"ندوة": أبعاد الآثار الاقتصادية والبيئية لسد إثيوبيا على الاقتصاد المصري
9-12-2014

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
تطرح المفاوضات التي تجرى بين دولتي المصب وإثيوبيا حول بناء سد النهضة عدة تساؤلات، أهمها: ما مدى تأثير سد النهضة فى المصالح المصرية، في حالة عدم اتفاق الطرفين على رؤية واحدة لمستقبل السد؟، وما هي جدوى المفاوضات التي تجريها الدولة حاليًا لإثناء إثيوبيا عن تعنتها في بناء السد بمواصفات قد تشكل خطرًا أمنيًا وبيئيًا على دول المصب؟، وما هى حدود تأثير المفوضات الجارية بين الطرفين فى تغير استراتيجية بناء السد؟. في هذا السياق، عقدت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ندوة بعنوان "الآثار الاقتصادية والبيئية لسد إثيوبيا على الاقتصاد المصرى"، بحضور الدكتور محمود أبو زيد، وزير الرى الأسبق، رئيس المجلس العربى للمياه، والأستاذة الدكتورة هالة السعيد، عميد الكلية، والأستاذة الدكتورة خديجة الأعصر، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع والبيئة.
 
 في بداية أعمال الندوة، لفتت الدكتورة خديجة الأعصر، وكيل الكلية، إلى حالة القلق التي يعيشها المواطن المصري على وضع حصة مصر المائية من مياه النيل منذ بداية إنشاء السد، والمزاعم التي ارتبطت به حول دوره في قلة الموارد المائية المصرية التي لا تغطي في الأساس احتياجات مصر من المياه، وهو ما دعا الكلية لعقد هذه الندوة للوقوف على حقيقة أضرار هذا السد، في حال استكمال بنائه على الاقتصاد المصري.
 
جذور الأزمة:
 
أوضحت خبيرة المياه أن المشاكل مع إثيوبيا بخصوص مياه النيل ظهرت عندما وقعت مصر اتفاقية 59 مع السودان، وكان رد إثيوبيا على توقيع الاتفاقية أن لجأت إلى مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي لعمل دراسة لإقامة عدد كبير من السدود، ورفضت إثيوبيا محاولات مصر لإقصائها عن موقفها، حيث رفضت المشاركة في مشروع الهيدروميت (1967)، ثم رفضت الانضمام إلى آلية التعاون الإقليمي التيكونيل (1992)، إلأ أنها انضمت إلى مباردة حوض النيل. وفي عام 1999، وقعت إثيوبيا مع خمس دول من دول الحوض الأخرى اتفاقية عنتيبي في مواجهة كل من مصر والسودان، وبادرت بإنشاء سد النهضة دون أخذ موافقة أي من مصر والسودان عليها.
 
وأضافت أنه في الفترة من 1959 إلى 1994، تمت دراسات مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي، واقترحت الدراسات الأمريكية إنشاء 33 سدًا على النيل الأزرق وفروعه، منها 14 سد للري، و11 سدا لتوليد الكهرباء، و8 سدود متعددة الأغراض. وذكر التقرير أن سعة التخزين الكلية لكل السدود تبلغ 118,45 مليار م³، ومساحة الأراضي المطلوب ريها تبلغ نحو مليون فدان، تحتاج إلى 6,4 مليار م³ سنويًا، ومقدار الطاقة الكهربائية المولدة يبلغ نحو 285 مليون كيلوات/ ساعة. وافترضت الدراسة إنشاء أربعة سدود كبيرة علي الجزء الأخير من المجرى، وهي سدود: كارادوبي، ومابيل، ومانديا، وبوردر. وقُدرت سعة التخزين الكلية لهذه السدود الأربعة بـ 73,1 مليار م³، وجميعها لاغراض الكهرباء فقط. وقد تبع ذلك إجراء عدة دراسات أخرى بمعرفة مكتب استشاري فرنسي في عام 1998، وآخرين هولندي ونرويجي في عام 2010.
 
وفي المقابل، قامت وزارة الموارد المائية والري المصرية، من خلال مشروع هولندي في عام 2009 ، بدراسة عن تأثير مشروعات السدود الإثيوبية الأربعة فى إيراد نهر النيل. كما قامت أيضا بمشاركة من بعض أساتذة هندسة القاهرة عام 2010 بدراسة عن تأثير السدود الإثيوبية المقترحة فى مصر، وغيرها من الدراسات التي استهدفت التعرف على تأثير انهيار سد بوردر فى المدن السودانية المقامة على النيل الأزرق بالسودان، وكذلك أثر التغيرات المناخية على تصرفات النيل الأزرق. وانتهت الدراسة إلى أن هذا السد سوف يؤدي إلى انخفاض إنتاج الكهرباء من السد العالي، وخزان أسوان بمقدار 20% تزداد إلى الضعف مع التغيرات المناخية، كما سيؤدي إلى حدوث عجز في إيراد النهر بمتوسط 9 مليارات م³ ، تزداد إلى 16 مليارا سنويا مع التغيرات المناخية.
 
وأشار د. محمود أبو زيد، وزير الرى الأسبق، رئيس المجلس العربى للمياه، إلى قيام السودان بدراسات لم تُفصح عنها، إلا أنه أعلن أن السدود سوف تكون لها عدة مزايا، أهمها: تقليل وصول الطمي إلى السودان بنسبة 70%، وتوفير نحو 12 مليار دولار يتحملها السودان سنويًا لتطهير وإزالة الحشائش والطمي، وحمايته من أخطار الفيضانات، بالإضافة إلى تقليل معدلات التبخر من بحيرة السد العالي بنسبة 50% بما يوفر 6 مليارات م³ لمصلحة مصر والسودان، وتوليد طاقة كهربائية ضخمة رخيصة يمكن أن تستفيد منها الدول الثلاث. 
 
وحول بداية أزمة سد النهضة، أوضح أبو زيد أنه في أوائل عام 2011 – بالتزامن مع ثورة 25 يناير - فوجئت مصر والسودان بقيام إثيوبيا بالإعلان عن البدء في إنشاء سد بوردر الذي تغير اسمه إلى سد الألفية، ثم سد النهضة، وبمواصفات جديدة أضخم بكثير من المواصفات التي تضمنتها الدراسة الأمريكية في أوائل الستينيات. 
 
وأبدت كل من مصر والسودان اعتراضهما على اتخاذ إثيوبيا قرار إنشاء السد بشكل منفرد ومفاجئ دون التشاور معها. وبعد مشاورات عديدة استغرقت نحو عام، وافقت إثيوبيا على تشكيل لجنة ثلاثية من كل من مصر، وإثيوبيا، والسودان تضم خبيرين من كل دولة، بالإضافة إلى أربعة خبراء دوليين في مجالات مختلفة، وتم الاتفاق على التشكيل في 25 مارس 2012. 
 
وتنحصر مهمة اللجنة في إجراء تقييم للسد من كافة الجوانب، وتأثيراته فى كل من مصر والسودان، إلا أن قرارات اللجنة ستكون استشارية وغير ملزمة لإثيوبيا، وهو الأمر الذي يثير القلق. 
 
التاثيرات المتوقعة لسد النهضة فى دول المصب:
 
وحول التأثيرات السلبية المحتملة فى دول المصب، في حالة إصرار إثيوبيا على استكمال بناء السد بالمواصفات التي أعلنت عنها، أشار د. أبو زيد إلى احتمال حدوث أضرار قد تلحق بدولتي المصب، إضافة إلى دولة السد. وتتلخص هذه الأضرار في النقاط الآتية:
 
أولًا- التأثيرات السلبية على مصر:
 
- فقد مصر لكمية المياه التي تعادل سعة التخزين الميت للسد، ولمرة واحدة في السنة الأولي لافتتاح السد، والعجز المائي الذي سيحدث خلال فترة ملء الخزان. فإذا كانت الفترة قصيرة، فإن العجز سيكون هائلا (3-5 سنوات). أما إذا كانت الفترة طويلة (15-20 سنة)، فسيكون العجز قليلا.
 
- العجز المائي نتيجة لاستخدام مياه السد في الزراعة في دولة السد، حيث من المخطط زراعة  مليونى فدان من الأراضي بعد إتمام السد.
 
-  تأثر برامج استصلاح الأراضي في مصر.
 
- التأثير المباشر في الطاقة المولدة من السد العالي، والتي قد تصل إلى نسبة تتراوح بين 20 و40%. 
 
- التحكيم الاستراتيجي الكامل لإثيوبيا فى مياه النيل الأزرق.
 
- نقل تخزين المياه من بحيرة السد العالي إلى الهضبة الإثيوبية. 
 
ثانيًا- التاثيرات السلبية على السودان:
 
- تقليل خصوبة الأراضي الزراعية لعدم وصول الطمي.
 
- نقص المساحات المزروعة بالري الحوضي.
 
- تغير التركيبة البيئية في السودان نتيجة للتخزين في بحيرة سد النهضة.
 
- فقد السودان مع مصر لكمية المياه التي تعادل سعة التخزين الميت للسد.
 
- العجز المائي أثناء فترة الملء.
 
- في حالة انهيار السد، فإن المياه المتدفقة سوف تغرق المدن السودانية، خاصة الخرطوم. 
 
ثالثًا- التأثيرات السلبية على إثيوبيا:
 
- التكلفة العالية المقدرة بـ 4,8 مليار دولار (أسعار عام 2011).
 
- إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضى الزراعية بحوض النيل الأزرق.
 
- تهجير نحو 30 ألف مواطن.
 
- قصر عمر السد نتيجة للإطماء (25-50 سنة).
 
- زيادة فرص حدوث زلازل نتيجة لوزن مياه التخزين.
 
- زيادة فرص تعرض السد للانهيار.
 
- إغراق بعض مناطق التعدين للذهب، والحديد، والنحاس. 
 
- زيادة التوتر السياسي مع مصر بسبب إنشاء السد.
 
وأوضح الخبير المائي أن تقرير اللجنة الثلاثية أشار إلى بعض الآثار الإيجابية على كل من مصر، وإثيوبيا، والسودان تتعلق بالطمي، والتبخير، وتنظيم إيراد النهر، والاستفادة من الطاقة المولدة، والحماية من مخاطر الفيضان، وتوفير مياه الزراعة بإثيوبيا والسودان. 
 
سيناريوهات مستقبلية لإدارة الملف:
 
وطرح د. أبو زيد إطارًا عامًا لرؤية مستقبلية لإدارة ملف المياه حتى عام 2050، والموضوعات المطلوب دراستها، وذلك من خلال عدد من الإجراءات المحددة كالآتى:
 
- وضع ملف المياه على رأس الأجندة السياسية، وإثارته بصفة دائمة عند الحديث عن الرؤية السياسية للدولة.
 
- التفاوض مع دول حوض النيل للحصول على حصة إضافية، وليس التفاوض على الحصة الحالية.
 
- تعظيم الاستفادة من آبار المياه الجوفية في مصر، ومياه الأمطار.
 
- التوسع في معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي، وإعادة استخدامها في أغراض الزراعة والصناعة، وهذا النظام معمول به في أغلب الدول المتقدمة، نتيجة الندرة المائية. فعلى سبيل المثال، تعتمد دولة سنغافورة على استيراد مياه الشرب بالكامل من الخارج، وتعمل على معالجة المياه في الزراعة والصناعة.
 
- تحلية مياه البحر والمياه العالية الملوحة، مشيرًا إلى أن الخليج ينتج 60% من المياه المحلاة على مستوى العالم.
 
- تطوير الري الحقلي، وترشيد استخدامات المياه.
 
- إقامة مشروعات زراعية مع دول حوض النيل، مثل زراعة الأرز في الدول التي تتمتع بوفرة مائية.
 
- إقرار مبدأ الخروج من الوادي الضيق والدلتا إلى رحاب الصحراء باستكمال المشروعات القومية مثل توشكى، والبدء بمشروعات أخرى مثل ممر التنمية، ومنخفض وادي القطارة.
 
وفي ختام كلمته، أوضح د. محمود أبو زيد أن برنامج إثيوبيا لبناء السدود هو برنامج قومي قديم وطموح، ويبدو أن الهدف الرئيسي لإنشائها هو توليد الطاقة الكهربائية. كما أن هناك تطابقًا في وجهات النظر بين كل من إثيوبيا والسودان بالنسبة لفوائد السد، بخلاف مصر، علاوة على احتمالات حدوث أضرار مؤكدة سوف تتعرض لها مصر لعدة سنوات، خاصة أثناء فترة الملء، وما يستتبعها من انخفاض منسوب المياه في بحيرة السد العالي، بما يؤثر في تشغيل توربينات السد، والطاقة المولدة منه، بالإضافة إلى أضرار دائمة ستحدث مستقبلًا لكل من مصر والسودان، إذا استخدمت مياه السد في الزراعة.
 
ومن هنا، أوصى أبو زيد بعدد من التوصيات التي قد تسهم في حل الأزمة، منها:
 
- ضرورة توصل مصر إلى حل نقاط الخلاف بالنسبة لاتفاقية عنتيبي.
 
- ضرورة التنسيق بين مصر والسودان لتوحيد وجهات النظر.
 
- التفاوض مع إثيوبيا على مواصفات السد، وحجم وفترة التخزين في سد النهضة، والتوصل إلى اتفاقية توضح هذه الأمور، ومن أهمها المشاركة في إنشاء وإدارة وتشغيل السد.
 
- ضرورة الاتفاق مع إثيوبيا على تنفيذ مشروعات تقليل الفواقد، وإنشاء مشروعات التخزين في منطقة البارو ومستنقعات مشار على نهر السوباط لتعويض الفاقد.
 
- الاتفاق مع جنوب السودان على استقطاب الفواقد بمناطق أعالي النيل (جونجلي، وبحر الغزال، والزراف).

رابط دائم: