حلقة نقاشية: حدود تأثير هزيمة "داعش" في كوباني فى وحدة الشعب الكردي
8-3-2015

فرناز عطية
* باحثة بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية.
عدة تساؤلات تطرحها هزيمة "داعش " في كوباني، من أهمها: هل تعد تلك الهزيمة هي بداية النهاية لهذا التنظيم في تلك المنطقة؟، وما مدى تأثيرها فى القومية الكردية، ووحدة الشعب الكردي؟. وللإجابة على هذه التساؤلات، نظم المركز المصري للدراسات الكردية بالقاهرة ندوة نقاشية تحت عنوان: "هزيمة داعش في كوباني.. بداية النهاية؟".  
 
افتتح حلقة النقاش وأدارها رجائي فايد، رئيس المركز المصري للدراسات الكردية، بمشاركة كل من الملا ياسين رءوف، مسئول مكتب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في القاهرة، والكاتب الصحفى السيد عبد الفتاح، الصحفي (جريدة المصري اليوم)، والشيخ جمال قطب، الداعية الاسلامي، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا، والدكتور محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، وبحضور عدد من الباحثين والصحفيين المهتمين بالشأن الكردي.
 
استهل فايد حديثه بالإشارة الى أن بداية الانحسار الفعلى والمؤثر لـ "داعش" كانت في مدينة كوباني التي تسمى عربيا بـ"عين العرب"، كما أن معركة كوبانى أججت الشعور القومي للكردي في مناطقها المختلفة، وكان مشهد عبور قوات البشمركة الكردية العراقية من الجنوب إلى الشمال إلى الغرب، للمشاركة فى الدفاع عن كوبانى وتحريرها، مشهداّ فريداّ، فقد استُقبلوا من أبناء قوميتهم فى تركيا بالأعلام الكردية، والورد والزغاريد، وإنشاد الأناشيد القومية الكردية، وهذا المشهد على العكس تماماّ من مشهد آخر كان عام 1947، عندما كانت قافلة كردية أخرى، بزعامة الملا مصطفى البرزانى، تعبر في الأراضي الكردية التركية تحت جنح الظلام، وهى مطاردة من أعدائها. كانت تلك القافلة تستقبل بالدموع والأسى، فقد كانت تركيا حينئذ لاتعترف في دستورها بوجود أي أقلية أو قومية على الأراضى التركية، ومنها الكرد. أما هذه المرة، فقد دخلت تلك القافلة فى وضح النهار. 
 
هزيمة التنظيم في كوباني : 
 
لفت فايد إلى رسالتين إحداهما من رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، والأخرى من نائب رئيس الإقليم، كوسرت رسول، المنتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني. وأكد فايد أن هناك تبايناّ بين الحزبين في بعض الأمور، والتي لا تدخل ضمن الأمور الاستراتيجية.
 
وأشار إلى أن مسعود البرزاني يذكر في رسالته أن الانتصار العظيم في كوباني كان على جبهة بامتداد 500 كم، وهذا النصر لم يكن لشعب كردستان فقط، بل لكل الإنسانية على الإرهابيين. ووجه الشكر للتحالف الدولي الذي أسهم في هزيمة "داعش"، كما تقدم بشكره لجمهورية تركيا التي سمحت لقوات البشمركة بالدخول إلى كوباني عبر أراضيها. ولفت المتحدث  إلى أهمية هذه النقطة المتمثلة في عبور هذه القوات الرمزية، التى عبرت من معبر إبراهيم الخليل إلى كردستان، تركيا، ثم إلى كردستان سوريا، لكي تدافع عن كوباني، مما شكل خيطا دقيقا ربط أجزاء كردستان الثلاثة(باستثناء إيران). وأضاف البرزانى في رسالته أن الهزيمة الحقيقية تحدث عندما تهزم الإرادة والصمود، وهذا لم يحدث. وتطرق في رسالته إلى التوحد النضالى فى المعركة ضد"داعش"، وضرب مثالاّ باستشهاد زيرافان (وهو مقاتل من كردستان العراق، أو جنوب كردستان ) في كوباني. وفي اليوم نفسه، استشهد نيجرفان ( من كردستان سوريا أوغرب كردستان ) في معارك تحرير اسكي موصل في سهل الموصل، وهو ما يؤكد وحدة الشعب الكردستاني، ووحدة قضيته.
 
 وأضاف المتحدث أن رسالة نائب رئيس الإقليم- والموجهة إلى البشمركة ووحدات حماية الشعب من الرجال YPG ، وYPJوهى وحدات حماية الشعب النسائية، والذين جعلوا من كوباني ملحمة بطولية أشاد وانبهر بها العالم- أكدت أن الكرد بما قدموه من تلاحم بطولى تجاوزوا بذلك الحدود الكردية المصطنعة. وكان وصول بشمركة كردستان العراق إلى كوباني بمنزلة خطوة لإنعاش الروح القومية الكردية. فحيثما كانت أرض الكرد، كان أبناؤهم هم المدافعين عنها. وانتهي المتحدث قائلا إن صمود كوبانى وانتصارها فى هذه المعركة كانا عكس ما جرى فى مدن عراقية أخرى كمدينة الموصل المليونية، التي انهارت أمام "داعش" فى ساعات، ولا تزال تعيش في ظل الاحتلال .
 
وتحدث السيد عبد الفتاح، رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية، قائلا إنه قام برحلة من القاهرة إلى كردستان العراق، وعايش قوات البشمركة فى جبل قنديل ، ثم دخل كردستان تركيا، واقترب من مدينة كوبانى، حيث عايش المقاتلين، بل والتقى بأسرى "داعش"، وتحاور معهم حول معتقدهم، وتبين له حجم ما تعرض له هؤلاء الشباب من عمليات غسل أدمغة ممنهجة، فمعظمهم من شباب في العشرين من العمر، لا يحملون سوى أفكار مبهمة عن دولة الخلافة التى لابد أن تقود العالم.  وأكد  المتحدث ما قامت به كوبانى ببطولتها من تأجيج للروح القومية الكردية، وتوحيد كافة فصائلها، بالرغم من الاختلافات الأيديولوجية بين الأحزاب الكردية التي تقود المشهد السياسي الكردي في تركيا، وسوريا، والعراق. وضرب مثالا على ذلك بالخلافات القائمة بين الحزب الديمقراطى الكردستانى (مسعود البرزانى)، وحزب العمال الكردستاني(عبد الله أوجلان)، حيث أكد أوجلان ضرورة الوقوف كجبهة واحدة، والالتزام بتعليمات البرزاني، وضرورة التكاتف في هذا الموقف.
 
حدود التأثير:
 
وأكد عبد الفتاح، في نهاية مداخلته، أن معركة كوباني تعد الضربة التي قسمت ظهر "داعش" إعلاميا وعسكريا، وأرجع ذلك إلى أهمية هذه المعركة والتكتيك المستخدم فيها، محددا ملامح ذلك التكتيك في الآتي: 
 
- استمرار المعركة إلى ما يقرب من  أربعة أشهر، وكان "داعش" تهدف من وراء هذه المعركة إلى تقسيم المناطق الكردية الموجودة في سوريا إلى ثلاثة أجزاء هي: منطقة عفرين، وكوباني، والجزيرة. وبالتالي، فإن سيطرة "داعش" على كوباني ستفصل المنطقتين عن بعضهما بعضا، إضافة إلى أن تركيا ستفتح طريقا مع "داعش" لتصدير البترول، وبالتالى دعم "داعش".
 
- العمل على إسقاط الهالة الإعلامية لـ "داعش" التي أسهمت في إسقاط مدن، من خلال بث الرعب، نتيجة للممارسات البربرية كالحرق والذبح وغيرهما، وذلك مع العلم بأن كوباني مدينة صغيرة تعداد جيشها يتراوح بين 1000 و1500 جندي، واستعانوا بالبشمركة الذين قدر عددهم بـ 150 ألف مقاتل، وكانوا يقومون بعمليات الإسناد كالقذف المدفعي، ولم يدخلوا معارك الالتحام. فكوباني استطاعت أن تخوض المعركة بشكل محترف من خلال كسب دعم الراي العام  الإقليمي والعالمي، فروجت صورتها التي تشارك فيها الفتيات المقاتلات، وظهرت أسماء بعضهن مثل بريفان وارين، مقابل الصورة البشعة للدواعش الذين يسبون النساء.
 
- لجوء مقاتلى كوباني إلى إخلاء المدينة من النساء، والعجزة، والأطفال، وكل ما يمكن أن يستخدم كأداة للضغط على المقاتلين أو التأثير في معنوياتهم من قبل "داعش".
 
- الدراية بأرض المعركة مقابل جهل مقاتلى "داعش" بطبيعة تلك الأرض.
 
- استغلال معبر مرشد بينار الذي انسحبت منه القوات التركية لمصلحة "داعش"، والصمود في وجه التواطؤ التركي مع "داعش"، حيث تعرض المعسكر التدريبي الكردي في غازي عنتاب إلى هجوم ثبت أنه من الأراضي التركية من خلف صوامع القمح لمقاتلين من "داعش".
 
ماذا بعد الانتصار؟:
 
وعلى الجانب الآخر، أشار الملا ياسين، إلى أن الكرد جيران لدولتين كبيرتين ذواتى سطوة في المنطقة، مما يفسر الإشارة بالشكر في الرسالتين لإيران وتركيا، بغية مراعاة المصالح القومية للكرد. ولكن في المسائل الاستراتيجية، فالكرد موقفهم موحد.
 
كما أشار إلى تواكب انتصار الكرد في كوباني على "داعش" مع الذكرى الأولى لتأسيس الكانتونات الثلاثة " الإدارات الذاتية" للكرد في يناير 2014، وهي: قامشلي، والحسكة، والجزيرة، والتي أعلنتها قيادة حزب الاتحاد الديمقراطى الكردي فى سوريا.
 
وذكر الملا ياسين أن هناك عددا من التحديات شهدتها المعارك في كوباني، تمثلت في أنه بعد مكاسب "داعش" في الموصل، والرقة، المدينتين الكبيرتين، تم الهجوم على مدينة صغيرة ككوباني، تضم 300 الف نسمة. وخلال 133 يوما، لم تتمكن "داعش" من السيطرة عليها، رغم مساندة الجانب التركي. فتركيا ترى أن خطر "داعش" مؤقت. أما التوحد الكردي، فسيشكل خطرًا دائما يؤرق تركيا. ويذكر أن أردوغان بعد الانتصار في كوباني، قال بوضوح إن تركيا لن تسمح بوجود كيان كردي في سوريا، على غرار ما هو موجود في العراق، وذلك لقطع الطريق مستقبلا على أي محاولة لوجود دولة فيدرالية سورية.
 
من جانب آخر، أكد الشيخ جمال قطب أنه لا يوجد خلاف بين جنس، أو عرق، أو دين، ولكن الخلاف يكمن في خلاف العقول. وبين أن السبب في نشوء الحركات والتنظيمات المتشددة  المتأسلمة يعود إلى ظهور أفكار دخيلة تدعو الى التفرقة والعنصرية. وشدد على أن الأصل فى الجهاد أنه نمط أو استراتيجية أوجدها الإسلام لإعمار الدنيا، ولم يدع الإسلام أبداّ لمقاتلة الآخر إلا في حالة اعتداء الآخر عليه. فالأمة الإسلامية في الأصل هي أمة دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالسلاح. وضرب مثالا بعمرو بن العاص عندما فتح مصر، فقد قاتل الرومان فقط، والذين كانوا يجبرون المصريين على ترك المذهب الأرثوذكسى، واعتناق المذهب اليعقوبى. وفى عهد الرومان، الذى يطلق عليه عهد الشهداء، لم يترك الرومان كنيسة واحدة دون حرقها وهدمها. ومع الفتح الإسلامى، بنيت الكنائس. وتطرق إلى ما تم بحق الأزهر من تهميش. وبدلا من كونه مؤسسة عالمية، تحول ليصبح مؤسسة من مؤسسات الدولة، مشايخه يأخذون رواتبهم من خزانة الدولة. وبالتالي، فقد الأزهر استقلاليته، ليس هذا فحسب، بل قامت الدولة بتقسيمه إلى ثلاث مؤسسات، هى: الأزهر، ودار الإفتاء التابعة لوزارة العدل، ووزارة الأوقاف، وكثيرا ما يحدث بينها من تناقض فى قضايا فقهية، وبالتالى اهتزت الصورة في عقول الشباب، وتمكن البعض من انتهاز هذا الوضع، وسيطروا على عقول بعض الشباب، وظهرت التنظيمات الجهادية التكفيرية.
 
كما أوضح  المتحدث أن هناك  مشكلة تكمن في عدم وجود مرصد معلوماتي دقيق وموثق، على غرار ماهو حادث في الفاتيكان، حيث يتم تنقيح المعلومات، وتزويد البابا بها من أكثر من وكالة معلومات. وبالتالى، فإن ما يصدر حاليا من آراء، وربما فتاوى، يفتقد الأوليات الموثقة التى يُعتمد عليها في الرأى، أو الفتوى.

رابط دائم: