رؤية أمريكية:|استراتيجية واشنطن تجاه مصر تحت حكم السيسي
16-6-2014

ميشيل دن
* باحثة أمريكية

عرض: مروة عبد العزيز، باحثة دكتوراه علوم سياسية

شهدت العلاقات الأمريكية– المصرية توترا عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير2011، وقد زاد هذا التوتر عقب تأييد المؤسسة العسكرية للمظاهرات المليونية في الثلاثين من يونيو، والتي أسقطت حكم الإخوان المسلمين، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة هيكلة العلاقات الأمريكية– المصرية تحت ضغط من الكونجرس والإعلام الأمريكي الذي وصف ما حدث بأنه "انقلاب".

وعقب فوز الرئيس "عبد الفتاح السيسي" بالانتخابات المصرية التي أجريت أواخر الشهر الماضي، بدأت الأوساط البحثية الأمريكية بحث مستقبل العلاقات المصرية– الأمريكية. ومن تلك المحاولات التي تستشرف مستقبل العلاقات، كتبت ميشيل دن، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجى للسلام، ورقة بحثية، بعنوان" استراتيجية الولايات المتحدة تجاه مصر تحت حكم السيسي".

خيارات صعبة:

تبدأ دن ورقتها بأن الولايات المتحدة تواجه خيارات وبدائل صعبة فيما يتعلق بالتعامل مع الوضع في مصر، عقب فوز "السيسي" بمنصب رئيس الجمهورية في مصر ليصبح رابع رئيس لمصر في غضون ثلاث سنوات من ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. فترى الباحثة أن مصر – الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة– تعثرت في التوجه نحو التحول الديمقراطي، وتراجعت إلى "الحكم السلطوي"، ولكنها ترى أن "السيطرة العسكرية" – من وجهة نظرها - مجددا على السلطة في مصر لن تحقق الاستقرار، خاصة مع وجود مشكلات اقتصادية كبيرة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، والاستقطاب الاجتماعي، مع زيادة مطردة في عدد السكان.

وتقول دن إن الأوضاع الاقتصادية والأمنية تدهورت منذ عزل الرئيس مرسي المنتمي لجماعة الإخوان في يوليو 2013، مع تنامي الصراعات السياسية، والاستياء العام من هذا الوضع.  وبالرغم من أن مصر تعج بالمشكلات والأزمات، ستظل بالنسبة للولايات المتحدة لاعبا محوريا في منطقة الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا، فلا تزال الدولة الأكثر شعبوية في المنطقة العربية، بالإضافة إلى جوارها مع إسرائيل، وتحكمها في الملاحة بقناة السويس.

وقد عرضت دن في ورقتها تطورات المشهد المصري منذ الخامس والعشرين من يناير إلى فوز "السيسي" بمنصب الرئاسة، قائلة إنه منذ الإطاحة بمبارك، وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لم توجد أية جهود فعلية وجادة لبناء التوافق بين القوى السياسية المختلفة بشأن بناء المستقبل السياسي للبلاد. وبعد فوز جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية، ثم الرئاسية، ادعت تلك الجماعة أن لديها تفويضا شعبيا، وحاولت فرض رؤيتها الخاصة بمستقبل المجتمع المصري.

ومع تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد تجاوزات حكم مرسي وجماعة الاخوان، دعمت المؤسسة العسكرية خروج المتظاهرين ضد مرسي، وأعلنت عن خريطة طريق جديدة بعد 30 يونيو، حيث تم شن حملات أمنية ضد جماعة الإخوان وأنصارها.  وتقول "دن" إن السيسي كان واضحا في موقفه ضد الإخوان، عندما قال إنه لا نية في السماح لعودة جماعة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية المصرية مرة أخرى.

تحديات أمام السيسي:

تحلل دن طبيعة الفترة الرئاسية للسيسي، فتقول إنه سيتحمل أعباء ومهام شاقة ، فهو لا يستطيع تجنب مواجهة مشكلات صعبة، مثل دعم الوقود، وما نتج عنه من أزمة في الطاقة، والعجز المزمن في الميزانية، فضلا عن البطالة المنتشرة بين قطاع عريض من الشباب. وتشير الباحثة إلى أن بعض هذه القضايا سوف يتطلب إجراء إصلاحات موجعة وقاسية.

من جهة أخرى، سيعمل السيسي على جذب المستثمرين والسائحين إلى مصر، وسط تنامي هجمات الإرهابيين في سيناء. وتؤكد الكاتبة أن الفرصة الوحيدة لنجاح السيسي في رئاسته هو إظهار قدرته على تقليص الهجمات الإرهابية، وإرساء سياسات اقتصادية مستنيرة، مع إعطاء مساحة لتعدد الآراء السياسية، وفتح الفضاء أمام الأحزاب، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام للعمل بحرية.

وتخلص الكاتبة في ورقتها هذه إلى حقيقة، مفادها أن الحكومات المصرية منذ ثورة يناير2011 – وحتى في عهد مبارك- كانت تتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، ما دام أن ذلك سيصب في المصلحة العليا للبلاد، ويحافظ على الأمن القومي، لكنها كانت تقاوم بشكل دءوب أي تدخل للولايات المتحدة في الشأن الداخلي، خاصة فيما يتعلق بالقضايا السياسية، وحقوق الإنسان.

ورحجت ميشيل دن أن هذا النهج سيستمر في فترة حكم السيسي، فهو عبر عن رغبته في استمرار التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب من ناحية، ولكن من ناحية أخرى سيرفض أي تدخل أمريكي فيما يتعلق بالمسار الديمقراطي لمصر.

وعليه، فإن الولايات المتحدة لا بد من أن تعمل على تصحيح مسار علاقتها مع مصر، وتجعل العلاقات مع نظام السيسي في أضيق الحدود فيما يتعلق بالقضايا الأمنية فقط، وذلك لأن الولايات المتحدة لا ينبغي عليها أن تتورط في اللعبة ذات الحاصل الصفري Zero –Sum Game بين الحكومة ومؤيدي الأخوان، بحسب وجهة نظر الكاتبة.

توصيات الباحثة للإدارة الأمريكية

ونتيجة لذلك، اقترحت ميشيل دن مجموعة من التوصيات للإدارة الأمريكية للتحول من منهج العلاقات الرسمية غير المحدودة مع الدولة إلى منهج العلاقات الرسمية المحدودة، والانفتاح أكثر على الشعب المصري، ودعم قدراته. ومن أبرز هذه التوصيات:

-الحفاظ على التعاون الأمني المشترك مع الحكومة المصرية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب فقط.

- إظهار الدعم والتأييد لتطلعات الشعب المصري لتحقيق الازدهار والحرية والعدالة، والعمل على تقييم التقدم المحرز في هذا المجال في ظل حكومة السيسي للوقوف على مدى تحقيق خريطة المستقبل لتطلعات الشعب المصري .

- تصميم وبناء برامج رفيعة المستوى لتقديم التدريب والمنح التعليمية للمؤهلات العليا من المواطنين المصريين، مع استمرار التدخل المحدود مع الحكومة.

-دعم الدعوة لإعادة فتح الفضاء السياسي أمام منظمات المجتمع المدني للعمل على تشكيل وعي المواطنين، وبناء التوافق حول مستقبل البلاد، وتعزيز المساعدات لهذه المنظمات المحاصرة من قبل الحكومة.

- وضع استراتيجية سياسية مشتركة مع أوروبا للعمل على إقناع حلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج وإسرائيل بضرورة دعم التنمية البشرية والاقتصادية في مصر كمفاتيح للاستقرار الدائم بدلا من الهيمنة العسكرية.

وفي النهاية، ترى الباحثة ضرورة إحداث تغيير وتحول في الاستراتيجية الأمريكية تجاه مصر من الحليف الموثوق به ثقة لا حدود لها، إلى التعامل في الحدود الضيقة مع النظام، بما يضمن الحفاظ على استقرار المنطقة الذى يعد أمرا مهما للغاية في هذه المرحلة، لأن الولايات المتحدة من وجهة نظرها لن تنفق أموالا أخرى للتعاون مع حكومات ومؤسسات تريد ترسيخ "السلطوية" على حد وجهة نظرها.

يظل أن الورقة تطرح رؤية أمريكية للمشهد المصري، إلا أنها أغفلت مجموعة من المتغيرات الأساسية، منها أن الحراك الشعبي ضد جماعة الإخوان جاء كرد فعل لما اقترفته الجماعة من أخطاء إبان حكمها عبر محاولات التمكين في أجهزة الدولة، وإقصاء القوى السياسية، وتعميق الاستقطاب بطابعه الديني، وهو ما تجلى رفضه في ثورة الـ30 من يونيو. الأمر الآخر أن ثمة ارتباطا شعبيا في مصر بمؤسسة الجيش، على أساس أنها العمود الفقري للدولة المصرية. أمر ثالث يتعلق بأن الرئيس السيسي، الذي تم انتخابه الشهر الماضي، أشار- في خطاب له بعد تنصيبه رئيسا لمصر- إلى أن المجال السياسي مفتوح، باسثتناء من تلطخت أيديهم بالدم والعنف.


رابط دائم: