تداعيات المواجهة بين "أنصار الشريعة" والجيش في اليمن
27-8-2014

إيمان أحمد عبد الحليم
* باحثة متخصصة في الشئون العربية

رغم الضربات القوية التي وجهتها السلطات اليمنية لمعاقل تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط أيديولوجيا بتنظيم القاعدة في مايو 2014، خاصة في محافظتي شبوة وأبين بجنوب البلاد، فإن الملاحظ أن التنظيم قد تمكن من إعادة ترتيب صفوفه خلال الآونة الأخيرة، ساعياً إلى إنشاء إمارة إسلامية في المناطق الجنوبية من البلاد، ولتتجدد المواجهات العسكرية مع الحكومة اليمنية التي تمكنت أخيرا من تحييد خطر التمرد الحوثي، ولو مؤقتاً، فيما تواجه تحديات سياسية واقتصادية على خلفية أزمة الأقاليم، ورفع الدعم عن المشتقات النفطية.

غير أن تلك الضربات القوية لم تحل دون تنفيذ العناصر المتشددة لعمليات كبرى في جنوب اليمن، كان منها الهجوم على مدينة سيئون، ثاني كبرى مدن محافظة حضرموت في 24 مايو 2014، ليقع أكثر من 30 قتيلاً في الهجوم الذي استهدف مقر القيادة العسكرية الأولى، ومباني دوائر المجمع الحكومي، ومعسكر قوات الأمن الخاصة، مع محاولة السيطرة على المطار، إثر محاولة استهداف وزير الدفاع اليمني، اللواء الركن محمد ناصر أحمد، الذي نجا من محاولة لاغتياله في 9 مايو. 

وتنامى وجود العناصر الموالية للقاعدة بشكل ملحوظ في حضر موت منذ منتصف يوليو 2014، حيث تشهد المدينة حالة من الانفلات الأمني، مع انتشار مئات المسلحين في مدن وقرى المحافظة. وحتى مع نشر الحكومة المزيد من الجنود في شرق البلاد لمواجهة التهديد المتنامي للعناصر المتشددة، تستمر سلسلة الاغتيالات التي تستهدف ضباط أجهزة الأمن والمخابرات والقوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها، سواء في حضرموت، أو في محافظة شبوة، وأيضاً في البيضاء، وأبين، مستهدفة في إطار ذلك إقامة ولاية إسلامية.

هدف إقامة الإمارة الإسلامية:

كشفت العناصر الموالية للقاعدة في جنوب شرقي اليمن عن سعيها لإقامة "إمارة إسلامية" جديدة في محافظة حضرموت، محاولين في إطار ذلك فرض مفهومهم المتشدد للشريعة الإسلامية على أجزاء من المحافظة التي تعاني ضعف السيطرة الحكومية عليها، وتوفر تضاريسها الكثير من المخابئ لعناصر الفرع اليمني للتنظيم، حيث أصدرت "أنصار الشريعة" خلال الشهر الأخير بيانين متواليين تحذر فيهما من مغبة "مخالفة الشريعة الإسلامية من قبل الرعايا والمواطنين.

وتضمن أحد البيانين التحذيريين منع النساء من ممارسة الرياضة، وحثهن على الالتزام بأحكام الشريعة، وارتداء الحجاب والقفازات، فيما حمل البيان الآخر "تحذيرات للمسئولين الفاسدين في محافظة حضرموت ممن يقومون بنهب وسرقة أملاك المواطنين والتنكيل بحياتهم"، مشدداً على أن "التنظيم سيقوم بتطبيق أحكام الله فيهم من خلال قطع اليدين بعد تأديبهم"، مقراً في إطار ذلك بتصفية من سماهم البيان بـ"عملاء أمريكا في ولاية حضرموت"، وتحدث عن قتل عدد من السحرة والمشعوذين. 

وتعد خطوة إصدار مثل هذه البيانات تغييراً تكتيكياً في طبيعة النشاط الذي تمارسه "أنصار الشريعة" ، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الملاحظات التالية:

1. إن محاولات إقامة "الولاية الإسلامية" في اليمن ليست بجديدة، فقد اتخذ التنظيم خطوات جادة باتجاه تحقيق هذا الهدف خلال الفترة التي تلت الثورة اليمنية، معلناً تسمية مدينة "جعار" في محافظة أبين بـ"إمارة وقار الإسلامية"، بعد أن أعلنت محافظة شبوة "ولاية إسلامية"، ومدينة "عزان" "إمارة إسلامية". وفي إطار ذلك، نفذت عناصر موالية للقاعدة في مارس 2012 هجوماً انتحارياً ضد موقع للجيش في منطقة "الكود" قرب زنجبار، كبرى مدن محافظة أبين، في عملية أدت إلى مقتل 185 جندياً، واحتجاز 73 جندياً أسيراً، واستمر هذا الوضع حتى تنفيذ الجيش اليمني في مايو ويونيو 2012 سلسلة من الهجمات ضد عناصر التنظيم المتركزين في تلك المدن، انسحبوا على أثرها من محافظة أبين، معترفين بما لحق بهم من هزائم. 

2. محاولة استقطاب الدعم الشعبي، إذ تحاول العناصر الموالية للقاعدة، لضمان توسيع نفوذها في الجنوب، الحصول على الدعم الشعبي لعملياتها، وخصوصاً مع تأكيدها أهمية تطبيق الشريعة الإسلامية، محاولة كذلك العمل على تنويع تحالفاتها وتوسيعها لتشمل مجاميع وحركات أخرى كانت على خلاف معها، ومحاولة استقطاب رجال القبائل المتذمرين من غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار، واستغلال تمدد تأثير الحركات السلفية، ولتكون جماعة "أنصار الشريعة" هي الوجه المعلن لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.

ويمكن الاستدلال على ذلك بموضوع تسمية التنظيم، حيث اختفى اسم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" الذي كان نتاجاً لاتحاد جناحي القاعدة في اليمن والمملكة السعودية، والذي تأسس في يناير 2009 بزعامة ناصر الوحيشي (أبو بصير)، ليظهر عوضاً عن ذلك "أنصار الشريعة"، وهو الاسم الذي أصبح متداولاً بعد ظهور هذه الجماعة في مدينتي "زنجبار"، و"جعار"، وتضم الجماعة مجموعة من عناصر القاعدة، وحركات قتالية كانت تخالف القاعدة الرأي، ومجندين جددا التحقوا بالجماعة من مناطق يمنية مختلفة. 

3. التأثر بنشاط تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق: حيث ربط البعض النشاط الأخير للعناصر المتشددة على الساحة اليمنية بتأثرها بمجريات الأمور في النطاق الإقليمي المحيط، وخصوصاً ما يرتبط بتوسع نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، والإعلان عن قاعدة الخلافة الإسلامية في أجزاء من العراق وسوريا، وملاحظة أن البيانات التي أصدرتها جماعة "أنصار الشريعة" في اليمن جاءت متناغمة مع ما يصدره "الدولة الإسلامية" من بيانات وإصدارات. وقد بدأ الأمر في سوريا منذ أكثر من عام، عندما أعلن التنظيم عن نشاطه في محافظات الشمال، مسيطراً على بعض المدن والأقضية فيها مثل مدينة الحسكة، ودير الزور، والرقة، حتى أعلن أخيراً "الخلافة" في مدينة الموصل شمال العراق على لسان أبى بكر البغدادي من منبر مسجد الموصل.

وفي تشابه للوضع في سوريا والعراق، التحقت بعض المناطق التي تضعف فيها السلطات الرسمية اليمنية بمجال سيطرة العناصر الموالية للقاعدة، في مؤشر على تأثير نشاط " الدولة الإسلامية" فى التنظيمات المتشددة بوجه عام، والعناصر الموالية للقاعدة في اليمن بشكل خاص، حتى مع وجود خلافات كبيرة معلنة بين الطرفين، وتواتر أنباء غير مؤكدة عن وجود انشقاق في قاعدة اليمن، وانضمام بعضهم لصفوف تنظيم "الدولة الإسلامية". ولم يكن مفاجئاً في هذا الإطار أن يعلن القيادي في "أنصار الشريعة" مأمون حاتم، في كلمة صوتية له منتصف يناير الماضي، تأييده لنشاط " الدولة الإسلامية" في العراق.

4. التقدم في النشاط الإعلامي لـ"أنصار الشريعة"، والتي أظهرت تفوقاً إعلامياً في توثيق عملياتها التي استهدفت أفراد الجيش اليمني، ومنشآت رسمية حيوية، وأضحت تعمد إلى بث تسجيلات توثيقية لعملياتها، وبثت خلال الشهرين الماضيين أكثر من خمسة تسجيلات مصورة تتضمن مشاهد من عملياتها ضد الجيش ما بين مايو ويوليو 2014. 

وقد نشرت الجماعة عبر قناة "الملاحم" الخاصة بها صوراً لعملية تبنتها في 6 يوليو بالهجوم على منفذ "الوديعة" الحدودي للسعودية مع اليمن، وأظهرت الصور السيارة المفخخة التي تم تفجيرها عن بُعد بجانب البوابة، وقصف حرس الحدود بالجانب السعودي للمنفذ بصاروخ "جراد". وكان من التسجيلات التي بثتها الجماعة كذلك اقتحام مدينة سيئون في مايو، وأظهرت عناصرها، وهم يتجولون بسلاحهم وسط المدينة، وأجروا استطلاعات مصورة مع المواطنين، وقد أظهرت حرفية عالية في توثيق العمليات من خلال التصوير بأكثر من كاميرا بعضها تركب على رءوس المسلحين، وذلك مع محاولة العناصر الراديكالية تعظيم استفادتها من وسائل الإعلام الحديثة، وفي المقدمة منها مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، و"تويتر"، وأيضاً موقع "يوتيوب"، والتي تستخدمها للإعلان عن عملياتها ونشر رواياتها الخاصة لمواجهاتها مع العناصر الحكومية.

تداعيات نشاط العناصر المتشددة على الساحة اليمنية:

لنشاط العناصر المرتبطة بالقاعدة على الساحة اليمنية أبعاد خطيرة، لا تقتصر على الداخل اليمني فحسب، ولكن أيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمن ناحية أولى، فإن تعمد العناصر المتشددة اليمنية توسيع نشاطها ونفوذها في جنوب البلاد، ولاسيما في محافظة حضرموت التي تحتل ما نسبته 36% من مساحتها الدولة اليمنية، يثير مخاوف مرتبطة بضمان الإنتاج النفطي في المحافظة، بالنظر إلى أن حضرموت تعد من أهم المناطق النفطية التي تعتمد عليها الدولة بشكل رئيسي في دخلها القومي. 

فيما يعاني اليمن أزمات اقتصادية متفاقمة، وحالة من الاستياء الشعبي بسبب الأزمة في توفير مشتقات الوقود، والانقطاع المتكرر للكهرباء في صنعاء وغيرها من المحافظات بسبب الضربات التخريبية التي تستهدف شبكات الكهرباء، وتردي الاقتصاد اليمني، مع تأخر تصدير النفط بسبب الهجمات المسلحة التي تستهدف أنابيب تصديره في شرق البلاد.

من ناحية ثانية، فإن استقرار اليمن هو مسألة بالغة الحيوية بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، حتى لا تنتقل حالة عدم الاستقرار إلى النطاق المحيط، وخصوصاً إلى المملكة السعودية التي ينغمس عدد من مواطنيها في نشاط الجماعات المتشددة في اليمن. وقد أعلنت وزارة الداخلية السعودية أن السلطات اليمنية سلمتها في 31 يوليو ثمانية مواطنين سعوديين مطلوبين لدى الجهات الأمنية للاشتباه في علاقتهم بتنظيم القاعدة، في ثاني عملية تسليم من نوعها منذ فبراير 2014، حيث تسلمت الرياض 29 مطلوباً سعودياً.

يشار إلى أن القيادي في تنظيم القاعدة بالجزيرة العربية، سعيد الشهري، الذى تم اغتياله بطائرة أمريكية بدون طيار في يناير 2013، كانت قد استعادته السلطات السعودية من معتقل جوانتنامو، قبل أن يفر إلى اليمن، ويلتحق بتنظيم القاعدة هناك، وقد عمل على تهريب العديد من السعوديين إلى اليمن للعمل تحت لواء التنظيم، وخطط من هناك لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في السعودية، ولكن تم إحباط هذه المحاولات.

ومن ناحية ثالثة، فإن اليمن يتحكم في أحد أهم المضايق البحرية في العالم، وهو مضيق "باب المندب" الذي يقع بين اليمن والقرن الإفريقي، ويمر عبره خط الملاحة البحرية لـ"قناة السويس"، وكذلك ناقلات النفط. وأكثر ما يثير المخاوف الدولية –وليس فقط الإقليمية- هو أن تستغل العناصر الموالية للقاعدة الأوضاع الانتقالية في اليمن من أجل امتلاك القدرة على تهديد الملاحة في المضيق، ومن ثم التأثير السلبي في التجارة الدولية بشكل عام، وإعطاء دفعة للقرصنة البحرية التي تنشط بشكل كبير في خليج عدن والبحر الأحمر.

يفسر ذلك دعم الولايات المتحدة الأمريكية للتحرك العسكري اليمني ضد عناصر القاعدة، حيث شاركت طائرات أمريكية بدون طيار في عمليات الاستهداف والتعقب والاستطلاع لعناصر التنظيم ومراكز تجمعات مقاتليه في جنوب اليمن، مما يزيد من العداء للمصالح والأهداف الأمريكية، حيث تتخذ السفارة الأمريكية في صنعاء إجراءات استثنائية لحماية موظفيها ودبلوماسييها، بحسبانهم جميعاً موضع استهداف من جانب المسلحين، وخصوصاً بعد أن تعرض ضابطان في السفارة الأمريكية بصنعاء لمحاولة اغتيال في أبريل 2014. 

وفي ضوء ما سبق، ونظراً للخطر الذي تمثله العناصر المتشددة، فقد بدأ الجيش اليمني في إطلاق حملة عسكرية ضخمة لمحاربة هذه العناصر في حضرموت، بعد الظهور العلني لقياداته ومسلحيه، وأكدت مصادر محلية وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من قوات الاحتياط، مقبلة من محافظة عدن إلى مدينة سيئون لدعم الوحدات العسكرية هناك.

وقد أُعلن عن مقتل 18 مسلحاً من عناصر القاعدة، واعتقال آخرين في السادس من أغسطس أثناء المواجهات مع قوات الجيش. وأوضح مصدر عسكري في المنطقة العسكرية الأولى أن المسلحين نصبوا ثلاثة كمائن لقوات من اللواء 135 مشاة، واللواء 37 مدرع، أثناء انتقالها من مدينة المكلّا (عاصمة حضرموت) إلى سيئون، غير أن الجيش تمكن من إحباط كمائن المسلحين، وقتل 18 من عناصر القاعدة، كما ألقى القبض على ثلاثة آخرين، أحدهم سعودي، وأعلنت وزارة الدفاع اليمنية فجر 7 أغسطس استعادة ما سمي بـ"إمارة القطن" بالمحافظة. 

غير أن تلك الجهود، رغم أهميتها، لا تعني ضمان نجاح السلطات اليمنية في القضاء على خطر العناصر المتشددة، والتي تمكنت خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تغيير تكتيكاتها، وإعادة تنظيم صفوفها. ولم تتوقف تلك العناصر، على الرغم من الضربات القوية التي وجهت لها، عن تنفيذ عمليات مباغتة على مواقع الجيش والأمن، والمؤشر الواضح على ذلك هو اختطاف مسلحين ينتمون للقاعدة 14 جندياً يمنياً كانوا عائدين من الخدمة في شرق اليمن، وأعدموهم في الثامن من أغسطس 2014، فيما يعتقد مسئولون أنه عمل انتقامي رداً على الحملة التي شنها الجيش في المنطقة ضد معاقلهم في الآونة الأخيرة، في مؤشر على استمرار العمليات العسكرية بين الجيش اليمني والعناصر المتشددة.


رابط دائم: