"ندوة": ماذا يحدث في تركيا؟
15-3-2015

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
تطرح التطورات المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية، التي أصبح  يسيطر عليها مبدأ التدخل في الشئون الداخلية لبعض دول محيطها الإقليمي، إضافة إلى حالة المشهد السياسي المرتبك داخليا، تساؤلًا محوريًا، هو: ماذا يحدث في تركيا؟.
 
وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل، نظم مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس ندوة بعنوان" ماذا يحدث في تركيا؟" بهدف الوقوف على حقيقة الأوضاع في تركيا، وما يثار من جدل حول مواقفها تجاه المنطقة العربية بوجه عام، وتجاه مصر بوجه خاص بعد ثورة 30 يونيو، من وجهة نظر المعارضة التركية التي مثلها الباحث التركي سنان يورولماز، مدير العلاقات العامة بمركز النيل للفنون والثقافة، وذلك في إطار حرص المركز على استضافة قادة الفكر والمعارضة  في دول الشرق الأوسط لعرض الرأي والرأي الآخر،  مما يسهم في توضيح الصورة من كافة جوانبها. أدار اللقاء الأستاذ الدكتور جمال شقرة، مدير مركز بحوث الشرق الأوسط، بحضور عدد من الإعلاميين والخبراء الاستراتيجيين. 
 
افتتح الدكتور جمال شقرة، مدير المركز، الندوة، مؤكدًا تعرض مصر والمنطقة بأكملها لتحديات خطيرة، حيث تطبق على أرض الوطن العربي نظريات تم إعدادها في الثمانينيات من القرن الماضي حول الفوضى الخلاقة، وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات صغيرة جدًا ومتناحرة، قدرتها بعض الروايات بـ 76 دولة. ولفت إلى أن هناك محاولة لإعادة إنتاج مرحلة تاريخية سابقة، لكن هذا التصور يقف ضده حقيقة علمية، هي أن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن ربما تؤدي المقدمات المتشابهة إلى نتائج متشابهة. وأوضح أننا أمام مثل هذه المقدمات. ففي الوقت الذي نصر فيه على تسميتنا بالمنطقة العربية، يصر الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، على تسمية المنطقة بالشرق الأوسط.
 
كما تطرق شقرة إلى الدور الإيراني الساعي إلى الهيمنة على المنطقة. ولعل آخر تصريحات الحكومة الإيرانية حول إعادة الإمبراطورية الإيرانية لتمتد عاصمتها إلى العراق، هو أبرز دليل على ذلك.
 
وعلى صعيد آخر، أوضح شقرة أن ما يظهر على الساحة الآن يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الحكومة التركية فاعلة، لافتا إلى أن الحكومة التركية أدخلت أنفها في كافة الأمور في مصر، حتى وصل بها الجرم إلى التحالف مع كيان عربي يدعى "قطر"، تحركه الولايات المتحدة لزعزعة استقرار المنطقة.
 
وشدد مدير المركز على ضرورة الفصل بين الحكومات والشعوب، مؤكدًا أن الشعوب مظلومة دائمًا مع رجال السياسة. وأوضح أن مصر تربطها علاقات جيدة عبر التاريخ مع الشعب التركي، لكن الحكومة التركية الحالية تريد استنساخ تجربة الخلافة العثمانية التي كانت تتنافس مع الإمبراطورية الفارسية، وذلك تحت مسمى "العثمانية الجديدة".
 
وفي ظل هذا الدور المتنامي للدولتين التركية والإيرنية في المنطقة، يرى شقرة أن مصر تقع حاليًا بين شقي رحى، لكن وراء هذا الدور خيوطًا سرية تديرها المخابرات الأمريكية وإسرائيل لتمد من عمرها في المنطقة، من خلال خلق واقع جديد يقوم على تفجير صراعات في المنطقة لخدمة الاستراتيجية الأمريكية المعلنة، وهي تحقيق استقرار في الشرق الأوسط يضمن أمن إسرائيل التي تلعب دور شرطي الولايات المتحدة في المنطقة، كل هذا في ظل غيبوبة أصابت غالبية حكام العرب، لذا بدأ تنفيذ هذا المخطط على الأرض.
 
تداعيات الدور التركي في المنطقة:
 
وحول الوضع الداخلي في تركيا، أوضح الدكتور جمال شقرة أن ما تشهده تركيا من ضغوط داخلية، متمثلة في الاحتجاجات، وقضايا الفساد، وضغوط إقليمية، نتيجة سياستها تجاه دول الجوار، خاصة سوريا، أدى إلى وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي داخل المجتمع التركي، مما جعلها تفكر في تعزيز علاقاتها مع كل من إسرائيل وإيران.
 
وأشار إلى أن كلا من دولتي قطر وتركيا قد خططتا لحضور اجتماع لجنة الاتصال المعنية بحل الأزمة الليبية لهدف واحد، هو القبض على الورقة الليبية، والاستيلاء عليها، والتحكم في مستقبلها ضمن المخطط الأمريكي لتنفيذ "الشرق الأوسط الجديد"، عادّا أن المحور المصري- الخليجي كان محقًا تمامًا في توجهه لمقاطعة الاجتماع، ولحقته ليبيا لثقتها في أجهزة الاستخبارات المصرية والسعودية، والمعلومات التي قد تكون توصلت إليها حول علاقة تركيا وقطر بليبيا. ويتضح ذلك عندما ندرك أن ليبيا بلد يغرق، إلا أن الخطر القادم على يد تركيا وقطر أعظم.
 
ونبه الدكتور جمال شقرة إلى أن الدول الكبرى لن تخضع بنفسها، وتطالب بعض الدول التي كانت تسير وفقا لأجنداتها بأن تتصالح مع مصر، فدفعت بقطر للقيام بهذا الدور، وتركيا في انتظار الرد الأمريكي لاتخاذ موقفها من المصالحة، لا سيما أن دور قطر  يقتصر على ذلك، ولن تكون مؤثرة بمفردها دون الولايات المتحدة. فالبيت الأبيض يستخدمها "كورقة كوتشينة"، مؤكدًا أن الإمبراطورية الأمريكية مآلها إلى السقوط حتمًا، لكنها تريد إطالة عمرها لسنوات أخرى.
 
وأضاف أن الموقف التركي من الثورة السورية، ومن نظام الأسد أثر فى علاقاتها بكل من النظام السوري، والذي كان يعد حليفا في السابق، إلى جانب تأثر علاقاتها بكل من روسيا والعراق، وحتى علاقاتها مع الغرب، لأنه كان في- وجهة نظر الغرب- الداعم لوصول الإسلاميين لسدة الحكم، من خلال ترويجه للإسلام المعتدل.
 
ونوه إلى أن سياسة أردوغان حيال مصر لا تحظى بإجماع أو حتى توافق داخل تركيا، حيث ترى بعض الدوائر المقربة من الحكومة أن الموقف التركي من الحكومة في مصر زاد من تعقيد السياسة الخارجية لأنقرة، خاصة أنها متوترة أساسا مع القوى الكبرى، مثل واشنطن والاتحاد الأوروبي. وقد تضر هذه المواقف التركية من النظام الحالي في مصر بالعلاقة مع الدول الخليجية، ومن ثم استثماراتها في تركيا، الأمر الذي إن تطور فسوف يؤدي إلى عزلة تركيا عن باقي الدول المحيطة بها.
 
 تركيا من الداخل:
 
وحول ما يحدث في تركيا حاليًا، والتغير الذي طرأ على علاقاتها الإقليمية والدولية، تحدث الباحث التركي سنان يورولماز، مدير مركز النيل للثقافة والفنون، قائلًا إنه فيما يتعلق بالعلاقات التركية - الإسرائيلية ، فقد لعبت الولايات المتحدة دورًا من المفاوضات التي جرت بين تركيا وإسرائيل، وأسفرت عن تقديم الحكومة الإسرائيلية اعتذارًا رسميًا لتركيا، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات، وبدء تسوية الخلافات، حيث كشف الاتفاق المبدئي عن قيام إسرائيل بدفع تعويضات إلى عائلات الأتراك الذين قتلوا خلال الهجوم على سفينة مرمرة.
 
وأشار إلى أن هناك مصلحة أمريكية في إنهاء هذه الأزمة، على أساس أن الدور التركي في المنطقة، خاصة في هذه المرحلة غير المستقرة، هو دور أساسى في التقديرات الأمريكية، وأن استئناف التعاون، خاصة الأمني والعسكري بين الحكومتين، هو أحد مرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
 
وفيما يتعلق بالتقارب التركي- الإيراني، أشار سنان إلى أن هذا التقارب يرجع بالأساس إلى الرغبة التركية في الانفتاح على السوق الإيرانية، والتعاون في ملف الأكراد الذين يتزايد خطرهم بمرور الوقت، نتيجة للصراع الدائر في سوريا، وسيطرتهم على أجزاء منها، فضلًا عن إيجاد نوع من توازن المصالح والقوى بين البلدين، مؤكدًا أن تركيا تتجه الآن إلى التواصل مع دول المحيط العربي "إيران- سوريا- إثيوبيا"، بعد توتر العلاقات مع معظم الدول العربية، وأن الوجود التركي في كردستان العراق يقوم على القوة الناعمة والاقتصاد، خوفًا من انفصال شمال العراق الذي سيكون له تأثير فى أكراد تركيا.
 
وتطرق يورولماز إلى تطورات المشهد السياسي التركي، حيث أوضح أن الفوز المتكرر لأردوغان في الانتخابات جعل منه ديكتاتورًا. وأضاف أنه استغل فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي كغطاء للتمكين. وبعد أن حقق هذا الغرض، بدأ في طرحه فكرة الانضمام لمنظمة شنغهاي، والتي تضم دولاً غير ديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان. 
 
كما لفت إلى استغلال أردوغان للقضية الفلسطينية للاستهلاك المحلي، وزيادة شعبيته دون أن يقدم شيئاً جوهريًا لها. وأوضح أنه رغم التوتر الذي شهدته العلاقات بين تركيا وإسرائيل، فإن العلاقات استمرت بينهما على المستويات الأخرى، خاصة الاقتصادية. وفي الوقت الذي ضغطت فيه الولايات المتحدة على إسرائيل لتقديم الاعتذار لتركيا، تعهدت الأخيرة بعدم ملاحقة المتهمين في الاعتداء على السفينة، وذلك دون علم الرأي العام التركي. ونوه إلى أن الموقف الذي اتخذه أردوغان ضد الرئيس الإسرائيلي آنذاك "شيمون بيريز" أمام العالم في مؤتمر دافوس، وزاد من شعبية الأول، كان ظاهريًا فقط، حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي بعد ذلك مقطع فيديو لأردوغان، يعلن فيه عقب الاجتماع أن سبب غضبه هو عدم إعطائه الوقت الكافي لإلقاء كلمته، وليس كما تصوره الكثيرون أنه يعبر عن غضبه من إسرائيل.
 
وأشار سنان إلى أن أسبابا عدة وراء نجاح أردوغان أكثر من مرة في الانتخابات، أهمها سيطرته على قطاع كبير من الاقتصاد ووسائل الإعلام التي تدعمه، واصفًا إياها بـ"إعلام الحوض"، حيث توجد عشر قنوات وصحف يسيطر عليها الحزب الحاكم. وبعد فضيحة الفساد، أصبح القضاء، والمدعون العموميون في يده، موضحًا أنه استخدم الصراع مع حركة فتح الله كولن – المعارضة - كغطاء لتبرير فضائح الفساد في حكومته، من خلال الادعاء بأن الحركة تسعى لإنشاء كيان مواز للانقلاب على الحكم، مع العلم بأن هذه الحركة ليست لها أهداف أو طموحات سياسية منذ نشأتها، وإنما هي  حركة اجتماعية مدنية تابعة للداعية فتح الله كولن، وتعتمد على التطوع، وتهدف إلى إرساء ثقافة التعايش مع الآخر في إطار القيم الإنسانية العالمية ، وبالتالي فهي ليست بطريقة أو مذهب، ولا تصف نفسها بالدينية أو الإسلامية.
 
وأوضح سنان أنه في بداية حكم أردوغان، كان موضع ترحيب داخليًا وخارجيًا، وعمل على احتضان كافة الأطياف داخل المجتمع. لكن كلما زاد الحزب قوة، وكسب ثقة الآخرين، فإن أسلوبه يتغير حتى تحول من الديمقراطية إلى الاستبدادية، وأصبح هناك تمييز وانشقاق، ليرتد الوضع في تركيا إلى ما كان عليه قبل وصول أردوغان إلى الحكم، ووصل الأمر به إلى إنكار حق الحياة لمن لا يفكر مثله، ولا يؤمن بمبادئه.
 
وأضاف أنه حدث تطرف فكري لدى المؤيدين للحزب وزعيمه، لدرجة وصفه ببعض الصفات التي تتنافى حتى مع العقيدة الإسلامية، مثل أنه "نبي ثان"، و"أنه يتصف بجميع صفات الله سبحانه وتعالي"، و"لمس أردوغان بمثابة عبادة"، إضافة إلى " أن دعم حزب العدالة والتنمية من مقتضيات الإيمان"، مؤكدًا أن الأمر الأكثر خطورة من هؤلاء هو أنه لم يحدث انتقاد أو استنكار رسمي لهذا الكلام داخل المجتمع التركي.
 
الموقف التركي من ثورة 30 يونيو:
 
وانتقد الباحث التركي موقف حكومته تجاه مصر، قائلًا: إن التدخل في السياسة الداخلية المصرية ، وتأييد طرف معين على آخر داخل مصر شىء مؤسف، موضحًا أن سياسة أردوغان الخارجية جعلت تركيا سيئة السمعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، لافتًا إلى تأكيد أردوغان في أكثر من مرة أنه من المشاركين في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو ما يفسر الدور التركي في المنطقة الآن.
 
وفي ختام الندوة، أشار الدكتور جمال شقرة إلى أن خلاصة ما عرضه الباحث التركي تجعلنا ندرك أننا أمام طاغية جديد – في إشارة إلى أردوغان – يستخدم كل أساليب الطغاة، وأسوأ هذه الأساليب العبث بالخريطة الذهنية للشعوب، من خلال الصفات التي يصف نفسه بها، ويصفه بها الموالون له، وهو ما يوضح أننا أمام فكر متخلف، وشخص مهووس، وليس متطرفا.

رابط دائم: