" مؤتمر" المشاكل الراهنة والحلول المستقبلية للتنمية في البلدان العربية
27-8-2014

محمد محمد أبوسريع
* باحث دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
يشكل الفقر إحدى المشكلات الرئيسية في مصر والعديد من دول العالم, بحسبانه أحد أهم معوقات التنمية، لذا يحتل القضاء على الفقر أولوية أساسية في اهتمامات متخذي القرارات وصانعي السياسات في مصر. فعلى الرغم من المخصصات الضخمة التي تم توجيهها على مدى العقود الماضية للإنفاق على المجالات الداعمة للبعد الاجتماعي- قاربت ١٠٠٠ مليار جنيه على مدى السنوات العشر الأخيرة - فإن هذا لم ينعكس على الأحوال المعيشية للمصريين، خاصة مع القرارات الأخيرة بزيادة أسعار الوقود والطاقة. 
 
في هذا السياق، تـأتي أهمية تناول وقائع  أعمال المنتدى الإقليمي "معالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية" الذي شهدته العاصمة اللبنانية – بيروت – انطلاقاً من تطلع الشعوب العربية إلى صياغة نموذج تنموي جديد يلبي مطالبها في العيش حياة كريمة، فقد قامت المنظمة العربية للتنمية الإدارية بتنظيم هذا المنتدى، بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة للاتصال بالمنظمات غير الحكومية، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، وذلك بمشاركة أكثر من 150 من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، وممثلي هيئات حقوق الإنسان من تسع دول عربية، يأتي في مقدمتها تونس، واليمن، والأردن، وسلطنة عمان، والمغرب، ومصر، والعراق، ولبنان، وفلسطين.  
 
وتتأكد أهمية هذا المنتدى في ظل حاجة الدول العربية ومنظماتها الإقليمية إلى ضرورة تقييم جهود التنمية في تلك الدول مع قرب انتهاء الموعد المحدد لتحقيق الأهداف التنموية للألفية. ففي عام  2000 ، وقع عدد كبير من  البلدان "إعلان الألفية" الذي يغطي مسائل تتصل بالسلام والأمن والتنمية، بما في ذلك البيئة، وحماية الفئات المستضعفة، وحقوق الإنسان، والحكم الجيد. ويجمع إعلان الألفية مجموعة من الأهداف التنموية المترابطة ضمن جدول أعمال دولي شامل يُعرف بـ"الأهداف التنموية للألفية"، والتي يأتي في مقدمتها: القضاء على الفقر والجوع الشديدين، وتحقيق التعليم الابتدائي الشامل، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وخفض نسبة وفيات الأطفال، وتحسين الصحة الإنجابية، ومكافحة فيروس نقص المناعة والملاريا والأمراض الأخرى،  والاستدامة البيئية، وتطوير شراكة عالمية للتنمية، حيث ينطوي كل هدف من تلك الأهداف على عدة غايات ينبغي تحقيقها بحلول عام 2015.
 
مخاطر ممتدة:    
 
اُستهل افتتاح المنتدى بكلمة للسيدة أمينة محمد (المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بالتخطيط الإنمائي لما بعد عام 2015)، فقد أشارت المتحدثة إلى التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين السكان في معظم بلدان العالم، داعية إلى بذل الجهود من أجل وضع حد لهذا التفاوت في عام 2015 ، خاصة في ظل تزايد تفاوت معدلات التنمية الحالية بين الدول وتفاوتها بين بعد وآخر بسبب التحديات التي برزت منذ عام 2000، وذلك لأسباب عديدة، منها: غياب العدالة، والتغيير المناخي، وما ترتب على ذلك من زيادة معدلات الهجرة من المنطقة العربية، فضلا عن الاحتلال الذي وضع حدا للتنمية في بعض الدول العربية، وما يشكله هذا كله من تحديات تنموية يجب وضع إطار جديد للعمل على مواجهتها عن طريق إزالة الفقر، والاندماج الاجتماعي، ووضع حد للتمييز. فالتنمية المستدامة تشكل عنصرا أساسيا، لذا يتعين تقديم خدمات مستدامة، وضمان فرص العمل والعدالة التي تتضمن اهتماما أكثر بالصحة، والتعليم، والتدريب على اكتساب وتنمية المهارات. 
 
ورأت المتحدثة أن المنطقة العربية بحاجة إلى تحقيق التنمية المستدامة التي أصبحت أكثر إلحاحا بسبب زيادة عدم المساواة الاجتماعية، وفقدان الشباب للأمل، وانعدام الاستقرار في ظل النزاعات الطائفية والعمليات الإرهابية. 
 
نماذج تنموية جديد:
 
من جانبه، أوضح الدكتور بسمان الفيصل (مستشار المنظمة للجودة والاستراتيجية)- في كلمته التي ألقاها نيابة عن الدكتور رفعت الفاعوري (مدير عام المنظمة) - أن معالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية يتطلب صياغة نموذج تنموي جديد يقوم على فهم متجدد لطبيعة المخاطر التي تواجه العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وما يترتب على ذلك من تداعيات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وآثار مستمرة للأزمات المتلاحقة والمتكررة.
 
ورأى المتحدث أن المخاطر التي تواجه الدول العربية، بسبب تعثر خطط التنمية فيها، تأتي ضمن تهديدات المجال الحيوي للأمن القومي العربي. ولكى تتحقق عناصر القوة لهذا المجال، فإن النموذج التنموي المناسب يجب أن يقوم على مقاربات حقوقية، وتعزيز الديمقراطية، والمشاركة، والعدالة التي تحقق الهدف الذي يوفر للتنمية محركها الفعال. ثم استعرض المتحدث  الأفكار الآتية: 
 
- تحديد تصور شفاف عن آليات تعاون اقتصادي قوي بين الاقتصادات العربية من خلال الاستفادة من تجارب التكتلات الاقتصادية الإقليمية الناجحة، وفي مقدمتها تجربة الاتحاد الأوروبي.
 
- تحديد آليات تطبيق مؤشرات الشفافية، والمساءلة، والمشاركة، والمساواة، والجدارة، وأخلاقيات أداء الخدمات العامة. 
 
- دراسة التحديات التي تواجه التنمية، وتفعيل تطبيق مبدأ سيادة القانون، في ضوء استمرار الممارسات التي تهدد السلم الاجتماعي، والعيش الآمن الكريم، ومنها الإقصاء، والتهميش، والتطرف، والتمييز. 
 
- أهمية التغلب على إشكالية تخلف البنى التحتية، كونها الدعامة الأساسية  للتنمية .
 
- تنامي بعض الظواهر الجديدة التي ترتبط بعدم تحقيق التنمية، والتي يأتي في مقدمتها: انتشار السلاح، وسوء التعامل مع الشيخوخة، وضعف الاهتمام بالطفولة، وتباين الاعتراف القانوني والاجتماعي بدور المرأة وحقوقها، إلى جانب عودة الممارسات القبلية والعشائرية، واقتحامها للممارسات السياسية. 
 
معالجة ضرورية:
 
ثم جاءت كلمة علياء غنام (مديرة إدارة منظمات المجتمع المدني بجامعة الدول العربية)، والتي بينت خلالها اقتناع الجامعة العربية بأن قطاع المجتمع المدني هو الشريك الحقيقي للحكومات العربية في عملية التنمية المستدامة في الدول العربية، خاصة بعد الدور البارز الذي لعبته منظمات المجتمع المدني في إحداث التغيير في كثير من مجالات التنمية المجتمعية كالصحة، والتعليم، والقضاء على الفقر، والمشاركة السياسية، وغيرها من القضايا والمشاكل التي تعانيها الدول العربية.
 
وأكدت أنه لم يعد في مقدرة الحكومات أن تعمل منفردة، وأن تقوم بكل المهام التنموية في المجتمع. لذا، فإن الشراكة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني أصبحت ضرورة حتمية يفرضها الواقع العربي الحالي الذي يرزح تحت وطأة مجموعة من التحديات والقضايا التي تتطلب تضافر كافة الجهود، والعمل في إطار مشترك للتغلب على هذه التحديات تلك، وحل القضايا. 
 
وكشفت النقاب عن أن الجامعة العربية سوف تعلن الفترة من 2015 إلى 2025 عقداً عربياً لمنظمات المجتمع المدني، وذلك خلال منتدى منظمات المجتمع المدني المقرر عقده في تونس في يناير المقبل، فقد قامت إدارة منظمات المجتمع المدني بجامعة الدول العربية بإعداد وثيقة العقد التي تمت صياغتها  بمشاركة العديد من خبراء العمل المجتمعي البارزين والمتميزين. فالغاية من هذا العقد هى تعزيز مشاركة منظمات المجتمع المدني العربية في تنفيذ الأهداف التنموية للألفية في البلدان العربية، وخطة ما بعد 2015، عن طريق خلق بيئة مناسبة، وبناء آليات تعاون ناجحة بين منظمات المجتمع المدني، والحكومات العربية، والمنظمات الإقليمية والدولية بهدف تعزيز وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني العربية، ومساعدتها على القيام بدورها المهم، بما يضمن انخراط مؤسسات المجتمع المدني جنبا إلى جنب مع الحكومات في مسار العمل العربي المشترك. 
 
ومن جهته، أشار فريد نيتو (مدير شعبة التنمية الاجتماعية بالإسكوا) إلى أن المنتدى يدعم الجهود التي تبذل من أجل معالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، انطلاقا من الإيمان بأهمية تحقيق العدالة لتأمين الإطار الجيد للعملية التنموية. وأوضح أن العدالة الاجتماعية بالنسبة للإسكوا تتجاوز توزيع الدخل والخدمات لتشمل تفعيل مفاهيم حقوق الإنسان، والإنصاف، والمساواة، والمشاركة التي تشكل جزءا أساسيا من أجندة العدالة الاجتماعية، داعيا إلى تلبية حاجات المهمشين والأكثر فقرا لمواجهة الضعف والفقر، وذلك من خلال حماية الموارد، والمساواة بين الجنسين، وعدم تهميش المجموعات الضعيفة، ومعالجة آثار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وتأثير ذلك فى التنمية.
 
ثم تطرق  زياد عبد الصمد (المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية) إلى ضرورة الاهتمام بالنقاش والحوار المجتمعي الذي يدور حول جدول أعمال التنمية لما بعد 2015، حيث يكتسب هذا الحوار أهمية خاصة في المنطقة العربية، في ظل الحراك الشعبي والتحولات التي تشهدها العديد من دول هذه المنطقة. فقد بين أن ما تشهده تلك الدول من ثورات شعبية تطالب بالتغيير قد  أثبت وجود علاقة بين أنظمة الاستبداد والاقتصاد الريعي الذي يستهدف الطبقة الرأسمالية من المقربين من مواقع السلطة، وذلك في ظل غياب آليات الشفافية، والمكاشفة، والمساءلة، والمحاسبة. فالسياسات التي طبقت، خلال العقود الماضية، انسجاما مع التوجهات الدولية، وما يطلق عليه "توافق واشنطن" - برعاية المؤسسات المالية، والاقتصادية، والتجارية الدولية - لم تأخذ فى الحسبان الأولويات التنموية الوطنية والإقليمية. كما أن الأحداث التي شهدتها دول المنطقة، خلال السنوات الثلاث الماضية، تؤكد الرابط بين الاضطرابات السياسية والأمنية، والفشل في تحقيق أهداف التنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية. 
 
وأشار إلى أن تحديات المرحلة المقبلة تتمثل بصفة أساسية في: مواجهة مشاكل البطالة، والفقر، والتهميش الاجتماعي، والأمية، حيث تشير التقديرات إلى وجوب توفير أكثر من 60 مليون فرصة عمل للشباب، ومعالجة تحديات الفقر الذي تفوق نسبته في بعض الدول 60%". وأكد في هذا الخصوص أن معالجة البطالة لا تتم من خلال بناء القدرات، وتوفير الموارد المالية والطبيعية فقط، ولكن من خلال خلق المزيد من فرص العمل. فاالجهود التي تُبذل في الوقت الراهن لتعزيز الريادة والمبادرات الفردية لن تعالج الخلل الكبير في سوق العمل، وما يتطلبه ذلك من أهمية الإصلاح البنيوي للاقتصاد الكلي الذي يؤدي إلى توسيع سوق العمل، مع المحافظة على كامل الحقوق. وخلص في هذا الشأن إلى أن توافر هذه العناصر الأساسية في السياسات الوطنية لن يتحقق إلا من خلال التوافق على عقد اجتماعي جديد يحدد أسس العلاقة بين الدولة والمواطن، وبين المواطنين فيما بينهم، ويمهد لدور تنموي جديد للدولة، قوامه البناء المؤسسي. 
 
وختاماً، لقد بات ضرورياً أن تكون هناك وقفة جادة وحاسمة في تغيير منهجية إدارة الاقتصاد القومي، وفاعلية الإنفاق الحكومي في الدول العربية، خاصة على الجانب الاجتماعي. كما أصبحت هناك ضرورة لإيجاد موارد مالية تمكن حكومات تلك الدول من الوفاء بحق المواطنين العرب في تحسين أحوالهم المعيشية، وتحقيق مظلة حماية اجتماعية كريمة توفر لهم الأمان.

رابط دائم: