رؤى متقاربة:|السياسة الخارجية في برامج المرشحين لانتخابات رئاسة مصر
18-5-2014

محمد بسيوني عبد الحليم
* باحث في العلوم السياسية‮.‬

11 مايو 2014

تشكل مؤسسة الرئاسة ركيزة أساسية في صنع السياسة الخارجية المصرية. فعلى مدى العقود الماضية، كان نموذج القائد النخبة أو نموذج القائد المسيطر هو الأصلح للاقتراب من عملية صنع السياسة الخارجية المصرية، بحيث بات الرئيس هو الفاعل الجوهري في صوغ رؤى وتوجهات السياسة الخارجية. صحيح أن الدولة المصرية مرت بالعديد من التحولات خلال السنوات الماضية (لاسيما بعد ثورة يناير 2011)، وثمة تحليلات ذهبت إلى القول إن دور مؤسسة الرئاسة في صنع السياسة الخارجية سوف يتراجع لمصلحة فاعلين جدد، بيد أن المشهد السياسي الراهن يرجح استمرارية نموذج "القائد (الرئيس) المسيطر" في مجال السياسة الخارجية.

وعطفاً علي ما سبق، فإن استقراء المواقف الخارجية لمرشحي الانتخابات الرئاسية 2014 المشير عبد الفتاح السيسي، والسيد حمدين صباحي يعبر عن ضرورة ملحة.

فمن ناحية، يتوقع أن تضطلع مؤسسة الرئاسة بمسئولية ملف السياسة الخارجية بصورة شبه منفردة، فضلا عما يرتبط بذلك من مدى قدرة الرئيس القادم على التأسيس لنموذج مغاير في السياسة الخارجية المصرية. ومن ناحية أخرى، تنطوى معالجة كلا المرشحين لقضايا السياسة الخارجية على مساحة من التباين بقدر ما تنطوى على مساحات من التقارب، تتضح من خلال الاتفاق حول إعطاء أولويات جديدة في السياسة الخارجية (كملف العلاقات الإفريقية، وبالأخص دول حوض النيل)، والبحث عن صيغة جديدة للعلاقة مع الولايات المتحدة، وإنهاء حالة التبعية التى ظلت مهيمنة على العلاقة لسنوات. وهكذا، فإن تحليل قضايا السياسة الخارجية في برامج المرشحين يستدعي التعاطي مع أربع قضايا رئيسية.

-    القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل

يكشف تعامل المشير عبد الفتاح السيسي والسيد حمدين صباحي مع هذه القضية (وذلك من خلال تحليل تصريحاتهما، أو الملامح الأولية لبرنامجيهما الانتخابيين) عن درجة كبيرة من تقارب الرؤى. فكلا المرشحين لديه درجة ملحوظة من الانحياز للقضية الفلسطينية، والحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، إذ إن المشير السيسي طالب تل أبيب بتقديم تنازلات للطرف الفلسطيني يمكن أن تؤسس لسلام دائم وعادل، كما ربط بين زيارته لإسرائيل وقيام دولة فلسطينية، عاصمتها القدس، فيما لم يراوح السيد حمدين صباحي موقفه التقليدي من الطرف الإسرائيلي، والوقوف بجانب حقوق الفلسطينيين.

وهنا، شكلت العلاقة مع حركة حماس إحدى القضايا المطروحة على كلا المرشحين، حيث تعاني العلاقة بين الدولة المصرية والحركة- خلال الفترة الراهنة-تأزما واضحا. فالدولة تعتقد أن حركة حماس تتدخل في الشأن الداخلي المصري، علاوة على إصدار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في الرابع من شهر مارس الماضي قرارا يقضي بحظر حركة حماس داخل مصر.

ومن هذا المنطلق، بدا أن ثمة تماهي بين مواقف المرشحين للرئاسة والموقف الرسمي الراهن من حركة حماس، وهو ما يشير إلى أن تطوير العلاقة بين الرئيس القادم والحركة مرتهن بمواقف الحركة من المشهد السياسي داخل مصر، وماهية علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين.

وتستدعي العلاقات مع إسرائيل الموقف من معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية كقضية حاكمة للعلاقات الثنائية بين الدولتين. وفي هذا السياق، ينطوى تعاطي المرشحين على مستويين تحليليين، يرتبط المستوى الأول بمقاربة رجل الدولة الذي يتعامل بدرجة من الرشادة مع ملفات السياسة الخارجية. ومن ثم، أعلن المشير السيسي والسيد حمدين صباحي عن التزامهما بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة بما فيها معاهدة السلام، فيما ينصرف المستوى الآخر إلى التباينات الأيديولوجية بين المرشحين، والتي أوجدت مساحة من التباين بينهما.

فقد كشف السيد حمدين صباحي عن معارضته لمعاهدة السلام منذ توقيعها (وهو تعبير عن خلفيته الناصرية القومية). وبالرغم من التزامه بالمعاهدة- في حال توليه منصب الرئاسة- فإن هذا لن يحول دون سعيه لتعديل هذه المعاهدة، كما أن التزامه بهذه المعاهدة لن يكون بمنزلة تطبيع للعلاقة مع إسرائيل.

-    سد النهضة والبعد الإفريقي

يشير تحليل موقف المرشحين من ملف سد النهضة والعلاقات مع الدول الإفريقية إلى ثلاث دلالات رئيسية، الدلالة الأولى أن فكرة المصلحة يتعين أن تكون المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية المصرية تجاه الدول الإفريقية، وضرورة تجاوز حالة التجاهل التي ظلت إحدى سمات السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الماضية تجاه تلك الدول. فالمشير السيسي ينطلق في هذه الرؤية من خلفية رجل الدولة المستند إلى خبرة مؤسساتية، بينما تبدو سمات التجربة الأيديولوجية أكثر وضوحاً في مقاربة السيد حمدين صباحي، والذى يستدعي رؤية ناصرية لدوائر السياسة الخارجية المصرية، والتى تحتل فيها الدائرة الإفريقية المرتبة الثانية بعد الدائرة العربية.

وتتصل الدلالة الثانية بتبني مقاربة الحوار والتفاوض في التعامل مع ملف سد النهضة، إذ إن كلا المرشحين ينطلق من فكرة التفاوض مع إثيوبيا كآلية لتسوية مشكلة سد النهضة، وهو ما يتطلب بلورة موقف تفاوضي يوضح لإثيوبيا المصالح التاريخية لمصر في مياه النيل، وتداعيات سد النهضة على حصة مصر من المياه، فضلاً عن التكريس لإطار تعاوني يحقق الأمن والاستقرار والتنمية المتبادلة. وتعبر الدلالة الثالثة والأخيرة عن البعد المؤسسي في التعامل مع ملف سد النهضة، ويمثل هذا البعد قدرا من التباين بين المرشحين، حيث يتجلى هذا البعد لدى السيد حمدين صباحي.

فمن خلال الملامح الأولية لبرنامجه وتصريحاته المعلنة، يتضح أنه يسعى لتأسيس منظمة إقليمية مع دول حوض النيل لتحقيق المصالح المتبادلة بينها، وتسوية مشكلة سد النهضة، وتشكيل لجنة عليا تابعة لرئاسة الجمهورية لإدارة أزمة السد.

-    العلاقات مع دول الخليج والقوى الإقليمية

يشكل الموقف من ثورة الثلاثين من يونيو 2013 محددا رئيسيا في رؤية مرشحي الرئاسة للسياسة الخارجية المصرية تجاه دول المنطقة، وهنا تتقارب رؤى المرشحين من العلاقات مع دول الخليج. فمن ناحية، يدعم المرشحان العلاقات المتقاربة مع دول الخليج (خاصة السعودية، والإمارات، والكويت) التي دعمت الثلاثين من يونيو، وقدمت المساعدات للدولة المصرية منذ ذلك الحين. ومن ناحية أخرى، يتبني المرشحان موقفاً أكثر جفاء من قطر، وهو أمر وثيق الصلة بطبيعة العلاقة الراهنة بين مصر وقطر، وتزايد حدة الخلافات بين الدولتين.

ويتفاعل المرشحان مع أمن الخليج من منظور الأمن القومي المصري، حيث رأى المشير عبد الفتاح السيسي والسيد حمدين صباحي أن أمن الخليج جزء من الأمن المصري، وإن كان موقف المشير السيسي المعلن أكثر تماهياً مع فكرة أمن الخليج. فقد صرح بأن الجيش المصري على استعداد للدفاع عن أمن الخليج، وهو ما يمكن أن يشير إلى إمكانية التأسيس لتحالف إقليمي بين مصر ودول خليجية، في حال تولي المشير السيسي مقاليد السلطة.

وتمتد هذه الرؤى والمحددات لملف القوى الإقليمية في المنطقة وماهية العلاقات معها، إذ إن تطوير علاقات مع دول مثل تركيا وإيران مرتهن بعدد من العوامل، أهمها حدوث تغير في مواقف الأنظمة الحاكمة بتلك الدول (خاصة تركيا) من الواقع السياسي المصري بعد الثلاثين من يونيو 2013، وتراجع العلاقة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بالإضافة إلي تحييد التهديد الإيراني لدول الخليج، وهو أمر مرتبط بصورة أساسية برؤية المرشحين التي تولي أهمية لأمن الخليج.

-    صيغة جديدة للعلاقات مع واشنطن

حينما اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، كان ثمة تساؤل مطروح حول إمكانية تأسيس الحالة المصرية نموذجاً مغايراً في العلاقة مع واشنطن يتجاوز الأطر التقليدية التى ظلت حاكمة للعلاقة على مدى عقود. ولكن بمرور الوقت، اتضح أن هذا التساؤل أكثر تعقيداً مما يبدو، وسرعان ما انكشف عجز الحكومات المتوالية منذ ذلك الحين عن تطوير رؤية متماسكة تؤسس لشكل جديد للعلاقات المصرية- الأمريكية. ومن ثم، بات هذا الملف من الملفات المؤجلة التي تنتظر من الرئيس القادم التفاعل معها.

وبوجه عام، ينطوى تعامل المرشحين للانتخابات الرئاسية مع ملف العلاقات المصرية- الأمريكية على عدد من الملاحظات، يمكن اختزالها فيما يلي:

أولاً- تتفق رؤية كلا المرشحين على ضرورة إرساء نهج جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة، قائم بالأساس على فكرة تبادل المصالح، وليس مجرد صيغة تبعية، وهو ما يعني إحداث قطيعة مع العقود المنصرمة التي شهدت نمطا من العلاقة غير المتزنة. ولا يمكن إغفال أن هذه الرؤية تعززت لدى كلا المرشحين نتيجة لموقف الولايات المتحدة من إنهاء جماعة الإخوان المسلمين، وتوصيفها المراوغ لما حدث في 30 يونيو، و3 يوليو 2013.

ثانياً- يتبني السيد حمدين صباحي موقفا أكثر حدة من قضية المساعدات الأمريكية، حيث أعلن أنه بمجرد وصوله لسدة الحكم سوف يرفض تلقي أي مساعدات من واشنطن. ولا يمكن إغفال أن الخلفية الأيديولوجية تنعكس في هذا الإطار على موقف المرشح الرئاسي، حيث يعتقد أن المساعدات إحدى سمات التبعية للولايات المتحدة، وبالتالي فإن صياغة إطار جديدة للعلاقات الثنائية يستلزم التنازل عن المساعدات.

ثالثاً- استصحب موقف المرشحين من العلاقات مع واشنطن التوجه نحو التكريس لسياسة خارجية أكثر انفتاحاً على قوى دولية مختلفة، وفي مقدمتها روسيا، حيث يولي المرشحان اهتماما كبيرا بتوطيد العلاقات مع موسكو، على أساس أن هذا الأمر يمكن أن يتماشي مع المقاربة الجديدة للسياسة الخارجية المصرية المستندة للمصلحة. علاوة على ذلك، فإن تنويع علاقات القاهرة الخارجية سيمنحها خيارات متعددة، وأريحية أكبر في التحرك على الساحة الدولية.


رابط دائم: