نحو تصويب البعد القومي للقضية الفلسطينية
1-12-2015

د. إبراهيم أبراش
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة
تمر القضية الفلسطينية بمنعطف خطير،‬سواء علي مستوي الأوضاع الداخلية،‬أو علي مستوي شبكة العلاقات والتحالفات الخارجية.‬‬‬كما تطرح تساؤلات عميقة حول المستقبل: ‬مستقبل الفلسطينيين،‬من كان منهم داخل فلسطين أو خارجها؟،‬ومستقبل الأمة العربية،‬وعلاقتها بالكيان الصهيوني وبالعالم الخارجي،‬وبمجمل ما اختزنته ذاكرة الإنسان العربي والمسلم من مفاهيم وتصورات حول ذاته،‬وعلاقته بإسرائيل والغرب.‬وهي تساؤلات في‬غالبيتها دون إجابة واضحة، ليس فقط لأن المفكر،‬أو المثقف،‬أو السياسي العربي لا يعرف الإجابة عليها،‬بل أيضا لأنه لا يريد أن يعترف بالحقيقة،‬أو لا يجرؤ علي الاعتراف بها،‬لأنها حقيقة مؤلمة تصدم رومانسيته الثورية أو الدينية،‬وقد تخرجه من حالة العطالة الفكرية التي استمرأ العيش فيها ومعها.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
إن مقاربة شاملة لتطورات القضية تتطلب اتخاذ موقف منحاز إما للواقع باسم الواقعية، أو للمبادئ والثوابت الوطنية والقومية باسم المبدئية وقدسية القضية. ‬وكلا‬الموقفين أشق علي النفس من الآخر. ‬حاول كثيرون الجمع بين الاثنين،‬بين المبادئ والواقعية،‬ولكنها كانت توفيقية تلفيقية تخفي العجز عن اتخاذ موقف،‬عجزا عن الاعتراف بالحقيقة. ‬حقيقة أن رياح التحولات الدولية والإقليمية وواقع مجتمعاتنا لم تأت بما تشتهي سفن أحلامنا وتطلعاتنا القومية،‬وخصوصا قضيتي تحرير فلسطين والوحدة العربية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
كل مراقب للأحداث سيلمس التراجع الكبير علي مستوي الكتابة،‬والتنظير،‬والأنشطة الثقافية والإعلامية حول القضية الفلسطينية،‬بحسبانها قضية قومية عربية وإسلامية تختزل الصراع والمواجهة مع الصهيونية العالمية،‬والمصالح الإمبريالية في المنطقة العربية، وما ارتبط بهذا الصراع من أيديولوجيات،‬وأفكار،‬وتنظيمات،‬وشبكة علاقات وتحالفات،‬حتي صح القول إن القضية الفلسطينية كانت تمثل العمود الفقري لحركة التحرر العربي،‬والمشروع الحضاري العربي طوال قرن تقريبا.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
هذا التراجع لمسناه من خلال اختفاء كثير من الأقلام التي عهدناها تكتب عن الشأن الفلسطيني من منطلق قومي،‬وثوري،‬وتحرري،‬وتواريها عن الأنظار،‬أو تحولها إلي ساحاتها الوطنية لتناضل فيها بقلمها وشعاراتها. ‬كما أن الندوات التي كانت شبه يومية أصبحت نادرة الحدوث. ‬وحتي علي مستوي نشرات الأخبار،‬ووسائل الإعلام،‬أصبح الحيز المخصص للقضية جد محدود،‬أو يتم تناولها بحيادية صارمة،‬وكأنها قضية لا تختلف عن أية مشكلة دولية، وأحيانا لا يشار إليها مجرد إشارة. ‬الأمر نفسه لمسناه في خطابات السياسيين وزعماء الأحزاب السياسية الذين كانت القضية شغلهم الشاغل،‬وقضيتهم الأولي،‬أصبح حديثهم حول القضية مقتضبا وحذرا،‬بل وصل الأمر ببعضهم إلي تجاهل القضية الفلسطينية كليا.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
هذا التراجع الرسمي انعكس سلبا علي الاهتمام الشعبي بحيث أصبحنا نلمس حالة من عدم المبالاة والتجاهل أحيانا لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.‬فكثير من الناس العاديين أصبحوا شبه مذهولين مما يجري،‬لا يعرفون حقيقة الأمر،‬وما هو الصحيح‬وما هو الخطأ. ‬والأخطر من ذلك ما نلمسه من انتشار جو معاد للفلسطينيين في أكثر من بلد عربي،‬يغذيه إعلاميون موتورون ومرتبطون بجهات مشبوهة.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
فكيف نفسر الأمر؟. ‬هل مرد ذلك قناعة المثقفين والسياسيين بأن الشعب الفلسطيني هو المسئول الوحيد عن قضيته؟،‬هل هو‬غياب الحرية التي تسمح بالتعبير الحر عن الرأي؟،‬أم هو شعور بالعجز واليأس،‬وإحساس بعدم جدوي الكلمة في وقت سيطرت فيه القوة،‬ونفوذ المال،‬والمصالح القطرية الضيقة؟،‬أم هو قناعة بطفولة وعبثية الشعارات والمبادئ التي صاحبت القضية منذ سنواتها الأولي؟،‬أم أن الفلسطينيين أخطئوا بالفعل‬بحق الدول والشعوب العربية؟.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
أولا- ‬جدلية العلاقة بين المشروع الوطني الفلسطيني والبعدين العربي والإسلامي:‬‬‬
 
تاريخيا،‬حدث تلازم ما بين القضية الفلسطينية ومحيطيها العربي والإسلامي،‬حيث تزامن فكر النهضة العربية الإسلامية،‬نهاية القرن التاسع عشر،‬مع ظهور الحركة الصهيونية. ‬كما أن ظهور القضية الوطنية الفلسطينية بداية القرن العشرين لم يكن منقطع الصلة بظهور الحركة القومية العربية من جانب،‬وبالمخططات الاستعمارية لتقسيم المنطقة العربية والهيمنة عليها من جانب آخر.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
ففي عام‬1905،‬كتب نجيب عازوري في كتابه(‬يقظة العرب): "‬هناك حادثان مهمان من طبيعة واحدة،‬ولكنهما متعارضان، وهما يقظة الأمة العربية،‬والجهد اليهودي الخفي لإنشاء مملكة إسرائيل القديمة من جديد،‬وعلي مقياس أوسع. ‬إن مصير هاتين الحركتين هو الصراع المستمر إلي أن تغلب إحداهما الأخري".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
وهكذا،‬تأسست العلاقة المصيرية بين فلسطين ومحيطها العربي، وتجلي هذا الارتباط منذ بداية القرن العشرين من خلال علاقة القضية العربية الناهضة بالمخططات الاستعمارية لتقسيم المنطقة العربية،‬وزرع الكيان الصهيوني في قلبها.‬وليس عبثا التزامن والتداخل ما بين ثورة الشريف حسين علي العثمانيين‬1915، ومخطط سايكس- ‬بيكو‬1916،‬ووعد بلفور‬1917، ثم الانتداب البريطاني علي فلسطين. ‬واستمرت القضية الفلسطينية قضية قومية عربية إلي بداية تراجع المد القومي الوحدوي بعد حرب حزيران‬1967،‬وانشغال الشعوب والأنظمة العربية بمشاكلها الداخلية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
منذ ذلك التاريخ،‬والحديث يجري عن(‬البعد القومي للقضية الفلسطينية) ‬دون‬غيرها من القضايا العربية. ‬وكان هذا البعد حاضرا طوال مسيرة القضية. ‬كما كان المسلمون ينظرون بقدسية لمدينة القدس،‬وبعضهم يري فلسطين وقفا إسلاميا،‬أو الأرض المباركة..‬إلخ. ‬ومن هذا المنطلق،‬لم تحظ قضية وطنية أو تحررية عربية باهتمام عربي وإسلامي كما كان الشأن مع القضية الفلسطينية.‬وإلي وقت قريب، ما كانت تعقد قمة عربية أو إسلامية،‬أو يخطب زعيم أو رئيس عربي أو مسلم،‬إلا كانت القضية الفلسطينية علي سلم الاهتمامات.‬وبالمقابل،‬كان كثير من الفلسطينيين يتطلعون لهذه القمم،‬ويبنون عليها آمالا كبيرة.‬كيف لا، وقد كانت الأنظمة والأحزاب العربية والإسلامية تهدد وتتوعد إسرائيل،‬وترفع الشعارات الكبيرة عن تحرير فلسطين،‬والخطر الصهيوني،‬ومقاطعة إسرائيل،‬والواجب العربي والإسلامي في نصرة الفلسطينيين... ‬إلخ، دون ممارسة فعلية علي أرض الواقع. ‬أما الجماهير العربية والإسلامية،‬فهي صادقة في مشاعرها المحبة للفلسطينيين،‬والمتعاطفة معهم،‬ولكنها ليست صاحبة قرار،‬ومغلوبة علي أمرها.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
كانت أية تحولات أو متغيرات كبيرة تحدث في العالم العربي تنعكس مباشرة علي القضية الفلسطينية. ‬فعندما تنتكس الحركة القومية والثورية العربية،‬تنتكس القضية الفلسطينية. ‬وعندما تنهض الحالة العربية‬أو الإسلامية،‬تنهض معها القضية. ‬فما كانت فلسطين تضيع،‬وتحدث النكبة عام‬1948،‬لو لم تكن الحالة العربية والإسلامية عاجزة،‬بل ومتواطئة مع بريطانيا والغرب. ‬وما كانت الحركة الوطنية الفلسطينية،‬تعرف نهوضا مع منظمة التحرير الفلسطينية،‬وبقية القوي الوطنية منتصف الستينيات،‬لولا حالة المد الثوري والتقدمي العربي. ‬في المقابل،‬فإن الانتكاسات التي أصابت القضية الفلسطينية أخيرا‬غير منقطعة الصلة بتراجع الحالة الثورية والتقدمية العربية،‬منذ توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل،‬ثم انهيار النظام الإقليمي العربي،‬بعد حرب الخليج الثانية،‬وأخيرا فوضي ما يسمي بالربيع العربي.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
فبعد حرب‬1967،‬واحتلال إسرائيل لأراض عربية بدأت الأمور بالتغير نسبيا،‬بحيث لم تعد القضية الفلسطينية القضية الأولي للعرب، وأصبح هدف تحرير الأراضي العربية المحتلة عام‬1967‬أسبق في الأهمية والأولوية علي تحرير فلسطين.‬وفي الوقت نفسه،‬تراجعت المراهنات الفلسطينية علي الأنظمة والأحزاب العربية، من مراهنة وصلت لحد انتظار الجيوش العربية لتشكل كماشة تُطْبق علي إسرائيل وتحرر فلسطين، إلي مراهنة خجول واستجدائية علي بعض المساعدات المالية، أو دعم الموقف الرسمي الفلسطيني في المنظمات والمحافل الدولية. ‬وفي الوقت نفسه،‬تعرضت الحركة الوطنية لعدة نكسات ودخلت في صراعات عربية داخلية، كأحداث الأردن‬1970،‬والحرب الأهلية اللبنانية‬1975،‬والتي امتدت لحين‬غزو إسرائيل للبنان‬1982،‬وإخراج قوات منظمة التحرير من بيروت.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد‬1978،‬والتي تزامنت مع المد الإسلامي الأصولي مع ثورتي أفغانستان وإيران،‬وظهور تنظيم القاعدة وتفرعاته، راهنت بعض القوي السياسية الفلسطينية،‬وقطاع مهم من الشعب الفلسطيني،‬علي الأمة الإسلامية،‬وأنظمتها،‬وأحزابها بدلا من المراهنة السابقة علي الأمة العربية وأحزابها وأنظمتها.‬إلا أن حال(‬البعد الإسلامي) ‬لم يكن أفضل من حال(‬البعد القومي)‬،‬بل كانت الصدمة والخيبة أكثر إيلاما علي الفلسطينيين، ليس فقط بسبب تجاهل الأمة الإسلامية، أمة المليار والنصف مليار، للقضية الفلسطينية وللقدس،‬حيث ذهب(‬المجاهدون) ‬ليقاتلوا في كل مكان في العالم من قندهار إلي البوسنة،‬وسوريا،‬وليبيا، دون أن يفكروا بالقدوم للجهاد في فلسطين، بل لأن من تدخل منهم سياسيا في الشأن الفلسطيني كان تدخله فجا ومسيئا للقضية الوطنية، حيث تدخلوا لا لتحرير فلسطين،‬ودعم المشروع الوطني، بل لتوظيف القضية الفلسطينية لخدمة مشاريعهم وأجندتهم الخاصة، وعلي حساب المشروع الوطني الفلسطيني.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
كان ما يسمي بالربيع العربي وتداعياته مثالا علي استعداد جماعات الإسلام السياسي للتضحية بفلسطين والقدس لخدمة مصالحها. ‬وهناك نقطة تقاطع ما بين إسرائيل وجماعات الإسلام السياسي.‬فإذا كانت إسرائيل لا تريد قيام دولة فلسطينية مستقلة، فإن سلوك‬غالبية جماعات الإسلام السياسي يقول بعدم ضرورة وجود دولة للفلسطينيين، أو أنها ليست في أولوية سلم اهتمامها.‬‬‬‬‬
 
لم يكن الخلل في فكر القومية والوحدة العربية،‬ولا في حقيقة العلاقة الجدلية بين القضية الفلسطينية والعالم العربي، كما لم يكن الخلل في الإسلام كدين بما يتضمن من دعوات للجهاد،‬ونصرة المسلمين،‬ووحدتهم، ولكن الخلل يكمن في أدلجة هاتين الهويتين والبعدين. ‬فعندما تتحول الهوية والفكرة القومية إلي أيديولوجيا لحزب أو نظام،‬فإنها تفقد ماهيتها،‬وقيمها الجوهرية المتسامية علي الأشخاص،‬وحسابات السلطة الضيقة، وتتحول لأداة لخدمة الحزب،‬وبالتالي السلطة ورجالاتها. ‬وعندما تتم أدلجة الدين،‬ويتم تطويعه تفسيرا وتأويلا بما يتماشي مع التطلعات السلطوية لأحزاب تدعي أنها إسلامية، آنذاك يفقد الدين جوهره وقيمه السامية التوحيدية،‬ويتحول لأداة للأحزاب والقوي المتصارعة علي السلطة. ‬أيضا النخب السياسية الفلسطينية مسئولة نسبيا عن هذا التراجع،‬عندما تراجعت عن نهج المقاومة لتحرير فلسطين،‬وباتت مطالبها مالية،‬أو في حدود دعم السلطة القائمة،‬سواء في الضفة الغربية أو قطاع‬غزة، وهو الأمر الذي سمح للأنظمة العربية بالتهرب من مسئولياتها القومية تحت شعار أنهم لن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم،‬وأنهم يقبلون سياسيا ما يقبل به الفلسطينيون.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
البعدان القومي والإسلامي كانا صادقين وضروريين من حيث المنطلقات، ولكنهما انحرفا عن أهدافهما،‬وخرجا عن مبادئهما الأولي،‬عندما حدث الانفكاك أولا ما بين الهوية أو الفكرة من جانب،‬وأدواتها التنفيذية التنظيمية والحزبية من جانب آخر، وعندما حدث الانفكاك ثانيا ما بين الشعب المؤمن بصدق بهذين البعدين،‬والمستعد للكفاح من أجل تجسدهما عمليا من جانب، والأنظمة والأحزاب التي صادرت هاتين الفكرتين والهويتين،‬وحولتهما لأدوات في صراعها من أجل السلطة،‬حتي بين من يحلمون أو يزعمون أنهم ينتمون للهوية نفسها، من جانب آخر.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
فشلت وانكشفت الأيديولوجيات والتوظيف السياسي للقومية العربية وللدين الإسلامي في التعامل مع القضية الفلسطينية، بل فشلت هذه القوي حتي في حل إشكالات المجتمعات الوطنية التي تنتمي لها،‬وتعمل في إطارها. ‬لكن الواقع،‬وبعد حالة الفتنة والحرب الأهلية التي تعم عديد الدول العربية، يؤكد أن المخرج للقضية الفلسطينية من مأزقها، والمخرج لكل إشكالات العالم العربي لن يكون إلا بالعودة لتصحيح وتقييم العلاقة ما بين الوطنية-‬هوية وكيانا سياسيا-  ‬من جانب،‬والفكر القومي العربي والحاضنة العربية من جانب آخر، ولكن علي أسس ومنطلقات جديدة تحرر الفكر الوحدوي العربي من أوهام الأيديولوجيا،‬والمصالح،‬الحزبية والسلطوية، وتحرر الدولة الوطنية من الديكتاتورية والاستبداد.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
أيضا،‬لا يمكن أن نفك القضية الفلسطينية عن العالم الإسلامي،‬ما دامت القدس في قلب تلك القضية، وما دام الصهاينة يوظفون الدين في صراعهم مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل يطالبون بدولة يهودية، ولكن أيضا نحتاج إلي إعادة موضعة العلاقة أولا بين السياسي والديني، وثانيا ما بين الوطني والديني، أو المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع/ ‬المشاريع الموسومة بالإسلامية، بحيث يتم توظيف الدين لمصلحة المشروع الوطني،‬فكرا ودولة،‬وليس إلحاق المشروع الوطني بهذه المشاريع المغامرة والغامضة، والتي فشلت حتي الآن ليس فقط في تحقيق دولة الخلافة الموعودة، بل كانت سببا في تدمير الدولة الوطنية في أكثر من بلد عربي،‬وخلق فتنة،‬وحرب أهلية مدمرة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
وإذا كنا نتمني من الأنظمة والقوي السياسية العربية والإسلامية تصويب علاقتها مع القضية الفلسطينية،‬واحترام الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية،‬والتوقف عن توظيف الفلسطينيين ومعاناتهم لخدمة صراعاتها الداخلية علي السلطة،‬ولخدمة مصالحها ومشاريعها الإقليمية، فإنه مطلوب في الوقت نفسه من القوي السياسية الفلسطينية بكل مشاربها، وخصوصا بعد ما كشفه العدوان الإسرائيلي الأخير علي‬غزة من حقائق، عمل مراجعات استراتيجية لفكرها وسياساتها، والتوقف عن الحديث عن انتصارات مبالغ‬فيها، أو إلقاء المسئولية عما حدث فقط علي العدو الإسرائيلي،‬وتخاذل العرب والمسلمين، أو إلقاء كل طرف فلسطيني بالمسئولية علي الطرف الفلسطيني الآخر،‬وينزه نفسه عن كل خطأ.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
لا يمكن لمنظمة التحرير والسلطة المراهنة فقط علي واشنطن والغرب في تحركها السياسي،‬وتجاهل الرأي العام العربي والإسلامي، وتجاهل القدرات الكامنة عند الشعب الفلسطيني،‬التي ظهرت خلال العدوان علي‬غزة، حتي وإن كانت قدرات الصمود والصبر. ‬أيضا،‬لا يمكن لحماس والجهاد الإسلامي المراهنة علي جماعات الإسلام السياسي،‬والأنظمة الإسلامية، وتجاهل المصلحة الوطنية التي لها الأولوية علي أية انتماءات أو ارتباطات أيديولوجية أخري، حيث كشفت الحرب عن محدودية ما يمكن أن تقدمة الأنظمة والحركات الإسلامية.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
علي القوي السياسية الفلسطينية،‬بكل مشاربها،‬أن تعرف أنها لن تكون قوي قومية حقيقية،‬أو إسلامية حقيقية إلا إذا انطلقت من حاضنة وطنية حقيقية، وسيكون موقعها هامشيا وذيليا في أي مشروع سياسي قومي عربي،‬أو أممي إسلامي،‬إن لم تنطلق من منطلق وطني،‬ومن قاعدة وجود الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
ثانيا- ‬فوضي(‬الربيع العربي) ‬وحسابات الربح والخسارة فلسطينيا:‬‬‬‬‬
 
الاهتمام العربي،‬الشعبي والرسمي،‬بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية، أو ما كان يسمي بالبعد القومي، شهد،‬في ظل ما يسمي بالربيع العربي،‬حالة تراجع وتدهور متسارعة،‬مما ترك تداعيات خطيرة علي القضية الفلسطينية،‬حيث تجري عملية ممنهجة لفك الارتباط التاريخي،‬والمصيري،‬والاستراتيجي،‬والنفسي ما بين فلسطين والأمة العربية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
الخطورة في هذا الشأن أن التراجع وعدم الاهتمام لم يعد رسميا فقط،‬بحيث يمكن تفسيره بعلاقات المصالح التي تربط الأنظمة والنخب السياسية بالغرب وبإسرائيل،‬وباستحقاقات الالتزامات الدولية، بل نخشي من محاولات خبيثة تجري لفك الارتباط المصيري بين الشعوب العربية وفلسطين،‬من خلال كَي‬وعي هذه الشعوب لتغير من إيمانها والتزامها بالقضية الفلسطينية كقضية عادلة، وتغييب إسرائيل كخطر أساسي وثابت للأمة العربية.‬‬‬‬‬‬
 
إذا كنا لا نبرئ بعض الأحزاب الفلسطينية من مسئولية التحول في المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية، حيث أخطأت بعض الأحزاب والقيادات الفلسطينية عندما اخترقت المبدأ والقاعدة التي تحكم الثورة الفلسطينية بمحيطها العربي،‬وهي عدم التدخل في الشأن الداخلي لأية دولة عربية، والوقوف موقف الحياد في النزاعات العربية- ‬العربية، فإن ردة بعض الأنظمة العربية والقوي السياسية التي أفرزها ما يسمي بالربيع العربي علي القضية الفلسطينية لا تعود للتجاوزات الفلسطينية المحدودة،‬بل تم توظيف هذه التجاوزات لتنفيذ مخطط معد مسبقا لكسر العلاقة بين الشعوب العربية وفلسطين،‬وحتي تتحرر الأنظمة من التزاماتها ومسئولياتها تجاه القضية الفلسطينية،‬وتعزز علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن وإسرائيل،‬دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية،‬أو-‬علي الأقل- ‬وقف حالة العدوان المستمرة علي الفلسطينيين، بعد أن تكون هيأت القاعدة الشعبية لقبول علاقات كهذه، بالإضافة إلي أن بعض الأنظمة العربية تريد توجيه الأنظار إلي عدو خارجي للتغطية علي الفشل في حل مشاكلها الداخلية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
ومع ذلك وبالرغم من هذه المؤشرات المقلقة،‬فإن أي حديث حول تأثير ما يجري في العالم العربي اليوم‬في القضية الفلسطينية يجب أن يأخذ في الحسبان حداثة الظاهرة،‬وعدم اكتمالها حتي الآن.‬‬‬‬‬
 
لا شك في أنه من حق الشعوب العربية أن تثور علي أنظمة لم تكن فقط حملا ثقيلا عليها،‬وسببا في فقرها وبؤسها،‬وكبت حرياتها،‬بل كانت أيضا سببا في ضياع فلسطين،‬ومحاصرة حركة التحرر الفلسطينية،‬وفي التواطؤ مع إسرائيل وواشنطن علي المصلحة الفلسطينية. ‬أن تصبح الشعوب العربية المؤيدة والمتعاطفة مع عدالة القضية الفلسطينية سيدة نفسها وصاحبة القرار،‬فهذا إضافة لقوة الشعب الفلسطيني في فلسطين،‬وإعادة تفعيل وتنشيط حضور القضية الفلسطينية في الدول العربية،‬حيث يعيش فيها نحو نصف الشعب الفلسطيني.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
الثورات العربية،‬بعد اكتمال كل حلقاتها،‬وتمكين الشعوب العربية من السلطة والحكم،‬ستعيد المكانة لمفهوم البعد القومي للقضية الفلسطينية،‬حيث سيؤسس علي أرضية ممارسة واقعية شعبية،‬وليس علي خطاب للأنظمة والنخب يوظف كأداة للتدخل في الشأن الفلسطيني،‬ومصادرة قراره المستقل.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
المتغيرات التي يشهدها العالم العربي،‬وحتي في حالة صيرورتها متغيرات تتجاوب مع التطلعات المشروعة للشعوب بالديمقراطية،‬فإنها علي المدي القريب ستشغل الشعوب العربية بمشاكلها وهمومها الداخلية لحين من الوقت،‬الأمر الذي قد تستغله إسرائيل لتصعيد عدوانها علي قطاع‬غزة،‬ولتسريع سياسة الاستيطان والتهويد،‬ما دام العرب والعالم منشغلين بما يجري داخل بلدانهما.‬‬‬‬‬‬‬‬
 
إذا كانت المحصلة النهائية لما يجري في العالم العربي سيؤثر في القضية الفلسطينية،‬فإن التأثير سيختلف من دولة إلي أخري،‬بل لا نستبعد أن تكون النتائج في بلد ما سلبية بالنسبة للقضية الفلسطينية. ‬وفي جميع الحالات،‬فالأمر يرتبط بالقوي الثورية،‬أو التي ستستلم مقاليد السلطة بعد الثورة. ‬أيضا بدرجة التدخل الخارجي في مجريات الثورة،‬فالغرب وتركيا يتدخلان‬في الثورتين الليبية والسورية، وإيران تتدخل في الثورة البحرينية،‬وفي أحداث اليمن.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
بسبب وعي قادة المحتجين،‬وبسبب قوة التدخل الذي تقوم به واشنطن والغرب في التأثير في مجريات الأحداث،‬فإن القيادة القادمة ستكون في المرحلة القريبة ذات توجهات إصلاحية داخلية،‬ولن تفتح الملفات الكبري كاتفاقية كامب ديفيد،‬والالتزام بالسلام‬مع إسرائيل،‬وخصوصية علاقة مصر بواشنطن والغرب،‬بمعني أنه سيتغير رأس النظام،‬ولن يتغير النظام،‬كثيرا في بنيته الأساسية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
من حيث المبدأ،‬فإن كل ما فيه مصلحة الشعوب العربية والإسلامية،‬سيكون فيه مصلحة للفلسطينيين. ‬وبالتالي،‬فإن الثورات العربية التي تعبر عن إرادة‬غالبية الشعوب العربية بالتغيير ستخدم القضية الفلسطينية،‬إن لم يكن عاجلا فآجلا. ‬ما سنتحدث عنه هو تداعيات المرحلة الانتقالية للثورات العربية علي القضية الفلسطينية،‬حيث نلمس تداعيات سلبية تستوجب من القيادة الفلسطينية التعامل معها بحذر لحين استقرار حال الثورات العربية. ‬ونقصد بالتعامل الحذر عدم تمكين هذه التداعيات السلبية من التأثير في الخيارات الاستراتيجية للشعب الفلسطيني. ‬فهذه الخيارات يجب أن تبني علي استقلالية القرار من جانب،‬وعلي التحولات الاستراتيجية التي ستتمخض عنها الثورات بعد استقرار الأمور من جانب آخر.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
يمكن رصد أهم التداعيات السلبية الآنية للحالة العربية‬غير المستقرة علي القضية الفلسطينية بما يأتي:‬‬‬
 
1- ‬انشغال الشعوب العربية بمشاكلها الداخلية: ‬السياسية،‬والاقتصادية،‬والاجتماعية. ‬فدون تقليل من تعاطف الجماهير العربية تجاه الفلسطينيين،‬ورغبة الثوار بفتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين. ‬يتم فيها تجاوز أخطاء النظم السابقة،‬إلا أن الشعوب العربية الثائرة ستنشغل بهمومها الداخلية،‬خصوصا في ثورات تشير إلي تحولها لحرب أهلية،‬كما يجري في ليبيا،‬واليمن،‬وسوريا،‬والعراق. ‬وفي هذه المرحلة من عدم الاستقرار،‬قد تلجأ الجماعات الثائرة لنسج علاقات مع الغرب ومع واشنطن لمواجهة النظام القائم،‬كما هو الأمر في ليبيا،‬بل قد تلجا النظم السياسية نفسها لكسب ود واشنطن لمواجهة الثوار،‬وللحفاظ علي وجودها،‬وواشنطن لن تتورع عن ابتزاز الطرفين سياسيا.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
2- ‬الثورات العربية وما أدت إليه من حالة عدم استقرار ومستقبل مفتوح علي كل الاحتمالات أوجدت قناعة لدي واشنطن بأنه لا يمكنها المراهنة علي أي نظام عربي أو شرق أوسطي كحليف استراتيجي،‬وأن الحليف الوحيد المضمون هو إسرائيل،‬فالأمريكيون اقتنعوا بأن لا حليف استراتيجيا لهم في المنطقة إلا إسرائيل.‬‬‬‬‬
 
3- ‬كان للبعد القومي لفلسطين مضمون معاد للغرب،‬خصوصا لواشنطن. ‬أما جماعات الإسلام السياسي المهيمن علي المشهد السياسي العربي،‬فلا تخفي مهادنتها للغرب،‬بل والحفاظ علي العلاقات الخارجية،‬بما فيها إسرائيل. ‬هذا التحالف مع الغرب سيقيد من توجهات الأنظمة العربية(‬الثورية) ‬نحو الصدام مع إسرائيل،‬مما يجعل الفلسطينيين وحدهم في مواجهة إسرائيل.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
4- ‬تدخل إيران في مجريات الحراك العربي حرف هذا الحراك من ثورة من أجل الحرية والديمقراطية إلي صراع طائفي بين السنة والشيعة. ‬وقد ساعدت واشنطن وتل أبيب في حرف الثورات العربية عن مسارها،‬وإطالة أمدها حتي تنشغل الشعوب العربية بأعدائها بدلا من إسرائيل كعدو رئيسي، وحتي يتم تفكيك الدول العربية القائمة.‬‬‬‬‬
 
ثالثا- ‬منطلقات لتصويب العلاقات الفلسطينية- ‬العربية:‬‬‬‬
 
كان لابد للمتغيرات والتحولات التي جرت وتجري في الدول العربية وعلي مستوي العالم أن تؤثر في القضية الفلسطينية،‬وفي الصراع العربي- ‬الإسرائيلي،‬وفي شبكة التحالفات والاصطفافات في المنطقة.‬‬‬‬‬
 
فالمشهد السياسي الفلسطيني الراهن ملتبس.‬فقوي شر متعددة داخلية وخارجية تعمل علي تحطيم المجتمع الفلسطيني من داخله،‬وتشويه قيمه،‬وثقافته،‬ورموزه الوطنية، تقابلها إرادة صمود،‬وقوة إيمان عند الشعب بعدالة قضيته،‬ورفضه للاستسلام. ‬وإن كانت قوي الشر نجحت نسبيا في رسم معالم مشهد سلبي، فإنه من المؤكد أن نجاحها مؤقت، لأن الشعب الفلسطيني عودنا دوما علي النهوض،‬والتمرد،‬والثورة علي كل من يهينه،‬ويحتقره،‬أو يعتقد أنه يستطيع مساومته علي حريته وكرامته بالمال،‬أو يرهبه بالسلاح.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
نعتقد أن الحلقة المفقودة في المشهد السياسي لا تكمن في ضعف الحق الفلسطيني بالحرية والاستقلال،‬بل تكمن في‬غياب استراتيجية عمل وطني،‬وغياب قيادة وطنية محل توافق الجميع،‬تستطيع جني ثمار المتغيرات الإيجابية،‬وثمار العطاء الفلسطيني. ‬أو بصيغة أخري،‬هناك أزمة نخبة،‬وأزمة قيادة. ‬غياب استراتيجية عمل وطني وقيادة وحدة وطنية أدي لظهور نخب وقيادات بدلا من أن تعمل لخدمة القضية،‬باتت تتعيش عليها. ‬وبدلا من أن تكون عنصر وحدة وتوحيد،‬كانت سببا في الانقسام،‬ثم أصبحت تتعيش منه. ‬في ظل‬غياب قيادة وحدة وطنية،‬تصبح الساحة مرتعا لكل انتهازي،‬ومتسلق،‬ومتطلع للسلطة والجاه. ‬في ظل‬غياب قيادة وحدة وطنية،‬تصبح القضية أداة يتقاذفها ويتلاعب بها أصحاب الأجندة الخارجية تحت مسميات القومية أو الإسلام،‬أو السلام،‬وهم لن يعدموا نخبا وقيادات محلية تخدم مسعاهم. ‬في ظل‬غياب قيادة وحدة وطنية واستراتيجية وطنية،‬لن ينجح‬مشروع مقاومة حقيقية،‬ولا مشروع سلام فلسطيني.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
أيضا الحلقة المفقودة تكمن في اضطراب علاقة فلسطين بمحيطيها العربي والإسلامي، مما يتطلب تصويب العلاقة بين الفلسطينيين والعالمين العربي والإسلامي بما يحترم خصوصية كل دولة،‬بعيدا عن التدخل في الشئون الداخلية لأية دولة.‬‬‬
 
لأن العالم يتغير،‬وأولويات الشعوب والدول تتغير، وحيث لا يمكن أن يكون أحد فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، فإن الحاجة ملحة لتصويب وإعادة نسج العلاقات الفلسطينية مع العالم الخارجي علي أسس صحيحة وجديدة،‬ونقطة المنطلق تبدأ من الفلسطينيين أنفسهم.‬وفي هذا السياق،‬نقترح عناوين يجب الاشتغال والتوافق عليها فكريا وثقافيا،‬قبل أن تنتقل لمجال العمل السياسي الرسمي:‬‬‬‬‬‬‬
 
1- ‬تأكيد أن إسرائيل العدو الرئيس والدائم‬للأمة العربية،‬وهي ليست بعيدة عما يجري من حروب وصراعات في الدول العربية.‬‬‬‬‬
 
2- ‬إن فلسطين مدخل مصر،‬أو أية دولة عربية تسعي لريادة الأمة العربية، ولا يمكن توحيد العرب،‬أو استنهاض المشروع القومي العربي بدون حل القضية الفلسطينية،‬أو الوقوف إلي جانب الفلسطينيين في صراعهم مع الاحتلال.‬‬‬‬‬‬
 
3- ‬المساعدة في إنجاز ملف المصالحة الفلسطينية علي أساس التحولات والمستجدات العربية والإسلامية والدولية التي أشرنا إليها سابقا. ‬وفي هذا السياق،‬يكون الدور العربي أساسيا من حيث توقيف كل أشكال استقطاب الأطراف الفلسطينية المتصارعة لأي مشاريع أو أجندة عربية وإقليمية.‬‬‬‬‬
 
4- ‬التركيز علي أهمية ودور جمهورية مصر العربية في أية مصالحة فلسطينية،‬أو تسوية سياسية شاملة،‬وذلك لمركزية مصر في المنطقة،‬وما تحظي به من تقدير واحترام، أيضا بسبب الجغرافيا،‬حيث لا يمكن لأية دولة إنجاز مصالحة فلسطينية داخلية،‬أو تسوية سياسية،‬ثم يتم فرضها علي مصر.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
5- ‬من المهم إعادة النظر في المبادرة العربية للسلام،‬من خلال توفير آليات عملية لجعلها قابلة للتحقيق،‬أو لتجبر إسرائيل علي احترامها، وفي السياق نفسه منع أية دولة عربية من لعب دور،‬سواء في إطار المصالحة الفلسطينية،‬أو في إطار العلاقة مع إسرائيل بعيدا عن المبادرة العربية، حيث نلاحظ أن دولا عربية-‬غير مصر والأردن- ‬تتواصل مع إسرائيل،‬وتقيم علاقات معها،‬وهو ما يتعارض مع المبادرة العربية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
6- ‬تنشيط وتفعيل دور جامعة الدول العربية الخاص بالقضية الفلسطينية، سواء فيما يتعلق بالمصالحة،‬أو التسوية السياسية،‬أو دعم الجهود الفلسطينية علي مستوي الحراك الدبلوماسي الدولي، أو بالنسبة لمساعدة إنقاذ اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان.‬‬‬‬‬
 
7- ‬تنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية العربية والإسلامية لدعم نظيراتها في الغرب والأمريكتين، حيث تجري عملية مقاطعة واسعة لإسرائيل، ومن المعيب أن تكون حركة مقاطعة إسرائيل في الغرب أقوي منها في بعض الدول العربية.‬‬‬
 
8- ‬استعادة حضور القضية الفلسطينية في الوعي والضمير الشعبي. ‬وفي هذا السياق،‬يأتي في الدرجة الأولي دور الإعلاميين والصحفيين،‬فضلا عن الأدباء والمثقفين بكل تخصصاتهم.‬ومن الملاحظ أن بعض الإعلاميين في الفضائيات‬يبدون وكأنهم تخصصوا في نشر ثقافة الحقد والكراهية تجاه الفلسطينيين،‬وتحريض الشعوب العربية عليهم.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
9- ‬المساعدة في رفع المعاناة عن الفلسطينيين،‬وخصوصا في قطاع‬غزة،‬من خلال صيغة عربية توافقية،‬برعاية مصرية،‬حول تشغيل معبر رفح الحدودي،‬بما لا يكرس الانقسام،‬وإلي حين إنجاز المصالحة الفلسطينية الشاملة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
10- ‬تأكيد أن ما يجري في الدول العربية من فوضي وحروب أهلية لا علاقة له بالقضية الفلسطينية،‬وأنه يتم توظيف اسم فلسطين لخدمة مشاريع وأجندة إقليمية تتعارض مع المشروع الوطني الفلسطيني،‬كما تتعارض بل وتعادي المشروع القومي العربي.‬‬‬‬‬
 
الخاتمة:‬‬
 
فوضي الربيع العربي لن تستمر إلي ما لا نهاية.‬فبعد فترة قصيرة،‬ستستقر الأمور،‬وسيتكشف كثير من الحقائق، وأهمها الدور الغربي والإسرائيلي،‬وبعض دول الجوار-‬تركيا وإيران- ‬في تحويل مسار الربيع العربي من حراك شعبي عفوي،‬مبتغاه الحرية والديمقراطية،‬وتحسين شروط العيش،‬إلي حالة من الفوضي والحروب المذهبية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
وبعد انتهاء الفوضي،‬سيكتشف العرب أن مدافع إسرائيل لا تزال مصوبة نحوهم،‬وأنها أصبحت أكثر قوة،‬وأنها كانت وستبقي العدو الرئيسي ليس للفلسطينيين فقط،‬بل للأمة العربية جميعا. ‬ستتحالف إسرائيل مع قوي،‬وربما دول جديدة،‬ستظهر علي الساحة العربية، مما سيزيد من التحديات التي تواجه كل محاولة لتوحيد العرب،‬أو استنهاض المشروع القومي العربي.‬وستكون واهمة أية دولة عربية تعتقد أن إسرائيل ستسمح لها بالتقدم،‬والازدهار،‬والاستقرار،‬حتي وإن كانت ملتزمة باتفاقية سلام معها.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
ومن هنا،‬تأتي أهمية تصويب وتمتين العلاقات الفلسطينية- ‬العربية،‬ولكن علي أسس جديدة،‬وعلي قاعدة الالتزام بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،‬في إطار القانون الدولي،‬والشرعية الدولية،‬وفي إطار المبادرة العربية للسلام بعد تفعيلها،‬وجعلها أكثر مصداقية،‬وقابلة للتنفيذ.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

رابط دائم: