حلقة نقاشية: "ملامح عامة عن أجندة الاتحاد الإفريقي 2015-2063"
8-3-2015

أحمد عسكر
* باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
 ثمتل القمة الإفريقية الأخيرة، التي عقدت في أواخر شهر يناير الماضي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نقطة الانطلاق لما عرف بأجندة الاتحاد الإفريقي 2015-2063، التي دعا إليها زعماء الدول الإفريقية، للمضي قدما نحو مستقبل أفضل للقارة.
 
وفي إطار اهتمام البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمستجدات الأوضاع على الساحة الإفريقية، عقد البرنامج ورشة عمل بعنوان "أجندة الاتحاد الإفريقي 2015- 2063"، باستضافة السفير نادر فتح العليم، مدير مكتب الاتحاد الإفريقي بالإنابة بمكتب القاهرة.
 
في البداية، أشارت الدكتورة أماني الطويل، رئيس البرنامج الإفريقي، إلى أن ازدياد الشعور لدى الكثيرين بأن سياسات الاتحاد الإفريقي تتوجه نحو الجنوب عن الشمال الإفريقي، من شأنه أن يخدم التوجهات الاستعمارية القديمة في فصل القارة بين شمال وجنوب، فقد صنفت الدول الإمبريالية الشمال الإفريقي ضمن منطقة الشرق الأوسط، وليس له علاقة بجنوب الصحراء الكبرى، في الوقت الذي تشير فيه التطورات الجيوسياسية إلى أهمية وحدة القارة، في مواجهة تحديات كبرى خاصة بالتنمية المستدامة، في ظل تكالب قوى دولية ساعية إلى استنزاف موارد القارة.
 
وأكدت ضرورة معرفة أهداف، وأدوات، واستراتيجية، وملامح أجندة الاتحاد الإفريقي للأعوام الخمسين القادمة، بعد الإعلان عنها في البيان الختامي للقمة التي عُقدت في أواخر الشهر الماضي بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا.
 
في هذا السياق، قدم السفير نادر فتح العليم عرضا موجزا عن أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063، حيث أوضح أن العلاقة بين الشمال الإفريقي ومنظمة الاتحاد الإفريقي علاقة راسخة. فمعظم حركات التحرر الإفريقية انطلقت من القاهرة منذ خمسينيات القرن الماضي، كما تلقت دعما من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، إلى أن تمت بلورة فكرة منظمة الوحدة الإفريقية في عام 1963، من أجل تحرير القارة من نير الاستعمار. فكانت معظم دول شمال إفريقيا مستقلة آنذاك، ربما يفسر سبب إبعادها بشكل أو بآخر عن الاتحاد، فضلا عن الانطباع بأن الشمال الإفريقي أكثر تقدما من دول جنوب الصحراء، والذي جسده الاستعمار الغربي بشكل كبير، حتى يخلق فاصلا بين الشمال والجنوب الإفريقي.
 
وأضاف السفير فتح العليم أن الهدف كان واحدا، حينما تكونت منظمة الوحدة الإفريقية. وبعد أن نالت دول القارة استقلالها، إلى أن تحولت منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، في قمة ديربان عام 2002، اضطلع الشمال الإفريقي بدور مهم في دعم الاتحاد الإفريقي وأنشطته، حيث تشارك دوله بما يقرب من 50% تقريبا من ميزانيته.
 
وهناك الكثير من البرامج التي تشارك بها، وتستضيفها دول الشمال الإفريقي، كما تعقد الاجتماعات والمؤتمرات التي يرى الاتحاد أن نجاحها لن يتم إلا من خلالها، أبرزها المؤتمر الخاص بالأمن الغذائي الذي أقيم في مدينة شرم الشيخ في عام 2010، بشأن الأمن الغذائي والزراعة في القارة، والذي أضحى وثيقة رئيسية وأساسية يرجع إليها الاتحاد الإفريقي، فضلا عن الكثير من البرامج الثقافية للاتحاد التي أقيمت في دول تونس، وليبيا، والجزائر، إضافة إلى كثير من الآليات الخاصة بالاتحاد كمعهد مكافحة الإرهاب بالجزائر، واللجنة الثقافية العليا في دولة تونس، ومكتب الاتحاد الإفريقي بالقاهرة. ومن ثم فالشمال الإفريقي قريب من البرامج الإفريقية للاتحاد.
 
أجندة الاتحاد الإفريقي 2063:
 
أثناء الاحتفال بمرور خمسين عاما على تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في مايو 2013، وقع الزعماء الأفارقة وثيقة Solemn declaration، التي تحدثت عن طموحات وآمال الأفارقة خلال  الأعوام الخمسين القادمة، للبدء في وضع رؤية واضحة لإفريقيا. ويتم تقسيم تلك الرؤية الخمسينية إلى فترات زمنية مقدار كل فترة 10 سنوات، وتقوم عليها إدارة التخطيط الاستراتيجي بالاتحاد الإفريقي بالتشاور مع كافة الأطياف والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل القارة، فضلا عن الأفارقة في المهجر. وحدد زعماء القارة في تلك الوثيقة نقاطا محددة: نريد إفريقيا قوية، فتيّة، متعلمة، مصنعة، منتجة، وفاعلة في الدور العالمي، خاصة أن إفريقيا تمتلك أكثر من 90% من احتياطيات الموارد في العالم.
 
تتطلع أجندة إفريقيا لعام 2063، التي تم التشاور بشأنها بين جميع دول القارة، إلى وضع رؤية وخريطة طريق للاتحاد الإفريقي بشأن تلك الأجندة، التي تقضي، بحلول 2016، التحول إلى البث التليفزيوني الرقمي في كل أنحاء إفريقيا، وفى 2017 تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة، وفى 2018 تتمتع القارة باتصالات حديثة متماشية مع الاتصالات الدولية، وكذلك المضي قدما في توحيد مواصفات جواز السفر الرقمي الإفريقي،  وفى 2020 العمل على إسكات صوت البنادق في القارة من خلال العمل على احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة، وأن يتم التعامل من جانب كل من له قضية في القارة، من خلال المفاوضات والطرق السلمية لحلها، خاصة في ظل السعي نحو تطوير القوات الإفريقية بشكل كبير، التي تحمي تراب إفريقيا. فخلال السنوات الثلاثة الماضية، لم يكن هناك أي وجود لقوات حفظ سلام من خارج القارة، وفى2022 بتطوير برامج التجارة الإفريقية البينية، بحيث تكون الأولوية للتجارة بين دول إفريقيا.
 
وشدد السفير فتح العليم على أن أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063 تركز على الإنسان الإفريقي، فهي مبنية أساسا على تقوية الشرائح الضعيفة في المجتمع الإفريقي "الطفل،المرأة، ذوو الاحتياجات الخاصة "، وكذلك تقوية المناهج التعليمية، والابتكار، وامتلاك الحلول العلمية، حيث تعاني القارة محدودية في قطاع التكنولوجيا، بما يجعلها لا تستفيد بالشكل المطلوب من مواردها.
 
وعن محاربة وباء إيبولا، يؤكد السفير فتح العليم أن الاتحاد الإفريقي نجح في محاربة إيبولا بالإنابة عن البشرية جميعا، حيث تطوع كثير من الشباب الإفريقي من معظم دول القارة للذهاب للدول التي تعاني انتشار المرض، للإسهام في التصدي له، ومكافحته، وهو ما أدى إلى السيطرة على المرض بشكل كبير.
 
آليات السلم والأمن الإفريقي:
 
أشار فتح العليم إلى آليات مجلس السلم والأمن الإفريقي، التي من بينها، وفقا للفقرة 12 من البروتوكول المؤسس للسلم والأمن، إنشاء قوة أفريقية جاهزة، مع الأخذ في الحسبان أن من ضمن أدبياتها ألا تنتشر قوة إفريقية من الإقليم نفسه، مع استثناء ما حدث في الصومال من تدخل إثيوبي، وأوغندي، وكيني، لعدم جاهزية القوة الإفريقية آنذاك.
 
كما أن تمويل تلك القوات تمويل ذاتي من الاتحاد، حيث لا يتم إرسال أية قوة إلى الأرض، ما لم يرصد لها الاتحاد تمويلا لمدة ستة أشهر. ومع التهديد القائم لجماعة بوكو حرام في الداخل النيجيري، وسريانه لدول الجوار، تم رصد الميزانية الخاصة بالقوة الإفريقية لمواجهة التنظيم خلال القمة الأخيرة بأديس أبابا، وتحول القرار من أجهزة صنع السياسات إلى الجهة المختصة الجاهزة.
 
وأشار فتح العليم إلى أن الاتحاد قد أجاز في قمته الأخيرة مقترح تنويع مصادر الدخل، لدعم البرامج الإفريقية، من خلال البحث مع الدول الأعضاء زيادة التنويع، فضلا عن الإسهام في زيادة الميزانية الخاصة بالاتحاد.
 
وحول المعايير الخاصة بالاتحاد في التعامل مع الانقلابات العسكرية بالقارة، وتدخل دول الجوار في الصراعات والنزاعات في الدول الإفريقية، أوضح السفير فتح العليم أن الآلية الوحيدة التي وُضعت لدرء الانقلابات العسكرية كانت في مؤتمر لومي الذي عقد في عام 2000، حيث رفعت الأجندة بعد تداول بين الدول الأعضاء في قمة الجزائر 1999، ومن ثم أجمع القادة الأفارقة على إصدار إعلان لومي، الذي تحدث بدوره عن الإعلانات غير الدستورية. وأشار إلى أن هناك فرقا بين الإعلان غير الدستوري والانقلاب العسكري. وأضاف أن دولة توجو أول من طبق عليها هذا الإعلان. كما أشار فتح العليم إلى الحالة المصرية بعد 30 يونيو، التي أدت إلى تجميد أنشطة الدولة المصرية في الاتحاد الأفريقي، لحدوث تعديل غير دستوري بعد تولي الرئيس عدلي منصور رئاسة مصر مؤقتا، في حين أن الدستور المصري يقضي بتعيين نائب الرئيس. ومن ثم، فإن ما حدث لم يصفه الاتحاد في أدبياته  بأنه انقلاب عسكري على العكس، مما جرى تداوله في أدوات الإعلام المصرية، على العكس مما حدث في بوركينا فاسو أخيرا، حيث تم فتح باب النقاش والمشاورات مع المسئولين البوركينابيين، الذين أظهروا تعاونا مع بعثة الاتحاد.
 
واختتمت الدكتورة أماني الطويل بأن جوانب التطبيق لأجندة الاتحاد الإفريقي 2015-2063 لم تدشن بعد، فنحن بصدد تفعيل الآليات لتحقيقها.
 
وأشارت إلى أنه برغم حالة التفاؤل بمستقبل القارة الإفريقية، لما تمتلكه من مقومات جيدة، فإنها تواجه تحديات كثيرة، ينبغي التغلب عليها، من بينها الحكم الرشيد، وتوطن الفساد، وعدم الشفافية، والصراعات المسلحة.
 
كما أكدت أن الاتحاد الإفريقي قد حقق خطوات متقدمة تفوق بها على جامعة الدول العربية، وأنه ينتهج الطريق الصحيح لمستقبل أفضل للقارة الإفريقية.

رابط دائم: