«داعش» ومستقبل النظام السياسي العربي
1-7-2014

طارق أبو العينين
*
بعد نجاح تنظيم «داعش» الجهادي المتطرف في التمدد داخل الأراضي العراقية، فإن سؤال لحظة الأزمة الذي يجب طرحه يتعلق بمستقبل النظام السياسي العربي في ضوء ذاك التمدد. فعلى رغم أن غالبية المحللين يحصرون تداعياته في نطاق جغرافي سوري - عراقي مشترك يبدأ من حلب والرقة ودير الزور في سورية ليصل إلى نينوى والأنبار وصلاح الدين في العراق، وفقاً لما عرف بهلال «داعش»، فاللافت يكمن في أن المرجع الفكري لهذا التنظيم والارتباك الذي تسبب فيه منذ ظهوره بصيغته الجديدة سيوّسعان نطاق تأثيره ليمتد إلى النظام السياسي العربي برمته، سواء على صعيد علاقته بالأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة أو على صعيد طبيعته الداخلية.
 
فمن ناحية المرجع الفكري، يعد «داعش» امتداداً لتنظيم القاعدة. فقد تأسس في البداية تحت مسمى جماعة التوحيد والجهاد بزعامة أبو مصعب الزرقاوي الذي بايع أسامة بن لادن ليتحول اسم التنظيم إلى «القاعدة في بلاد الرافدين». وبعد مقتل الزرقاوي انتخب أبو حمزة المهاجر زعيماً للتنظيم، وفي غضون ذلك أعلن عن تشكيل تنظيم دولة العراق الإسلامية بزعامة أبو عمر البغدادي إلى أن نجحت القوات الأميركية في اغتيال المهاجر والبغدادي فاختار التنظيم أبو بكر البغدادي قائداً له. وعلى رغم الخلاف الذي نشب بين أبو بكر البغدادي وزعيم القاعدة أيمن الظواهري نظراً لرغبة الأخير في ترك سورية لجبهة النصرة ومن ثم تفكيك الاندماج المعلن في نيسان (أبريل) 2013 بينها وبين تنظيم دولة العراق الإسلامية، إلا أن «داعش» يبقى امتداداً لنموذج القاعدة لسببين، الأول أن 80 في المئة من مقاتلي «داعش» كانوا منضمين إلى تنظيم القاعدة، والثاني أن قادة «داعش» في سورية ينتمون إلى جنسيات متعددة وسبق لهم القتال في العراق والشيشان وأفغانستان. ومن ثم فـ «داعش» يعد من حيث الأفكار والمنطلقات وطبيعة العنصر البشري تجسيداً للطوبى الأممية الدموية التي تبناها وبشّر بها تنظيم القاعدة على رغم خلافهما المستجد، بما يوسع النطاق الجغرافي المستقبلي لتمدد «داعش» الذي سيتعدى سورية والعراق بكل تأكيد.
 
من ناحية أخرى، فإن النجاحات التي حققها «داعش» ستفجّر الكثير من التناقضات على صعيد موقف إيران وأميركا مما يجرى في العالم العربي، خصوصاً في سورية. فوقوع الصدام السنّي- الشيعي في العراق على خلفية صراع «داعش» مع حكومة المالكي ستكون محصلته التقاء المصالح الإيرانية في مساندة شيعة العراق بالمصالح الأميركية الرامية إلى الدفاع عن الدولة التي أسسها الأميركيون بعد سقوط صدام وأسقطها «داعش»، مع المصالح السورية في القضاء على «داعش». وهنا سيكون مستقبل المواقف الأميركية من النظامين السوري والإيراني ملتبساً ومتناقضاً باعتبار الاثنين كانا حتى وقت قريب خصمين للولايات المتحدة.
 
ومن ثم فـ «داعش» سيمثّل مفارقة تاريخية بصفته نقطة التقاء بين المصالح والأجندات لكل من الأميركيين والإيرانيين والبعثيين في سورية.
 
أضف إلى ذلك، أن الطبيعة الأممية لأفكار «داعش» ومنطلقاته ستفتح المجال واسعاً أمام اضطرابات عنيفة تضرب دول الربيع العربي، لا سيما الدول التي تعثّر فيها التحول الديموقراطي مثل مصر وليبيا. فصراع السيسي وحفتر مع الإسلاميين سيتصاعد ويشهد موجات عنف غير مسبوقة، لأن «داعش» سيوظف من جانب العسكر في مصر وليبيا باعتباره نموذجاً واقعياً للمخططات الأميركية الرامية إلى استخدام الإسلاميين المتطرفين في إشعال حرب طائفية في المنطقة هدفها تقسيم الدول وتفكيك جيوشها الوطنية. فعلى رغم الارتطام الواضح الذي أشرت إليه آنفاً بين مخططات «داعش» وإستراتيجية الأميركيين، إلا أن الرواج الشعبوي والإعلامي لتلك الأطروحة المتناقضة وضعها في مصاف المسلّمات غير القابلة للنقاش. وهو أمر ستترتب عليه شرعنة الإجراءات الديكتاتورية التي قامت وستقوم بها السلطات المصرية ضد كل معارضيها المتورطين في تلك «المؤامرة» الأميركية وفي مقدمهم «الإخوان المسلمون»، وكذلك شرعنة النموذج الذي يريد الجنرال حفتر تطبيقه في ليبيا، بما سيحول الفصائل الإسلامية الأقل تطرفاً والتي انخرطت في العملية السياسية لعقود إلى حواضن اجتماعية وسياسية لأفكار «داعش».
 
وهو ما بدأت بشائره الأولى تلوح في مصر بعد إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على خلية تابعة لتنظيم «داعش» كانت تعتزم القيام بعمليات إرهابية داخل الحدود المصرية، هذا إضافة إلى أن خطاب المزايدة الدينية والسياسية المتبادل بين زعيمي «داعش» والقاعدة سيدفع الأخير إلى تكثيف العمليات المسلحة ضد النظم العربية التي تنتشر القاعدة في دولها بهدف مقاومة تمدد «داعش» الذي يهدد بقاء تنظيم القاعدة، ما يعني في النهاية أن النظام السياسي العربي مقبل على مرحلة من أدق وأخطر المراحل التي مرت به في تاريخه الحديث والمعاصر.
 
فنذر الحروب الأهلية والصراعات الطائفية لاحت في الأفق بالتزامن مع صراع إقليمي محتمل تؤججه المصالح الأميركية والإيرانية والسورية في القضاء على «داعش».
 
---------------------
* نقلا عن ا لحياة اللندنية، الثلاثاء، 1/7/2014.

رابط دائم: