مخاوف التغيير:|تحديات ما بعد فوز بوتفليقة بولاية رابعة في الجزائر
18-5-2014

د. أميرة محمد عبد الحليم
* باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

23 إبريل 2014

لم  يكن فوز الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية التي جرت الخميس 17 إبريل 2014 بنسبة 81,49% من الأصوات مفاجئا، خاصة أن تلك النتيجة كانت محسومة سلفا لصالحه. بيد أن المشهد الانتخابي برمته عكس مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعيشها الجزائر، بعد سنوات من عبور العشرية السوداء التي عايشت إرهابها خلال التسعينيات، وتركت بصماتها الواضحة على الدولة والمواطن الجزائري، وعقب نجاح الجزائر في تجنب اضطرابات وتطورات عصفت بالاستقرار في دول في الشمال الإفريقي بعد إطاحة الاحتجاجات الشعبية بالأنظمة الحاكمة بها، منها دولتان (ليبيا وتونس) تشترك معها في الحدود.

فجاء إعلان الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة عن ترشحه في هذه الانتخابات ليعكس جملة من التحديات تواجهها الدولة الجزائرية وتقف حائلاً دون بروز ترتيبات ديمقراطية حقيقية تتناسب مع قوتها الاقتصادية ودورها الإقليمي الذي دعمته تطورات السنوات الأخيرة.

عوامل دعم الرئيس بوتفليقة

فعلى الرغم من حالته الصحية التي راهن الكثيرون على أنها ستمثل عقبة أمام ترشحه لولاية رابعة في الجزائر؛ حيث تعرض الرئيس بوتفليقة خلال العام الماضي لجلطة دماغية، وبروز خلافات قبل الانتخابات الرئاسية بين الدائرة المحيطة بالرئيس بوتفليقة أو ما يطلق عليها "عشيرة بوتفليقة" ورئيس المخابرات محمد مدين، ترجمتها بعض المصادر على أنها محاولة لمنع فوز الرئيس بولاية جديدة للحكم - فإن هذه الخلافات قد أثارت مخاوف من وجود انشقاقات داخل النظام الحاكم تهدد الاستقرار الداخلي، فعززت موقف الرئيس بوتفليقة، وزادت سيطرة مؤسسة الرئاسة على جهاز المخابرات الرئيسي ودعمت التحالف بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية([1]).

وأصر بوتفليقة على خوض المعركة الانتخابية والفوز بولاية جديدة، يدفعه في هذا الاتجاه حزبه "جبهة التحرير الوطني" والمؤسسة العسكرية ونخبة من رجال الأعمال. واعتمد بوتفليقة على ما أحرزه من نجاحات خلال خمسة عشر عامًا قضاها في الحكم، كان في مقدمتها إنجازه المصالحة الوطنية وإنهاء سنوات العنف، وتمكنه من تحقيق الاستقرار بعد أكثر من عشر سنوات عاشها الشعب الجزائري تحت وطأة الجماعات المتشددة وصراعها مع الأجهزة الأمنية، ثم مواجهتها المواطنين الأبرياء. في الوقت الذي لم تمتلك فيه الساحة السياسية بديلاً في ثقله السياسي.

ويستند الاستقرار السياسي "الهش" الذي صنعته سنوات حكم بوتفليقة إلى ثلاث ركائز: الدولة الريعية التي تعتمد على وجود دخل ثابت مستمر من بيع النفط والغاز؛ حيث تمتلك الحكومة أموالاً طائلة من عائدات النفط والغاز؛ ما يعني أنها تستخدمها لإسكات المحتجين إذا اقتضى الأمر، وشراء السلم الاجتماعي، في الوقت الذي تقوم فيه بدور حاسم كفاعل في الأمن الإقليمي، مع وجود خوف على نطاق واسع في المجتمع الجزائري من تكرار أهوال الصراع الداخلي المسلح في التسعينيات، التي ذهب ضحيتها نحو 200 ألف قتيل([2]). يضاف إلى هذه الركائز عدم وجود معارضة حقيقية في الجزائر؛ فالنظام صنع من حوله فراغًا بشراء البعض وإقصاء البعض الآخر.

مقاطعة التيار الإسلامي الانتخابات

وقد أثار وضع بوتفليقة الصحي وقراره الترشح لفترة رئاسية رابعة، جدلاً واسعًا لم تشهده الجزائر من قبل، فأدى إلى انسحاب بعض المرشحين المحتملين، مثل رئيس الحكومة الأسبق أحمد بيتور، وانقسمت الأحزاب السياسية بين المشاركة والمقاطعة، وبين تأييد الرئيس المنتهية ولايته ودعم أحد المرشحين المنافسين له.

ففي الوقت الذي انضمت فيه أحزاب "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، وتجمع "أمل الجزائر" إلى حملة ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؛ ساندت أحزاب مثل "حركة الإصلاح الوطني" منافسه ورئيس حكومته السابق علي بن فليس. أما أحزاب "حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة"، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"؛ فقد دعت إلى مقاطعة الانتخابات، وشككت في نزاهتها.

وكانت مواقف أحزاب التيار الإسلامي التي دعا أغلبها إلى مقاطعة الانتخابات، الأبرز في هذا السياق؛ فعلى الرغم من أن هذه الأحزاب لم تنجح منذ أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها الجزائر عام 1995 في تحقيق الإجماع على مرشح توافقي، وكانت حظوظ مرشحيها في انتخابات 2004 و2009 ضئيلة؛ حيث تعاني هذه الأحزاب من الانقسامات والخلافات الشخصية والأيديولوجية بين أعضائها التي تدور في معظمها حول التعامل مع النظام الحاكم وتأييد أو رفض سياساته - فإنها صعَّدت مواقفها في اتجاه مقاطعة الانتخابات الرئاسية باعتبار أن نتائجها محددة مسبقًا دون أن تتوقف هذه الأحزاب عند تاريخها السياسي وما فقدته من شعبية نتيجة حالة التفكك التي تتسم بها بعضها؛ ما دفع بعض المحللين إلى تصور أن مقاطعتها الانتخابات الرئاسية ما هو إلا ذريعة تتفادى بها حدوث انتكاسة جديدة لها.

الموقف الغربي

حرصت القوى الغربية، خاصةً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على متابعة الجدل والتنافس الذي سبق التصويت في الانتخابات الرئاسية؛ إذ تحتل الجزائر مكانة متميزة في إطار المصالح الأمنية والاقتصادية للغرب في المنطقة العربية وإفريقيا، ومن ثم عملت القوى الغربية على تأكيد استمرار الاتفاقيات والتعاون مع الجزائر إذا وصل أي رئيس يختاره الشعب الجزائري، مع استمرار حالة الاستقرار النسبي الذي تعيشه هذه الدولة؛ فاستقرار النظام يتجاوز المصطلحات التي دأب الغرب -خاصةً الإدارة الأمريكية- على الترويج لها في علاقاتها بالدول العربية والإفريقية، خاصةً ما يتعلق بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وجاءت الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل أيام من الاقتراع، لتعبر عن الدعم الأمريكي للاستقرار في الجزائر (وبصورة ضمنية دعم الرئيس بوتفليقة)؛ فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والمسئولون الأمريكيون يهتمون بتعزيز التعاون الأمني الوثيق بين واشنطن والجزائر؛ لما تملكه هذه الدولة من تجربة في مجال مكافحة الإرهاب، وجيش قوي؛ حيث تأتي الجزائر في المرتبة العشرين بين أكبر ميزانيات الدفاع في العالم.

وعلى الجانب الآخر تمتلك الجزائر وفرة من الطاقة والنفط؛ فلديها رابع أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا، وثاني احتياطيات من الغاز؛ حيث يجري بين الولايات المتحدة والجزائر حوار استراتيجي عقدت الجولة الثانية له أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الجزائر.

ومع التداعيات التي نجمت عن الانتفاضات الشعبية في الشمال الإفريقي، تدعمت الأهمية الإقليمية للجزائر؛ فالاستقرار النسبي الذي تعرفه مقارنةً بحالة الاحتقان والفوضى التي تشهدها مواقع عديدة في المنطقة العربية؛ تأتي في صدارة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية والسياسات الأوروبية أيضًا، خاصةً بعدما أدت هذه الانتفاضات إلى تهديد الأمن الأوروبي، بعد زيادة معدلات الهجرة غير القانونية، والفراغ الأمني في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي وانتشار الجماعات المتطرفة.

كما عززت الأزمة الأوكرانية التي تهدد إمدادات الغاز الروسية، الحرص الأوروبي على متابعة التطورات التي تشهدها الجزائر، والاهتمام بالكيفية التي ستُدير بها الجزائر إنتاج الطاقة الثابت، والجولة الجديدة من الاستكشافات؛ حيث تزود الجزائر أوروبا بخُمس وارداتها من الغاز.

تحديات ما بعد الفوز

على الرغم من الشعبية التي يحظى بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي أهلته للفوز بولاية رابعة للحكم، فإن المرحلة القادمة تحمل العديد من المخاوف والتحديات أمام الشعب الجزائري؛ فالرئيس في الولاية الجديدة ستُسنَد إليه مهمة الحفاظ على وحدة التراب الجزائري ومواجهة الأخطار القادمة من كل حدب وصوب، ووأد الفتن التي تشتعل من حين إلى آخر بين الجماعات المختلفة (كالفتنة المذهبية التي شهدتها مدينة غرادية مؤخرًا في جنوب البلاد)، وكذلك الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين الجزائر والغرب، خاصةً فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقاتها بالشركاء الإقليميين، سواء في إفريقيا أو المنطقة العربية.

فقد نجحت الدولة الجزائرية في تجنب الفوضى والاضطرابات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا، وكذلك بعض دول الساحل الإفريقي، مثل مالي والنيجر، عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي عصفت بالاستقرار في هذه الدول. إلا أن نجاة النظام الجزائري من الموجات الثورية لا يعني أن هذا النظام قوي أو مستقر بالكامل، بل لا يعني إلا أن هذا النظام لم يتعرض لأشكال من التعبئة ميزت تلك الانتفاضات.

فبعض القوى الشبابية والأحزاب ترفض العزلة التي فرضها النظام الجزائري وحالت دون تغيير أركانه. ومن هذه القوى الحركة الجديدة التي يطلق عليها اسم "بركات"، وهي كلمة تعني باللهجة المحلية: "كفى"، إلا أن المشكلة لا تتعلق بفوز بوتفليقة بالانتخابات أو غيره من المرشحين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس، ولكن المشكلة أن الجزائر في عهد بوتفليقة لم تستطع إعداد نفسها للمستقبل؛ فالمعارضة لا تزال ضعيفة، والطبقة الوسطى تستفيد من العطايا التي يمنحها النظام. ومنذ استقلال الجزائر وصل إلى سدة الحكم سبعة رؤساء لم يغادر واحد منهم منصبه عبر صناديق الانتخاب، كما أن الشعب الجزائري لا يزال يخشى من وصول الإسلاميين إلى السلطة؛ فمشاعر الخوف وتحقيق الاستقرار تتجاوز مطالب التغيير والمشكلات الاقتصادية.

وتظل قضية "مرض بوتفليقة" واحتمالات اختفائه من المشهد السياسي (بصورة مفاجأة) تحمل مخاوف للشعب الجزائري؛ فالدائرة المحيطة ببوتفليقة وحزب "جبهة التحرير الوطني" وكذلك المؤسسة العسكرية ووسائل الإعلام الرسمية لم تسمح لأي مرشح للرئاسة من المرشحين الست بعرض برنامجه، حتى المرشح الأقوى علي بن فليس تعرض لهجوم حاد من الرئيس بوتفليقة نفسه، واتُّهم بالتهديد بالعنف والإرهاب؛ فهل ستظل هذه الكيانات -إضافةً إلى نخبة رجال الأعمال- تعمل لترسم المشهد السياسي وتختار الرئيس بعد اختفاء بوتفليقة في أي لحظة؟! أم ستختار المؤسسة العسكرية الرئيس القادم؟! فالبعض يشير إلى احتمالية أن تكون خلال ولايته الرابعة فترة انتقال سياسي تشهد مزيدًا من التجاذب بين مراكز القوى، مع إمكانية استئناف الصراع بين أجنحة النظام. وهذه الأجواء قد تمنح المعارضة فرصة للضغط على السلطة لفرض انتقال ديمقراطي.

هوامش

([1]) Algeria's Presidential elections Standing , in one sense the ageing president want to run again , Mar 1st 2014

([2]) Huber, Daniela, Susi Dennison, and James D. Le Sueur, ALGERIA THREE YEARS AFTER

THE ARAB SPRING , MEDITERRANEAN PAPER SERIES 2014 , (Washington, DC 20009 , The German Marshall Fund of the United States (GMF) , January 2014 ) , p p 3-4


رابط دائم: