الأردن.. هل يصبح «الإخوان» حركة إرهابية؟!
1-12-2014

صالح القلاب
*
للمرة الأولى منذ تأسيسها رسميا في بدايات خمسينات القرن الماضي يتم اعتقال مسؤول كبير في جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، هو نائب المراقب العام زكي بني إرشيد، قبل أيام عدة. والتهمة بالنسبة للقوانين النافذة المتعلقة بالإرهاب هي الإساءة للعلاقات مع دولة شقيقة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وصفها هذا المسؤول «الإخواني» في تصريحات قاسية ومستغربة بأنها «الراعي الأول للإرهابيين»!! وأنها «تفتقد شرعية البقاء»!! وأنها «تشكل اختراقا لهوية الأمة وتدميرا لمصالحها»!! وأن «القيادة المتنفذة فيها تقوم بدور الشرطي الأميركي في المنطقة»!! وأنها «تقوم بأقذر الأدوار الوظيفية للمشروع الصهيوني - الماسوني وتقف خلف كل أعمال التخريب والتدمير لمشروع الأمة وتتآمر على قضاياها.. وأنها ضد حركات التحرر الوطني، وتدعم الانقلابات وتتبنى تمويل حركات التجسس والاغتراب»!!
 
بالطبع فإن نائب المراقب العام لـ«إخوان الأردن» وجه كل هذه الاتهامات الباطلة لدولة عربية شقيقة تربطها بالمملكة الأردنية الهاشمية علاقات تاريخية، لأنها اتخذت القرارات الأخيرة التي اعتبرت فيها «الإخوان الإماراتيين» حركة إرهابية. ثم ولأن خطوة المصالحة الخليجية لم تكن قد أنجزت بعد، فإنه أراد الاصطياد في ما يعتبره مياها عكرة وتجديد التبعية لإحدى دول الخليج العربي الذي اعتقد هو وإخوانه أنها لن تقدم على هذه الخطوة الأخيرة التي هي خطوة عظيمة.. ومقدّرة ومباركة.
وهنا، فإن ما يجب أن يقال هو أن ولاء «الإخوان المسلمين» عموما، وليس في الأردن فقط، ليس للأوطان التي من المفترض أنها أوطانهم.. وإنما للتنظيم الدولي ولـ«المرشد العام»، الذي لا بدّ أن يُقسم له كل «إخواني»، حتى تكتمل عضويته في هذه الجماعة بالطاعة والولاء ويده على القرآن الكريم.. وهذا هو قسم البيعة الذي نسمع به، والذي يتحدث عنه «الإخوانيون» كثيرا، ويؤكد أن ولاءهم له وليس حتى للهيئات الشرعية المنتخبة في الدول التي يعيشون فيها.
 
ولذلك، وعلى هذا الأساس، فإن «الإخوان» كلهم وليس «إخوان الأردن» فقط يعتبرون أن الرئيس المصري الأسبق الدكتور محمد مرسي، الذي تمت إطاحته كما هو معروف استجابة لرغبة أكثر من ثلاثين مليونا من المصريين، هو رئيسهم. وهم يعتبرون أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هو زعيمهم.. وحقيقةً فإن هذا هو ما يجعلهم غرباء في بلدانهم وفي الأوطان التي من المفترض أنها أوطانهم. ولهذا فإن زكي بني إرشيد بتوجيهه كل هذه الشتائم القاسية وكل الاتهامات المفتعلة الباطلة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة قد غلّب متطلبات انتمائه للتنظيم الدولي والمرشد العام، نزيل السجون المصرية الآن، على مصالح الأردنيين ومتطلبات الدولة الأردنية.
 
لقد تمادى «إخوان الأردن» كثيرا في السنوات الأخيرة، وذلك مع أنهم بقوا يُعتبَرون «طفل النظام المدلّل» منذ إنشائهم في بدايات خمسينات القرن الماضي وحتى عام 1994.. بل وحتى الآن.. وكل هذا مع أنهم كانوا وما زالوا يخالفون القوانين الأردنية النافذة في أمور كثيرة، من بينها: أنهم تم تسجيلهم في عام 1955 كفرع لـ«الإخوان المسلمين»، وأنهم خلافا لمنع إنشاء أحزاب بأسماء دينية أنشأوا حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذي يعتبرونه واجهتهم لممارسة العمل السياسي. وأنهم أيضا خلافا لقانون الأحزاب قد اتبعوا ازدواجية العضوية في هذا الحزب و«الجماعة» الأم. ثم وأكثر من هذا وذاك فإن هناك ازدواجية عضوية بينهم وبين حركة «حماس» في مجلس شورى هذه الحركة التي من المفترض أنها تنظيم فلسطيني، وبالتالي، لا يجوز لمسؤول في تنظيم أردني أن يكون عضوا في قيادته.
 
وكذلك، ومع أن «الإخوان» ما زالوا لم يعتبروا «داعش» تنظيما إرهابيا، ومع أنهم يدعمون «النصرة» التي هي فرع «القاعدة» في سوريا، ومع أنهم لم يتراجعوا عن اعتبار أسامة بن لادن رمزا «جهاديا» كبيرا.. فإن الأردن ظل يمتنع عن اعتبارهم حركة إرهابية كما حصل في مصر وفي دول عربية أخرى من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة.. والسبب المراهنة على التململات التنظيمية داخلهم، حيث برز في الفترات الأخيرة تيار «زمزم» الذي يعتبر الأكثر اعتدالا والأكثر واقعية.. والذي يتوقع أن يبادر للقيام بحركة انفصالية إن لم تقم «الجماعة» بتصحيح أوضاعها وتتخلى عن الاتجاه المتزمت والعدمي الذي يمثله المراقب العام الدكتور همام سعيد.. ونائبه زكي بني إرشيد.
 
لكن هذه المرونة التي تتبعها الحكومة الأردنية الحالية واتبعتها حكومات سابقة متلاحقة ربما يتم التخلي عنها في أي لحظة، وعندها تصبح جماعة الإخوان المسلمين ومعها حزب جبهة العمل الإسلامي تنظيما إرهابيا على غرار ما جرى في مصر والإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى إن بقيت «تحمل السلّم بالعرض»، وظلت تتمسك بموقفها الحالي من «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، وإن لم تصحح أوضاعها التنظيمية والسياسية بما يتلاءم مع القوانين النافذة في الأردن.
على «الإخوان المسلمين» في الأردن ألا يظنوا إطلاقا أن النظام ما زال بحاجة إليهم على غرار ما كان عليه الوضع في النصف الثاني من عقد خمسينات وفي بدايات سبعينات القرن الماضي. فالأمور بدءا من عام 1989 تغيرت كثيرا وأصبحت التعددية الحزبية، بكل ألوانها، مطلوبة وضرورية، وذلك في حين أن الديمقراطية غدت خيارا لا بديل عنه ولا رجعة عنه. وهذا يعني أنهم إن لم يبادروا إلى تصحيح أوضاعهم والتلاؤم مع معطيات هذه المرحلة والمراحل المقبلة، فمن غير المستبعد أن يطبّق عليهم ما يطبّق على غيرهم حتى بما في ذلك اعتبارهم حركة إرهابية محظورة وممنوعة.
 
لم يعد هناك احتمال أن يقوم «الإخوان» في الأردن بكل هذا الذي يقومون به، وأن يخالفوا القوانين الأردنية بكل هذه المخالفات الخطيرة فعلا.. ويبقوا «طفل النظام المدلّل». فـ«زمن أوّل حوّل» و«إن للصبر حدودا». ثم إنه من غير الجائز ألا يسري على هؤلاء ما يسري على غيرهم.
 
كذلك من غير الجائز أن يبقى ولاؤهم للتنظيم الدولي وللمرشد العام، وأن تظل قلوبهم وعقولهم مع «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، بينما يبقون في الوقت نفسه تنظيما أردنيا له كل الحقوق لكنه لا يقوم بأدنى حد من الواجبات.
 
---------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الخميس، 27/11/2014.

رابط دائم: