الروس في عالم ما بعد السوفييت
16-3-2014

ديفيد جرين
* محلل سياسي أميركي
كان السوفييت يهيمنون على الريادة في الفضاء وكثير من الرياضات، وكانوا ينشرون أيديولوجيتهم في ربوع العالم. وفي عام 1980، عندما قاطعت الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى، دورة الألعاب الصيفية في موسكو احتجاجاً على غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، بدا التوسع السوفييتي في أقصى حدوده، وكان الفخر السوفييتي قد اقترب من ذروته.
 
وعلى النقيض، شهد الروس خلال الشهر الماضي دورة الألعاب الشتوية في سوتشي، والفخر السوفييتي لديهم عند مستوى منخفض، وأصبحوا الآن يكدحون في ظل اقتصاد يكافئ النخبة، بينما تعاني القرى الصغيرة مشكلات جمة، وباتت إحدى المدن الصناعية التي كانت في السابق تسهم في قوة الاتحاد السوفييتي تشهد مصانعها الآن إما الخراب أو الإغلاق، ولايمكن للناس الاعتماد كثيراً على الشرطة أو أجهزة الخدمات العامة ما لم يدفعوا رشى.
وفي العصر السوفييتي، كان يُعوِّض الحياة الصعبة الشعور بأن الدولة قوية، وكانت التضحية، ببذل كل فرد مساهمته من أجل العظمة الوطنية، ميراثاً روسياً قبل حقبة البلاشفة بوقت طويل. وأما الآن، يرى كثير من الروس الدولة تبحث عن هوية ما قبل الاتحاد السوفييتي، وتناضل من أجل استعادتها.
 
وقد أصبحت سوتشي قرية «بوتمكين»، وتعود هذه التسمية إلى القرن الثامن عشر، عندما أنشأ حاكم إقليم كرايميا مجتمعات مزيفة على طول النهر تبدو مثل مدينة فاضلة حقيقية ليأسر خيال الزائرة الإمبراطورة كاثرين العظمى.
 
وستكون دورة ألعاب سوتشي قرية «بوتمكين» التي أنشأها فلاديمير بوتين، والتي أنفق عليها نحو خمسين مليار دولار، ليجعلها دورة الألعاب الأولمبية الأغلى تكلفة في التاريخ، للكشف عن عرض عملاق للتفوق الروسي.
 
ولكن يبدو أن بوتين يفعل ذلك، لأنه يدرك أن الإيمان بالدولة يتلاشى، وبعيداً عن فخر الروس بموسيقاهم ومتاحفهم وشخصياتهم الأدبية العظيمة، لايوجد الآن هدف قومي.
 
وأشار بوتين في خطابه الذي ألقاه في سبتمبر الماضي، إلى «أن أسئلة على غرار من نحن؟ ومن نريد أن نكون؟ تبدو الآن بارزة في مجتمعنا»، مضيفاً «لقد تركنا من ورائنا الأيديولوجية السوفييتية، ولن تكون هناك عودة لها».
 
وبدلاً من تقديم رؤية جديدة، انتقد بوتين الدول الأخرى، ولا سيما في أوروبا. ولكن الروس يشعرون باليأس بسبب شيء ما، وهو ما يوضح أن كثيراً منهم ينشأون الآن على الحنين إلى جوزيف ستالين، ويتذكرون فرضه للنظام والهدف والمغزى، بغض النظر عن انتهاكاته، وكثير من الروس يتحدثون بفخر عن العصر السوفييتي، حتى الشباب الذين لم يعيشوه.
 
وخلال العام الماضي، في استطلاع للرأي يقيس مشاعر الروس بشأن دولتهم، أوضح 42 في المئة أنه لا يوجد شيء يفخرون به، مقارنة بـ37 في المئة في عام 2005، بينما أشار 19 في المئة إلى أنه من الصعب الإجابة على هذا السؤال.
 
وتقول إينا خاريف، البالغة من العمر 62، والتي التقيتها في محطة السكة الحديدية السيبيرية، إنها عندما كانت شابة في العصر السوفييتي، كانت تعمل لساعات طويلة في إحدى المزارع، وفي تلك الآونة، كانت تضمن الحكومة تعليماً ووظيفة ورعاية صحية متساوية. وأضافت «إنه على رغم صعوبة الوظيفة، لكن كان هناك شعور بالهدف الواحد، وأما روسيا الآن لا تملك شيئا يجمعنا»..
 
----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 16/3/214.
 

رابط دائم: