التغيرات المحتملة للدور الأمريكي في منطقة الخليج
20-8-2014

سارة إميرسون وأندروا وينر
* خبيران في الشرق الأوسط

سارة خليل، باحثة في العلوم السياسية

استغلت الولايات المتحدة إمكاناتها العسكرية، خلال العقد الأخير، لحماية تدفق الواردات النفطية من منطقة الخليج العربي من الدول المنافسة لها، فى ظل اعتمادها على الصادرات النفطية كعامل أساسي فى صناعتها، مما جعل تأمين الواردات النفطية محورا رئيسيا فى السياسة الخارجية الأمريكية.

بيد أن الاكتشافات النفطية الأمريكية الهائلة أثارت تساؤلات حول مستقبل الدور الأمريكي فى منطقة الخليج العربي، والتزاماتها تجاه أمن المنطقة، لاسيما مع ذهاب عدد ليس بالقليل من المحللين إلى تراجع دور السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة نتيجة لزيادة الإنتاج النفطي الأمريكي، وتقليل الواردات من دول الخليج.

وللإجابة على تلك الادعاءات والتساؤلات المُثارة، كتبت سارة إميرسون وأندروا وينر دراسة بعنوان "أسطورة استقلال النفط وعزلة السياسة الخارجية"، في دورية "The Washington Quarterly" الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن.

تسعى الدراسة إلى الإجابة على تساؤل رئيسى مفاده: هل سيتغير الدور الأمريكي في منطقة الخليج بشكل جذري تماشيا مع التغيرات الحادثة في قطاع النفط الأمريكي؟، مسلطة الضوء على رد فعل الإدارة الأمريكية تجاه تلك الادعاءات، ومدى التغير فى أدوار القوى العالمية، وتداعيات نمو الإنتاج النفطي الأمريكي.

الاستقلال النفطي والالتزامات العسكرية

ذكرت الدراسة أن الساسة الأمريكيين غالبا ما يعتمدون فى خطاباتهم على موضوع استقلال واردات النفط، معتبرين ذلك من شأنه أن يدعم الاقتصاد الأمريكي، ويبعد الولايات المتحدة عن مسئوليتها العسكرية من توترات منطقة الشرق الأوسط، حيث يصبح الأمر لا يتطلب تدخل الولايات المتحدة عسكريا على نطاق واسع، لضمان إنتاج النفط، واستمرار الصادرات إلى الولايات المتحدة وحلفائها، فى حال اندلاع الحروب بين الدول المجاورة كالحرب العراقية- الإيرانية، أو الغزو العراقي للكويت.

وأوضحت الدراسة أن اعتقاد البعض بالربط بين اعتماد واردات الولايات المتحدة النفطية والتزاماتها العسكرية تجاه منطقة الخليج أصبح كأسطورة لصانعي السياسة، وأسواق النفط، وحتى العامة، بأن الولايات المتحدة بمجرد أن تستقل فى اعتمادها النفطي، ستقلل من التزاماتها العسكرية حول العالم.

عن رد فعل الإدارة الأمريكية تجاه تلك المزاعم، وعد وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هاجل، حكام الخليج بأن الوجود العسكري الأمريكي سيظل عند مستوياته الحالية فى المستقبل القريب. وربما تسهم التغيرات الجوهرية فى مصالح الولايات المتحدة السياسية والوجود العسكري الأمريكي فى المنطقة فى إشراك مزيد من القوات الأمريكية فى المنطقة، بما فى ذلك فى حال التوصل إلى اتفاق على المدى الطويل مع طهران، أو ربما الأهم حدوث تغيرات جذرية فى سوق النفط الدولي.

تداعيات نمو الإنتاج النفطي الأمريكي

أوضحت الدراسة أن إنتاج النفط فى الولايات المتحدة بشكل عام، والنمو الهائل فى غاز الصخر الزيتي فى الولايات المتحدة على وجه الخصوص، سيزيد من إنتاج النفط الخام فى الولايات المتحدة بشكل كبير، مما سيترتب عليه تدريجيا التقليل من الوردات النفطية الأمريكية من دول الخليج.كما ذكرت أن نمو الإنتاج النفطي سيؤدى إلى إعادة توجيه تجارة النفط العالمية، حيث سيجعل بعض الدول – دون الولايات المتحدة- أكثر اعتمادا على صادرات النفط الخام من منطقة غير مستقرة متضمنة دول الخليج، مما يجعلها تتبع سياسات ومواقف مختلفة تجاه المنطقة.

ومن المحتمل أن تؤثر هذه التغيرات فى كل من تدفقات التجارة العالمية، والالتزامات السياسية والعسكرية الأمريكية على استقرار منطقة الخليج العربي، وعلاقات القوى الكبرى بطريقة تجعل المحللين وصناع السياسات يعيدون التفكير فى العلاقة بين الطاقة وقرارات السياسة الخارجية، كما هو الأمر أخيرا فى ظل التغيرات فى أولويات الدفاع الأمريكية، واستمرار القيود السياسية والاقتصادية الداخلية.

هل ستتغير أدوار القوى العالمية؟

أوضحت الدراسة أن زيادة إنتاج النفط الأمريكي، وقلة الواردات الأمريكية النفطية من الخليج العربي، لا يعنيان فقدان الولايات المتحدة لمصالحها فى المنطقة بأسرها، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لا تشارك فى أمن المنطقة بسبب النفط فحسب.وفى هذا الصدد، أضافت الدراسة أن الولايات المتحدة لا تزال ترى نفسها أنها الأمة التي لا غنى عنها فى ظل تطويرها لعدد من الاستراتيجيات القومية والدفاعية والعسكرية التى تؤكد مصالح الولايات المتحدة واسعة النطاق فى النظام الاقتصادي والتجاري العالمي.

وأكدت الدراسة رغبة واشنطن فى أن تستمر كحليف موثوق فيه، وقائد يُعتمد عليه فى بناء التحالفات لحماية المنافع العالمية، وذلك على الرغم من أن كثيرا من الدول الأخرى لا تستطيع استمرار تحمل الالتزامات الدولية بالمستوى نفسه فى أوقات تحول المصالح. كما ذكرت الدراسة أن التحولات فى التدفقات النفطية تعد عاملا مهما لإعادة النظر فى دور الولايات المتحدة العالمي، واستعدادها لتأمين طرق تجارة النفط، مما يجعل هناك ضرورة حتمية لتبنى الولايات المتحدة استراتيجية مستقبلية تهدف إلى حماية التدفقات النفطية لبعض الحلفاء مثل: اليابان، وكوريا الجنوبية، وبعض الشركاء مثل: الهند، وفيتنام، وبعض منافسيها الجيوسياسيين كالصين.

وأشارت إلى أن زيادة إمدادات النفط فى أمريكا، وإعادة توجيه تجارة النفط، وتغيير الموقف العسكري الأمريكي فى الشرق الأوسط، واحتمالية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وتزايد التوترات الداخلية فى منطقة الخليج العربي، كل ذلك سيسهم بشكل كبير فى نشأة منظور جديد عن النفط العالمي، ودور الولايات المتحدة فى المنطقة، وربما يكون ذلك إرهاصات لتراجع الوجود العسكري الأمريكي فى الخليج العربي.

نظرة استشرافية على تجارة النفط العالمية

أشارت الدراسة إلى أن نمو إنتاج الولايات المتحدة من النفط، وتقليل وارداتها، وتأثير تدفقات النفط الخام العالمي أدى إلى تحولات فى أسواق النفط العالمية. ولفهم تأثير هذه التطورات فى السياسة الخارجية الأمريكية والقرارات العسكرية، ينبغي النظر إلى التأثير فى التجارة العالمية للنفط الخام، والتي تؤكد دور الولايات المتحدة كضامن لخطوط الاتصال البحرية.

وتوقعت الدراسة انخفاض واردات الولايات المتحدة من الخليج العربي إلى 800 ألف برميل/يوميا بحلول عام 2025، وأنه بحلول عام 2020 سيغطى الإنتاج النفطي للولايات المتحدة 65% من احتياجاتها، طبقا لتقارير أصدرتها وكالة معلومات الطاقة الأمريكية.

وأوضحت أن تقليل واردات النفط الأمريكية من البلدان النفطية أدى إلى اتجاه تلك الدول إلى التصدير إلى آسيا. فمن المتوقع أن يرتفع صافى واردات النفط الخام الآسيوي إلى 21 مليون برميل/يوميا بحلول 2025، وبذلك ستصبح آسيا الواجهة الوحيدة لصادرات %90 من نفط الخليج مقارنة بـ 75% عام 2012. فمن المتوقع أن تستورد الصين وحدها 8 ملايين برميل نفط يوميا. وبذلك، ستصبح آسيا أكثر اعتمادا على واردات النفط الخام من الخليج العربي، بدلا من أمريكا الشمالية أو أوروبا.

ورجحت الدراسة أن تُسرع الصين من جهودها للتقليل من الواردات النفطية بتطوير الغاز الصخري، وتخفيض الاستهلاك، وتطوير مصادر للطاقة المتجددة، مما قد يدفع الصين لأخذ دور عسكري نشط لتأمين تدفقات الطاقة من خلال زيادة قواتها البحرية فى الخليج العربي والمحيط الهندي بصورة كبيرة.
كذلك، توقعت الدراسة أن تؤدى تلك التطورات إلى تحديات جدية، بحسبان الصين منافسا استراتيجيا للولايات المتحدة. فعلى أقل تقدير، قد يؤدى ذلك إلى مواجهات خطيرة بين القوات البحرية الصينية ونظيرتها الأمريكية، مثلما حدث فى بحر الصين الجنوبي. وعلى نطاق أوسع، ربما تزداد حدة التنافس التنافس بين القوى الكبرى على المحيط الهندي، على نحو لم نشهده منذ المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فى ثمانينيات القرن المنصرم.

كما حذرت الدراسة من التقارب الروسي- الصيني، فى ظل تحول الاهتمام الروسي إلى الصين، بعد عقود من بيعها النفط الخام إلى أوروبا، فقد أنشأت خطوط أنابيب نقل النفط الخام إلى الصين، فضلا عن وجود مشاريع مشتركة بين الصين وروسيا أخيرا، وخصوصا مع شركة روسنفت المملوكة للدولة الروسية، وذلك فى ظل استمرار التنافس بين روسيا والولايات المتحدة فى منطقة الخليج، نظرا للعلاقات الروسية مع سوريا وإيران.

وإجمالا للقول، أكدت الدراسة أنه بالرغم من التحولات فى التدفقات النفطية، فإن الولايات المتحدة ستظل فى المنطقة بسبب المصالح غير النفطية، مشيرة إلى أنها لا تزال ملتزمة بالحفاظ على أمن الخليج، كما أنها لديها التزاما أقوى يتمثل فى تأمين إسرائيل.وبشكل عام، توقعت الدراسة أن العقد القادم سيكون صعبا على الدول المنتجة للنفط، فمن الصعب التنبؤ بمن سيربح، ومن سيخسر. فربما يكون للسعودية مكانة أفضل من العراق وإيران، كما أن المكسيك ربما تكون أفضل وضعا من البرازيل، بينما تبدو روسيا فى مكانة جيدة فى إنتاج النفط والغاز، بينما ستعانى القارة الإفريقية بشكل كبير.

وأخيرا، اقترحت الدراسة أنه فى حالة تخفيض الوجود الأمريكي لأي أسباب، فإنه على الدول الإقليمية اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين المنطقة. وفى حالة دول الخليج العربي، فإن أمامها مجموعة من الخيارات، كزيادة التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي، أو تأمين كل دولة لحدودها بذاتها، محذرة من سعي تلك الدول للحصول على الصواريخ الباليستية، وأسلحة الدمار الشامل للحفاظ على أمنها، لأن ذلك سيزيد من التوترات وعدم الاستقرار فى المنطقة.


رابط دائم: