أزمة سحب السفراء:|كيف خسرت قطر نفوذها في الشرق الأوسط؟
11-3-2014

إليزابيث ديكينسون
* خبيرة في العلاقات الدولية

11 مارس 2014


عرض: طارق راشد عليان، باحث علوم سياسية.

يبدو أن قطر التي كان يتوقع لها أن تكون قوة صاعدة في العالم العربي باتت تواجه أزمة متصاعدة، في ظل الضغوطات التي تمارسها دول الجوار الخليجي لإعادتها للجلوس في المقعد الخلفي، مما يشير إلى قرب حدوث زلزال سياسي يعصف بقطر.

ففي الخامس من مارس 2014، أعلنت ثلاث دول خليجية، السعودية والإمارات والبحرين، في بيان مشترك، عن سحب سفرائها من الدوحة؛ الخطوة التي عدتها الكاتبة إليزابيث ديكينسون، في تحليل لها نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بعنوان "كيف خسرت قطر الشرق الأوسط" How Qatar Lost the Middle East، تصعيدًا للنزاع القائم منذ فترة طويلة مع الدولة الصغيرة الغنية بالغاز، وخطوة غير مسبوقة خليجيا.

أسباب سحب السفراء

تشير الكاتبة إلى أسباب سحب الدول الثلاث سفراءها من الدوحة، وقالت إن ذلك يرجع لفشل قطر في الإيفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في اجتماع نوفمبر الذي عقد في الرياض بشأن عدم التدخل في شئون بقية دول الخليج، وعدم دعم الجماعات التي تهدد الاستقرار الإقليمي، وعدم استخدام وسائل الإعلام المعادية، في إشارة واضحة إلى قناة الجزيرة.

تقول إليزابيث ديكينسون، التي شغلت في السابق منصب مساعد مدير تحرير فورين بوليسي: جاءت خطوة سحب السفراء بعد ثلاث سنوات من تزايد التوترات بين قطر وبقية دول الخليج بشأن كيفية التعامل مع جماعة "الإخوان المسلمين"، حيث دعمت الدوحة صعود الجماعة إلى سدة الحكم في مصر، كما دعمت نفوذها داخل المعارضة السورية، وقدمت مئات ملايين الدولارات لفرع الجماعة في غزة، في إشارة إلى "حماس"، في الوقت الذي كانت فيه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها ينظرون إلى جماعة "الإخوان المسلمين" على أنها منافس للشرعية الإسلامية، ومن ثم دعمت منافسي الجماعة في جميع أنحاء العالم العربي.

ويشير التحليل إلى إن الدعم القطري لجماعة "الإخوان المسلمين" أثار حفيظة السعودية والإمارات، اللتين تنظران إلى التنظيم بحسبانه يشكل تهديدًا كبيرًا قد يسعى إلى إسقاط الأنظمة الملكية الحاكمة في الخليج. وهرعت الدولتان، بالإضافة إلى الكويت، إلى مساعدة مصر بعد سقوط الإخوان، إذ قدمت 12 مليار دولار للحكومة المصرية الجديدة بعد 30 يونيو. وفي الإمارات، قدمت الدولة العشرات من المتهمين، قيل إنهم من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" من الإمارات وقطر ومصر، للمحاكمة.

ويقول جيرد نونمان، عميد كلية الشئون الدولية في جامعة جورجتاون قطر: "سعت الدوحة جاهدة إلى إصلاح علاقاتها مع مصر، والإمارات، والسعودية، والمحافظة عليها، إلا أنها لم تذهب إلى حدّ المساومة على ما تراه صحيحًا وملائمًا، أو بالأحرى مؤثرًا وفاعلًا، حتى ترضى عنها بقية دول الخليج". ويأتي قرار سحب السفراء عقب اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الذي وصفته الصحافة بأنه كان "عاصفًا".

وبحسب إليزابيت ديكينسون، فإنه ليس معلومًا بالضبط الدافع المباشر إلى اتخاذ هذه الخطوة، إلا أن ثمة احتمالًا بأن تكون الزيارة، التي قام بها وزير خارجية قطر إلى إيران في أواخر فبراير 2014، لعبت دورًا في ذلك، لاسيما حين صرّح المسئول القطري من طهران بأنه بوسع إيران أن تلعب دورًا في الأزمة السورية، وهي فكرة ترفضها الرياض بشدة.

خسارة حلفاء قطر

على مدى العام المنصرم، خسر حلفاء قطر مكتسبات كثيرة، فقد تم عزل الرئيس المصري محمد مرسي من منصبه، واعتقل قادة "الإخوان المسلمين" الذين تقع أعين القاصي والداني عليهم في قاعات فنادق الدوحة كثيرًا، ويلتقون بشخصيات دبلوماسية. وفي صيف عام 2013، تولت السعودية دور القيادة في الثورة السورية، مُقصيةً دور قطر بحسبانها الممول الرئيسي والداعم السياسي للمعارضة. ويقول أحد قادة المعارضة من الدوحة إن قطر تراجعت خطوة في ظل المعارضة السورية. وسياسيًا، أصبحت قطر في نهاية الركب، أو ربما تخلفت عن الركب بأسره.

وبحسب التحليل، فإنه يبدو أن محاولة الدوحة استعادة زمام المبادرة السياسية في الشرق الأوسط قد أغضبت العديد من الدول العربية منها. لقد عانى الإخوان المسلمون نكسات في جميع أنحاء المنطقة، ولم يبق لهم صديق سوى قطر، على حد قول إليزابيت ديكينسون.

معضلة أمام الأمير تميم

أوضح التحليل أن العلاقات بين دول الخليج ازدادت صعوبة منذ صيف العام الماضي، إذ تزامنت الانتكاسات في السياسة الخارجية القطرية مع تنصيب تميم بن حمد آل ثاني، 33 عامًا، أميرًا لقطر. وكان تميم قد وصل إلى الحكم متعهدًا بالتركيز على الشئون الداخلية، والابتعاد عن السياسات التي لا تتفق مع دول الجوار، لكن كثيرين في الخليج يرون أن قطر واصلت في الخفاء دعم جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، والجماعات الإسلامية المتشددة في سوريا.

وأشارت ديكينسون إلى أن التوتر بين أمير قطر الجديد وزعماء دول الخليج ارتفعت حدته منذ عدة أشهر قبل إعلان سحب السفراء، حيث هناك اتهامات بأن قطر لم تف بتعهداتها خلال اجتماع عقد في الرياض في 2013، بشأن تنفيذ الاتفاقية الأمنية الخليجية 2012، التي تنص على امتناع جميع الأعضاء عن التدخل فى الشئون الداخلية للدول الموقعة على الاتفاق.

وعُد الاتفاق رد فعل استباقيا إزاء الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط عقب انتفاضات الربيع العربي، لكن دول الخليج اتهمت الدوحة بعدم وضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ.

وكانت دول الخليج الثلاث تأمل فى أن توضع التعهدات موضوع التنفيذ، حال توقيع دولة قطر عليها، بحسب ما أفاد البيان المشترك لسحب السفراء. وعقب ذلك الاجتماع المبدئي، عقدت دول الخليج على الأقل اجتماعين آخرين في محاولة لإقناع قطر بتغيير أساليبها. وفي 17 فبراير 2014، طلبت الدول الثلاث من وزراء خارجيتها "توضيح خطورة الأمر لقطر" بحسب ما جاء في البيان المشترك. وفي اجتماع بالكويت، اتفقت البلدان على وضع آلية لتنفيذ الوعود القطرية، لكن لم يتغير شيء منذ ذلك الحين، إذ تقول الدول الثلاث إنها "ستضطر للبدء في اتخاذ ما تراه مناسبًا لحماية أمنها واستقرارها من خلال سحب سفرائها".

وفي المقابل، أعربت الحكومة القطرية عن شعورها بالدهشة والأسف بسبب هذه الخطوة، وقالت في بيان لها إنها لن تقوم بخطوة مماثلة، وإنها حريصة تمامًا على العلاقات الأخوية.

مأزق القرضاوي

والأمر الأكثر إزعاجًا لدول الخليج، برأي الكاتبة، هو تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي، والذي له برنامج يحظى بمتابعة كبيرة على قناة الجزيرة. وقد أدان القرضاوي دعم دول الخليج للحكومة المدعومة من الجيش في مصر، وذهب الرجل بعيدًا في انتقاده لدولة الإمارات في يناير الجاري بقوله إنها "تحارب الإسلام". وبعد محاولات غير ناجحة لحل الأمور بهدوء، استدعت أبوظبي السفير القطري في 2 فبراير احتجاجًا على هذه التصريحات.

ولفتت ديكينسون إلى أن "القرضاوي مطلوب للعدالة في القاهرة، بيد أن  قطر رفضت الانصياع لمطالب السلطات المصرية بتسليمه. وتصر قطر على أن القرضاوي مواطن مستقل، ولا يمثل السياسة الخارجية للبلاد. لكن شهرته في الأوساط الفكرية القطرية، وظهوره المستمر على قناة الجزيرة، أديا بالكثيرين إلى الاعتقاد بخلاف ذلك.

وبالإضافة إلى استضافة القرضاوي، اعتادت قناة الجزيرة استضافت شخصيات موالية لجماعة "الإخوان المسلمين"، ووفرت لهم منبرًا إعلاميًا أدانوا من خلاله ما يحدث في مصر بعد 30 يونيو.

ووفقًا للتحليل، فإن الخطوة القادمة ستكون من جانب قطر. ففي عام  2002، سحبت السعودية سفيرها من الدوحة احتجاجًا على تغطية قناة الجزيرة، واستغرق الأمر نصف عقد من المناورات والمراوغات لاستعادة العلاقات بين البلدين. وحتى في حال انحسار الأضواء الدولية عن الدوحة، فإن حيلها الدبلوماسية لن تنتهي.


رابط دائم: