إيران ما بعد «النووي»
26-7-2015

خليل علي حيدر
* كاتب كويتي له متابعات متعددة حول الحركات الإسلامية.
بعد الاتفاق النووي، هل تتحول إيران، بعد كل ذلك الصراع وتلك الاستماتة «النووية»، وتترك كل تلك السياسات التي عزلتها عن البلدان الغربية والعالم العربي والدول الخليجية، إلى دولة تتبنى سياسات جديدة تليق بمكانتها وتاريخها؟
 
ولكن هل طبيعة القيادات والنخب والسياسات المرسومة في إيران والمتبعة منذ أكثر من ثلاثين سنة، تدعم مثل هذه الأحلام والتمنيات؟ أستبعد هذا كله.. تماماً.
ذلك أن ميلاد إيران جديدة يتطلب كذلك قيادة جديدة وسياسات وتحالفات ومفاهيم ورؤى عصرية لا ترحب بها القوى والزعامات الحالية، والتي بالطبع لا تخضع لأي محاسبة ديمقراطية، كتلك التي قلصت مثلاً نفوذ وطموحات السيد رجب طيب أردوغان في تركيا، الجارة الإسلامية الكبرى للعرب والإيرانيين.
 
كيف سيكون حال إيران، يتساءل الإعلامي المصري البارز مكرم محمد أحمد في الأهرام، «إذا تبدلت علاقاتها مع واشنطن وأصبحت في منزلة الصديق إن لم يكن الحليف، وتم رفع العقوبات الدولية عنها، وسقطت قيود تجميد أرصدتها المالية، فضلاً عن مضاعفة إيراداتها».
 
ويتساءل الإعلامي المصري «هل يؤدي هذا التطور الضخم إلى تعزيز معسكر الاعتدال داخل إيران، كما تتوقع إدارة الرئيس أوباما، ويسود الرشد سياسات طهران بما يعزز مصالحها ويسقط عنها جدران العزلة، وتتوقف عن دعم جماعات الإرهاب، وتلفظ مخططاتها لتصدير الثورة».
 
أغلب الظن، كما يتوقع مكرم محمد أحمد، «أن صقور المحافظين الإيرانيين سيزدادون شراسة خوفاً من مرحلة قادمة يزداد فيها الطلب على الحريات، وتزداد فيها ثقة الإصلاحيين بأنفسهم». عزل المتشددين داخل الحكومة أو النظام في إيران ليس مسؤولية عقلاء إيران وحدهم وبخاصة مؤيدي الواقعية السياسية، بل وكذلك هو من صميم واجباتنا في العالم العربي والدول الخليجية.
 
ولا أتحدث هنا عن الإجراءات الرسمية أو الأمنية أو العسكرية، بل لابد أن ندرس واقع العلاقات العربية - الإيرانية وبخاصة الخليجية على ضوء هذا التطور الدولي الكبير بين إيران والغرب، فالعالم العربي بما فيه المنطقة الخليجية، يعاني كذلك من مخاطر الجماعات الإرهابية، وفي الوقت نفسه يتعين عليه تلبية متطلبات التنمية وغير ذلك.
 
علينا أولاً الكف عن الولولة والمبالغة حول ما ستفعله إيران وسياساتها بنا، ولابد أن نقوم بخطوات مدروسة لحشد إمكانياتنا.
 
لدى إيران رؤية وبرنامج وأهداف، ولنفترض الأسوأ، فنقول إن ضمن هذه الأهداف قلب الأوضاع في العالم العربي ودعم بعض قوى المعارضة وتحريك الطوائف وتفتيت المنطقة الخليجية والعربية.. ولكن ما مشروعنا نحن في المقابل؟ وماذا نريد؟ وكيف نتصدى لهذه المخاطر والأجندات؟ وبأي اتجاه نعبئ مجتمعاتنا؟ وكيف نحمي أنفسنا دون الانجرار نحو الطائفية والعنصرية؟
 
من التشكيلات التي قد تساعدنا في التحرك داخل إيران تأسيس لجان المتابعة الشعبية مثلاً، والتي تحدثنا عنها في بعض المقالات، فمن الممكن تنظيم مجموعات تشمل رجال أعمال ورجال دين ودبلوماسيين وأساتذة جامعة وإعلاميين وفنانين وغيرهم، يتابعون بناء علاقات قوية مع الأوساط الإيرانية، ويحاولون محاصرة مظاهر التشدد داخل إيران.
 
فإيران في اعتقادي تستطيع أن تتجاهل نداء الحكومات العربية وأن تتهمها بما تشاء، ولكنها لا تستطيع أن تفعل الشيء نفسه مع لجان شعبية ذات اتصالات واسعة بمختلف مجالات الحياة في إيران، بما في ذلك رجال الدين في المدن الإيرانية، وبالتجار والمستثمرين والشركات، والكثير من هؤلاء التجار من ذوي النفوذ في السياسة الإيرانية منذ ما قبل الثورة ولا يزالون.
 
نحن بحاجة ماسة إلى مؤسسة أو مركز أبحاث لدراسة إيران ومتابعتها، صحيح أن مثل هذه المؤسسات موجودة في أميركا وأوروبا، ولكن قدرة الخليجيين على صعيد الحكومات واللجان الشعبية أعمق في الكثير من المجالات من مراكز الأبحاث الغربية، ووصولنا إلى بعض الأوساط بسبب الروابط الدينية والمذهبية والتاريخية والمصلحية أسهل.
 
مشكلتنا أننا لا نزل نتحرك «على البركة» وعلى التسرع والانفعال والاكتفاء بالتصريح والتلويح والتعبير عن المخاوف، ومع الواقع الجديد قد نحتاج إلى ما هو أدوم وأفعل.
 
-------------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 26/7/2015.

رابط دائم: