الحسابات الإقليمية تجاه سيطرة "داعش" على مناطق عراقية
20-8-2014

ريفا بهالا
* خبيرة بارزة في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأمريكا

عرض: طارق راشد عليان، باحث في العلوم السياسية.

أثارت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" داعش" على بعض المناطق في العراق استفهامات عدة حول طبيعة المواقف الإقليمية وحساباتها تجاه ما يجري في العراق، لاسيما في ظل التهديدات العابرة للحدود التي يطرحها التنظيم للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق تناولت ريفا بهالا، وهي خبيرة بارزة في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأمريكا، في تحليل نشره موقع ستراتفور المعني بالدراسات السياسية والاستخباراتية، استراتيجيات اللاعبين الإقليميين في التعاطي مع هذه التحولات الجديدة على الساحة الإقليمية.

تركيا تبحث عن استراتيجية

كتبت بهالا أنه مع تمدد التهديد الجهادي من سوريا إلى العراق؛ تجاهد تركيا من أجل تحصين نفسها من العنف، ومتابعة جدول أعمالها الاستراتيجي في كردستان العراق. فقد أبرمت تركيا تحالفًا مع القيادة الكردية العراقية في تحدٍّ مباشرٍ لسلطة بغداد. وبموافقة وزير الطاقة التركي وضد رغبة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، غادرت ناقلتان تحملان بضعة براميل من النفط الخام الكردي ميناء جيهان التركي بحثًا عن مشترٍ، بينما كان تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" يصعّد من وتيرة هجومه.

ولمضاعفة الرهان، أعلن وزير الطاقة التركي تانر يلدز في 16 يونيو أن هناك ناقلة ثالثة سيتم تحميلها في غضون أسبوع. ومع اعتماد المالكي الآن على دعم البشمركة الأكراد لصدّ الجهاديين في الشمال؛ اكتسبت أنقرة وأربيل بعض النفوذ في نزاعهما المستمر مع بغداد حول توزيع عائدات الطاقة. لكن دعم تركيا لأكراد العراق له حدود أيضًا.

كانت أنقرة تعتزم إقامة علاقات أقوى مع حكومة إقليم كردستان لاستغلال احتياطيات الطاقة في شمال العراق، وإدارة الاضطرابات الكردية داخل حدودها. ومع ذلك، لا تعتزم تركيا الاعتراف بالاستقلال الكردي. وبوقوع كركوك الآن في أيدي الأكراد نتيجة المدّ الجهادي، فإن أكبر حقول النفط في شمال العراق على أهبة الاستعداد لتأجيج النزعات الانفصالية الكردية. ويقوم المسلحون الأكراد من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب بتعزيز مواقع البشمركة في شمال العراق بالفعل، وهو ما يفزع تركيا. في الوقت نفسه، يحتجز تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" والمجموعات الجهادية التابعة له 80 رهينة من المواطنين الأتراك.

تُشير بهالا إلى أن تركيا ستوسع من وجودها في بلاد العراق، ولكن ليس بالضرورة وفقًا لشروطها. لقد حافظ حوالي 1500 إلى 2000 جندي من القوات التركية على مواقعهم في هدوء في كردستان العراق. ومن المرجح أن تتمدد تلك القوة الآن ليكون لدى تركيا مجموعة من التهديدات، لتبرير مثل هذا الوجود، والحاجة المتزايدة لتهدئة الطموحات الكردية.

إيران في موقف دفاعي:

ينتاب إيران التوتر من السياسة الكردية الحازمة التي تتبعها تركيا، وربما تحسبًا لتهديد جهادي على نطاق واسع يجتاح الحزام السني في العراق، على حد قول ريفا بهالا، ولذا قامت خلال الأشهر القليلة الماضية بتوسيع وجودها العسكري على طول حدودها الشمالية مع العراق. وتجد طهران نفسها الآن في موقف غير مريح يدفعها مضطرة إلى تعزيز حلفائها الشيعة في العراق عسكريًّا. وعلى الرغم من امتلاك إيران لأعقد وأوسع شبكة من المسلحين بالوكالة في المنطقة للقيام بهذه المهمة؛ فإن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر هائلة.

وقد سعت إيران في السنوات الأخيرة بكل ما لديها من إمكانات إلى تعزيز نفوذها الشيعي في العراق تحت السلطة المركزية في بغداد. ولم تكن طهران متشبثة بالمالكي على وجه الخصوص، لكنها كانت بحاجة إلى الحفاظ على موطئ قدم قوي بما فيه الكفاية في بغداد لإدارة المشهد الشيعي المنقسم بشكل طبيعي في العراق. ويساعد توظيف الميليشيات الشيعية إيران في تعزيز الجيش العراقي وقت الحاجة الملحة، ولكنه يهدد بمخاطر تقويض الاستراتيجية الإيرانية طويلة الأجل في إدارة العراق من خلال ذراعها القوي في بغداد. وكلما زاد تمكين الميليشيات مع ضعف بغداد، تَعيَّن على إيران العمل بجدية أكبر للسيطرة على التحركات الانفصالية في الجنوب الشيعي في العراق.

إن المسلحين الذين يقتحمون المناطق السُنية الأساسية في العراق سيقابلون تورطًا إيرانيًّا أعمق في هذا الصراع. ولا يوجد دافع أفضل للمقاتلين العرب السُنّة على اختلاف مشاربهم الأيديولوجية من الدعوة لحمل السلاح ضد أعدائهم التاريخيين من الفرس وحلفائهم من الشيعة العرب. وترى ريفا بهالا أن تدفق دماء الثأر الطائفي سيجعل الأمر أيضًا أكثر صعوبة للحكومة العراقية الشيعية لتجنيد ما يكفي من الحلفاء من بين سكان العراق السنة لمحاربة الجهاديين.

في واقع الأمر، لم يكن تنظيمُ "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" ليقدر على تصعيد حملته المسلحة في جميع أنحاء العراق لو لم يكن قد حصل على دعم كبير من القبائل السُنيّة المحلية التي تتلقى بدورها دعمًا وتوجيهًا كبيرًا من رعاتها في الخليج العربي على حد قول ريفا بهالا.

السعودية تحرّك الأمور

تقول ريفا بهالا إن التقارب الفارسي الأمريكي كابوس بالنسبة للمملكة السُنية، كما هو الحال بالنسبة لاحتمالات أن تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتيًّا في إنتاج الطاقة. ليس لدى المملكة العربية السعودية سوى القليل من الوسائل التي يمكنها استخدامها لتخريب المفاوضات الأمريكية الإيرانية بصورة مباشرة كما تري الكاتبة. فتقول  "في الواقع، وكما توقعنا، كان على السعوديين ابتلاعُ الدواء المر، وفتح حوار خاص بهم مع إيران. ولكن السعوديين يمتلكون أيضًا بعض الخيارات التي تجعلهم يجعلون حياة إيران أكثر صعوبة، وإذا اضطرت الرياض للتفاوض مع طهران، فستحاول الدخول في محادثات بشروطها".

وترى أن سوريا ولبنان تصلحان على الدوام كساحات مفيدة للمعارك بالوكالة، على الرغم من أن التمرد السُني يحظى بفرصة ضئيلة لإسقاط النظام المدعوم من إيران في دمشق، وتبدو لبنان مقسمة جدًّا بحيث لا يُمكن أن يدعي أي لاعب إقليمي بتفرده بميزة حاسمة. وهكذا تحولت المنافسة إلى بلاد العراق؛ حيث لا يمكن لإيران أن تتحمل رؤية مكاسبها الشيعية وهي تهوي، وحيث حافظت المملكة العربية السعودية -على صعيد الحكومة والمواطنين العاديين- على روابط قوية مع العديد من القبائل السنية في إقليمي الأنبار والموصل اللذين ساعدا الانتفاضة السنية. وكتبت أن المملكة العربية السعودية وصفت هذا التنظيم بأنه منظمة إرهابية، بل وكشفت خلايا تابعة له على أراضي المملكة تخطط للتآمر ضد العائلة المالكة.

ولكن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" ليس بالمجموعة الوحيدة المشاركة في الهجوم الحالي، حيث يقوم مقاتلو حزب البعث السابقين التابعين للطريقة النقشبندية جنبًا إلى جنبٍ مع جيش المجاهدين وجيش أنصار السُنّة بلعب دورٍ أساسيٍّ في القتال أيضًا. وتقوم معظم الميليشيات السُنيّة وعدد متزايد من منشقي "مجلس الصحوة" (المقاتلون السنة المجندون من قِبَل الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق) الذين انضموا إلى هذه الميليشيات بالتنسيق المباشر مع "مجلس ثوار الأنبار" الذي ينسق بدوره مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" على أساس انتقائي.

وتقول الكاتبة في مقالتها أنه يُعتقد أن رئيس المخابرات السعودية يوسف بن علي الإدريسي على اتصالٍ مباشرٍ مع "مجلس الثوار الأنبار" بما يكفل للرياض الفرصة للتأثير على شكل ساحة المعركة، وبالتالي إثارة مزيدٍ من المتاعب لإيران في بقعةٍ حسّاسةٍ للغاية.وعلى سبيل المكافأة للمملكة العربية السعوديةارتفع سعر خام برنت إلى 113 دولارًا للبرميل للمرة الأولى هذا العام. ولا تعتبر المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة التي ترحب بهذه الزيادة في أسعار النفط؛ فروسيا سعيدة تمامًا بالتحولات الواقعة في العراق أيضًا.

درس من التاريخ

ترى  بهالا أن هناك العديد من الفائزين والخاسرين في لعبة العراق. تعرف روسيا هذه اللعبة جيدًا، سواء كان ذلك عن طريق الصدفة، أو التصميم الاستراتيجي، أو مزيج من الاثنين. وستضطر الولايات المتحدة، وهي وريث خارطة سايكس بيكو، إلى تعلم ذلك بسرعة.

عندما تواطأ الفرنسيون والبريطانيون على خريطة ما بعد الإمبراطورية العثمانية في عام 1916، أذعنت روسيا القيصرية بهدوء في الوقت الذي كانت فيه باريس ولندن تقومان بتقسيم البلاد. وبعد عامٍ واحدٍ، في 1917، ألقى السوفييت المفتاح الاستراتيجي في الأجندة الغربية عبر نشر اتفاقية سايكس بيكو، بما أدى إلى زرع بذور التمرد العربي، وبالتالي ضمنوا ألا يهنأ بال الحكم الإمبريالي الأوروبي للشرق الأوسط. وتدرك الإدارة الأمريكية الفخ المنصوب، ولكن من المرجح لواشنطن، بطريقة أكثر وعيًا بتاريخ المنطقة هذه المرة، أن تترك للاعبين الإقليميين امتصاص معظم المخاطر، وفقًا لريفا بهالا.


رابط دائم: