دلالات سياسية:| "ندوة" قراءة تحليلية في نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر
8-6-2014

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
بمجرد انتهاء الاستحقاق الثاني من خريطة الطريق، وهو الانتخابات الرئاسية، سارعت القوى السياسية لتحليل نتائج العملية الانتخابية، وما انطوت عليه العملية التصويتية من دلالات، بالإضافة إلى تقييم دور اللجنة العامة للانتخابات الرئاسية في إدارة العملية الانتخابية، ومحاولة تشخيص التحديات والقضايا الملحة التي تنتظر الرئيس الجديد. 
 
في هذا الإطار، أقام المركز العربي للبحوث والدراسات ندوة بعنوان "قراءة تحليلية في نتائج ودلالات الانتخابات الرئاسية" برئاسة السيد يس، مدير المركز، وبمشاركة عدد من الخبراء والمتخصصين في مجالات السياسة، والاقتصاد، والإعلام، والقانون.  
 
 تشخيص المشهد السياسي في مصر:
 
افتتح السيد يس، مدير المركز، الندوة بكلمة أكد فيها أن ما تشهده مصر حالياً هو بمنزلة حرب إلكترونية تسبب فيها بشكل مباشر الانفتاح الكبير في عالم الاتصال عبر شبكة الإنترنت، وأن ما ينتج عن هذا الانفتاح يصب في النهاية فى مصلحة دولة إسرائيل، مؤكداً أن تلك الحرب تستهدف – في المقام الأول - الأمن القومي المصري.   
 
وأضاف السيد يس أن التحدي الأكبر في خريطة الطريق هو الانتخابات الرئاسية، وعلى الرئيس القادم أن يضع خطة للوصول بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة في ظل تلك التحديات المحيطة.   
 
التحديات التي تواجه الرئيس القادم:
 
أولاً- تحديات الأمن القومي المصري:
 
فيما يتعلق بالمخاطر والتحديات التي تحيط بالأمن القومي المصري، وكيفية تعامل الرئيس القادم معها، أشادت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، بتركيز برنامج المرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي على تحديات خريطة علاقات مصر الدولية، سواء في محيطها العربي والإقليمي، أو على المستوى الدولي من حيث علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والتعامل مع الأزمة الإثيوبية، على ألا يمس الحل أمن مصر القومي والمائي.   
 
وأوضحت الشيخ تصدر علاقة مصر مع دول الخليج أولوية السياسة الخارجية المصرية في برنامج السيسي، وحسبانها شريكاً أساسياً في مواجهة التحديات التي تقف في وجه مصر الفترة القادمة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب.  أما بخصوص علاقة مصر بإسرائيل، فقد أكد السيسي في برنامجه حترام معاهدة السلام مع الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية، في الوقت الذي  لم يشر فيه المرشح المنافس حمدين صباحي إلي هذه القضية في برنامجه – حسب تعبيرها - مما جعل السيسي أكثر واقعية.  
 
وأضافت أن السيسي أعطى اهتماماً كبيراً في برنامجه لقضايا الأمن القومي وأبعاده الاستراتيجية، خاصة قضايا الإرهاب، نظراً لما تخوضه مصر حالياً من حرب شرسة ضد الإرهاب، كما ركز أيضاً على قضايا الأمن المائي بحسبانه قضية "حياة أو موت"، وتهديدات الحدود.  وأكدت الشيخ أن مصر محاطة بحلقة من التهديدات في شكل نصف دائرة، خاصة في ظل عدم استقرار الوضع في ليبيا، وسوريا، والسودان.  
 
وأشادت الشيخ بالبعد التنموي في برنامج السيسي وما ينطوي عليه من تنمية شاملة في سيناء، ونشر الوعي الفكري والاهتمام بالتعليم، وتصحيح الخطاب الديني، مؤكدة أن السيسي هو أول مرشح رئاسي يتحدث عن أهمية الخطاب الديني في برنامجه، مما يدل على وعيه بالأبعاد الثقافية والتنموية لمكافحة الإرهاب.  
 
وفي ختام كلمتها، قالت د. نورهان الشيخ إن رؤية برنامج المشير السيسي كاملة، فيما عدا بعض التساؤلات التي تثار بشأن كيفية توظيف السياسة الخارجية المصرية في زيادة الاستثمارات وتقوية الجانب الاقتصادي، بحسبانه عاملاً أساسياً في تدعيم قوة الدولة المصرية. 
 
ثانياً-التحديات السياسية والاقتصادية:
 
وفيما يتعلق بالتحديات الاقتصادية التي تواجه الرئيس القادم، أكد الدكتور إبراهيم نوار، الخبير الاقتصادي، أن التحدي الأساسي بجانب تحقيق الأمن هو دعم وتنمية الاقتصاد، بحسبانه القضية الأولى أمام الرئيس الجديد.  وأوضح أن غياب الأمن أسفر عن عدد من المشكلات التي أثرت بدورها فى الحالة الاقتصادية، ومن أهم هذه المشكلات:
 
- الغياب المخيف والمستمر للسياحة، مشيرًا إلى أن السياحة مرتبطة بالسياسة الخارجية، لأنه عندما تصدر دولة ما بيانًا بحظر السفر لدولة أخرى، فإن غياب السائح هنا مرتبط بالسياسة الخارجية. 
 
- تهريب السلع إلى السوق المصري بسبب المنافذ غير الشرعية، مثل الملابس الجاهزة والأحذية، وهو ما أثر بشكل كبير فى الصناعات المصرية. 
 
- إن غياب الأمن كان سبباً في البناء على الأراضي الزراعية، مما يعد تعدياً على ملكية الدولة. 
 
من هنا، أكد نوار أن التحدي الأهم أمام الرئيس الجديد هو وقف النزيف الاقتصادي المستمر من 3 سنوات، والذي ينبغي أن تبدأ معالجته أولاً بإعادة تشغيل 5 آلاف مصنع متوقف، مشيراً إلى أن معدلات الفقر خلال السنوات الأخيرة زادت من 16% : 26% ، مما يمثل تهديداً يضر بمستقبل الدولة المصرية.  وطالب بوضع خطط لحل المشكلات التي تحتاج إلى حلول عاجلة، وأخرى لتلك التي تتطلب حلولاً على المدى البعيد، منتقدًا سياسة الحكومة الحالية لاستخدامها سياسة انكماشية في قلة الاستثمار، مما لم يمكنها من الوصول إلى معدل نمو يعادل نصف المعدل المستهدف.  
 
دلالات التصويت في انتخابات الرئاسة:
 
رأى الدكتور يسري العزباوى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن اتجاهات التصويت في الانتخابات الرئاسية تنطوي على دلالات بأن الشباب المصري خذل المرشح الرئاسى حمدين صباحي، خاصة بعد ادعاء البعض بأنه مرشح الشباب، كما أظهرت النتائج النهائية للمؤشرات الأولية للانتخابات الرئاسية ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة على الأصوات المؤيدة لحمدين صباحي.  وفي المقابل، نجد أن المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي قد نجح في مخاطبة العنصر النسائي بالشارع المصري، وظهر ذلك جلياً في ارتفاع نسبة مشاركة السيدات في الانتخابات الرئاسية لتتفوق بذلك على باقي الشرائح التي تمتلك حق التصويت.  
 
وأضاف العزباوي أن وسائل الإعلام وقعت في خطأ تقييم نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، حين ربطت حجم المشاركة في الانتخابات بحجم المشاركة في ثورة 30 يوينو، موضحاً  أن المشاركة الانتخابية هي معيار ضئيل من معايير المشاركة السياسية.  كما أكد أن نسبة التصويت الحالية مناسبة جداً بالنسبة لعمليات التصويت الماضية، وتماثل المعدل نفسه بعد ثورة 25 يناير. 
 
تقييم أداء اللجنة العامة للانتخابات الرئاسية:
 
وفي كلمته عن تقييم أداء اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، أشاد المستشار عبد الغفار سليمان، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، بالتزام اللجنة بنصوص القانون في إدارة العملية الانتخابية الرئاسية، ووضعها لبرنامج عمل منظم، والالتزام به، بالإضافة إلى إنشاء موقع إلكتروني لها، والتواصل المستمر مع وسائل الإعلام. 
 
وفيما يتعلق بالتجاوزات، أشار سليمان إلى أن كلا من المرشحين قد وقع في مخالفات، بدءًا من المرشح حمدين صباحي الذي بدأ حملته الدعائية قبل الفترة المسموح بها، كما وقعت حملة المشير السيسي في خطأ توزيع اللمبات الموفرة، وهو ما نفته حملته بشكل رسمي، لافتاً إلى أن الإعلام لم يقم بدوره في توعية المواطنين، بينما ركز جهوده على حشد الناس بكلمة "انزل" دون شرح الغرض من النزول، وآليات المشاركة السياسية. 
 
وأبدى سليمان أسفه لما وصفه بالخطأ الفادح الذي وقعت فيه اللجنة العليا للانتخابات، وهو مد فترة الانتخاب ليوم ثالث بالمخالفة للقانون الذي ينص علي نشر قرارات اللجنة في الجريدة الرسمية للدولة وليس علي الراديو والتليفزيون، كما فعلت اللجنة، وأيضاً بالمخالفة للمعايير الدولية التي تنص علي وجوب الاستقرار على قواعد العملية الانتخابية قبل إجراء الانتخابات بمدة طويلة، ولكنه أشار إلى أن كل تلك السلبيات لم تكن مؤثرة في نتيجة الانتخابات. 
 
تقييم التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية:
 
وفي بداية كلمته، طرح الدكتور شريف اللبان، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، تساؤلاً مهما، هو: هل كنا في حاجة إلى الانتخابات الرئاسية، على الرغم من تفويض الشعب المصري للمشير وثقتهم الشديدة به؟، وكانت إجابته أننا لم نكن نحتاج إليها داخلياً، معتبراً إياها لم تعد كونها تفويضاً جديداً للسيسي ليكون رئيساً للشعب في المستقبل، ولكنها مهمة على المستوى الخارجي لتدعيم صورة مصر التي تأذت بعد ثورة 30 يونيو، ولتأكيد قدرتها على إقامة انتخابات نزيهة. 
 
ووصف اللبان العملية الانتخابية بالجادة، حيث مورست فيها مختلف آليات الانتخابات القديمة والحديثة أثناء فترة الدعاية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وفكرة المناظرات الافتراضية،  والـ video conference  واستحداث أساليب مثل استخدام الطائرات للترويج للمرشح الرئاسي. 
 
وأشاد اللبان بأداء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، واصفاً إياه بأنه قدم الطريقة المثلى في الحياد أثناء فترة الانتخابات الرئاسية، على عكس الفضائيات الخاصة التي لم تخف تحيزها بشكل كبير لمرشح دون آخر، معتبرة نفسها شريكاً في الثورة، وترى في السيسي الشخص القادر على تنفيذ خريطة الطريق التي أفرزتها الثورة من وجهة نظرها.  وأكد اللبان ضرورة محاسبة تلك الفضائيات على تجاوزها للمعايير المهنية في الممارسة الإعلامية. 
 
وقال إنه على الرغم من إشادة المنظمات الدولية المتابعة للانتخابات بنزاهة العملية الانتخابية، فإن أداء الفضائيات الخاصة انتقص من زخم العملية الانتخابية، وتسبب في التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، مناشداً الرئيس القادم أن يكون تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي أول اهتماماته . 
 
مستقبل عملية التحول الديمقراطي:
 
اختتم الندوة الدكتور نبيل عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بالحديث عن مستقبل العملية الديمقراطية، محذراً الرئيس القادم من أن الإخفاق في تحقيق خطوات سريعة من أجل الموازنة بين الأمن العام والعدالة الاجتماعية - خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى لحكمه- سيضعه أمام اعتصامات وإضرابات قد تؤدي إلى كسر هيبة الرئيس، مطالباً بوجوب إنتاج خطاب سياسي جاد لكسب فئة الشباب، وإيجاد حوار حقيقي وليس مصطنعا، خاصة في ظل تزايد اللامبالاة السياسية. 

رابط دائم: