الصراع على قيادة "الجهاد العالمي" بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة
13-11-2014

جيه إم برجر

عرض: محمد بسيوني

مرت عقودٌ على الحرب السوفيتية الأفغانية وما نتج عنها من إرهاصات فكرة تنظيم القاعدة، ثم جاءت الحرب الدائرة في سوريا في الوقت الراهن لتُثبت قابلية التاريخ للتكرار؛ إذ إن المدى الزمني الفاصل بين الحَدَثَيْن لم يَحُلْ دون تشابه السيناريو والتداعيات، لا سيما تلك المتعلقة بشكل المنظومة الجهادية، حيث إن كل حرب منهما أنتجت التنظيم الخاص بها، ففي حين أنتجت الحرب الأفغانية تنظيم القاعدة، أوجدت الحرب في سوريا هي الأخرى تنظيمات جهادية من طراز تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن هذا التشابه التاريخي لم يعنِ التصالح، وبدا أن ثمة صراعًا بين الماضي والحاضر، صراعًا بين تنظيم قائم له شرعيته الجهادية التاريخية، وتنظيم آخر لا يزال في طور التأسيس ومرحلة البزوغ يمتلك رؤى راديكالية مقرونة بطموح للزعامة والقضاء على التنظيم القديم (القاعدة)، والاستحواذ على مقومات نفوذه.

واستنادًا إلى هذه المقاربة التصادمية والتنافس القائم بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، يتناول جيه إم برجر من خلال مقاله المعنون بـ"الدولة الإسلامية ضد تنظيم القاعدة: من الذي يكسب الحرب ليصبح قوة عظمى جهادية؟" والمنشور على الموقع الإلكتروني لدورية "السياسة الخارجية" - طموحات تنظيم الدولة الإسلامية في تزعم المنظومة الجهادية العالمية، والكيفية التي تؤثر بها هذه الطموحات على شرعية تنظيم القاعدة، ومحددات تأثيره.

الدولة الإسلامية والبحث عن حلفاء:

شكلت فترةُ الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم حقبةً هامَّةً في تاريخ الحركة الجهادية العالمية، فقد أوجدت الحربُ الأفغانية بيئةً مواتيةً لصعود حركات جهادية إقليمية توحدت فيما بينها لمواجهة القوات السوفيتية، وفي هذا السياق التاريخي برز اسم أسامة بن لادن كرمز لحركة جهادية جديدة، بيد أن هذه المعطيات لم تؤدِّ بشكل فعلي إلى تأسيس حركة جهادية واحدة منضوية تحت لواء تنظيم القاعدة، فقد كان هناك عددٌ من التنظيمات الجهادية لا تزال في تلك الفترة تحتفظ باستقلاليتها بعيدًا عن تنظيم القاعدة الذي كان في الوقت ذاته تابعًا لحركة طالبان، حيث أقسم زعيمُ التنظيم أسامة بن لادن بالولاء للملا عمر.

واستمر هذا الوضعُ شبه المستقل للتنظيمات الجهادية حتى وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتنقسم بعدها الحركة الجهادية العالمية إلى مجموعتين رئيسيتين، بحسب المقال؛ إحداهما القاعدة وشبكتها التنظيمية المتضمنة التنظيمات الفرعية التابعة رسميًّا لقيادة بن لادن، ومن بعده أيمن الظواهري، ومن أهم هذه التنظيمات التابعة (تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية) المتمركز بصورة رئيسية في اليمن، و(القاعدة في المغرب الإسلامي) ونطاق نشاطه في شمال إفريقيا، و(حركة الشباب) بالصومال، وفي الوقت الراهن توجد (جبهة النصرة) بسوريا. أما المجموعة الأخرى فقد تضمنت مزيجًا من التنظيمات المتفرقة التي تحظى بدرجةٍ من الاستقلال الذاتي بمنأى عن شبكة القاعدة، وإن كان هذا لم يمنع من وجود روابط وعلاقات تقارب مع القاعدة، سواء من خلال الموارد، أو حتى العناصر البشرية.

وظل تنظيمُ القاعدة بشبكته الممتدة الممثل الرئيسي لفكرة الجهاد العالمي، صحيح أنه كان يتعرضُ للعديد من الضغوط، ولكنها كانت في نمطها الغالب ضغوطًا خارجية من حكومات غربية، وغيرها، وهكذا بدت اللحظة الآنية بكافة معطياتها سياقًا مغايرًا للتنظيم، وأصبح التنظيم في مواجهة تحديات نابعة من المنظومة الجهادية في حد ذاتها، خاصة مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي غير اسمه ليصبح (الدولة الإسلامية) على خلفية الصراع في سوريا.

ويُشير برجر إلى أن ظاهرةَ تنظيم الدولة الإسلامية بدأت تستحوذ على مساحة اهتمام كبيرة خلال شهر يونيو الماضي مع سيطرة التنظيم على قطاع كبير من الأراضي العراقية، وإعلانه تأسيسَ الخلافة، وسيادته على المسلمين في جميع أنحاء العالم، وبالتبعية طالب زعيمُ التنظيم أبو بكر البغدادي كافة الحركات الجهادية الأخرى بالانضمام للتنظيم، ومبايعته، محاولا بذلك اكتساب شرعية جديدة تخصم من نفوذ تنظيم القاعدة، وبالرغم من أن هذه الدعاوى لم تؤدِّ إلى نتائج كبيرة حتى الوقت الراهن، فإنها لاقت رواجًا في بعض الأوساط الجهادية (التي تُعد من مناطق النفوذ التقليدية لتنظيم القاعدة) من الجائز اختزالها في ثلاث جبهات رئيسية:

1) الجبهة العربية والإفريقية:

تتضمن هذه الجبهةُ -بحسب برجر- عناصرَ داخل تنظيم القاعدة في المغرب العربي، والتي أعلنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت عن دعمها لتنظيم الدولة الإسلامية، ومن النماذج المطروحة أيضًا في هذا السياق نموذج رجل الدين البارز والقيادي في تنظيم القاعدة بالمغرب العربي مأمون حاتم الذي أعلن تأييده الصريح لتنظيم الدولة الإسلامية، كما أن للتنظيم أنصارًا داخل قطاع غزة يوظفون الفضاء الإلكتروني لدعم فكرة الخلافة الإسلامية.

وبالتوازي مع ذلك التدعيم المعلن بدت ثمة تنظيمات أخرى أكثر ميلا وتعاطفًا مع تنظيم الدولة الإسلامية دون أن تكشف بشكل رسمي وصراحة عن دعمها للتنظيم، أو تبايع الخلافة (التي أعلنها التنظيم)، ومن هذه التنظيمات تنظيم (أنصار الشريعة) في تونس، وتنظيم (أنصار بيت المقدس) في مصر الذي يحاكي بعض ممارسات الدولة الإسلامية، لا سيما تلك المتعلقة بتصوير عمليات يتم تنفيذها وإذاعتها على شبكة الإنترنت، ويقدم تنظيم (بوكو حرام) في نيجيريا نموذجًا آخر للتنظيمات التي يُرجح ميلها للدولة الإسلامية، فقد سيطر بوكو حرام على أراضٍ داخل نيجيريا، وأعلنت الخلافة على غرار تنظيم الدولة الإسلامية.

(2) الجبهة الأسيوية:

تُمثل الجبهةُ الأسيوية مصدرًا هامًّا من مصادر مساندة تنظيم الدولة الإسلامية؛ حيث يحظى التنظيمُ بدعم بعض العناصر الجهادية في باكستان وأفغانستان، ويمتد هذا الدعم إلى تنظيمات فرعية في إندونيسيا وماليزيا والفلبين، بما في ذلك بعض العناصر المنتمية لجماعة أبو سياف المعروفة تاريخيًّا بارتباطها بتنظيم القاعدة، فضلا عن الأهمية الرمزية التي اكتسبها تنظيمُ الدولة الإسلامية من شخصية أبو بكر باعشير، حيث إنه من الرموز التاريخية للحركة الجهادية في إندونيسيا، وكانت له علاقات بالقاعدة، وهو حاليًّا معتقل في إندونيسيا، ومن ثمَّ فإن إعلان دعمه تنظيمَ الدولة الإسلامية وزعيمها أبو بكر البغدادي يمكن أن يُعطي للتنظيم زخمًا أكبر.

(3) الجبهة الغربية:

يَفترض برجر أن العالم الغربي يُمكن أن يُشكل فضاء هامًّا لتدعيم الشرعية الجهادية لتنظيم الدولة الإسلامية، وهنا يبرز اسم تنظيمين أساسيين؛ التنظيم الأول هو تنظيم (التوحيد) الذي يقوده الجامايكي الجنسية عبد الله فيصل الذي يمتلك سجلا تاريخيًّا من الارتباط بأفكار القاعدة، والترويج لها على مدى عقود عبر شبكة الإنترنت (سواء من خلال محاضرات صوتية، أو منتدى البالتوك)، وعقب إعلان أبو بكر البغدادي عن قيام الخلافة الإسلامية في يونيو الماضي أكد فيصل مساندته لتنظيم الدولة الإسلامية.

أما التنظيم الآخر، فهو (جماعة المهاجرين) التي يتزعمها رجل الدين البريطاني أنجم شودري، وبالرغم من حظر الجماعة داخل بريطانيا فهي تشكل مصدرًا هامًّا لتزويد تنظيم الدولة الإسلامية بالمقاتلين البريطانيين الذين يُشاركون في القتال في سوريا والعراق، وبالإضافة إلى ذلك الدعم التنظيمي فإن تنظيم الدولة الإسلامية يتلقى الدعم الفكري من جانب عددٍ من الدعاة الغربيين، ومنهم: الأسترالي موسى سيرانتونيو، والأمريكي أحمد موسى جبريل.

 تنافس الزعامة:

تعرّض تنظيمُ القاعدة خلال العقود الماضية إلى العديد من التحديات، بيد أنه كان قادرًا على الاستمرارية، وخاصةً مع بيئة إقليمية ودولية موسومة بالصراعات، والتي كانت بمثابة الإحياء لفكرة القاعدة في وقت تنامت فيه التوقعات بنهاية التنظيم، وانزواء فكرته، ويبدو الأمر في السياق الجاري (مع تعاظم نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية) أكثر تعقيدًا، فالأمر بات يخضع لمعادلة من الصعب التنبؤ بنتائجها؛ إذ إن تنظيم القاعدة يعوّل في بقائه وديمومته في مواجهة الدولة الإسلامية على عامِلَيْ البيعة، وشبكات التمويل العالمية.

ويذكر برجر أن البيعةَ تكتسب قوةً رمزيةً في حالة تنظيم القاعدة؛ حيث يقوم قادةُ التنظيمات الفرعية الأخرى بالمبايعة الشخصية لزعيم تنظيم القاعدة، وهذه المبايعة تعني التأييدَ المطلق للهيكل التنظيمي للقاعدة، ومن ناحية أخرى تعد شبكات التمويل العالمية (لا سيما الممولة للجهاد داخل سوريا) عنصرًا هامًّا في معادلة الصراع بين القاعدة والدولة الإسلامية؛ حيث إن تلك الشبكات حتى الوقت الحالي ترتبط بشكل أكبر بالقاعدة، وترفض تنظيم الدولة الإسلامية لعدة اعتبارات، أهمها أفكاره الأكثر دموية وراديكالية، وفقًا للكاتب، فضلا عن إخفاق التنظيم في إقناع العلماء والدعاة الجهاديين والتيار الرئيسي من المسلمين بوجود شرعية دينية يرتكز عليها إعلان الخلافة.

وبعيدًا عن حسابات تنظيم القاعدة فإن حفاظ التنظيم على نفوذه التاريخي وشرعيته الجهادية في مواجهة الدولة الإسلامية سيظل رهنًا بعددٍ من العوامل:

(أولا) المدى الذي يُمكن أن تصل إليه الانشقاقات داخل المنظومة الجهادية العالمية، فقد أعلن أيمن الظواهري في ربيع 2014 عن رفضه تنظيمَ الدولة الإسلامية، وتنصل منه، خاصةً أن التنظيم الوليد آثر الابتعاد عن تنظيم القاعدة والصدام معه (نموذج على ذلك الصراع بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا)، ومنذ ذلك الحين لا يُخفي تنظيم القاعدة قلقه من إمكانية حدوث انشقاقات كبيرة في الحركة الجهادية تقوض من منظومة الدعم الخاصة به، وفي هذا الصدد ستكون تجربةُ الدولة الإسلامية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها هي العامل المرجح في حدوث الانشقاقات.

(ثانيًا) استمرار الإشكاليات الداخلية بتنظيم القاعدة، حيث كشفت السنوات الماضية عن مشكلات فعلية داخل التنظيم، وتراجع قدرته على التحكم والقيادة بصورة أدت إلى تضاؤل إمكاناته في التعاطي مع التحديات المفروضة، خاصةً مع غياب القيادة الكاريزمية لأسامة بن لادن. وللتدليل على ذلك يطرح برجر أحداثًا من قبيل الاقتتال الداخلي الذي حدث في حركة الشباب العام الماضي، وكذلك انفصال مختار بملختار عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

(ثالثًا) الصورة الذهنية التي يمكن أن تترسخ بمرور الوقت من جراء المقارنة بين القاعدة والدولة الإسلامية؛ إذ إن المقارنة قد لا تكون في صالح تنظيم القاعدة، فالظواهري في اللحظة الراهنة قد يبدو في صورة أضعف مقارنة بغريمه أبو بكر البغدادي الذي يتوسع، ويشن حروبًا، وينشئ دولته الخاصة، إلى درجة أثارت تخوفات الولايات المتحدة والغرب ككل، وهكذا فإن استمرار هذا المنحى سيجعل تنظيم القاعدة في مأزق وجودي سيكون من الصعب على الظواهري أو حتى من يخلفه التعامل معه.


رابط دائم: