التداعيات الإقليمية لاتفاق "لوزان" حول "النووي" الإيراني
12-5-2015

باحث في شئون الشمال المغربي- مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
* باحث في شئون المغرب العربي - مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
12 مايو 2015
 
أثار الاتفاق الإطاري بشأن برنامج إيران النووي، الذي تم توثيقه في مدينة لوزان في الـ 27 من أبريل الماضي، ردودَ فعل متباينة، لما له من تداعيات كثيرة محتملة على دول منطقة الشرق الأوسط، وطرح تساؤلات عدة، أهمها: إلى أي مدى يُمكن لإيران أن تستخدم هذا الاتفاق كأساسٍ لعسكرة مشروعها النووي؟، وما هو تأثيره فى مركزها ومشروعها الإقليمي؟، وهل لدى مصر أي حساباتٍ بشأن تأثير التدفقات الاستثمارية الأوروبية والأمريكية إلى إيران فليها؟.
 
أولا- عسكرة نووية:
 
ما أعطاه الاتفاق لإيران يُشعرها بخروجها رابحة من أزمة كانت شديدة التعقيد، فقد حصلت طهران على اعتراف دولي، وإقرار غربي بأنها دولة نووية سلمية، ولكنها قد تستطيع بما لها من خبرات وقدرات أن تمتلك السلاح النووي، وقتما تريد، واستغلال اتفاق "لوزان" كأساس لعسكرة مشروعها النووي. وربما تحاول من أجل ذلك خلال الفترة المقبلة إنجاز توازن دقيق بين التطبيع مع الغرب، والاحتفاظ بقدرات نووية كامنة. 
 
فالتحديات التي تفرضها طريقة تعامل سياسة إيران الداخلية مع الملف النووي، وكذلك نجاحها في بناء ترسانتها العسكرية، وتطوير أنظمتها الصاروخية، وقواها البحرية والجوية، وامتلاكها التكنولوجيا النووية، يثير قلقا لدى دول عدة في المنطقة، خاصة أن اتفاق لوزان لم يتضمن أي إشارة إلى ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية، وهذا أحد أهم الجوانب التي تثيرها إسرائيل بخصوص إيران.
 
كما أن جزءًا رئيسيًّا من الانتقادات الموجهة إلى الإدارة الأمريكية في الداخل هو أنها لم تتعرض لهذا الجانب في مفاوضات الاتفاق النووي، هذا بالإضافة إلى أن إدارة إيران لمعركتها النووية مستندة إلى قاعدة شعبية صلبة، وهو ما جعل المشروع النووي محصنًا في السياسة الإيرانية، حيث تتحكم في إدارته عدة حسابات، من أهمها:
 
1. التركيبة المعقدة للنظام الإيراني قد تمثل عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق شامل طويل الأمد، يتضمن وضع نص في الاتفاق النهائي يتيح لوكالة الطاقة الذرية الاطلاع على معلومات بشأن أي مكونات عسكرية في البرنامج النووي الإيراني. فالنخبة الإيرانية المشاركة في النقاش النووي تندرج تحت معسكرات ثلاثة جميعها متفق على بقاء إيران نووية. 
 
فهناك أنصار للبرنامج النووي، مثل رئيس "منظمة الطاقة الذرية" علي أكبر صالحي، وقائد "فيلق الحرس الثوري الإيراني" اللواء محمد جعفري، يتبنون أكثر المواقف تشددًا، والمتمثلة في أحقية إيران في تطوير أسلحة نووية كرادع ذي مصداقية ضد التهديدات العسكرية. حتى الذين يتخذون مواقف وسطية، مثل روحاني، والرئيسين السابقين، أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، بشأن البرنامج النووي، يؤكدون إنهاء عزلة إيران الدولية، وإنعاش الاقتصاد دون التنازل عن قدرات البلاد النووية.
 
2. مبدأ عدم الخسارة الذي يتبناه المرشد الأعلى علي خامنئي في إدارته للملف النووي؛ حيث يرى أن من يتخلون عن مقاومة المجتمع الدولي يخسرون كل شيء. وفي رأيه أن الطريق لرفع العقوبات، وإزالة الضغوط الاقتصادية عن إيران يتحقق من خلال دعم قدرات إيران النووية التي تؤدي إلى زيادة نفوذ إيران كقوة عالمية. 
 
هذا المبدأ ربما يجعل الجانب الإيراني متبنيًا موقفًا متشدًدا فيما يتعلق بآلية الرقابة، والتحقق من التزام إيران بتطبيق بنود الاتفاق، وهو أيضًا ما عبرت عنه تصريحات المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي بأن بلاده لن تسمح لمسئولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول المنشآت العسكرية الإيرانية.
 
ثانيا- تحديات إقليمية:
 
ربما يفرض الاتفاق النووي مع إيران شكلا جديدًا على الدور الإقليمي الإيراني، خاصةً في ظل التصريحات التي تلته، والتي جاءت على لسان العديد من المسئولين الإيرانيين، وتشير إلى حضور إيراني بارز في العديد من العواصم العربية. فقد تستأنف إيران نفسها من موقع إقليمي قوي، وموقع سياسي عالمي أقوى يُشكل خطرًا على وضع مصر الإقليمي، إذا لم تُدرك الأخيرة مخاطره بسرعة، لأنه ربما تُغير إيران من توجهاتها نحو مصر، وهو ما يتطلب النظر من جانب الدولة المصرية في كيفية التعامل مع إيران الجديدة. 
 
ويتمثل تأثير هذا الاتفاق فى مركز إيران ومشروعها الإقليمي الذي ربما يقلص من دور مصر كفاعل إقليمي، فيما يأتي:
 
1. بمجرد التوقيع النهائي على الاتفاق، أو حتى عدم توقيعه، تكون إيران دولة إقليمية يصعب تجاوزها، وقد يتم وضعها في الحسبان في أي ترتيبات إقليمية مستقبلية، وهو ما يعني أن إيران ربما تكون دولة موقع القلب في التحولات التي قد يشهدها العالم على صعيد التوزع الجديد لموازين القوى في الشرق الأوسط.
 
2. قد تصبح إيران ممراً إلزامياً لحل الملفات المعلقة في المناطق المتوترة في الشرق الأوسط، وربما تلعب الدور الرئيسي في إعادة هندسة التوازنات الداخلية لحل الصراعات الإقليمية في كل من سوريا، واليمن، والعراق، في ظل انسحاب تدريجي أمريكي متوقع من مناطق الأزمات في المنطقة، وهو ما يمكن أن يتطور معه تحالف دبلوماسي بين طهران وواشنطن، وهو تحالف قد يأتي على حساب علاقات واشنطن مع الدول العربية ومصر. 
 
وتكمن خطورة هذا الوضع الجديد لإيران في أن مصر غير راغبة في إعلان موقفها من هذا الاتفاق حتى الآن، وهو ما يُثير تساؤلا حول موقعها في الصراع على مستقبل المنطقة، خصوصًا أن مصر لا تزال تتابع الموقف والخطوات القادمة للاتفاق عن بعد. فقد تضمن بيان وزارة الخارجية تعليقًا على الاتفاق "أن مصر لم تطّلع بعد على كافة تفاصيل اتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه، وتنتظر الحصول على معلومات تفصيلية عنه".
 
3. قد يتم دمج إيران في إعادة ترتيبات الأمن الجماعي في المنطقة، فربما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة المقبلة، إلى إعادة تغيير ترتيبات الأمن الجماعي في المنطقة، ودمج إيران فيها، بالتشاور مع دول الخليج في قمة كامب ديفيد المرتقبة بين واشنطن ودول الخليج، وبالتالي قد تكون مصر خارج تلك الترتيبات التي سوف تتم ترجمتها فعليًّا في المرحلة المقبلة، والتي سترفع شعار أن العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي وإيران يجب ألا تكون صفرية، وتكون قائمة على المكسب المتبادل.
 
لكن ورغم المخاطر المتعددة التي يمثلها اتفاق الإطار على مصر، فإن هناك مكاسب محتملة، تكون بصورة محدودة، تتمثل في:
 
أ‌. قد يُعزز هذا الاتفاق من دعوة مصر ومطالبتها المتكررة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، خاصة أن إيران هي صاحبة الفكرة، ومصر هي أول دولة سارعت إلى المشاركة في تقديم طلب إدراج هذا الموضوع، كبند مستقل في جدول أعمال الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة، وبالتالي قد تُعيد مصر ضرورة البحث عن ضمان أمن دول المنطقة، وضرورة البحث عن تطبيق نظام فعال للرقابة والتفتيش.
 
ب‌. قد يكون الاتفاق دافعًا لمصر لكي تُجدد من طموحاتها النووية، ولخلق تعاون بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مجال التدريب والتعاون، وبناء القدرات. لكن قد يكون العائق الرئيسي في الوقت الراهن هو التكلفة الكبيرة لتلك المشروعات.
 
ثالثا- مخاطر اقتصادية:
 
من دون شك، فإنه سيكون للاتفاق تداعيات اقتصادية، بعضها إيجابي على الاقتصاد الإيراني، والبعض الآخر سلبي على الاقتصاد المصري، خاصة أن التدفقات الاستثمارية الأوروبية والأمريكية التي أُعلن عنها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي قد تتوجه إلى إيران، في ظل تشابه مجالات الاستثمار في إيران مع القطاعات الاستثمارية التي حددها مؤتمر شرم الشيخ أخيرا، والمتمثلة في قطاعي البترول والطاقة، هذا بالإضافة إلى تباطؤ الحكومة المصرية في إزالة المعوقات المتمثلة في بيروقراطية الجهاز الإداري، وعدم خروج اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، بالإضافة إلى تحديات أمنية، وسياسية، وهيكلية في الاقتصاد المصري. وتتمثل أهم المخاطر الاقتصادية على مصر بعد الاتفاق النهائي على إطار لوزان، والتي يجب أن تدركها الحكومة المصرية، فيما يأتي:
 
1. من المحتمل أن يتوجه المستثمرون الأوروبيون والأمريكيون العاملون بقطاع النفط والغاز الطبيعي إلى إيران، فمن المتوقع أن يقبل هؤلاء المستثمرون، وكذلك الآسيويون، على إصلاح الحقول النفطية الإيرانية، خاصة أن إيران قد تُسرع من جانبها بتحسين الشروط التعاقدية، وتهيئة المناخ الاقتصادي، وإعادة هيكلة شركاتها الاستثمارية. وهذا يمثل الخطر الأكبر على نتائج مؤتمر شرم الشيخ الذي تركزت أغلب اتفاقياته الاستثمارية الموقعة في قطاع الطاقة.
 
2. توافر البنية التحتية التكنولوجية الإيرانية، والقوى العاملة المتعلمة، قد يجعل إيران أكثر إغراءً للمستثمرين من مصر، خاصةً أن إيران لديها موارد مالية تُسهم في انتعاش الصناعات الرئيسية فيها، كصناعة السيارات والحديد. 
 
بل وسيدعم توقع اتفاق لوزان عودة شبكة المعاملات الدولية، المتمثلة في حرية حركة رءوس الأموال إلى داخلها وخارجها. وسيكون من شأن ذلك تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين إيران ودول الإقليم التي تؤثر بالسلب فى شبكة العلاقات التجارية المحتملة بين مصر ودول الإقليم، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأثر بعض المشروعات الإقليمية المشتركة التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي.
 
وفي النهاية، يمكن القول إن من الضروري على الحكومة المصرية أن تدرك تداعيات اتفاق لوزان على مستقبل مصر إقليميًّا واقتصاديًّا، قبل التوقيع النهائي على بنوده التي تحول مسار التدفقات الاستثمارية من القاهرة إلى طهران. ويتطلب ذلك الأمر سرعة تغيير آليات وهياكل الاقتصاد المصري، واتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز مناخ الأعمال، وإصلاح التشريعات الاقتصادية، والتعامل مع قضايا الفساد.

رابط دائم: