"مؤتمر": إفريقيا في السياسة الخارجية المصرية
21-12-2014

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
تحاول مصر، بعد ثورة 30 يونيو، استعادة علاقاتها التاريخية بالقارة الإفريقية، في محاولة لإعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، بعد أن فقدت مصر الكثير، جراء تراجع دورها في القارة، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، الأمر الذي صب في مصلحة المتربصين بأمنها القومي، وأوسع لهم الساحة لاختراق القارة السوداء، وتوجيهها ضد المصالح الحيوية والاستراتيجية للدولة المصرية.
 
وإيمانًا بأهمية استرجاع مصر دورها الريادي في قارتها، عقد اتحاد الكتاب المصريين مؤتمرًا بعنوان "إفريقيا بعيون مصرية"، استهدف الرد على عدد من التساؤلات، أبرزها: كيف ترى مصر إفريقيا؟، وما هي طبيعة ارتباط مصر بتلك القارة في الماضي والحاضر؟، وما مستقبل العلاقات بين مصر ودول القارة؟. 
 
 أقيم المؤتمر تحت رعاية رئيس اتحاد الكتاب المصريين، الكاتب محمد سلماوي، وترأس المؤتمر الكتور عبد المنعم تليمة، الأمين العام للاتحاد، والدكتور شريف الجيار، المشرف على لجنة الشباب بالاتحاد، بمشاركة نخبة من السفراء الأفارقة في القاهرة، وعدد من الشخصيات العامة والمتخصصين في العلاقات المصرية- الإفريقية.
 
أهداف المؤتمر:
 
افتتح الكاتب محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب المصريين، أعمال المؤتمر، لافتًا إلى أن البعد الإفريقي، والشخصية الإفريقية كانا الطابع الأساسي لكل ما قدمته مصر على مر التاريخ، مشيرًا إلى اتفاق كبار أساتذة التاريخ في العالم على أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة إفريقية، وليست حضارة منفصلة عن إفريقيا، وأنه قد ثبت بالدليل القاطع، من خلال الأبنية التي وجدت في كافة أرجاء القارة، أنه كان هناك امتداد طبيعي وتواصل ما بين مصر في الشمال وبقية القارة الإفريقية، بل إن جذور الحضارة المصرية القديمة وامتداداتها كانت في الجنوب، ولم تكن في الشمال، في الوقت الذي اتسمت فيه علاقاتها بالشرق والشمال بطابع العداء والصراع.
 
واسترجع سلماوي فترة الستينيات في تاريخ العلاقات المصرية- الإفريقية، موضحًا أنها كانت فترة توهج قومي، وثقافي، وسياسي، واجتماعي، وكانت حركات التحرير تتحرر في القاهرة، بل وتحصل على شرعيتها كحركة تحرير وطنية من القاهرة، مؤكدًا أن ما فعله عبد الناصر في ذلك الوقت لم يكن اختراعًا، بل تأسيس على جذور قائمة عرفها بحسه الوطني والسياسي المرهف، وتحدث عنها قبل أن يتولى السلطة في كتابه "فلسفة الثورة" الذي وضع علاقات مصر – الإفريقية على نفس مستوى علاقاتها العربية والإسلامية.
 
وتمنى سلماوي أن يكون المؤتمر الحالي بمنزلة بوابة جديدة لعلاقات مصرية - إفريقية لا تتذبذب، ولا تتغير، ولكن تقوم على الثوابت الثقافية، والأدبية، والفنية التي تجمع أبناء القارة العظيمة التي أجمع العلماء على أنها كانت مهد البشرية، وبداية الخليقة.
 
ومن جانبه، ثمن السفير الإثيوبي بالقاهرة، محمود درير، أن الجهد الذي يقدمه المؤتمر يساعد في فهم مشترك للقضايا الإفريقية بنظرة إفريقية عميقة، وأطلق عليه "النظرة من الداخل"، سواء كان ذلك بعيون مصرية، أو إثيوبية، أو ما إلى ذلك، مؤكدًا أن لهذه النظرة من الداخل أهمية خاصة، لأنها تساعد في فهمنا لإفريقيا بكل ما لديها من فرص واعدة للنهضة، وتحديات جمة تواجهها من اعتداءات إرهابية، وأمراض مستفحلة، وفقر مدقع، إضافة إلى التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والفجوة التكنولوجية. وأوضح أن إفريقيا على الرغم من ثرواتها الهائلة، وإرثها الحضاري والتاريخي العريقين، تعد من أفقر القارات من حيث النمو الاقتصادي والاجتماعي.
 
واختتم السفير الإثيوبي كلمته مؤكدًا أن ما يكسب المؤتمر أهمية خاصة أنه يقدم عروضًا حول الثقافة والهوية الإفريقية، ويقدم المناقشة المفتوحة لتطوير العلاقات. ولفت إلى أن الاهتمام بالجوانب الحضارية والثقافية الإفريقية لا يمكن أن يكون مكتمل الأبعاد دون البحث في الحضارتين العريقتين الإثيوبية والمصرية لما لديهما من خصوصيات، وعمق خاص بهما. ومن هذا المنطلق، دعا درير للاهتمام بالترجمة من الأدب الإفريقي، وفتح الآفاق واسعة أمام الباحثين والمثقفين للتواصل.
 
تاريخ العلاقات المصرية – الإفريقية:
 
ألقى الدكتور محمد عفيفي ،الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، كلمة وزير الثقافة، التي جاء فيها أن مصر جزء أصيل من القارة الإفريقية، وأن العلاقة بين مصر وإفريقيا علاقة قدر ومصير، وأخذ وعطاء، موضحًا أن المسيحية دخلت إفريقيا عبر مصر. وتابع أن العلاقات ستظل قدرًا ومصيرًا، ما دام نهر النيل يجري ويربط بين إفريقيا، مؤكدًا أن وزارة الثقافة تدعم علاقات مصر مع الأفارقة، لأن الثقافة هي التي توحد الشعوب، وليس الروابط الاقتصادية والسياسية، وعلى الجميع أن يدرك أن مستقبل مصر في إفريقيا، وأن العودة هي عودة للجذور والتاريخ. 
 
من جانبه، أشار الدكتور عبد المنعم تليمة، رئيس المؤتمر، إلى أن إفريقيا شاركت بفاعلية كبيرة في بناء موروثات البشرية عبر التاريخ الإنساني الطويل في شتى  المجالات الدينية، والثقافية، والفنية، والجمالية إلى يومنا هذا، موضحًا أنه في الماضي القريب تحررت 27 دولة إفريقية في عام واحد (1960)، فاهتزت لها شعوب العالم، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يرسل بعثة مصرية عقب تحرر كل دولة لتضع الخطوط لحداثة التحرير في هذا البلد. 
 
ولفت تليمة إلى أنه قد آن الأوان ليعلم الجميع أن البشرية الجديدة الآن، التي تزيح آثار الحرب العالمية الثانية التي خرج منها المنتصرون ليكونوا أعضاء دائمين فى مجلس الأمن، لا تزال تبذل الجهود لزيادة عضوية إفريقيا في مجلس الأمن، من خلال انضمام كل من مصر، ونيجيريا، وإثيوبيا، لفتح نظام جديد على أسس من العدل والسلام.
 
واختتم حديثه قائلًا: "إننا بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، نعود بقوة مرة أخرى لإفريقيا لرفع لواء المصالحة التاريخية، والمحاورة العظمى بين كل المِلل، والنِّحل، والشعوب، والمذاهب لتكون هناك صدارة إفريقية.
 
بينما أكد الدكتور شريف الجيار، أمين عام المؤتمر، أن القارة الإفريقية بثقافاتها المتنوعة تعد إحدى أهم الدوائر في تشكيل الوجدان والثقافة المصرية، مشيرًا إلى أن هدف المؤتمر الحالي يكمن في  تجديد التواصل مع أصولنا، والبحث عن روابط تجمعنا بأشقائنا، حتى ولو اختلف اللسان، وتباعد المكان، وتعدد الإنسان، فإفريقيا منا، ونحن منها، وهذه حقيقة بالتاريخ، والجغرافيا، والثقافة والأصول المشتركة.
 
وأضاف الجيار أن المؤتمر يمثل باكورة لسلسلة من الفعاليات الجادة التي تستحقها مصر الإفريقية، وتستحقها إفريقيا من ابنتها البكر، مصر، كما يستهدف المؤتمر دراسة الثقافة المصرية في إطارها القاري داخل الدوائر الثلاث المشكلة لبنيتها، والتواصل الجاد مع المنتج الثقافي الإفريقي الحديث المرتكز على الثقافة التقليدية، والتعرف بشكل علمي وجاد على العقل الجمعي الإفريقي، بالإضافة إلى تحقيق ودعم الوجود المصري الثقافي في العمق الإفريقي.
 
وفي السياق نفسه، أشار السفير رشاد فراج، مسئول الشئون السياسية السودانية بالقاهرة، إلى أن المؤتمر يجسد علاقة قوية غير منفصلة بين مصر وغيرها من الدول الإفريقية، موضحًا أن أغلب العرب هم أفارقة، ونحن أيضًا فى إفريقيا بلسان عربى مبين. وأكد أن مقومات الحضارة الإفريقية هى مستقبل العالم، ونحن مستبشرون بهذه العروة الوثقى، وتنبأ بأن المستقبل القريب سيحمل روابط تواصل أقوى لمزيد من التعاون.
 
كما أكد السفير مجدى صبرى، مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية، أن المؤتمر فرصة طبية للقاء الأشقاء، وأننا من الضروى أن نتطرق للمصالح، وأن تكون أولوياتنا فى القارة الإفريقية، مستنكرًا الركود الذي أصاب العلاقات المصرية - الإفريقية فى الفترة الماضية، وأكد الدور الكبير لاتحاد الكتاب فى سبيل إرجاع العلاقات قوية بين دول القارة، والتوعية، بداية من رجل الشارع العادى، لكى يساعد فى عمليات التنمية في القارة.
 
مستقبل العلاقات مع القارة الإفريقية:
 
أوضحت الكاتبة سميحة المناسترلى، عضو اتحاد الكتاب، أن المرحلة الحالية للوضع المصرى - الإفريقي تعد مرحلة نشطة وفعالة، استجابة لما تقوم به الحكومة المصرية لاسترجاع الروابط الوثيقة بين جميع الأطراف المعنية بالاهتمامات نفسها، والرغبة في ترسيخ العلاقات، و تعميقها، بعد مرورها بفترة من الركود أصابتها، نتيجة للمتغيرات السياسية، والاقتصادية التي مرت علي الساحات: العربية، والمصرية، والإفريقية. 
 
وشددت المناسترلى على أن مصر خُلقت في موقعها كهمزة وصل متمركزة على رأس القارة، كمنبع حيوي لنقل وتبادل الثقافات المختلفة من العالم إلى قلب الدول الإفريقية الشقيقة، وهذا ما يجب علينا القيام به، وتعويضه بكثافة، وبصورة إيجابية في هذه المرحلة، وأن يكون للشباب دور فعال وإيجابي فى هذه المهمة التى تزيد العلاقات المصرية- الإفريقية قوة ينتج عنها قوة ثقافية واقتصادية وسياسية لا يستهان بها، مما يضعنا أمام أمل مشرق لبداية حضارة مصرية - إفريقية حديثة بناءة أمام جميع القوى العالمية.

رابط دائم: