استعادة الدور:|" مؤتمر" الملامح المستقبلية للسياسة الخارجية المصرية
11-3-2014

أحمد عسكر
* باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
كانت ثورة 30 يونيو 2013 بمثابة نقطة الانطلاق للسياسة الخارجية المصرية من جديد لاستعادة مصر دورها البارز والريادي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما تمثل في تحركات الدبلوماسية المصرية إقليميا ودوليا في عدة قضايا. لذا، ومن منطلق المتغيرات التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط، وكذلك المتغيرات العالمية، عقد مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس، بالاشتراك مع مركز باحث للدراسات الفلسطينية، ومركز النيل للدراسات الإستراتيجية، مؤتمرا بعنوان " ملامح السياسة الخارجية لمصر 2030".
 
وقد افتتح الأستاذ الدكتور جمال شقرة، رئيس مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية، المؤتمر، حيث أشار إلى أن مصر تعرضت لتحديات كثيرة في سياستها الخارجية، خلال العصور والعهود المختلفة، كما تعرضت في العهد الحديث لهجمات استعمارية شرسة، بداية من الحملة الفرنسية على مصر 1798 حتى عدوان يونيو 1967. وبعد غياب الإمبراطورية البريطانية، ظهرت الإمبراطورية الأمريكية، وتزايدت التحديات التي تواجه الدولة المصرية، ولكن الشعب كان واعيا بخطورة تلك التحديات، وهو ما تمثل في الرفض الشعبي للتبعية للولايات المتحدة في ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013.
 
توجهات السياسة الخارجية بعد 30 يونيو:
 
في الجلسة الأولى، قدم الأستاذ أبو بكر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، ورقة بحثية بعنوان " توجهات السياسة الخارجية بعد 30 يونيو"، أشار فيها إلى أن السياسة الخارجية المصرية ظلت مرتبطة بفكرة الدوائر الثلاث التي حددها الرئيس عبد الناصر، وهي الدائرة العربية والإفريقية والإسلامية، أضيفت إليها دائرة عدم الانحياز، وكان الإطار الحاكم للسياسة في عهد عبد الناصر عدم الانحياز من الناحية النظرية، مع تفضيل التعامل مع الشرق من الناحية العملية، وضمان استقلالية مصر، مع دعم حركات التحرير في إفريقيا والعالم الثالث.
 
أما الرئيس السادات، فقد التزم نحو هذه الدوائر، لكنه بدأ بنقلة نوعية في السياسة الخارجية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979. فقد رأى السادات أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي الأهم والأقوى. أما الرئيس الأسبق مبارك، فقد حافظ على فكرة الدوائر الثلاث، وأعطى أولوية للدائرة العربية "خاصة دول الخليج "، ولكن حدث تراجع نحو الدائرة الإفريقية بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكذلك الدائرة الإسلامية. وكانت هناك أولوية للعلاقة مع الولايات المتحدة، والتزام كامل باتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
 
كما تطرق الباحث إلى فترة المجلس العسكري بعد ثورة يناير 2011، موضحا حرصه على عدم الدخول في أية أزمات خارجية، واهتم بتنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية لحين تسليم السلطة إلى الرئيس. أما في عهد مرسي، فقد كانت هناك أولوية للدائرة العربية والإقليمية، خاصة الدول التي لها الأيديولوجية نفسها "حماس – تركيا ". كما شهدت فترة تولي مرسي توترا بين مصر ودول الخليج، كما اتسمت تلك المرحلة بالضبابية وعدم الوضوح والالتباس في السياسة الخارجية المصرية، نظرا للانفصال بين وزارة الخارجية والرئاسة.
 
لكن مع قيام ثورة 30 يونيو 2013، حدث نوع من التغيير والوضوح الكامل في السياسة الخارجية لمصر. ومع مجئ السيد نبيل فهمي وزيرا للخارجية، أصبحت هناك رؤية واضحة، وتم الإعلان عن أن مصر بصدد الاعتماد على سياسة خارجية مصرية جديدة، قوامها الاتجاه نحو تنويع علاقاتنا الخارجية مع القوى الصاعدة في العالم للاستفادة المتبادلة والمشتركة، والتوجه نحو الاستقلالية في السياسة الخارجية، من خلال تنويع العلاقات، وتعزيزها مع كل دول العالم، فضلا عن استعادة الدور الريادي لمصر، خاصة في الدائرتين العربية والإفريقية، إضافة إلى إعادة التوازن للسياسة الخارجية المصرية، من خلال تنويع البدائل، وإيجاد أصدقاء جدد، وتعميق العلاقات مع القوى الصاعدة عالميا كروسيا، والهند، والصين، واليابان، والبرازيل، وغيرها.
 
وأضاف أن مصر بادرت بطرح رؤيتها نحو العديد من القضايا كالقضية الفلسطينية، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والقضية السورية بالحفاظ على وحدة الدولة السورية، وعدم استخدام القوة، وضرورة الاستجابة لتطلعات الشعب السوري، فضلا عن إصلاح الأمم المتحدة. وأشار إلى أن السياسة الخارجية منذ 30 يونيو مرت بمراحل ثلاث: الدفاع عن الثورة المصرية، ومحاولة التصدي لمحاولات تدويل الأحداث الداخلية المصرية، خاصة فض اعتصامي رابعة والنهضة، وأخيرا التحول من الدفاع للهجوم.
 
كما شهدت السياسة الخارجية المصرية محاولات تعزيز وتعميق العلاقات مع دول الخليج العربي، والتحرك الإيجابي في ملف سد النهضة، وتأكيد حق شعوب حوض النيل في الاستفادة والتنمية، مع عدم الإضرار بحقوق الغير، كما تحركت السياسة الخارجية المصرية بشكل إيجابي تجاه أزمة جنوب السودان الأخيرة. لذا، لا شك فى أن السياسة الخارجية المصرية شهدت تحركا نشطا منذ يوليو 2013 وحتى الآن.
 
كما أشار أبو بكر الدسوقي إلى أن هناك إشكاليات تواجه السياسة الخارجية المصرية حاليا، منها العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمثل العلاقة بين البلدين شراكة إستراتيجية منذ عهد السادات، مرورا بعهد مبارك بشكل أو بآخر. وعلى الرغم من موقف أمريكا المتردد تجاه ثورة 30 يونيو، والتي على أثرها أجلت أمريكا بعض المساعدات العسكرية لمصر، وهو ما زاد من توتر العلاقات، فلا شك في أن المصالح الأمريكية كبيرة في مصر، والأمر نفسه لمصر أيضا. لذا، من الضروري إجراء حوار استراتيجي بين الدولتين. 
 
ولفت إلى ضرورة تفعيل العلاقة بين مراكز الفكر والبحث العلمي في مصر ومراكز صنع القرار المصرية، ولا بد من أن يكون هناك تفاعل إيجابي بينهما، بما يمكن من تشكيل شبكة من المراكز المتخصصة ترتبط بوزارة الخارجية، بما يشكل استفادة كبرى لصانع القرار المصري.
 
تركيا في السياسة الخارجية المصرية:
 
ومن ناحية أخرى، تطرق بشير عبد الفتاح، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، إلى سياسة مصر الخارجية تجاه تركيا، فأشار إلى أن العلاقات المصرية- التركية شهدت أجواء من التوجس منذ الثورة العربية الكبرى 1916، والتي يراها الأتراك خيانة عربية للدولة العثمانية،  ورآها العرب رغبة في التحرر من الأتراك. ولا تزال أجواء التوجس وعدم الثقة تسود حتى يومنا هذا. فمنذ يوليو 1952 – القطيعة الأولى – كانت تركيا تتحفظ على طريقة وصول مجلس قيادة الثورة للسلطة، وقدمت نصائح بضرورة احترام الديمقراطية، وتشكيل حكومة ديمقراطية. 
 
هذا بالإضافة إلى سياسة الأحلاف التي كانت تركيا ركنا ركينا فيها، وهو ما كانت تنظر إليه مصر نظرة توجس تجاه تركيا على أساس أنها امتداد للإمبريالية الغربية، وقد كانت مصر الساداتية أيضا مشوبة بالتوجس تجاه الدولة التركية.
أما عن مصر مبارك، فلم تتغير العلاقات، وكان مبارك يتخوف من صعود الدور التركي، في ظل تراجع الدور الإقليمي المصري وتآكله، بينما كان الدور التركي يتوسع، فكانت هناك منافسة غير متكافئة بين مصر وتركيا.
أما بعد ثورة يناير 2011، فقد تطلعت تركيا للتقارب مع مصر، واتساع مساحة التفاهم بين القاهرة وأنقرة، ولكن ما حدث غير ذلك. وأشار الباحث إلى أنه من الخطأ اعتقاد أن العلاقات بين البلدين شهدت تفاهما وتقاربا بعد وصول مرسي للحكم، لكن كانت العلاقات المصرية- التركية في عهد مرسي يشوبها البرود والفتور.
 
وأوضح الباحث أن هناك عددا من العوامل المؤثرة في مستقبل العلاقات بين البلدين، تتمثل في: 
 
- مآلات الثورة المصرية ومساراتها:
 
حيث من الصعب الحديث عن سياسة خارجية في ظل تدهور الشئون الداخلية، وفي ظل أوضاع المرحلة الانتقالية، وما يواجهها من تحديات. 
 
- شكل النظام السياسي في تركيا:
 
لا شك في أن شكل النظام في تركيا سيحدد المسار الذي ستسير فيه العلاقات المستقبلية بين البلدين، خاصة في ظل بداية الأفول للنظام السياسي لحزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان.
 
- السياق الإقليمي والدولي:
 
يؤثر السياق الإقليمي والدولي في مسار العلاقات بين مصر وتركيا، صعودا وهبوطا، فلا شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لن تسمحا بعلاقات إستراتيجية بين البلدين.
وشدد الباحث على أنه من مصلحة مصر وتركيا التنسيق المشترك للتصدي للمشاريع الغربية التي تهدف لإعادة تشكيل وهيكلة وهندسة المنطقة فيما يعرف بـ " سايكس بيكو2" ، على غرار سايكس بيكو1، والتي تهدف إلى تقسيم المقسم، وتجزئ المجزأ.
 
مصر وسد النهضة:
 
أوضح الأستاذ الدكتور سيد فليفل، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أن مصر في مأزق حقيقي بسبب مشكلة سد النهضة التي تسعى إثيوبيا إلى إتمامه، بعد أن بدأت في إنشائه في 2011 في ظل إنشغال الدولة المصرية بشئونها الداخلية.
كما أشار إلى أن المواطن المصري يواجه مشكلة في نقص المياه، خاصة في ظل تناقص نصيب الفرد من المياه في السنة من 3500 متر مكعب إلى 620 مترا مكعبا. ومع وصول تعداد سكان مصر إلى 94 مليون نسمة، تكون الدولة المصرية في مأزق بالنسبة لقضية المياه.
 
وشدد على أن قضية المياه هي قضية وجود بالنسبة للمصريين، خاصة في ظل اعتماد المصريين على مياه النيل في الزراعة، بالإضافة إلى استخداماتها الأخرى. وأكد الدور الإسرائيلي الواضح في بناء سد النهضة الإثيوبي، وسعيه إلى السيطرة على منابع نهر النيل.
 
مصر وفلسطين.. رؤية مستقبلية:
 
أكد الأستاذ الدكتور وليد محمد على، المدير العام لمركز باحث للدراسات الفلسطينية، أن مشروع الوحدة العربية يعد مرفوضا من قبل الكيان الإسرائيلي، فهناك تناقض صفري بين المشروع الصهيوني وما يسعى إليه، وبين مستقبل الوطن العربي والوحدة العربية بالأخص مصر، فالموقف الإسرائيلي الصهيوني يقف حائلا أما أي تقدم أو بناء قوة عربية لاعتقاد خطورة ذلك على الوجود الإسرائيلي.
 
لذا، فهناك دعم كبير لتفتيت المنطقة، وتقويض هويتها العربية والإسلامية، وتفتيتها لحفنة من الهويات الطائفية والإثنية المتناقضة. وأشار إلى أن تلك السياسة تعود لمؤسس الصهيونية السياسية، تيودور هيرتزل، الذي صرح بأن إسرائيل الكبرى تمتد من النيل للفرات، وتريد العرب ضعفاء غير موحدين، مشتتين، ومنقسمين ممنوعين من الاتحاد ضد الكيان الصهيوني.
 
كما يرى الباحث أن المشروع الصهيوني ليس هدفه فقط إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، ولكنه يهدف إلى إضعاف البلدان العربية، ليلعب هو دور المسيطر السياسي، والاقتصادي، والأمني، والثقافي.
لذا، ينتهي الباحث إلى أن العلاقات المصرية- الفلسطينية تتوقف على قابلية المجتمعات العربية، وقدرتها على استعادة عافيتها وبوصلتها الصحيحة، وإعلاء المصلحة الكبرى على المصالح الطائفية، والحزبية الضيقة، وتجديد الاقتناع بأن العرب يواجهون عدوا أساسيا واحدا لهم، هو الكيان الإسرائيلي.
 
الجيل الرابع من الحروب:
 
كما تطرق الأستاذ أحمد شعيشع، باحث بمركز النيل للدراسات السياسية، إلى فكرة الأجيال الأربعة من الحروب، والتي تشمل أربعة أجيال: ظهر الجيل الأول منذ صلح ويستفاليا 1648 وحتى 1860، والجيل الثاني منذ 1860 وحتى الحرب العالمية الأولى، والجيل الثالث بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية. أما الجيل الرابع، فظهر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
وأوضح خصائص الجيل الرابع من الحروب، والتي منها الاجتماعية، المتمثلة في تدهور فكرة الدولة وانهيارها، وإضعاف التجانس المجتمعي. أما السياسية، فتتمثل في إنهاء احتكار الدولة للحرب، وظهور الكائنات العابرة للدول مثل القبائل، إضافة إلى بروز دور الحملات الدعائية والضغط النفسي في التأثير في التوجهات العامة لصانعي القرار ومن يؤثر فيهم. أما الخصائص العسكرية، فتتضمن انتشار القوات المحاربة، فضلا عن بروز دور الإرهاب كتكتيك أساسي في حروب الجيل الرابع.
 
وأشار الباحث إلى أدوات الجيل الرابع من الحروب، والتي تمثلت في أجهزة الاستخبارات والشركات العسكرية الخاصة – مثل بلاك ووتر في العراق-  فضلا عن وسائل الاتصال والإعلام، بالإضافة إلى تمويل المنظمات الداخلية كالمافيا والعصابات المسلحة.
 
الشرق الأوسط الجديد:
 
أشار الأستاذ الدكتور جمال شقرة، مدير مركز بحوث الشرق الأوسط، إلى فكرة الشرق الأوسط الجديد التي لا تكف مراكز الفكر الأمريكية منذ ثمانينيات القرن الماضي عن الحديث عنها، وعن تقسيم الدول العربية، حيث ازداد الحديث عنها بعد ثورات الربيع العربي، إلى أن وصل إلى تحديد الدول التي سيتم تقسيمها وتفتيتها، ورسم الخرائط الجديدة للإقليم، ومنها سوريا التي ستقسم لثلاث دويلات صغيرة، والمملكة العربية السعودية التي ستقسم لخمس دويلات، وليبيا إلى ثلاث دويلات، واليمن إلى دويلتين، وكذلك العراق، ومصر إلى أربع دويلات.
 
توصيات:
 
خرج المشاركون في المؤتمر بعدد من التوصيات لتقديمها لصانع القرار، ومن تلك التوصيات: إعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية بما يسمح بعلاقات جديدة، وإيجاد صداقات جديدة مع القوى الصاعدة العالمية، وأن تقوم أولوية السياسة الخارجية المصرية على أساس المصلحة الوطنية، بالإضافة إلى الاهتمام بالدوائر المهمة لمصر خارجيا، سواء كانت الدائرة العربية، أو الدائرة الإفريقية، خاصة مع دول حوض النيل، في ظل أزمة سد النهضة، والتي أوصى المشاركون بضرورة وسرعة اتخاذ الدبلوماسية المصرية عددا من الخطوات للوصول إلى حل لها مع دولة إثيوبيا، وأخيرا ضرورة تفعيل الربط بين مراكز الفكر والبحث العلمي، ووزارة الخارجية المصرية لمساعدة صانع القرار في رسم السياسة الخارجية المصرية.

رابط دائم: