«الإخوان» في مصر..إلى أين؟
12-10-2014

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
يثير انسحاب حزبي «الوسط» و«الوطن» من الكيان، الذي أسسته جماعة «الإخوان» لدعم موقفها، وأطلقت عليه اسم «التحالف الوطني لدعم الشرعية»، سؤالا عن إمكان استيعاب قيادة هذه الجماعة مغزاه.كان هذان الحزبان أهم أعضاء «التحالف» الذي تستخدمه قيادة «الإخوان» واجهة لها، وتوحي من خلاله بأنها ليست وحيدة في الساحة، لكنها لم تستطع المحافظة عليه لأكثر من 14 شهراً، خاصة أن حزب «البناء والتنمية» يستعد هو أيضاً لمغادرته. وإذا حدث ذلك فعلا، فلن يبقى في «تحالف الإخوان» إلا بضعة أحزاب «ديكورية»، ومع ذلك فليس ثمة ما يدل على أن قيادتها تستوعب أي درس من أخطائها المتوالية.
 
لقد راهن «الإخوان»، عندما اختاروا طريق الصدام ومضوا فيه بلا هوادة، على إمكان تعطيل المسار السياسي المصري الجديد الذي رسمته «خريطة المستقبل» المعلنة في 3 يوليو 2013، غير أنهم لم يستطيعوا التأثير في هذا المسار، بعد أن تحول ميزان القوى ضدهم.
لذلك أصبح السؤال منطقياً عن مستقبل «الإخوان» بعد فشل رهانهم على تعطيل المسار السياسي الجديد، وفي ظل إحالة معظم قادة الصفين الأول والثاني إلى القضاء وهروب بعضهم إلى الخارج، والملاحقات الأمنية لكوادر الصف الثالث الذين يحاولون لملمة شتات ما بقي من التنظيم، والصعوبات المتزايدة التي تعترض حركتهم وقدرتهم على التواصل.
 
وتفيد المعطيات الراهنة، جنباً إلى جنب مع تاريخ «الإخوان» وتجارب صدامهم بالدولة، أن قيادتهم تفضل مواصلة الصدام، وترفض الاعتراف بأي خطأ أو إجراء أي مراجعة مهما كانت ضرورتها.
 
لذلك فرغم الصدمات المتوالية، وآخرها انسحاب حزبي «الوسط» و«الوطن»، واصلت قيادة «الإخوان» إنكار الواقع، وسعت إلى تجنب الآثار المحبطة للإخفاقات المستمرة على أعضائها. وهي تحاول تحويل إحباط اتباعها إلى حافز على مواصلة الصدام، وتحمل المزيد من الخسائر. وتبدو قيادة «الإخوان» على هذا النحو، في مأزق تاريخي، فلا هي قادرة على ممارسة تأثير ملموس في الواقع الذي يتحرك إلى الأمام، ولا في استطاعتها اللحاق بهذا الواقع، بعد أن رفعت سقف مطالبها بصورة خيالية وخلقت حالة تعبئة جنونية في داخل التنظيم ضد الدولة والمجتمع على اتساعهما، وليس فقط ضد سلطة تزعم أنها انقلبت على الرئيس المنتمي إليها. وتنطوي هذه التعبئة على حالة عداء تجاه الدولة والمجتمع. ويظهر هذا العداء في كثير من تحركات أتباع الجماعة التي ما زالت مستمرة، خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع.
 
وتمثل هذه الحالة قيداً على قيادة «الإخوان» حتى إذا اقتنع أصحاب القرار فيها بأنه لا جدوى من استمرار الصدام، ولا نتيجة لمواصلة التصعيد إلا المزيد من الخسائر.
 
فقد بات صعباً خفض مستوى هذه التعبئة من دون المخاطرة بما بقي من تماسك تنظيمي وحدوث انشقاقات مؤثرة، نجحت هذه القيادة في تجنبها حتى الآن، على الرغم من عدم اقتناع بعض أعضاء الجماعة بمنهج الصدام والتصعيد.
 
غير أن هؤلاء الذين أدركوا عدم جدوى هذا المنهج امتنعوا عن المشاركة في النشاطات والتحركات، وتوقفوا عن النزول إلى الشارع، وكمنوا في منازلهم منتظرين ما سيسفر عنه الوضع.
 
ولم يكن موقفهم هذا مقلقاً لقيادتهم التي اعتبرت كمونهم، مع احتفاظهم بولائهم لها وللتنظيم، أفضل من انشقاقهم.
 
كما وجدت في كمون بعضهم مصلحة، خاصة من يعملون في مؤسسات عامة تريد المحافظة على وجودهم فيها.
 
ولذلك ليس متوقعاً، في المدى القصير على الأقل، أن تغير قيادة «الإخوان» موقفها، أو تعترف بفشلها بعد عام ونيف، مُنيت خلاله الجماعة بأكبر خسارة في تاريخها، وفقدت الحاضنة المجتمعية التي لاذت بها في مراحل الصراع السابقة حين كانت معركتها محصورة ضد الحكم.
 
ومن الطبيعي أن يؤدي استمرار هذا التوجه إلى استبعاد احتمال البحث عن حل سياسي، حتى بافتراض حدوث تغير في المناخ العام، يجعل مبدأ هذا الحل مقبولاً في المجتمع، غير أن الأمر يختلف في حالة إقدام بعض قادة الصفوف الوسطي في «الإخوان» على إجراء مراجعات لفكر الجماعة وتنظيمها إذا بدت مراجعاتهم جادة ومقنعة.
 
فقد تعامل المجتمع المصري من قبل بصورة إيجابية مع المراجعات التي أجرتها «الجماعة الإسلامية» وبعض قادة المجموعات «الجهادية» في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
 
وربما يتكرر ذلك، بصورة أخرى، وفي ظروف مختلفة بطبيعة الحال، إذا بادر بعض ممن لم يتورطوا في ممارسة عنف أو تحريض عليه، وفضلوا الكمون خلال الفترة الماضية، على إجراء مراجعات جذرية تشمل فكر الجماعة وتنظيمها السري الغامض المغلق القائم على السمع والطاعة والمرتبط بكيان دولي عابر للحدود، ويمثل خطراً على الأمن القومي لمصر، وغيرها من الدول التي يوجد أتباع له فيها.
 
وإذا حدثت مثل هذه المراجعة، ستكون زلزالاً غير مسبوق في تاريخ «الإخوان»، لأنها تعني على هذا النحو الإقرار بنهاية «صيغة 1928» التي استمرت أكثر من 86 عاماً.
 
فمؤدى مراجعات بهذا المعنى هو إطلاق بداية جديدة تماماً لتيار الإسلام السياسي في مصر لابد أن يكون لها أثرها في مستقبل تنظيمات «الإخوان» في مختلف البلاد التي توجد فيها أو الكثير منها.
 
وإذا كان هذا السيناريو يبدو بعيداً في اللحظة الراهنة، فقد لا يكون كذلك في وقت لاحق، عندما يثبت لعدد متزايد من قادة الصفين الثالث والرابع أن عليهم الاختيار بين عزلة كاملة عن المجتمع أو عودة إليه على أسس جديدة.
 
وإذا حدث ذلك، فالأرجح أنه سيلقى رفضاً ليس فقط من قيادة الجماعة، ولكن من بعض أعضائها أيضاً، خاصة أولئك الذين انخرطوا في الصدام ضد الدولة والمجتمع، وكذلك من فقدوا بعض ذويهم في مجرى هذا الصدام.
 
غير أن رفض هؤلاء لا يعني أن «صيغة 1928» ستبقى في مواجهة صيغة جديدة يمكن أن تنبثق عن المراجعات المحتملة.
 
فالأرجح أن يقترن رفضهم بانشطارهم إلى مجموعات صغيرة، تلجأ إلى أشكال مختلفة من العنف المسلح، وانضمام بعضهم بشكل كامل إلى تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم «أنصار بيت المقدس»، وغيره.
 
إن الصيغة التي قامت عليها جماعة «الإخوان» منذ عام 1928 وصلت إلى نهايتها في كل الأحوال، بعد أن حال جمودها الشديد من دون تطويرها لتواكب متغيرات الزمن، أياً يكون السيناريو الأكثر احتمالاً لإعلان هذه النهاية.
 
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإمارتية، الأحد، 12/10/2014.

رابط دائم: