معركة نتنياهو- أوباما في الكونجرس
15-3-2015

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
تتيح «معركة الكونجرس» في الأسبوع الماضي فرصة لفهم قواعد إدارة الخلافات الأميركية الإسرائيلية حين تبلغ أعلى ذروة لها في تاريخها، فقد وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة الكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية لإلقاء خطاب، متحدياً إدارة الرئيس أوباما التي اعترضت على توجيه رئاسة مجلس النواب الدعوة إليه من دون تشاور وتنسيق معها.
 
فلم يصل الخلاف بين إدارة أميركية وحكومة إسرائيلية منذ 1948 إلى هذا المستوى الذي بلغه منذ أن أحبط نتنياهو جهود أوباما لتحريك عملية السلام عام 2009 بسبب الإصرار على الاستمرار في بناء المستوطنات.
 
وظل التباعد مستمراً بينهما إزاء سبل التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبشأن كيفية التعاطي مع أزمة برنامج إيران النووي، لكن الخلاف دخل مرحلة غير مسبوقة منذ توقيع الإطار المبدئي للمفاوضات بين مجموعة «5 + 1» وإيران، والمعروف إعلامياً باسم اتفاق جنيف، في 24 نوفمبر 2013.
فقد رفض نتنياهو هذا الإطار منذ اللحظة الأولى، لكنه لم ينجح في إقناع إدارة أوباما بسلبياته، فاتجه إلى التصعيد وصولاً إلى قبول دعوة الرئيس الجمهوري لمجلس النواب لإلقاء خطاب أمام الكونجرس من وراء ظهر أوباما.
 
ومما تجدر ملاحظته في تصاعد الخلاف الأميركي الإسرائيلي على هذا النحو هو حرص كل من طرفيه على وضع سقف له لكيلا يتحول إلى صدام مفتوح يؤثر في مستقبل العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. وظهر ذلك في خطاب نتنياهو الذي قام على توازن بين التحذير من خطر «اتفاق سيئ» مع إيران من ناحية، والإشادة بدعم الإدارة الأميركية ومساعدة أوباما لإسرائيل. فقد بدا نتنياهو كمن يبالغ في الثناء على أوباما، وتثمين جهوده من أجل إسرائيل، سعياً إلى وضع حد للتوتر المتزايد في العلاقة بينهما، وإبقاء الخلاف بينهما عند الحدود التي لا تدفعه باتجاه صدام مفتوح.
 
كما التزم نتنياهو بعدم كشف تفاصيل مشروع الاتفاق الذي كان التفاوض عليه جارياً عند إلقائه الخطاب، ويبدو أن معرفته هذه التفاصيل عبر قنوات تبادل المعلومات بين واشنطن وتل أبيب كانت هي أكثر ما آثار قلق أوباما قبل خطاب الكونجرس، لكن نتنياهو التزم بالقواعد المتعارف عليها في مثل هذه الحالات، والتي ذكَّرته إدارة أوباما بها عشية توجهه إلى «كابيتول هيل»، وهي أن كشف معلومات غير معلنة يعتبر «خيانة للثقة بين الحلفاء».
 
لذلك حرص أوباما بدوره على الحد من التوتر، عندما علَّق على خطاب نتنياهو بطريقة هادئة، لكنها لا تخلو من استهانة ظهرت في قوله، إنه لم يشاهد الخطاب، لكنه قرأ النص ولم يجد فيه أي جديد.
 
غير أن استخفاف أوباما هذا لا يعني بالضرورة أن نتنياهو لا يملك أوراقاً قد يكون بعضها مؤثراً. ويبدو أن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي رهانين في هذا المجال أحدهما، عاجل، والثاني آجل. أما الرهان العاجل، فهو أن يتمكن من تعبئته ضغوطاً داخلية لمحاصرة أوباما ومنع مفاوضيه من التحرك بحرية في المفاوضات التي دخلت مرحلة متقدمة مع إيران، خاصة فيما يتعلق بتعريف الأنشطة النووية الحساسة التي يتضمن مشروع الاتفاق وقفها لمدة عشر سنوات.
 
وربما يتطلع نتنياهو أيضاً إلى خلق حالة تعبئة تمهد للتصويت على تشريع يُجبر الإدارة على نيل تفويض من الكونجرس قبل توقيع أي اتفاق مع إيران، ويعتمد هذا الرهان على حضور عدد كبير من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، وعدم استجابتهم لدعوة أوباما إلى مقاطعة خطاب نتنياهو، فلم يستجب إلا 55 عضواً، أي بنسبة نحو 10% تقريباً من إجمالي أعضاء الكونجرس.
 
أما الرهان الآجل في حالة توقيع اتفاق بالفعل، فهو على اتخاذ أغلبية كبيرة في الكونجرس موقفاً متشدداً ضد رفع العقوبات المفروضة على إيران، سعياً إلى خلق تعقيدات تؤثر سلبياً في مسار العلاقات الأميركية الإيرانية.
 
وقد تكون الشروط التي طرحها نتنياهو في خطابه لرفع العقوبات على إيران جزءاً من خطته للعمل ضد الاتفاق في حال توقيعه، وربما يكون ترتيبه لهذه الشروط، وهي وقف التوسع في الشرق الأوسط وإنهاء دعم الإرهاب، ثم التخلي عن التهديد بمحو إسرائيل، مقصوداً للحصول على دعم أكبر عدد ممكن من أعضاء الكونجرس، فضلاً عن جماعات ضغط عدة في واشنطن لا تقتصر على «إيباك» وغيرها من أنصار اسرائيل.
 
---------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس، 12/3/2015.

رابط دائم: