الشرق الأوسط في ظل متغيرات السياسة الدولية
4-8-2015

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
(المؤتمر الإقليمي لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني) - بيروت‮: ‬5‮-‬8‮ ‬مايو‮ ‬2015
 
جاء هذا المؤتمر في وقته لمناقشة أكثر القضايا إثارة للجدل، وللقلق أيضا، في مختلف بلادنا العربية، وهي مستقبل منطقتنا التي تشهد اضطرابات وصراعات في ظل هجمة إرهابية‮ ‬غير مسبوقة، وحروب أهلية‮ ‬غير معهودة‮.‬
 
وحظيت قضية خرائط الدول العربية وحدودها، وإمكان الحفاظ عليها، أو استعادتها بأهمية خاصة في هذا المؤتمر، الذي يتميز بتنظيم محكم يسمح بنقاش في العمق لأوراق العمل المقدمة إليه، من خلال مجموعات عمل متوازية‮. ‬وقد ثبت نجاح هذه الآلية في إتاحة الفرصة لنقاش مثمر لا يتوافر مثله، حين يقتصر أي مؤتمر علي الجلسات العامة‮.‬
 
فكلما قل عدد المشاركين في النقاش، زادت جدواه علي النحو الذي ثبت في مؤتمرات مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، والتي تنال اهتماما خاصا من قيادة هذا الجيش، ممثلة في العماد جان قهوجي، الذي حرص علي حضور افتتاح المؤتمر، وإلقاء كلمة حث فيها علي بحث الأسباب الحقيقية للأزمات التي تعصف بالمنطقة، وطرح أفكار حول معالجتها، وعدم الاكتفاء بوصف أعراضها ونتائجها، بعد أن صار الإرهاب، خطرا شاملا‮. ‬كما أكد التزام الجيش اللبناني بمواصلة التصدي لهذا الإرهاب،‮ ‬ومنعه من استدراج الفتنة داخل الوطن، والحفاظ علي رسالة لبنان، وصيغة العيش المشترك بين أبنائه‮.‬
 
كما طرح مدير المركز ورئيس اللجنة العامة للمؤتمر، العميد الركن‮ ‬غسان عبد الصمد، رؤية لتطور الأوضاع في المنطقة التي باتت تغلي فوق بركان من التناقضات، وأثار أسئلة مهمة فتحت آفاقا جديدة أمام النقاش الذي دار في مجموعات العمل الثلاث التي توزع إليها المؤتمرون‮.‬
 
وخلصت مجموعات العمل إلي توجهات عرضت في الجلسة الختامية المفتوحة، التي أتيح لوسائل الإعلام حضورها لتعميم الفائدة من نتائج المؤتمر‮.‬
 
الربيع العربي‮ .. ‬والتطرف الديني‮:‬
 
ولا يتسع المجال هنا لعرض التوجهات التي برزت خلال النقاش، رغم أهميتها في مجملها، ولذلك نشير إلي أبرز النتائج‮. ‬فمن أهم توصيات المجموعة الأولي‮ (‬التي ناقشت قضية العلاقة بين الربيع العربي، والتطرف الديني، والأنظمة الديكتاتورية‮) ‬تحقيق الإصلاح الذي أدي‮ ‬غيابه لفترة طويلة إلي تحرك الشعوب في عدد من البلاد العربية، ومعالجة أوجه الخلل الكثيرة في مجتمعاتها، مثل عدم التوازن بين مكوناتها المختلفة، وهشاشتها الفكرية والثقافية، ورفض الآخر المختلف، بدءا من استبعاده وتهميشه، وصولا إلي تكفيره‮. ‬كما خلصت هذه المجموعة إلي أن الديمقراطية ستظل هدفا رئيسيا للشعوب العربية، بوصفها صمام الأمان لأية تنمية مستدامة، ولتحقيق الأمن والاستقرار، وإنجاز العدالة الاجتماعية، وإجراء الإصلاحات الفكرية والثقافية التي تساعد في تجديد الخطاب الديني‮.‬
 
ورأت هذه المجموعة ضرورة مواجهة التطرف الديني، وعدم الاقتصار علي الوسائل الأمنية وحدها في هذه المواجهة، وتركيز الجهد علي التعليم، وطرح مشروع عربي للتكامل الاقتصادي‮.‬
 
مآلات‮ "‬سايكس‮ - ‬بيكو‮":‬
 
أما مجموعة العمل الثانية التي بحثت قضية الصراعات الإقليمية ومستقبل‮ "‬حدود سايكس-بيكو‮"‬، فقد انتهت إلي أفكار، أهمها بناء منظومة للأمن القومي عبر شراكة بين الدولة، والنظام الخاص، والمجتمع المدني، وعلي أساس من الحوكمة، والتنمية المستدامة، والسياسات الاجتماعية المتماسكة، وإصلاح النظام التعليمي، وإقامة حوار عربي مع دول الجوار‮ (‬باستثناء إسرائيل‮) ‬حول صيغة التعاون الإقليمي، وبقاء الدولة الديمقراطية التي تحترم التنوع، وتعزيز حقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، وبناء قوة عسكرية من الجيوش العربية للتصدي للإرهاب، والدفاع عن سيادة الدول العربية‮.‬
 
كما خلصت هذه المجموعة إلي أهمية تطوير التحرك العربي علي المستوي الدولي لتجفيف المنابع المالية للإرهاب، وتأكيد إقامة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل‮.‬
 
مصير التطرف‮:‬
 
وفي مجموعة النقاش الثالثة، كانت القضية المحورية هي مصير التنظيمات المتطرفة في المنطقة، في ظل تقاطع المصالح، واختلاف النظرة بشأن مكافحة الإرهاب‮.‬
 
وقد خلصت هذه المجموعة إلي أهمية توحيد تعريف الإرهاب من خلال اتفاقية دولية، وتحديث الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، ومكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود لارتباطها بالإرهاب، وتطوير قدرات الأجهزة الأمنية، وإدراج مادة مكافحة الإرهاب في المناهج التعليمية‮.‬
 
كما وجدت هذه المجموعة ضرورة إرساء خطط سياسية استراتيجية عربية، وأخري تكتيكية لمواجهة التطرف، وعدم قبول الازدواجية في المواقف الإقليمية والدولية، وتعزيز سيادة القانون، والمواطنة، وتداول السلطة ديمقراطيا، ومكافحة الفساد بمختلف أشكاله، وحث مجلس وزراء العدل والداخلية العرب علي تحقيق التعاون القضائي والأمني في مكافحة الإرهاب، ومعالجة العوامل التي تؤدي إلي التطرف، وتأكيد دور المؤسسات الدينية التي تعتمد المنهج الوسطي المعتدل، ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام في نشر الوعي‮.‬
 
وبالنظر إلي هذه الحصيلة، نجد أن مؤتمر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني أصبح بالفعل أهم مراكز التفكير العربية في مجال تقديم أفكار جديدة، وتصورات متجددة، وفتح نوافذ للمستقبل في مرحلة ضبابية تسودها‮ ‬غيوم تحجب الرؤية، وتشوشها‮.‬

رابط دائم: