حسابات موسكو:| " ندوة " مستقبل العلاقات الروسية العربية بعد ثورة 30 يونيو
7-5-2014


*
أخذت العلاقات العربية الروسية مسارا جديدا بعد ثورة الـ 30 من يونيو، بعد أن ظل التقارب المصري الروسي خلال فترة حكم الإخوان منعدماً، وفى هذا السياق عقدت جمعية العاملين بالأمم المتحدة" أفيكس مصر"برئاسة السفيرة ميرفت التلاوى، وزيرة الشئون الاجتماعية سابقاً، ندوة تحت عنوانا لعلاقات الروسية العربية ومستقبل الدور الروسي في ضوء الأزمة الأوكرانية، أدار الندوة السيد محمد حمدى، رئيس اللجنة الثقافية بجمعية العاملين بالأمم المتحدة، بحضور كل من الدكتور علي سليمان، أستاذ الاقتصاد، والسفير رؤوف سعد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وسفير مصر السابق بموسكو، وبروكسل، والاتحاد الأوروبي، والدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة والمتخصصة في الشأن الروسي.
 
الاقتصاد الروسي:   
 
  أكد الدكتور علي سليمان أن الدور الروسي في الاقتصاد العالمي كان أحد أهم العوامل التي تخدم السياسة الخارجية الروسية، موضحا أن روسيا عانت من تدهورا في أوضاعها الاقتصادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
 
 وأضاف السفير رؤوف سعد إلى أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان زلزالاً في العالم ككل فإنه أحدث في الداخل تغيراً أساسياً مما أحدث ارتباكاً في المنظومة القيمية داخل الشعب السوفيتي الذي أحبط
 
تحدث السفير رؤوف عن موقف السياسة الروسية من ثورات الربيع العربي، فلم يكن الموقف الروسي متحمسًا لثورة 25 يناير، واتضح ذلك من خلال العديد من الأسباب، وهى: 
 
1. أن روسيا بتركيبتها الأيدلوجية، والسكانية، والجغرافية والتي تتحفظ على مثل هذه الثورات، وذلك بسبب أن روسيا بها ما لا يقل على 200 قومية، مما يجعل الدولة تتحفظ على مبدأ الخروج إلى الشوارع باعتباره يخالف مفاهيم الأمن والانضباط.
 
2. أن مبدأ تغيير الأنظمة هو أمر يثير الحساسية الشديدة لديهم.
 
3. ما انتاب الروس من القلق الشديد عقب تولى حكم الإخوان المسلمين، حيث أن روسيا بداخلها ما يزيد على 20 مليون مسلم، فضلا عن المتواجدين فى التخوم، والدين في روسيا هو أقرب إلى الهوية منه إلى العقيدة، مما سيرفع من نبرة الاستقلال أو الانفصال.
 
يتعامل الروس ببالغ العنف مع الإسلام المتطرف، وهو ما يفسر جزئيا موقفهم من حركة الشيشان، ثم اعترافهم بجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية.
 
 وأشار المتحدث إلى أن رغم التحفظ الذي تعاملت به السياسة الروسية مع الثورات العربية في المنطقة، ومع الأنظمة التي أعقبت تلك الثورات، إلا أن اللحظة التاريخية الفارقة في مسار السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، هي ما حدث في الثلاثين من يونيو واستتبع بلحظة نادرة من القرار السياسي الصائب والسريع من جانب الرئيس بوتين، الذي اعتبر أن الإنجاز الذي تحقق هو بداية سقوط الإسلام السياسي فكانت الفرصة السياسية والتاريخية النادرة لاستغلالها، واستغلال موقف الشعب المصري المستاء من الدول الغربية في تعاملها مع ثورة يونيو، التي استدعت كل من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والرئيس بوتين، ووزير الدفاع آنذاك المشير عبد الفتاح السيسي، حيث اجمع الشعب على " ماضي يستدعيه، وحاضر يقدره، ومستقبل يتطلع إليه ".
 
وتساءل السفير رؤوف، عن ما حققته ثورة الثلاثين من يونيو للسياسة الروسية، من انجازات والتي تتضح في النقاط التالية، وهى:
 
أولا، بداية انكسار الإسلام السياسي، وإن بدأ هذا الانكسار في مصر فإنه حتماً سيمتد إلى الجوار العربي.  
 
ثانياً، أن المنطقة مقبلة على مرحلة مختلفة وهامة، تتجه فيها إدارة أوباما إلى آسيا والباسفيك، وبالتالي لابد من إعادة تموضع وترتيب في المنطقة.
 
 وأوضح أن الولايات المتحدة في اتجاهها نحو الآسيان، مما يعمل على تخفيف عبء تواجدها في الشرق، وأنها تعمل على استخراج البترول والغاز من الأحجار الصخرية لتصبح المُصدر الأول للبترول والغاز في العالم بحلول العام 2017، ويبقي ما يهمها في المنطقة هو الحفاظ على مصالح وأمن إسرائيل، وكان اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل والذي رعته الدولة المصرية برئاسة الدكتور محمد مرسي بما مثل نوعًا من الاختبار في أن يكون حكم الأخوان مطمئناً لمصالحهم.
 
الاستيراتيجة الروسية في الشرق الأوسط: 
 
أكدت الدكتورة نورهان، أن وصول الرئيس بوتين مثل نقلة نوعية تجاه منطقة الشرق الأوسط بكاملها فكانت أولي زياراته إلى الجزائر في العام 2001، 2005، 2009، إضافة إلى تركيزه على دول الخليج العربي ففي عام 2007 كان هناك زيارتين رسميتين على الرغم من أنها منطقة نفوذ أمريكية واضحة وخالصة، بما يعد مؤشراً على أن السياسة الروسية عادت للمنطقة لكن بأسس جديدة ومصالح اقتصادية متنوعة ومختلفة، حيث أنها القطاع الأول المنتج للطاقة، وثاني أكبر مُصدر للآلات والماكينات، وأكبر منتج ومُصدر للغاز الطبيعي، وتعمل السياسة الروسية دائما من خلال الحفاظ على أمن الطاقة بتأمين حد أدنى لسعر النفط، لأن تراجع أسعار النفط يؤثر على بشكل كبير وملحوظ على الاقتصاد الروسي، وبالتالي فهي تعمل على التنسيق مع كبار منتجي النفط والغاز، ولذلك فإن الاستيراتيجية الروسية تجاه المنطقة سوف تتحرك من خلال:
 
1. التنسيق مع كبار منتجي النفط، من خلال تنسيق روسي- سعودي للإبقاء على أسعار النفط في حدود معينة على الرغم من الخلاف على الملف السوري.
 
2. زيادة الاستثمارات، وهو ما يتضح في الاستثمارات الروسية المتعددة في منطقة الشرق الأوسط عن طريق الشركات الروسية المنتشرة في السعودية، والبحرين، ومصر، بما يشكل جزء من سياسة الطاقة العالمية التي تتبعها روسيا.
 
3. صادرات السلاح، باعتبار أن روسيا هي ثاني أكبر مُصدر للسلاح في العالم، وأن الدول العربية سوق رئيسي، فالجزائر وحدها تمثل15% من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة.
 
4. التعاون التقني، عن طريق تحديث البنية الصناعية.
 
5. الآفاق الجديدة الطاقة النووية، في مصر منذ عام 2008، إلى جانب بروتوكول قديم فى 2001، إضافة إلى مشروع الضبعة أو غيره، مما سيعمل على نقلة تنموية، فضلاً عن توقيع العديد من الاتفاقيات لإنتاج الكهرباء مع الأردن.
 
6. تكنولوجيا الفضاء، على سبيل المثال، القمر الصناعي المصري Egy SAT الذي تم إطلاقه الأسبوع الماضي، وبالتالي في مجال الاستشعار عن بعد، وفى العديد من المجالات العلمية التي تعتمد على الأقمار الصناعية التى تنقل المعلومات.
 
7. السياحة، في مصر فإن السياحة الروسية تشكل حوالي 2.4 مليون سائح كانوا منقذين للوضع السياحي المصري.
 
العقوبات الروسية:
 
ذكرت د. نورهان أن ما أطلق عليها العقوبات على روسيا نتيجة تحركاتها في الأزمة الأوكرانية هي سياسية أكثر منها اقتصادية، فالسياسة الروسية لها العديد من الدوائر الأخرى للتحرك في آسيا، شنغهاي، ومجموعة البر يكس، وغيرها فلا تكترث لما يتخيره الغرب باتجاهها، على سبيل المثال فإن الصين تبحث لها عن أسواق في روسيا باعتبارها سوقًا هامة، وهو ما على الدولة المصرية أن تستغله وتعمل عليه في الوقت الذي مازالت مصر تعتمد على السلع التقليدية من المنسوجات، في حين أنه هناك ميزة نسبية لبعض السلع المصرية يمكن بها أن تدخل إلى الأسواق المصرية.
 
     هنا أكد السفير رؤوف سعد، على إمكانيات التعاون الإستخباراتى والمعلوماتي في مجال مكافحة الإرهاب على مستوى ثنائي مع العديد من دول العالم، فى الوقت الذي اتخذت فيها مكافحة الإرهاب مساراً مختلفاً، وتمثل خطراً رئيسياً على روسيا يستطيع أن يستغل نقاط ضعف رئيسية داخل المجتمع الروسي، وأشار إلى أن التعاون مع مصر زاد بشكل واضح خصوصا على مستوي الأحداث فى سيناء، إضافة إلى التعاون مع كلا من السعودية والأمارات، وتم الاتفاق على التعاون مع مصر من خلال: 
 
1. إمداد مصر بتقنيات في مجال مكافحة الإرهاب.
 
2. استمرار التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي.
 
3. مناورات رفع الكفاءة المصرية لمكافحة الإرهاب، في إطار منظمة الأمن الجماعي، وشنغهاي.
 
واختتم المتحدثون بأن هناك فشل واضح ومتكرر لإدارة أوباما، ربما كان جليا في ملف الثورات العربية، وبالتالي فهي بصدد تراجع على المستويين الإقليمي والدولي، حتى لدى دول الخليج التي باتت ترى المشهد بشكل مختلف، فى نفس فإن الدولة المصرية لا تبحث عن البدائل، وهو ما لا يقبله الروس، ولكن من أجل الشراكة والتعاون، وإقامة العديد من المصالح المشتركة، وعلى سبيل المثال، فإن الجيش المصري استطاع أن يوفق ويجمع بين العقيدتين العسكريتين الروسية والأمريكية على الرغم من اختلافهم، فلا يزيد التسليح الأمريكي داخل الجيش المصري عن 60%، وبالتالي هناك رؤية استشرافية نحو مزيد من التعاون في المستقبل يقوم على العلاقات المشتركة من خلال وضع روسيا الدولي الأكثر ثباتًا وتقدمًا وقوة من عقد مضي ، إضافة إلى أنها شريك جيد ومنصف في القضايا العربية، والقضايا التي تهم مصر، وهو ما على القيادة المصرية القادمة أن تستوعبه، فلا مصالح أخرى على حساب المصلحة الوطنية.

رابط دائم: