مخاطر الانفصال:|هل ستظل ليبيا موحدة بعد تعثرات المرحلة الانتقالية؟
22-4-2014

موسى الغربي
* باحث في مبادرة جنوب غرب لدراسة النزاعات في الشرق الأوسط

20 إبريل 2014

عرض: محمد محمود السيد ، باحث متخصص في الشئون العربية

يتسم المشهد السياسي الليبي– حالياً- بتعقيدات وتناقضات تفاقمت في عقب سقوط القذافي، والذي كان بمنزلة العامل الكاشف لهذه التناقضات، التي تراكمت على مدى أربعة عقود مضت من حكم القذافي، عاني خلالها الشرق الليبي الفقر والإهمال بسبب سياسات التمييز الحكومية.

فقد تصاعدت الدعوات الانفصالية في الأقاليم الليبية، على خلفية ضعف السلطة المركزية الجديدة في طرابلس، وعدم قدرتها على إدارة التوازنات السياسية داخل المجتمع الليبي، حيث تراجعت شرعيتها، وتنامى الشعور بالاستياء تجاهها من جانب المواطنين الليبيين، وهو الأمر الذي بدا جلياً في انتخابات الجمعية التأسيسية الليبية الجديدة، التي شهدت عزوف المواطنين عن الإدلاء بأصواتهم، مما أدى إلى شغور ما يقرب من 20% من مقاعد الجمعية.

وفي هذا الإطار، قدّم موسى الغربي، الباحث في مبادرة جنوب غرب لدراسة النزاعات في الشرق الأوسط (SISMEC)، في تقرير له على موقع دورية "The National Interest" تحت عنوان "هل ستظل ليبيا موحدة؟"، رؤية حول الدوافع الحقيقية التي دفعت شرق ليبيا للثورة على القذافي، والأهمية الاستراتيجية لإقليم برقة، وصعود الانفصاليين، وكذلك أبعاد تصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية في ليبيا.

دوافع الثورة على نظام القذافي في شرق ليبيا:

يرى "الغربي" أن بداية الانتفاضة في ليبيا كانت مع بداية نضال الشرق الليبي للحصول على الحكم الذاتي، وهو النضال الذي تأرجح، صعوداً وهبوطاً، منذ أن أنهى القذافي النظام الفيدرالي الذي كان مُتّبعاً في عهد الملك إدريس السنوسي الأول، وضم القذافي برقة وفزان إلى السلطة المركزية بطرابلس رغم إرادتهم.

وقد اتسع الكفاح المسلح من أجل نيل الحكم الذاتي في برقة إلى أن أصبح حملة وطنية، وذلك على خلفية اقتناع المتمردين بأنهم لن يتمتعوا بالأمن، أو الحكم الذاتي في ظل وجود نظام القذافي. وعلى ذلك، ولضمان الحصول على الاستقلال، لم يكتف المتمردون بتحرير شرق ليبيا من قوات القذافي فحسب، بل راحوا يطاردونها إلى أن وصلوا إلى طرابلس، كما رفضوا محاولات الوساطة التي قام بها الاتحاد الإفريقي.

ويشير "الغربي" إلى أن المتمردين قد تمكنوا من صد هجمات قوات القذافي، والتقدم نحو طرابلس، استناداً إلى دعم حلف شمال الأطلنطي لهم، الذي أقام منطقة حظر جوي على طائرات القذافي الحربية لحماية المتمردين. ولكن لم يكن هذا الدعم كافياً حتى يتمكن المتمردون من إسقاط النظام، وذلك بسبب:

أولاً: عدم نهوض الشعب الليبي بشكل جماعي لإسقاط النظام، وذلك في ظل محدودية أعداد المتمردين.

ثانياً: إن قوات القذافي لم تتخل عنه ودعّمته حتى أيامه الأخيرة، وذلك خلافاً لحسابات الإدارة الأمريكية.

وعلى ذلك، يمكن القول إن الثورة اعتمدت بالأساس في نجاحها على متمردي شرق ليبيا والدعم الخارجي. لذا، لم يكن من المستغرب أن يُعلِن الشرق الليبي استقلاله عن الحكومة المركزية في طرابلس بعد أشهر من مقتل القذافي في أكتوبر 2011.

الأهمية الاستراتيجية لإقليم برقة وصعود الانفصاليين:

يرى "الغربي" أن الأعداد الكبيرة من الجهاديين الذين تدفقوا من شرق ليبيا مثّلت عامل الحسم في إسقاط نظام القذافي. فعلى مدى العقود المنصرمة، كانت برقة أحد المصادر الرئيسية لتصدير الجهاديين "عبر الوطنيين" إلى العالم، فقد زوّدت العراق بالكثير منهم، وكذلك أمدت أفغانستان بجهاديين أسهموا بشكل حاسم في القتال ضد القوات الروسية في ثمانينيات القرن الماضي، كما أن العديد من القيادات المركزية لتنظيم القاعدة ينتمي إلى برقة.

وعقب سقوط القذافي، تعهد معظم مقاتلي شرق ليبيا بالولاء للمجلس الوطني الانتقالي، تحت شرط أن يتضمن الدستور الليبي الجديد نصوصا صريحة تجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية أساس القانون الليبي. ولكن جاءت الحكومة الليبية المؤقتة المدعومة من الغرب لتعمّق الخلاف مع بعض الفصائل الإسلامية الشرقية، والتي بدأت في نفي صفة الشرعية عن الحكومة المركزية، وتوحدت في أكتوبر 2013 تحت قيادة "إبراهيم جضران"، واستطاعت الاستيلاء على ثلاثة من أكبر حقول نفطية في ليبيا.

وتناول "الغربي" الأهمية الاستراتيجية لإقليم برقة، الذي يعيش به أقل من ثلث الشعب الليبي، ومع ذلك يمتلك نحو 80% من احتياطيات النفط "عالي الجودة" في البلاد، ليصبح الأول إفريقياً، والخامس عالمياً من حيث احتياطيات النفط. علاوة على ذلك، فإن تكاليف إنتاج النفط في برقة منخفضة نسبياً، كما أن قربها من أوروبا أعطاها أهمية جيوسياسية كبيرة. وتُمثل مبيعات نفط إقليم برقة نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي لليبيا، ونحو 98% من الصادرات الليبية، ونحو 95% من إيرادات الدولة، وهو ما يعني أن استقلال إقليم برقة عن ليبيا سيجعل الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي من سكان باقي الأقاليم يعيشون في فقرٍ مدقع.

ويرصد الكاتب المشكلة التي تواجه الانفصاليين في شرق ليبيا بشأن استغلالهم لمواردهم النفطية، حيث إن الحكومة المركزية في طرابلس لديها الحقوق القانونية الحصرية في استغلال نفط ليبيا. ولذلك، بدأت برقة منذ نوفمبر 2013 في تأسيس بنك مركزي، وشركات نفط خاصة بها، كما استأجرت شركة كندية للمساعدة في إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف ببرقة، ومنحها السيادة على مواردها النفطية، وهو الأمر الذي شكّل تحدياً للحكومة المركزية، ودفعها لفرض حصار بحري على إقليم برقة لمنع تصديرها للنفط.

وعلى خُطى برقة، أعلن إقليم فزان في جنوب ليبيا في سبتمبر 2013 استقلاله عن الحكومة المركزية. وفي ظل صعوبة وصول المتمردين هناك إلى الموانئ لتصدير النفط، فقد أقاموا حواجز حول حقول النفط لمنع الحكومة المركزية من الاستفادة منه. ولكن ما يجعل الأمر مختلفاً في فزان عنه في برقة أن الصراع في فزان لا يدور بين القبائل المحلية والحكومات المركزية فقط، بل بين القبائل المحلية ذاتها، والتي تعتز بهويتها القبلية أكثر من هويتها الوطنية.

تصاعد وتيرة الأزمة:

يستعرض الكاتب في هذا الجزء أبعاد تصاعد الأزمة الاقتصادية والسياسية في ليبيا. فقد انخفض مستوى إنتاج النفط في ليبيا ما يقرب من 12.5% عن مستوى الإنتاج فيما قبل الثورة، وهو ما أدى إلى تناقص الموارد المالية للحكومة المركزية، وبالتالي عدم قدرتها على تطوير بنى تحتية جديدة، أو تلبية مطالب مواطنيها، الأمر الذي أدى إلى تآكل شرعيتها، وبالتالي تمكين الانفصاليين من بسط سيطرتهم على المناطق الحيوية في ليبيا.

ويرى "الغربي" أن تصاعد الأزمة قد دفع رئيس الوزراء الجديد إلى الإعلان عن إجراء عمليات عسكرية عاجلة لاستعادة جميع حقول النفط في ليبيا. وبالفعل، بدأ الجيش الليبي في حشد قواته استعداداً للهجوم على الشرق، وهو ما دفع المتمردين هناك إلى القيام بضربات استباقية استهدفت عدة وحدات ومصالح حكومية.

وفي إطار تصاعد الأزمة، تناول "الغربي" جهود راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي، في التدخل في الأزمة الليبية لحلحلة أبعادها المُعقدة، من خلال إجراء حوار وطني بين كافة الأطراف المعنية، بُغية الوصول إلى صيغة مصالحة عادلة ومتوازنة. ويبدو أن هذه الجهود قد بدأت تؤتي ثمارها، مع حدوث انفراجة واضحة في المفاوضات بين المتمردين في الشرق والحكومة المركزية.

وفي الختام، يبدو أن الكاتب يُحمّل الولايات المتحدة الأمريكية – بنسبة ما - مسئولية تفاقم الوضع في ليبيا، ويرى أنها فشلت في تحقيق أهدافها التي كانت ترجوها من خلال تدخلها العسكري هناك، لأنها قامت بتدخل "ساذج" في نظام سائل ومعقد. وطالب "الغربي" واشنطن بأن تضع ذلك في الحسبان، وهي تواصل حملتها "المشئومة" ضد سوريا.


رابط دائم: