تعزيز الديمقراطية.. "حلقة نقاش": المسارات المحتملة لدور البرلمان المصري في التحول الديمقراطي
31-12-2014

فرناز عطية
* باحثة بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية.
يعد البرلمان المصري المقبل من أهم المجالس النيابية التي تعاقبت منذ ثورة يوليو، وذلك نظرا للدور الملقى عليه، والمتمثل في مراجعة وإعادة تشريع عدد من القوانين بقرارات التي صدرت منذ ثورة 30 يونيو حتى يوم عقده، بالإضافة إلى الدور المرتبط بتفعيل واستكمال عملية التحول الديمقراطي. ونظرا  لخطورة تشكيل البرلمان المحتملة بسبب فرضه قانون تقسيم الدوائر على المتنافسين، نظمت أسرة تحرير دورية "بدائل" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حلقة نقاش تحت عنوان "تعزيز الديمقراطية؟ المسارات المحتملة لدور البرلمان في التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013"  بهدف طرح رؤية للدور المتوقع للبرلمان المصري المقبل على مسار الديمقراطية، وإمكانية ممارسة الأحزاب فيه لدور حقيقي، وأهم المشكلات التي تعترض دور البرلمان في التحول الديمقراطي، وكذلك أهم المقترحات والتوصيات لتطوير هذا الدور.
 
افتتح حلقة النقاش ضياء رشوان، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وقامت الدكتورة إيمان رجب، الباحثة بالمركز، رئيس تحرير دورية "بدائل"، بتقديم الحلقة، والتعريف بدورية بدائل، وأدار الحلقة الدكتور على الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بمشاركة كل من : دكتور عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والدكتورة هناء عبيد، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، وعدد من الباحثين والصحفيين، وقدم الدكتور يسري العزباوي، رئيس برنامج النظام السياسي المصري ورقة بعنوان: (المسارات المحتملة لدور البرلمان في التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013).
 
عوائق مؤثرة:
 
وقد استهل الدكتور علي الدين حديثه مؤكدا أن هناك عدة ظواهر هيكلية تمثل مشكلات تؤثر فى  دور البرلمان المصري القادم في التحول الديمقراطي بعد ثورة 30 يونيو2013، متمثلة في :
 
أولا- ضعف المشاركة التصويتية للمصريين:
 
حيث شهدت جميع الانتخابات والاستفتاءات بعد ثورة 25 يناير 2011 مشاركة بأقل من 50% ، عدا الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية عام 2012. ويرجع الدكتور هلال هذه الظاهرة إلى ضعف الأحزاب السياسية التي تقوم بمهمة تعبئة المواطنين، وافتقارها للأدوات القوية والفاعلة للتعبئة السياسية والجماهيرية للمواطنين على أرض الواقع.
 
ثانيا- عدم قدرة الحركات والائتلافات الثورية على التحول لأحزاب سياسية:
 
أوضح الدكتور هلال أن الحركات والائتلافات الثورية لم تنجح في التحول لأحزاب، لاسيما أن الحزب هو الآلية الوحيدة القادرة على التنافس في العملية الديمقراطية، وبالتالي لا تستطيع هذه الائتلافات القيام بدورالحزب.
 
ثالثا- استمرار السيولة السياسية المفرطة وتشكيل التحالفات:
 
ورأى دكتور هلال أن الإفراط في حالة السيولة السياسية في المشهد المصري يتمثل في انتقال الأحزاب والشخصيات العامة من ائتلاف إلى آخر، ويرجع ذلك إلى:
 
غياب التمايزات بين الأحزاب، خصوصا في دائرة الأحزاب المدنية، حيث إن هناك محورين أساسيين للتمايز بين الأحزاب السياسية:
 
المحور الأول: اليمين واليسار والموقف من القضية الاجتماعية وتدخل الدولة.
 
المحور الأخير : المحافظة والتجديد.
 
وبالنظر إلى المشهد في مصر، نجد أن الأحزاب المدنية تتصدر المشهد السياسي. وعند الاستماع إلى برامجها، لا نجد أن هناك فرقا فعليا بينها، عدا بعضها كالتيار الشعبي والاشتراكيين الثوريين، كما أنها تتفشى بينها ظاهرة السيولة أيضا.
 
وهنا، أوضح الدكتور عمرو هاشم أن النظام الانتخابي نظام نسبي، ومن المفترض أن تتجه الأحزاب في ظل هذا النظام إلى التنافس وليس التحالف، وبالتالي فإن النهم الكبير لإقبال الأحزاب اتجاه التحالفات يشير إلى وجود مشكلات، والتي من بينها حداثة النظام الانتخابي، لاسيما أن نظام (القائمة المغلقة) لم يطبق إلا في النظام الانتخابي الأدنى، حيث تتنافس التحالفات على 120 مقعدا، بينما يمثل المستقلون الأغلبية بما يقدر بـ90% ، مما يكون قناعة لدى الأحزاب بأنها خاسرة، ومن ثم يدفعها إلى تكوين التحالفات.
 
فيما رأت دكتورة هناء أن الديمقراطية التمثيلية أصبحت نوعا من النخبوية والدوران في الكتل البرلمانية.
 
رابعا-  تعددية النخبة لا تعددية المصالح: 
 
لفت دكتور علي الدين إلى أن التعددية في مصر ليست تعددية المصالح الاقتصادية والاجتماعية، بل هي تعددية نخبوية تمثل معتقدات النخبة، وهذا ما يفسر سهولة الانتقال من حزب لآخر، وبالتالي لا يشعر عضو النخبة بأنه محاسب أو مراقب من جهة ما.
 
حتى إن الحديث السائد في مصر لا يزال يتحدث عن مصلحة المصريين ككل، ولا يرى التمايزات الاقتصادية، والاجتماعية، والطبقية بين جموع المواطنين. فكلما كان التعامل مع الشعب ككل واحد، فهذا يؤخر من إدراك التمايز للشرائح المختلفة، مما يعني أن أكبر المشاكل التي ستواجه البرلمان القادم والحياة السياسية فى مصر ستتمثل في "مَن يمثل مَن؟".
 
وأكد أن أي تنظيم سياسي يعكس هيكل توزيع الموارد كالقوة والنفوذ في المجتمع، وأن أي عمل سياسي يتم في الشارع لا بد أن يعكس التمايزات المناطقية، وألا يكون قد تجاوز الحقائق على أرض الواقع، والمحددات الاجتماعية: كالفقر، والتعليم، وغيرهما. فعلى سبيل المثال، تختلف نسبة الفقراء في الوجه القبلي عن نسبتهم في الوجه البحري.
 
كما أكد بعض الحضور أن نظام الترشح للبرلمان القادم يعاب عليه افتقاره لتوفير ضمانة لترشح الفئات المختلفة من المجتمع كالشباب والعاملين في الخارج. وفي هذا الإطار، لفت دكتور هاشم إلى أن البرلمان القادم سيكون برلمانا غير مسيس، فقد جاء بنظام الأغلبية، وبالتالي فإن مجلس أعماله سيكون مجلس أعمال محليا، لن يمثل الشباب فيه مصالحهم، على الرغم من أن الشباب هو الذي قام بالثورة.
 
ومن ناحية أخرى، أوضح دكتور هاشم أن نظام الترشح في القائمة المطلقة لا يضمن الترشح على مستوى المحافظات، وكذلك لا يضمن ترشح العاملين في الخارج، ولم يفرق بين الملائم والمناسب، وبين المسيحي وذوي الإعاقة، كما استثنى المرأة من إسقاط العضوية، وهذا أمر غير دستوري، لأن المفترض أن تكون هناك مساواة بين جميع الفئات في المجتمع.
 
كما يعاب على النظام الانتخابي أنه لم يراع المساحة عند تقسيمه للدوائر الانتخابية.
 
خامسا - التفتت السياسي:
 
وأشار دكتور هلال إلى خطورة ظاهرة التفتت السياسي المتوقع أن يعانيها البرلمان القادم، والتي سيترتب عليها حتما محدودية  دور البرلمان في تعزيز الديمقراطية، نظرا لوجود حالة من التفتت السياسي، تتجلى في عدم وجود حزب كبير تؤيده أو تعارضه الجماهير من جهة، وعدم تأييد الرئيس لأي حزب على الساحة، وكذلك عدم رغبته في وجود ظهير سياسي له من جهة أخرى. كما أن المستقلين سيمثلون العصبيات أو يعبرون عن ممثلي الأسر والعائلات الذين سيسعون للاحتفاظ بمقاعدهم، مما يؤدي بدوره إلى تنافس القوى السياسية فيما بينها، إلا فيما يتعلق بدعم رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن الشد والجذب في البرلمان القادم سيكون مع الوزراء.
 
 وقد استبعد دكتور هلال في ختام حديثه حدوث أي صدام بين البرلمان ورئيس الجمهورية أو توجهاته، لاسيما أن البرلمان القادم لن يستطيع إصدار قوانين ضد النظام، أو حتى إلغاء القرارات التي سبق أن أصدرها الرئيس، نظرا لتفتت الأحزاب داخله.
 
كذلك، أكد الدكتور عمرو هاشم أن البرلمان القادم سيكون مجلسا طيعا بحكم الخلاف بين المستقلين، وبحكم هلع وفوبيا عودة الإخوان.
 
وفي الإطار ذاته، رأت الدكتورة هناء أن هناك تشكيلا غاية في التشرذم، وانعكاسا للإرث من البرلمان المستتبع قبل الثورة، وليس هناك تفاعل سياسي فعال، وبالتالي فإنه من غير المتوقع وجود حالة من التوازن بين الرئاسة والبرلمان.
 
التوصيات والمقترحات:
 
وفي الختام، أورد الحضور عددا من التوصيات والمقترحات لتدعيم دور البرلمان، وتعزيز المسار الديمقراطي، منها:
 
- ضرورة صياغة قوانين تسمح لمؤسسات الدولة بممارسة دورها بحرية.
 
- أهمية تقوية الأحزاب السياسية ودعمها لتمارس دورها بقوة.
 
- ضرورة أن يلعب البرلمان المقبل دورا محوريا في محاربة الفساد السياسي، وتحقيق الشفافية، بالإضافة إلى مواجهة الفساد الاقتصادي
 
- البعد عن المركزية، وأن تكون المجالس المحلية هي الأهم في بناء الأسس القاعدية لبناء ودعم الديمقراطية.
 
- إعادة النظر في القوانين المنظمة لعمل الأحزاب السياسية، لدعم المسار الديمقراطي، من خلال خلق عمل حزبي حقيقي.
 
- التصنيع هو آلية التطور، ووسيلة لتلبية متطلبات التمايزات الاقتصادية والاجتماعية.
 
- محاولة خلق توافق وطني بين القوى السياسية، بغض النظر عن توجهاتها السياسية، لاسيما بعد الانقسام السياسي الذي ساد المجتمع المصري في الفترة الماضية، والاستفادة من التجارب المماثلة، ومنها تجربة جنوب إفريقيا.

رابط دائم: