«داعش»: إغراء القوة!
10-7-2014

بشير عيسى
* كاتب سوري
ما يمر به العراق من حراك مسلح، وتنامٍ لدور «داعش»، يوحي باستنساخ التجربة السورية! وكي نكون دقيقين، علينا مقاربة ومقارنة الحالتين، لنرى مقدار التشابه والتطابق لدى المعارضة والنظام في الدولتين. وهذا يتطلب تحديد ماهية الحراك، ولكن شريطة معرفة المعيارية التي يقوم عليها هذا الخطاب، كمقدمة للإمساك بناصية الحقيقة الضمنية، بعد إزالة التراكمات المتناقضة، في التوصيف والأهداف، لمجمل الأنساق السياسية المؤثرة.
 
وما يجرى من التباس في المفاهيم، وضعف القدرة على قراءة وتفسير الواقع، فيه دلالة على غياب المنهجية الموضوعية. لذلك لا عجب أن تأتي النتائج بخلاف ما تصبو إليه معظم نخبنا الثقافية والسياسية، ليبقى الثابت الوحيد فوضى المصطلحات والمسميات، حيث يساهم جل الإعلام والمثقف الوظيفي، في تزييح المعنى. ومع هذا الاعتلال المعرفي الذي نقدمه للعالم، نصر على أننا جميعاً على حق، وان ما يجري مؤامرة كونية جلبت الإرهاب العالمي، للقضاء على الإسلام والعروبة، أو لإفشال ثوراتنا الديموقراطية والمدنية، القادمة من بوابة الصحوات!
 
أبرز وجوه المعارضة العراقية السيد طارق الهاشمي، يشدد من إسطنبول، على أن ما حصل أخيراً في الموصل «حركة ربيع عربي وثورة. وأن التغيير قادم وبغداد في إطار هذا التغيير»، وفي رأيه أن نزع فتيل الأزمة «يستدعي تغييراً جذرياً بإبعاد المالكي». وفي حديثه على «التركية» يقول: «لا أنكر دور داعش، ولكن هو ليس كل شيء! والقضية في الأساس «مظلومية السنّة»!
 
اللواء مزهر القبيسي قائد المجلس الثوري العام، يصف على شاشة «بي بي سي» ما يحدث في العراق بـ «ثورة شعبية»، وفي إجابة عن الموقف من «داعش»، يقول إن «داعش» يتقاطع مع أفكار وتوجهات الثوار، لكن لا يوجد أي تنسيق أو تعاون بين الثوار و «داعش»! بينما يصرح القيادي المعارض عبدالرزاق الشمري: سنتحالف مع الشيطان لإسقاط المالكي! القيادي في الجيش الإسلامي الشيخ أحمد الدباش يعلن «أنها ثورة شعبية ضد قوات المالكي»، مطالباً بوجوب «دفع الصائل» وهي الحجة الشرعية التي استخدمها الإخوان في سورية بداية الأحداث بقصد شرعنة جهاد السلاح! وهذا يقودنا للبيان الذي أصدره الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بزعامة القرضاوي، واعتبار ما يجري «ثورة شعبية»! أما الشيخ علي الحاتم فيتوعد بأنه في حال بقاء المالكي، فالعراق ذاهب إلى التقسيم، مطالباً في الوقت ذاته، بإيجاد ممرات آمنة للنازحين، وإيصال المساعدات العاجلة لهم، مؤكداً أن الثورة ستنتصر في القريب العاجل!
 
هذا الغيض من المواقف يكاد يطابق مجمل الخطاب والمسار السياسي للمعارضة السورية، لا سيما تلك المتعلقة بحتمية انتصار الثورة، ولو بالتحالف مع الشيطان! في إشارة الى داعش في العراق، و «القاعدة» ممثلة بـ «جبهة النصرة» في سورية، و «داعش» قبل انقلابها على فصائل المعارضة، إذ عرف النظام في دمشق كيف يجيّرها لمصلحته. وإذا كانت المعارضة العراقية تحاكي جارتها السورية، فمن البديهي ان يسير المالكي على خطى الأسد!
 
وعليه يصبح بديهياً أن «داعش»، بحكم قوة شوكته، كان بمثابة حصان طروادة، المعوّل عليه «تحرير الديموغرافيا السنّية»، باعتبارها تحولت في اجزاء منها الى بيئة معادية للجيش النظامي، الذي يغلب عليه المكون الشيعي. ولعلنا نجد في كلام قاسم عطا الناطق باسم وزارة الدفاع، إشارة الى ما نذهب إليه، في معرض حديثه حول وجود «حواضن للإرهابيين» في الموصل! وهنا يصبح وجود «داعش» بسلوكه التكفيري، الذي يفتك بكل من يخالفه الرأي، ضرورة لتدخل الجيش لاحقاً، بغية إنقاذ الناس من شروره، انطلاقاً من مبدأ «ترويض الفيل»!
 
لذلك يجب ألا تمر مسألة تحرير الموصل على انها فاجأت القيادة العراقية، وأن ما حدث انتصار وتحرير للثوار، كما حصل مع «الجيش الحر» في سورية، لعلمنا أن الاستخبارات الإيرانية والسورية مخترقة في شكل فاعل هذا التنظيم. وإلا كيف نفسر عدم استهداف طيران المالكي العرض العسكري الضخم للتنظيم بعد «تحريره الموصل». والشيء ذاته ينسحب على غياب الطيران السوري عن العرض الذي أقامه التنظيم في محافظة الرقة!
 
إن حصول «داعش» على هذا العتاد الضخم من الجيش العراقي، والتغاضي عن دخوله عمق الاراضي السورية، ومن ثم إعلان التنظيم قيام دولة الخلافة، يرمي الى تحقيق مجموعة أهداف، أهمها: التهويل بقوة وخطر التنظيم بحيث يطغى على حقيقة المشهد السياسي للمنطقة. كما أن دخوله بهذه القوة، سيلهم الشباب المتحمس والمهمش، لا سيما بعدما افتتح مجازره المروعة بحق من يعتبرهم «رافضة»، وذلك كمقدمة لتصفية حساباته داخل المكونات السنّية.
 
وهذا، بالتالي، سيساهم في تصدع البيئات الحاضنة، وباقي قوى المعارضة. وعندها قد تتمكن إيران ومعها روسيا من تحقيق ما تسعيان إليه، ألا وهو قيام تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، على غرار سيناريو إسقاط صدام حسين!
 
قد يبدو للبعض، شكلاً، أن المناطق المحررة، إنجاز عسكري وسياسي، يقطع ما يسمى بالهلال الشيعي، لكنه، في المضمون، تدمير ممنهج يؤسس لنزوح جماعي، تساهم في تعاظمه الفوضى المسلحة التي ستتصاعد حدتها، وانقلاب الحواضن على الممارسات العنفية التي يحكم بها غرباء التنظيم، الأمر الذي سيدفع بالناس، وأولهم النازحين، للمطالبة بعودة «دولة النظام»! لذلك، يتوجب على معارضي المالكي ألا يقعوا في فخ إغراء القوة، الذي يمثله داعش. فإذا صح أنها ثورة، فالأكيد أن «داعش» سيواصل أكل بقية أولاده، ممن لم يقدموا له البيعة!
 
-----------------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الخميس، 10/7/2014.

رابط دائم: