شبكات الإرهاب وتجنيد المرتزقة
23-7-2015

عاطف الغمري
*
استطاع عدد كبير من مراكز البحوث والدراسات، وأيضاً التقارير المخابراتية، الكشف طوال السنتين الماضيتين، عن تداخل منظم في العلاقة بين المنظمات الإرهابية، وعصابات الجريمة المنظّمة، وإن هذا التداخل تزايد بسبب احتياج كل منهما للآخر، في جني المال، عن طريق تجارة المخدرات وتهريبها، وتجارة السلاح، إضافة إلى ما استطاعته المنظمات الإرهابية، من خلال تسللها إلى سوريا والعراق، من وضع يدها على حقول البترول، والقطع الأثرية النادرة، وتهريبها إلى الأسواق السوداء الدولية.
 
ضمن حلقات هذه العلاقة، ما كشفت عنه إدارة اسكتلنديارد في بريطانيا، من اتجاه منظمة «داعش» بالتحديد، للتركيز على جذب المراهقين المنخرطين في عصابات الجريمة، والذين ليست لهم ميول دينية، إلى صفوفها، باعتبار أنهم - أولاً - مغامرون بطبعهم، ولا يحترمون القانون، حتى ولو انتهى بهم الأمر إلى إلقائهم في السجون.
 
وثانياً - لأن دخولهم في صفوف «داعش»، وتنفيذ عملياتها، يوفر لهم فرصاً هائلة للثراء، وجمع المال الحرام، بأكثر مما يأتيهم من ممارسة الجريمة.
وطبقاً لتقرير مارك راولي رئيس إدارة مكافحة الإرهاب بالشرطة البريطانية، فإن 20% من الإرهابيين المشتبه فيهم، هم من المراهقين صغار السن، وإن معظمهم لهم سجلات عضوية سابقة بعصابات إجرامية، ولا علاقة لهم بالعقائد الدينية.
 
واتضح أن الاتجاه نحو هذه الفئة من الخارجين على القانون، كان وراء سرعة استجابة هؤلاء الصغار، لدعوة «داعش» على الإنترنت للانضمام إليها، وسفرهم إلى تركيا، ومنها إلى سوريا والعراق.
 
ولاحظت جهات مكافحة الجريمة في بريطانيا، وجود ارتباط بين زيادة النشاط الإرهابي ل «داعش»، والهبوط الكبير في حجم الجرائم التي يرتكبها الصغار في بريطانيا، سواء كانوا منفردين، أو ضمن عصابة منظّمة. واتضح ذلك أيضاً فيما تكشف عن السجل الجنائي لاثنين وعشرين شخصاً من الإرهابيين أعضاء تنظيم النصرة في سوريا، والذين قتلوا في سوريا، وتبين أنهم سبق أن صدرت ضدهم وهم في لندن أحكام بإدانتهم بارتكاب جرائم سرقة، وبعضهم سبق إدانته بالاتجار في المخدرات.
 
بعض هؤلاء كانوا قد تحوّلوا إلى الفكر التكفيري، وهم داخل سجون خاصة في مناطق بريكستون، ودفيلتهام في لندن، بعد التقائهم في السجن بمن أقنعوهم بأن الفرصة متاحة أمامهم لجني المال السهل.
 
إن كثيراً من المنظمات، لم تكن تكتفي بالمتاجرة في المخدرات، بل أيضاً في زراعتها على نطاق واسع، وهو ما أصبح معروفاً في أفغانستان، ولما كان الإنفاق على العمليات الإرهابية، وشراء السلاح المتقدم، ودفع أجور ومعيشة المنضمين إليهم، قد تضخمت للغاية، لهذا لم تجد هذه المنظمات وسيلة لتوفير نفقاتها، إلا باحتراف الجريمة المنظمة، والالتزام بقواعد عصاباتها، مما خلق تحالفاً بين الاثنين، باعتبار وجود عنصر مشترك بينهما، وهو العداء للدولة، وللقانون والنظام.
 
إن هذا التطور يضع أي فعل إرهابي تحت طائلة القانون، في كل دول العالم من دون استثناء، خاصة أن هذا التداخل والتحالف ليس مجرد اجتهادات باحثين، لكنه حقائق موثقة من إدارة اسكتلنديارد، وتحقيقات قانونية وأحكام قضائية، ولهذا يظل تردد حكومات غربية منها بريطانيا والولايات المتحدة، عن اتخاذ موقف حاسم من الإرهاب ككل، من دون استثناء للبعض من قوائمها التي تحدد ما هي المنظمات الإرهابية، يثير تساؤلات عديدة. وهذا ما أثبتته تقارير رسمية، منها على سبيل المثال توجيه محكمة بريطانية في العام الماضي اتهامات لشخص إرهابي، ثم منذ 15 عاماً منحه حق اللجوء السياسي، ثم ثبت للمحكمة أنه يقدم دعماً مادياً لتنظيم القاعدة، وتآمر لارتكاب أعمال إرهابية، وأن محاميه كان يستغل مواد في قانون حقوق الإنسان لمنع ترحيله، رغم أنه مستمر إلى الآن في تحريض عناصر شابة للانضمام إلى «داعش». كما أن لجنة العقوبات بالاتحاد الأوروبي، كانت قد اتهمت الشخص نفسه بتقديم دعم مادي للقاعدة، وأنه متورط في ارتكاب أعمال إرهابية.
 
وإذا كانت الحسابات السياسية لحكومات غربية تدفعها إلى هذا التراخي، ربما لاقتناعها بأن موقفها يتفق مع مصالح شعبها، فإن ذلك يدفع للتساؤل: هذا التراخي في الوقوف بقوة أمام ظاهرة تحالف الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، ألا يمثل تهديداً لمصالح وأمن وسلامة شعبها؟!.
 
------------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 22/7/2015.

رابط دائم: