‮ ‬العرب والولايات المتحدة الأمريكية‮ .. ‬المصالح والمخاوف‮ ‬والاهتمامات في بيئة متغيرة‮ (‬رؤية أكاديمية‮)‬
14-12-2014

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
خلال السنوات القليلة الماضية، طرأت تحولات عدة علي العلاقات العربية‮ - ‬الأمريكية،‮ ‬بدأت بحالة انكفاء أمريكي في المنطقة العربية، مقابل نقل التركيز إلي آسيا، صاحبه تقارب أمريكي‮ - ‬إيراني، والتوصل إلي الاتفاق المرحلي المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وهو ما استدعي قلق دول المنطقة، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي من هذا التحول في السياسة الأمريكية تجاه حلفائها القدامي في المنطقة‮.‬
 
في ضوء ما سبق،‮ ‬عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرا بعنوان‮ "‬العرب والولايات المتحدة الأمريكية‮ .. ‬المصالح والمخاوف والاهتمامات في بيئة متغيرة‮"‬، من أجل تفكيك هذه العلاقة المركبة، وتعرف أوجهها المختلفة، والإجابة علي تساؤلات تنطوي علي إشكاليات في العلاقات العربية‮ - ‬الأمريكية،‮ ‬أهمها‮: ‬ما حقيقة المصالح الأمريكية في المنطقة ومدي تغيرها؟، وما موقف الولايات المتحدة الأمريكية من ثورات الربيع العربي،‮ ‬والتغيرات التي طرأت عليه؟، وما مدي وجود خيارات عربية واقعية للبحث عن مظلة أخري‮ ‬غير أمريكية،‮ ‬في ظل إعادة تعريف الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها في المنطقة، وانكفائها النسبي عنها؟‮.‬
 
السياسة الأمريكية تجاه دول الثورات العربية‮:‬
 
دارت أعمال إحدي جلسات المؤتمر حول المقاربات الأمريكية تجاه الثورات العربية، حيث رأي الباحث الأمريكي ديفيد بولوك أنه علي الرغم من انتشار نظريات المؤامرة التي كان لها تأثير كبير في خيال سكان المنطقة، فإن تأثير الولايات المتحدة محدود، بحيث تنحصر السياسة الأمريكية في المنطقة بين رد الفعل أو الدفاع، مؤكدا أن البيئة السياسية المحلية في الولايات المتحدة من أبرز العوائق التي تحد من التأثير الأمريكي في الفترة الأخيرة‮.‬
 
وأوضح بولوك أن السياسة الأمريكية تريد ضمنيا أن تساعد في إبقاء الدول العربية التي لا تعيش انتفاضات شعبية‮ "‬هادئة‮"‬، من خلال تأمين مساعدة اقتصادية أو دبلوماسية إضافية، وتشجيع تعاون إقليمي أكبر، والامتناع عن توتير الأوضاع بالمطالبة الخارجية بالإصلاح الديمقراطي في الدول العربية‮.‬
 
وفي سياق آخر، خلص الباحث‮ ‬غسان العزي في ورقته إلي أن واشنطن تعاملت مع الثورات الشعبية العربية ببراجماتية مفرطة، وبطريقة متناقضة مع كل حالة أو قضية، وتكيفت مع التغيرات‮. ‬وأعطي مثالا علي هذه السياسة بالحالة المصرية، حيث تكيفت السياسة الأمريكية مع حكم جماعة الإخوان المسلمين، ثم مع نتائج ما حدث ضدهم، بما يعني أنها لم تتعامل مع الموضوع علي أساس أنه تحول ديمقراطي ينبغي دعمه ورعايته،‮ ‬بغية تعزيزه لاحقا، وإنما وفق مصالحها في المنطقة، وضمان أمن إسرائيل‮.‬
 
وعن الأزمة السورية، تحدث الباحث رضوان زيادة قائلا إن الموقف الأمريكي الآن يرغب في تحقيق انتقال سياسي بدون الأسد، لأن انتصاره يعني انتصارا لحزب الله،‮ ‬وإيران، ولكنه في الوقت ذاته لا يريد انتصار المعارضة عسكريا‮.‬
 
إشكاليات التحول الديمقراطي في المنطقة‮:‬
 
تناولت إحدي جلسات المؤتمر سياسات الولايات المتحدة تجاه عملية التحول الديمقراطي في دول الثورات العربية، حيث رأت ميشيل دن، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي للسلام، أن الدولة المصرية تعثرت في مسار التحول الديمقراطي،‮ ‬وتراجعت إلي‮ "‬الحكم السلطوي‮". ‬وأشارت إلي‮  ‬أنه منذ الإطاحة بمبارك، وتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لم توجد أية جهود فعلية لبناء التوافق بين القوي السياسية المختلفة بشأن بناء المستقبل السياسي للبلاد‮.‬
 
وأضافت الباحثة الأمريكية أن الولايات المتحدة سوف تواجه خيارات صعبة فيما يتعلق بالتعامل مع الوضع في مصر‮. ‬وبالرغم من أن مصر تعج بالمشكلات والأزمات، تري‮ "‬دن‮" ‬أنها ستظل بالنسبة للولايات المتحدة لاعبا محوريا في منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬وفي شمال إفريقيا، بحسبانها الدولة الأكثر شعبوية في المنطقة العربية، بالإضافة إلي جوارها لإسرائيل، وتحكمها في الملاحة بقناة السويس‮. ‬وأكدت أن نجاح مصر‮ ‬يتوقف علي تقليص الهجمات الإرهابية، وإرساء سياسات اقتصادية مستنيرة، مع إعطاء مساحة لتعدد الآراء السياسية، والسماح بحرية العمل السياسي للأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام‮.‬
 
واختتمت ميشيل دن كلمتها بتوضيح أن الحكومات المصرية،‮ ‬قبل وبعد مبارك، كانت تتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، ما دام ذلك سيصب في المصلحة العليا للبلاد، ويحافظ علي الأمن القومي، لكنها كانت تقاوم أي تدخل للولايات المتحدة في الشأن الداخلي‮.‬
 
وبناء عليه،‮ ‬أوصت‮ "‬دن‮" ‬الإدارة الأمريكية بتصحيح مسار علاقتها مع مصر، والتحول من منهج العلاقات الرسمية‮ ‬غير المحدودة مع الدولة إلي منهج العلاقات الرسمية المحدودة، والانفتاح أكثر علي الشعب المصري، من خلال استراتيجية سياسية مشتركة مع أوروبا للعمل علي إقناع حلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج وإسرائيل بضرورة دعم التنمية البشرية والاقتصادية في مصر كمفاتيح للاستقرار الدائم‮.‬
 
وعن السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية،‮ ‬رأي الدكتور خليل العناني، الباحث في شئون الحركات الإسلامية بجامعة جون هوبكنز، أن الولايات المتحدة لم تتبن سياسة واضحة تجاه الحركات الإسلامية،‮ ‬منذ بداية الربيع العربي وحتي الآن، وأن إدارة أوباما لا تشعر بأن هناك داعيا للضغط علي السلطات من أجل دمج الإخوان فعليا في الحياة السياسية،‮ ‬ما دامت علاقتها قوية بالمؤسسة العسكرية في مصر‮.‬
 
القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية الأمريكية‮:‬
 
ركزت إحدي جلسات المؤتمر علي القضايا الإشكالية في العلاقات العربية‮ - ‬الأمريكية، خاصة القضية الفلسطينية، حيث تناولت الورقة التي قدمها الباحث مروان بشارة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، والتي أشار فيها إلي أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه فلسطين دائما ما كانت تقوم علي أساس الموازنة بين سياستها الداخلية وضرورات الأمن القومي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي أضر في أغلب الأحيان بمصالحها ومصالح الفلسطينيين‮.‬
 
ومن جانبه، أشار الباحث أسامة أبو إرشيد في كلمته إلي أن استعراض مساعي إدارة أوباما في الملف الفلسطيني يظهر أن الإدارة الأمريكية تحت رئاسته قد مارست ضغوطا‮ ‬غير مسبوقة علي إسرائيل، مدللا علي وجهة نظره بجملة من الأسباب،‮ ‬منها خلفية أوباما الفكرية،‮ ‬والتاريخية،‮ ‬والسياسية، وأن ثمة اقتناعات في دوائر صنع القرار السياسية،‮ ‬والاستخباراتية،‮ ‬والعسكرية في واشنطن بأن استمرار الصراع العربي‮ - ‬الإسرائيلي،‮ ‬دون تسوية مقبولة من الطرفين، أمر يؤثر بالسلب في المصالح الحيوية،‮ ‬والأمن القومي الأمريكيين‮.‬ غير أن العناد الإسرائيلي، وقوة موقف حلفاء إسرائيل في واشنطن وصلابته يصعبان علي إدارة أوباما تحقيق رغبتها في إنجاز تسوية قبل أن ترحل‮.‬
 
وفي ختام أعمال المؤتمر،‮ ‬اتفق المشاركون علي أن السياسة الأمريكية تجاه الثورات العربية متخبطة، وغير فعالة،‮ ‬ومحكومة بردود الفعل، مما أدي إلي فشلها،‮ ‬ووقوعها في التناقض بين ما تدعيه في خطابها عن ضرورة تعزيز الديمقراطية، وتعاونها مع الأنظمة العربية لضمان مصالحها،‮ ‬وأمن إسرائيل‮.‬

رابط دائم: