المعالجة من الجذور:| " مؤتمر" ملامح التجارب الآسيوية في التنمية الاقتصادية
11-4-2014

أحمد عسكر
* باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
المعالجة من الجذور:
 
استطاعت الدول الآسيوية تحقيق قفزة تنموية كبيرة، سواء كان ذلك سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا، بعد عقود من حكم السلطوية والتخلف في كافة المجالات، مما جعلها نموذجا يحتذى به في العديد من الدول المتطلعة للتنمية، ومسايرة ركب التقدم والنمو والتنمية، خاصة في ظل ميل النظام العالمي تجاه القارة الآسيوية، فضلا عن أن القارة تشهد صعودا عاما وصعودا صينيا بشكل خاص. ومن هنا، يمكن القول إن القرن الحادي والعشرين أضحى أن يكون آسيويا.
 
وفي هذا الإطار، أقام مركز الدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بالتعاون مع جامعة النهضة، مؤتمرا علميا بعنوان "التجارب الناجحة للتنمية في آسيا"، شارك فيه عدد من الخبراء والباحثين في الشأن الآسيوي.
 
افتتحت الدكتورة ماجدة صالح، رئيس مركز الدراسات الآسيوية، المؤتمر قائلة إن عقد هذا المؤتمر يأتي في إطار الرغبة الملحة للوقوف على أبعاد التجربة التنموية الآسيوية، لكي تسترشد بعدد من الدروس المستفادة لمصر والدول العربية، مؤكدة أن هذه الدول استطاعت أن تحقق نقلة نوعية في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية في وقت قياسي لا يتجاوز في بعض الدول 30 عاما، وهذه فترة قليلة في عمر الدول.
 
وأضافت ماجدة صالح قائلة إن الدول الآسيوية التي حققت تقدما هائلا في التنمية بدأت من أرضية شديدة الفقر، فاليابان خرجت من الحرب العالمية مهزومة وبلا موارد طبيعية، والصين عانت وضعا سياسيا واقتصاديا صعبا، فضلا عن دخول البلاد في حرب أهلية وثورة ثقافية استغرقت 10 سنوات، كما أن الهند خضعت للاحتلال البريطاني. أما كوريا الجنوبية، فكانت دولة شديدة التخلف. ففي عام 1948 ، كان متوسط دخل الفرد يصل إلى 87 دولارا.  
 
كما أن ماليزيا لم تكن ببعيدة عن تلك الدول، واستطاعت أن تحول عوامل الضعف إلى عوامل للنجاح، وتسير في ركب التقدم، وتصبح إحدى أهم الدول الصناعية في العالم. وأكدت ماجدة صالح أنه من الأسباب المحفزة لنجاح تلك التجارب في الدول الآسيوية، الدولة التي تقوم بدور مركزي ومهم في قيادة التنمية، وتقوم بالاشتراك مع القطاع المدني والخاص كشركاء في التنمية، فضلا عن دور المجتمع المدني، والاهتمام بحقوق الإنسان، ومحاولة تحجيم الفساد بأنواعه.
 
وأرجع دكتور صديق عفيفي، رئيس جامعة النهضة، عقد هذا المؤتمر إلى أنه يقدم لمصر في ظل هذه الظروف التي تمر بها بعض الخبرات الآسيوية التي استطاعت أن تواكب خطى التقدم الصناعي والاقتصادي، وتحقيق تنمية سياسية، واقتصادية، واجتماعية في فترات صغيرة نسبيا، مثل ماليزيا، والهند، والصين، وكوريا الجنوبية.
 
كما أشار السفير يوسف الشرقاوي، نائب مساعد وزير الخارجية، إلى أن الاستفادة من هذه التجارب ليس بنقلها مباشرة وتطبيقها في مصر، فمصر لها خصوصيتها ودورها عبر التاريخ، ولديها رأس المال البشري القوي الذي تمكن من بناء حضارة عمرها 7 آلاف سنة، مضيفا أن عملية بناء مصر الحديثة يجب أن تتم في إطار منظومة متكاملة لبناء قوة شاملة لمصر، وتحقيق الأمن القومي المصري والعربي، والمصالح العليا لمصر في إفريقيا، والعالم العربي، والإسلامي وآسيا. وأكد أن التجارب المتميزة للنهضة والتحديث في ماليزيا، والهند، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة قد اعتمدت نظما للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجي لتحقيق التقدم في كافة المجالات، فتمكنت من خلال ذلك من تحقيق معدلات عالية من النمو التنمية.
 
ملامح التجربة اليابانية في دعم الأمن الإنساني:
 
أكدت الدكتورة سوزي رشاد، مدرس السياسة والاقتصاد بجامعة 6 أكتوبر، أن تجربة النجاح اليابانية في التنمية توافقت مع الأمن الإنساني، بحسبانه مدخلا أساسيا من مداخل التنمية، وذلك من خلال تبني الحكومة خطة شاملة للتعامل مع الأفراد بمساعدة المنظمات المحلية، وذلك لخلق مجتمعات آمنة للأفراد. جدير بالذكر  أن اليابان تبنت الأمن الإنساني في عام 1998.
 
وأضافت دكتورة سوزي كلمتها قائلة إن اليابان أصرت على تحقيق مفهوم المسئولية الإنسانية الخاص بإسهام الجميع في تحقيق الأمن الإنساني، وهو ما تبلور في إنشاء صندوق الأمن الإنساني في الأمم المتحدة. كما أن هناك إدراكا يابانيا بأنه لا يمكن لأي دولة بمفردها أن تحقق أمن مواطنيها، وإنما يتطلب ذلك خلق حوار عالمي لكافة أبعاد تهديد الأمن الإنساني، وكيفية مواجهتها.
 
وأشارت إلى أن هناك مرتكزات مهمة للإدارة اليابانية ساعدت في تحقيق التنمية والأمن الإنساني، لعل أهمها: التعليم الذي يحمل مكانة مقدسة تصل لقدسية الأديان، ويهدف لبناء فلسفة تؤكد تعزيز وبناء الفرد والأخلاق، واهتمت اليابان بجودة النظام التعليمي، فضلا عن التكامل بين الإدارة المركزية واللامركزية في تدعيم ميزانية التعليم.
 
الصعود الصيني وملامح التجربة التنموية:
 
أكدت دكتورة شريفة فاضل، مدرس السياسة بجامعة بورسعيد، أن التجربة التنموية الصينية كانت لها خصوصيتها، ومن ثم فإن محددات التنمية السياسية في الصين تتمثل في النظام السياسي الذي يتمتع بأهمية ودور كبيرين في الحياة السياسية الصينية بصفة عامة. فكل السياسات لا تمرر إلا من خلال الحزب الشيوعي الصيني، كما أن هناك تداولا سلميا للسلطة. فرأس السلطة في الصين لا يصل إليه المسئول بعد التدرج في العديد من المراكز السياسية في الحزب الشيوعي، وكذلك الموارد والإمكانيات التي تتمتع بها الصين من اتساع المساحة الجغرافية، وعدد هائل من السكان. أما عن الثقافة الكونفوشيوسية، فهناك لغة مشتركة للجميع، فضلا عن عديد من النصائح، والعادات، والتقاليد، التى أرساها كونفوشيوس. وأوضحت أن الدولة الصينية عملت على تحقيق المساواة بين المواطنين في محاولة منها لإزالة المشاكل التي تحقق التفرقة بين المواطنين كمؤشر على تحقيق الوحدة في المجتمع الصيني، كما حققت الصين تطورا كبيرا في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، جعلت منها نموذجا في عملية التنمية لعديد من الدول.
 
بينما أشارت الدكتورة وردة هاشم، مدرس العلاقات الدولية في جامعة حلوان، إلى الصعود الصيني العالمي، وما له من عناصر للقوة، تمثلت في القوة الاقتصادية، فهي ثاني أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم، وأكبر معدل نمو اقتصادي في العالم، على الرغم من أن هناك مشكلات تواجه العملاق الصيني، وهي عدد السكان الكبير الذي يلتهم أية مميزات تتحقق، فضلا عن مشكلات الفساد التي تعانيها البلاد.
 
وأضافت الباحثة أنه على الرغم من أن القوة الاقتصادية من أهم العوامل في قوة الصين على المستويين الإقليمي والعالمي، فإن القوة السياسية للصين تواجهها أيضا عدة معوقات، أهمها هواجس وشكوك البيئة الإقليمية في شرق آسيا من الدور الصيني، لذا اتخذت الصين سياسة طمأنة الخصوم. كما طالب بعض الباحثين الصينيين بمحاولة إخفاء القوة الصينية لطمأنة الدول الإقليمية المجاورة للصين. ولفتت الباحثة إلى أن الصين قامت ببناء علاقات بناءة مع جيرانها، سواء في شكل استثمارات، أوتعاون تجاري واقتصادي. على سبيل المثال، نجد أن هناك بين 3 و4 ملايين وظيفة في كوريا الجنوبية تتوقف على التجارة مع الشريك الصيني، بل تحاول تلك الدولة عدم الانغماس في الشأن الدولي، حتى لا يعرضها ذلك لصدام قد يلهيها عن إكمال مسيرتها الاقتصادية، لذلك فهي تركز بالأساس على القوة الاقتصادية، حتى لا يتم استنزاف مواردها في أي صراع إقليمي أو دولي.
 
 وأشارت الباحثة في نهاية كلمتها إلى أن الصين تواجه مشكلة كبيرة بالنسبة للطاقة، فهي تستورد تقريبا كل الاستهلاك الخاص بها من الغاز والنفط، حيث لا يوجد بها فائض إلا الفحم الحجري. لذا، اتخذت الحكومة الصينية حزمة من الإجراءات من أجل تنمية إمداد دائم بأسعار ثابتة من الطاقة. فعلى المستوى الداخلي، بدأت عملية خصخصة الطاقة، وضرورة الاستخدام الأمثل لها. أما على المستوى الخارجي، فقد دخلت الحكومة في استثمارات لتنويع مواردها من النفط والغاز في مناطق عديدة في العالم كإفريقيا وآسيا الوسطى.
 
وأوضحت دكتورة غزلان محمود عبد العزيز، مدرس العلوم السياسية بجامعة 6 أكتوبر، أن العنصر البشري هو أحد العوامل المهمة في تحقيق التنمية الشاملة في كل المجالات لأي دولة، فعدد سكان الصين وصل إلى 1.3 مليار نسمة، وكانت الحكومة قد اتخذت سياسة الطفل الواحد منذ عام 1979. وأضافت أنه منذ عام 2000 ،اتفقت 189 دولة على ثمانية أهداف إنمائية تبنتها منظمة الأمم المتحدة، نجحت الصين في تحقيق سبعة أهداف منها، وهي القضاء على الفقر، وتعميم التعليم الإبتدائي، ودعم المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتخفيض معدل وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأطفال، والحفاظ على البيئة.
 
قراءة في واقع التجربة في كوريا الجنوبية:
 
وتطرقت الدكتورة هالة الهلالي، وكيل كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة 6 أكتوبر، إلى التجربة الكورية الجنوبية في التنمية، مشيرة إلى طبيعة الثقافة الكورية التي تميزت بمجموعة من الخصائص، أهمها أولوية التنمية الاقتصادية على التنمية السياسية، واحترام السلطة والهيراركية. فالمجتمع الكوري يحترم الحاكم لدرجة تصل للتأليه، فضلا عن أولوية الجماعة على الفرد، والتركيز على التعليم. وأوضحت المتحدثة أن كوريا الجنوبية عانت الفساد السياسي للدرجة التى يمكن أن يطلق عليها دولة الفساد، حسب مؤشرات عالمية من المنظمات الدولية. ولكن قامت الدولة، من خلال التشريعات والقوانين، بمحاربة الفساد والقضاء عليه في المؤسسات الكورية. كما عانت أيضا ضعف النظام الحزبي في ظل وجود الهيراركية والسلطوية، بما أدى لتلاشي المنافسة السياسية، وهو ما انعكس على ضعف الحياة الحزبية في كوريا الجنوبية.
 
واستكملت المتحدثة كلمتها مؤكدة أن  كوريا الجنوبية قامت بعدد من الإصلاحات بعد تجربة التحول الديمقراطي على المستوى الداخلي، متمثلة في قوانين محاربة الفساد، وقوانين تعديل العملية الانتخابية، والتمويل السياسي، خاصة مع صعود يونج سام إلى سدة الحكم، والذي كان يُعد أحد الثوار المطالبين بالتحول الديمقراطي في البلاد، وإنهاء الحكم العسكري السلطوي. كما أن المجتمع المدني والمشاركة الاجتماعية كان لهما دور مهم في تفعيل هذه القوانين، ومراقبة المؤسسات المدنية. أما على المستويين الإقليمي والدولي، فقد عقدت كوريا الجنوبية اتفاقيات التجارة مع الدول المجاورة، وكذلك انضمت للمنظمات الدولية، وعملت على الانطلاق من الإقليمية إلى عبر الإقليمية، فضلا عن الاتفاقيات التي أبرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الأمن في المنطقة، ومبادرة إنشاء صندوق نقد آسيوي لتجنب صندوق النقد الدولي، وكذلك قمة سول في عام 2009 ، وتوقيع معاهدة استثمار التجارة الحرة في الدول الآسيان+3.
 
وأكدت دكتورة وفاء لطفي، مدرس العلوم السياسية، أن التعليم هو القاعدة الأساسية للتقدم في الدول، فلا يمكن لأي دولة النهوض دون الاهتمام بالتعليم، وإعداد الكوادر لتدعيم التقدم في كافة المجالات، وهو ما قام عليه النظام التعليمي الكوري، حيث اهتم بصورة فعالة بإكساب المهارات، وتعزيز القدرات الأساسية، كما اهتم بالتطوير النوعي للتربية العلمية، ووضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، والمشاركة بدور كبير في عملية التنمية، من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع الملتزم بالعمل والأخلاق. وأكدت أن الدولة الكورية ركزت على الهندسة البشرية التي لا يمكن تحقيقها بدون التعليم. ويتركز دور وزارة التعليم في رسم السياسات والأمور التنظيمية للعمل التربوي. ويعد المعهد الكوري للتربية من أهم الجهات التي تقدم دورا كبيرا في العملية التعليمية الكورية. كما اهتمت الدولة بالمعلم ودوره ومكانته في السياسة التعليمية الكورية، بحسبانه المنفذ للسياسات التعليمية، وارتفع مقدار الإنفاق على التعليم من 2.2% من الناتج الإجمالي إلى 11 مليار دولار تقريبا في الأعوام الأخيرة. كما أظهرت الدولة اهتماما كبيرا بالبحث العلمي والتكنولوجي، منذ ستينيات القرن الماضي.
 
التجربة الماليزية ومنظومة الاتحادات العمالية:
 
أشار الأستاذ شندي عبد الله، باحث دكتوراه، إلى أن التجربة الماليزية بالنسبة للاتحادات العمالية تجربة ثرية، قائلا إن منظمة العمل الدولية أصدرت في تقريرها السنوي أن ماليزيا تعد أكثر الدول احتراما لمعايير العمل الدولية، ولسنوات عديدة، ومثالا جيدا يحتذى بها. وأوضح المتحدث أن ماليزيا دولة بلا بطالة، حيث تصل نسبة البطالة بها إلى 3% تقريبا في عام 2013، وبلا ديون خارجية، ومن الدول المكافحة للفساد. ولعل من أهم الأسباب التي جعلت ماليزيا تسير بخطى سريعة وثابتة نحو قاطرة التنمية هو توافر الإرادة السياسية، وكذلك الاستقرار السياسي، فضلا عن دور القطاع الخاص، والمجتمع المدني.

رابط دائم: