هل تضعف الحرب جاذبية «داعش»؟
10-12-2014

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
يمثل تنظيم «داعش» جيلاً إرهابياً جديداً يتميز بقدرات إعلامية وتسويقية جاذبة لم تتوافر للجيل السابق الذي يُعد تنظيم «القاعدة» أهم إفرازاته. وتثير قدرة «داعش» على جذب شباب من خلفيات مختلفة ليست كلها دينية متطرفة، ومن جنسيات غربية وليس من العالم العربي والإسلامي فقط، سؤالاً ضرورياً عن مدى فاعلية العمل العسكري وحده في مواجهته حين يكون الهدف هو القضاء عليه أو إزالة خطره. وإذا كان متوقعاً أن يؤدي وضع «داعش» تحت النار لفترة طويلة إلى إضعافه، وتقليص قدرته على جذب أعضاء جدد بمقدار ما تزداد مخاطر الالتحاق به، يظل السؤال مثاراً بشأن حدود هذا الضعف والمدى الذي يمكن أن يبلغه.
 
ولما كان صعباً قياس أثر حرب طويلة مفتوحة ما زالت في بدايتها، ففي الإمكان التفكير في حدود أثرها في إضعاف جاذبية «داعش» أو قدرته على جذب شباب يلتحقون به من فئات اجتماعية مختلفة.
 
ومن أهم ما يختلف فيه هذا التنظيم عن غيره من جماعات العنف هو أن الملتحقين به ليسوا كلهم مقاتلين، خاصة منذ أن أصبح مسيطراً على مناطق كبيرة في غرب العراق وشرق سوريا. وفي هذه المناطق، مرافق عامة وهيئات ومؤسسات، بل جامعات أيضاً، أهمها جامعة الموصل التي ما زالت في حاجة إلى أساتذة وإداريين، بعد أن فر كثير من العاملين فيها إلى كردستان، ويتطلب إدارة هذا كله شباباً يعملون في مختلف المجالات والمهن، وهم يحصلون على رواتب جيدة، ويشعرون أيضاً أو يوحي إليهم بأنهم يُحقِّقون أنفسهم، ويعملون من أجل «قضية» تبدو لهم كما لو أنها كبيرة.
 
وهذا هو الجديد في تنظيم مفتوح لشباب متطرفين، وآخرين «مودرن»، مثل الطالبين المصريين إسلام يكن ومحمود الغندور.
 
ويثير الانتباه هنا خلفية الغندور الطالب في حقوق عين شمس، الذي أُلقي القبض عليه مؤخراً لدى عودته إلى القاهرة من سوريا.
 
فالأكثر إثارة للانتباه في خلفيته أنه كان قد دشن مع بعض أصدقائه خلال فترة حكم «الإخوان» صفحة على موقع «فيسبوك» تضمنت ما يمكن اعتباره سخرية من الأديان، أو استهزاء بها، الأمر الذي أعطى انطباعاً بأنه ملحد. ولكنه تحول فجأة باتجاه التدين، وصار مولعاً بفكرة «الجهاد»! قبيل توجهه إلى تركيا ومنها إلى سوريا، حيث ظهر مع المصري إسلام يكن في «فيديو» يحثان على الانضمام إلى «داعش»!
 
غير أن إقبال هذا النوع من الشباب على «داعش» أقل من غيره، إذ تدل المؤشرات على أن الفقراء العاطلين يمثلون شريحة أكبر بين الملتحقين به، سعياً إلى عمل في المناطق التي يسيطر عليها. وهو ما زال يطلب المزيد منهم في رسائل يوجهها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هنا أهمية السؤال عن أثر الحرب المسلحة عليه في إضعاف جاذبيته على هذا الصعيد، حين يصبح الالتحاق به خطراً يهدد بالموت. فهذا الأثر لا يتحقق إلا إذا خلقت الحرب شعوراً بالخوف لدى العدد الأكبر ممن يفكرون في الالتحاق بـ«داعش» للحصول على دخل، أي رغبة في الحياة وليس في الموت أو ما يظنون أنه «استشهاد»، ولكن تحقق هذا الأثر يتوقف على عامل آخر أكثر أهمية من الخطر الذي تخلقه الغارات، وهو وجود بدائل لدى من يفكرون في الالتحاق به.
 
ويعني ذلك، أن جاذبية «داعش»، أو قدرته على التجنيد تظل مستمرة تحت الحرب كلما غابت هذه البدائل، أو كان الموت قاسماً مشتركاً بينها. فها هم شبان مصريون وجزائريون وتونسيون ومغاربة في عمر الزهور يغامرون بالسفر إلى إيطاليا في قوارب متهالكة تحمل عدداً لا تطيقه، وهم يعرفون مسبقاً أن احتمال غرقهم كبير. وتحمل إلينا الأنباء طول الوقت قصصاً مؤلمة لمن غرقوا، وهم يحاولون «الهجرة إلى الشمال». وكم كان مقلقاً على هذا الصعيد الخطاب الذي عُثر عليه مع جثة شاب مصري غرق مع زملائه مؤخراً في البحر المتوسط. فإذا كان «المهاجر إلى الشمال» يسافر وهو يعرف أن الموت ينتظره، فلماذا نفترض أن «المهاجر إلى الشرق» لن يفعل مثله، خاصة إذا زُين له أنه سيكون «شهيداً» حال موته!
 
فعندما يكون الموت واحداً رغم تعدد الطرق إليه، وحين تضيق بعض بلاد المنطقة بشبابها، يصعب توقع أن تكون الحرب الحالية عائقاً جوهرياً أمام المهاجرين إلى «داعش».
 
-------------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط، الأربعاء، 10/12/2014.

رابط دائم: