصادر الآتية:
 
Edward G. Browne, The Persian Revolution of 1905 – 1909, (London: Cambridge University Press, 1910);Stephan a Ramos, A History of Dubai’s Spatial Development Through Oil Discovery, Belfer Center for Science and International Affairs, Dubai Initiative, Working Paper, June 2009;
 
http://belfercenter.ksg.harvard.edu/files/Ramos_-_Working_Paper_-_FINAL.pdf
Ervand Abrahamian, A history of Modern Iran, (Cambridge: Cambridge University Press, 2008);
Karim Sadjadpour, “The Battle of Dubai: the United Arab Emirates and the U.S.-Iran Cold War”,
 
http://carnegieendowment.org/files/dubai_iran.pdf
 
ix انظر في هذا السياق تقريري صحيفة البيان الإماراتية حول حجم الاستثمارات الإيرانية في البلاد: "740 مليار درهم حجم الاستثمارات الإيرانية في الإمارات"، صحيفة البيان الإماراتية، 28 سبتمبر 2005.
 
http://www.albayan.ae/economy/1127635774378-2005-09-28-1.982759
 
"الإمارات.. نافذة إيران لجني مكاسب العولمة الاقتصادية"، صحيفة "البيان" الإماراتية، 20 فبراير 2008.
 
http://www.albayan.ae/economy/1201709397795-2008-02-20-1.618560
 
x"23.6% حصة الدولة من إجمالي تجارة إيران مع العالم في النصف الأول من 2007"، صحيفة "البيان" الإماراتية، 19 فبراير 2008.
 
http://www.albayan.ae/economy/1201709271758-2008-02-19-1.618274
 
xi أصدرت مؤسسة “EC Harris” البريطانية لاستشارات الأصول العقارية أول تقرير عن "مؤشر ثروة الأصول المشيدة العالمية" في عام 2013، لرصد توزيع الثروة العالمية من خلال حصر الأصول المادية التي تستخدم في العملية الإنتاجية في 30 بلدا حول العالم، هي البلدان التي تولد نحو 82% من إجمالي الناتج المحلي حول العالم. يقوم المؤشر بحصر العقارات، والبنية الأساسية، والمعدات والتجهيزات في كل من هذه البلدان، واتجاهات تطورها لبيان فرص النمو المتاحة في كل منها. ونظن أن هذا المؤشر يعد الأنسب لقياس حجم ما تمتلكه الجالية الإيرانية في الإمارات العربية من موجودات قياسا إلى إجمالي ثروة الموجودات المادية في الدولة، والأهم لبيان أهمية ما تمتلكه تلك الجالية بالنسبة لمستقبل النمو في الدولة، وإمكانيات إسهامها فيه.
 
“Global Built Asset Wealth Index 2013”, (London: EC Harris Built Consultancy, 2013).
http://www.building.co.uk/Journals/2013/07/22/c/u/b/Global-Built-Asset-Wealth-Index-2013.pdf
 
xii Economic Implications of Lifting Sanctions on Iran, MENA Quarterly Economic Brief, World Bank Middle East and North Africa Region, Issue 5, July 2015, P. 6
 
xiii “UN arms embargo on Iran”, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), 31 August 2015, http://www.sipri.org/databases/embargoes/un_arms_embargoes/iran

رابط دائم: