"ندوة": التحالفات الانتخابية وتشكيل البرلمان القادم
8-1-2015

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
يطرح عدم استقرار التحالفات الانتخابية المدنية، في ظل ما تضمنه قانون تقسيم الدوائر من إشكاليات، العديد من التساؤلات حول ملامح برلمان 2015، والخريطة الحزبية داخل هذا البرلمان. في هذا السياق، عقد المركز العربي للبحوث والدراسات ندوة بعنوان: "التحالفات وتركيبة العضوية المحتملة لبرلمان 2015" بهدف استقراء المشهد السياسي الحالي، والوقوف على رؤية لتمثيل الأحزاب داخل البرلمان، وتمثيله للفئات المجتمعية المختلفة، علاوة على شكل المعارضة المحتملة داخل البرلمان القادم. أدار اللقاء الأستاذ السيد يسين، مدير المركز، بمشاركة الدكتور محمد السعيد إدريس، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وعصام شيحة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، والدكتور عبد الله المغازي، البرلماني السابق،  والدكتور يسرى العزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات.
 
البرلمان القادم وتمثيل الإرادة الشعبية:
 
انتقد الدكتور يسري العزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الانشغال بالتحدث عن  التحالفات الانتخابية، وإغفال ما سيترتب على هذه التحالفات ومستقبلها، معتبرًا أن مصير كل هذه التحالفات هو الفشل، مشيرًا إلى أن أكبر دليل على ذلك ما أعلنه الدكتور كمال الجنزوري من فشل ترتيبات تحالفه.
 
وأضاف العزباوي أن البرلمان المقبل لابد أن يجيب على الأسئلة التي تطفو على المشهد السياسي الحالي، وأهمها: عمن سيعبر البرلمان المقبل؟، مؤكدًا  أن البرلمان المقبل لن يعكس التعددية الموجودة في المجتمع، نظرًا  لسيطرة رأس المال على السلطة، قائلًا إن الثورة التي خرجت من أجل إزاحة حزب يسيطر على السلطة أدت إلى ظهور أحزاب كثيرة يسيطر عليها المال السياسي، ويديرها رجال الأعمال. وأوضح أن السبب وراء ضعف المشهد السياسي الراهن هو حالة السيولة بعد ثورة 25 يناير التي أنتجت الكثير من الأحزاب والحركات والائتلافات المعارضة، إضافة إلى عدم التباين الفكري بين الأحزاب- سواء الليبرالية أو اليسارية - التي من المفترض أنها مختلفة أيديولوجيًا.
 
وأضاف العزباوي أن هناك إشكالية كبيرة أمام البرلمان المقبل تتعلق بكيفية التمثيل الجيد لفئات المجتمع المختلفة، مثل المرأة، والشباب، والمغتربين والأقباط، مؤكدًا أن أبرز مشاكل النظام السياسي منذ ثورة يوليو 1952 وحتى الآن هي عدم القدرة على تمثيل كافة أطياف المجتمع، على الرغم من أن جوهر البرلمان كونه مرآة عاكسة لتكوين كل مجتمع.
 
واختتم العزباوي كلمته بذكر عدد من النقاط التي قد تشكل ملامح برلمان 2015، وهي كالآتى:
 
- إن البرلمان القادم سيكون مفتتا، وليس هناك تكتل واضح، بغض النظر عن علاقته بالرئيس، مما سيسهل على الرئيس تمرير الحكومة الأولى، بحيث تكون له يد واضحة في المرحلة القادمة.
 
- سيكون الرهان على حجم المعارضة المدنية داخل البرلمان المقبل للدور الذي سوف تلعبه "كرمانة ميزان" من خلال تعديل بعض القوانين، أو تحسين جودتها، لكن  ليس من المرجح أن تؤدي إلى تغيير جذري.
 
من جانبه، أوضح السيد يسين، مدير المركز العربي للدراسات والبحوث، أن ثمة إشكالية عامة، هي أزمة الديمقراطية التمثيلية في العالم، وأن هذا النظام أثبت عبر القرون أنه فاشل، حيث لا تعبر الانتخابات في أي دولة في العالم عن الإرادة الشعبية، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي يلعب فيها المال السياسي الدور الرئيسي في تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين، متسائلًا: أي ديمقراطية هذه؟. 
 
وحول الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، طرح السيد يسين تساؤلًا آخر حول مدى أن تعكس الانتخابات القادمة الإرادة الشعبية، موضحًا أن الظروف المجتمعية لا تصب في هذا الاتجاه، فهناك نسبة أمية تتحاوز 26%، و26 مليون مصري تحت خط الفقر، و16 مليونا فى  العشوائيات، مؤكدًا أن تلك المؤشرات تشير إلى تعقد الموقف، وأن الإرادة الشعبية ليست حرة.
 
ونوه السيد يسين إلى وجود عدد من الإشكاليات الأخرى تتمثل في حالة الفوضى العارمة لدى الأحزاب، فلا أحد يدري عن أي فئة اجتماعية تعبر الأحزاب، ولا أهدافها، علاوة على سيطرة رأس المال على العمل السياسي، من خلال رجال الأعمال لتكوين كتل برلمانية تعبر عن مصالحهم. كما انتقد حالة السيولة السائدة في المجتمع، والتي أفرزت عددًا كبيرًا من الأحزاب والتحالفات التي يصعب حصرها بما لا يتيح للمواطن أن يختار على بصيرة.
 
التمثيل المحتمل للشباب داخل البرلمان:
 
وحول دور الشباب في البرلمان المقبل، أشار البرلماني السابق عبد الله المغازي إلى أن هناك العديد من وجهات النظر حول مسألة تمكين الشباب، لكنها لا تزال محل دراسة وبحث، ولم يتم حتى الآن اتخاذ قرارات تتعلق بهذا الموضوع. وتابع أن الدولة ترفع شعار تمكين الشباب باستمرار، إلا أنه لم يحدث أي نوع من التمكين، مضيفًا أن القيادة في الأصل موهبة يتم صقلها بالتدريب، وهو ما تطبقه دول أوروبا، مما أفرز تولي عدد من الشباب للمناصب القيادية، مثل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي تولى المنصب وهو في الثامنة والثلاثين من عمره.
 
وأوضح المغازي أن الإشكالية الحقيقية التي تثيرها الحياة السياسية المصرية تتمثل في أن الأحزاب السياسية المنوط بها إعداد الكوادر الشابة لم تقدم أي شيء في هذا المجال لما تعانيه من مشاكل كثيرة، منوهًا إلى أنه ليس معنى أن الأحزاب السياسية ضعيفة أن نقتلها، فالديمقراطية تعني التعدد، ومساعدة الضعيف، وليس إحباطه باستمرار. وبالتالي، كان المقترح أن تقوم الدولة بدور الأحزاب من خلال تصعيد عدد من الشباب للمشاركة في العملية السياسية كنواب للمحافظين، ولكن من خلال محددات خاصة جدًا.  
 
وحول التركيبة المحتملة لبرلمان 2015، انتقد البرلماني السابق كثرة الجدل حول شكل البرلمان المقبل، والتغاضي عن الإشكالية الأهم، وهي المهام المنوط بهذا البرلمان القيام بها. وأشار إلى أن نسبة 95% من لائحة المجلس مخالفة للدستور، وبالتالي فإن أولى المهام التي تنتظر البرلمان الجديد هي تعديل لائحته ليستطيع العمل، ثم النظر في القوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية – وما أكثرها – خلال 15 يومًا من انعقاد المجلس لإقرارها، أو رفضها، ثم ترجمة النصوص الدستورية إلى قوانين وتشريعات. 
 
وفي هذا السياق، أكد عبد الله المغازي ضرورة أن يكون المعيار الرئيسي في اختيار الشخصية البرلمانية هو أن تكون قادرة وتمتلك من الكفاءة والجرأة ما يؤهلها لإحداث ثورة تشريعية يفرضها الوضع الحالي عليها. وأوصى بضرورة إنشاء مركز لإعداد البرلمانيين وتوعيتهم بالأدوات البرلمانية، فليس من المنطقي أن يدخل البرلمان القادم من لا يستطيع التفرقة بين الدستور، والقانون، واللائحة.
 
وأوضح أن البرلمان المقبل سيكون مفتتًا من حيث الشكل، وستكون الغلبة للمستقلين، ولكن سرعان ما ستتغير الخريطة بالكامل عندما يبدأ البرلمان عمله، وسوف تتشكل التكتلات عندما تظهر المصالح.
 
الخريطة الحزبية داخل برلمان 2015:
 
ومن جانبه، وصف عصام شيحة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، البرلمان المقبل بأنه الأخطر في تاريخ مصر منذ عام 1866. فلأول مرة في مصر، يوجد دستور يقلص صلاحيات الرئيس، ويعطي الفرصة للبرلمان في سحب الثقة من الرئيس، وتشكيل الحكومة من خلال الأغلبية البرلمانية، معتبرًا أنه انعكاس حقيقي لكل قوى المجتمع، وموازين القوى على الساحة السياسية، وبالتالي فهو مسئولية الجميع.
 
واستكمل قائلًا: إن تمثيل الأحزب داخل البرلمان القادم سيكون محدودًا، لما تعيشه الأحزاب من مأزق شديد بسبب قانون الانتخابات الذي قضى على التمثيل المشرف للأحزاب، نتيجة القائمة المطلقة، مضيفًا أن فكرة الحزبية لدى المصريين عليها تحفظات، كما فشلت الأحزاب في تقديم بديل آمن للمواطن المصري يمكن الرهان عليه، وهذا ما سيظهر في البرلمان القادم. 
 
كما أوضح شيحة أن المسرح السياسي الحالي غير واضح المعالم، وهناك حالة من عدم الوضوح تجعل من العسير توقع خريطة البرلمان القادم نتيجة لحالة الصراع والارتباك التي أصابت القوى السياسية، والتي قد تتسبب في إحجام الكثير من المواطنين عن الانتخابات، وبالتالي سيظهر دور العصبية، والقبلية، والمال السياسي. موضحًا أن هناك 40 أسرة في مصر تحكم البرلمان.
 
وحول قوى الإسلام السياسي، يرى شيحة أن البرلمان القادم سيضم 10% من هذه القوى، موضحًا أن جماعة الإخوان في أقصى حالات انكماشها على مر السنين كانت تمثل 10% من نسبة المقاعد في البرلمان. وأكد أنه لا يمكن تصور البرلمان القادم بدون قوى الإسلام السياسي بأي حال من الأحوال، مشيرًا إلى أن استعانة الأحزاب بمرشحين مستقلين ستضعف فكرة الانتماء الحزبي داخل البرلمان، كما ستضعف سيطرة الحزب على مرشحيه، وسيتوزع الولاء حسب المصلحة، سواء للحزب أو للدائرة، مما ينذر بانهيار التحالفات والتكتلات، بعد الوصول للبرلمان. واستبعد وجود معارضة حقيقية داخل البرلمان المقبل، نظرًا لأن أغلب التحالفات الانتخابية مؤيدة للرئيس.
 
وأوصى شيحة بضرورة تشكيل قائمة وطنية تمثل كل القوى السياسية للخروج من المأزق الحالي، وتقديم بديل آمن وقادر للمواطن المصري يسهل عليه عملية الاختيار.
 
إشكاليات الانتخابات البرلمانية المقبلة:
 
"كان بالإمكان عمل برلمان محترم، لكننا لا نريد"، بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حديثه، منتقدًا قانون الانتخابات الحالي، موضحًا أن الأحزاب تم ضربها تاريخيًا، بدءًا من ضرب الحركة الطلابية في 1977 التي كانت تعبر عن الحركة الوطنية المحترمة التي تضخ الدماء في شرايين الحياة السياسية. وعندما تم ضرب هذه الحركة الطلابية، شاخت الأحزاب وهزلت. وأضاف أن الأحزاب في مصر حاليًا  تم تشويهها من خلال الإعلام الذي وصفه بالمتواطئ لإفشال الانتخابات قبل بدايتها، مما جعل المواطن يرتاب منها.
 
وانتقد إدريس الأحزاب أيضًا، واصفًا إياها بأنها جزء من المؤامرة، رغم ضعفها، والتآمر عليها، من خلال فك وتركيب التحالفات. وأضاف أن المعضلة الكبرى هي ما بعد البرلمان، متسائلًا: كيف سيدار البرلمان؟، وبأي إمكانيات؟، وبأي قدرات؟، موصيًا بضرورة إدارة المحليات من خلال كفاءات وقدرات، حتى يستطيع البرلماني القيام بدوره التشريعي المنوط به، ولا يقتصر دوره على حل مشاكل دائرته.

رابط دائم: