السعودية: تجريم «الإخوان المسلمين» والإرهاب تشريعيا
9-3-2014

عبد الله بن بجاد العتيبي
* كاتب سعودي
أصدرت وزارة الداخلية السعودية قبل يومين بيانا تفصيليا للأمر الملكي الصادر قبل أكثر من شهر بخصوص تجريم جماعات الإسلام السياسي وجماعات العنف الديني في السعودية، وقد جاء البيان لينهي الجدل ومحاولات التشويش ويضع النقاط على الحروف.
 
سمى البيان عددا من الحركات والتنظيمات وشمل حركات الإسلام السياسي وحركات العنف الديني بشقيهما السني والشيعي، فكما أن الإرهاب لا دين له فلا طائفة له، وقد أبدى البيان صرامة في تعبيراته وصياغته وعزما على التنفيذ، وقد قسم التعامل مع المخالفين بواقعية، فأولا: ابتداء من هذا اليوم 9 مارس (آذار) فسيجري تطبيق الأمر الملكي على كل من يخالفه وستجري محاسبته على السابق واللاحق من مواقفه لأنه سيكون معاندا. ثانيا: منح فرصة أسبوعين بناء على أمر المقام الكريم لمن يشاركون في قتال خارج البلاد للعودة والاستفادة من المهلة.
 
من أهم ما جاء في البيان تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهو تصنيف مستحق؛ فهذه الجماعة هي الأب الشرعي لكل جماعات العنف الديني، وهي شرعت للعنف تنظيرا وممارسة، وهي لم تزل مستمرة في نهجها القديم الذي ربما حاولت التبرؤ منه في بعض المراحل لمكاسب سلطوية لا لقناعة آيديولوجية.
 
سعوديًّا، خاضت الدولة حربا ضروسا ضد جماعات العنف الديني وعلى رأسها تنظيم القاعدة وانتصرت عليه انتصارا مظفرا وقدمت نموذجا باهرا للعالم في حرب الإرهاب والقضاء عليه، وهي اليوم تدخل مرحلة جديدة لا تقل أهمية وتوسعا عن المرحلة السابقة وكما خرجت مظفرة في الأولى فلديها كل الإمكانات لتجلل بالنصر في الثانية.
 
جاء الأمر الملكي وبعده بيان وزارة الداخلية ليصب في سياق استراتيجية المملكة العربية السعودية لحماية مصالحها العليا وتوحيد الجبهة الداخلية في ظل سياقات أربعة:
 
السياق الأول: الدولي. وقد اتخذت السعودية مواقف تاريخية تجاه ما يجري في المنطقة في ظل تغيرات في توازنات القوى الدولية، فقد أثبتت السعودية بعد نظر وإصرارا على حماية مصالحها حين اتخذت موقفا رفضت فيه قناعة الإدارة الأميركية الحالية بأن وصول الإسلام السياسي وجماعاته للحكم هو السبيل للخلاص من تنظيمات الإرهاب وأثبتت الأحداث صواب ذلك الموقف، وهي دعمت الشعب المصري في خياره التاريخي بإزاحة جماعة الإخوان من السلطة. كما أنها لم تنِ في حماية مصالحها وشعبها وحلفائها في المنطقة وإن اختلفت مع موقف حليف بحجم الولايات المتحدة الأميركية، وقد أثبتت أحداث العالم صواب ذلك الموقف، فأحداث أوكرانيا شاهد، وكذلك يمكن رصد التشكيك المتزايد في دولة بحجم اليابان حول جدوى الالتزام بالمعاهدة الموقعة بعد الحرب العالمية الثانية 1945 في ظل تخاذل الحليف الأميركي عن الالتزام بحماية مصالحها الاستراتيجية. والسعودية من قبل ومن بعد شريك دولي بالغ الأهمية في محاربة الإرهاب إنْ عبر التوقيع على كل القوانين الدولية الصادرة من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة وإنْ عبر التعاون الأمني الدولي للقضاء عليه.
 
السياق الثاني: إقليمي. حيث ظلت الجمهورية الإسلامية في إيران تتخذ من عداء السعودية والدول العربية استراتيجية ثابتة، وهي تقحمت الدول العربية واحدة تلو الأخرى، في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغيرها بهدف الإضرار بمصالح السعودية والعرب. والسعودية وهي تقود حماية المصالح العربية ليس لها بد من مواجهة هذا التحدي الخطير. والتحالف الإيراني مع جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين قديما وحديثا عميق ومستمر ومتواصل منذ الأربعينات كجماعات إسلام سياسي سنية وشيعية وبعد قيام الجمهورية الإسلامية بإيران، والأمر عينه ينطبق على علاقات الجمهورية الإسلامية مع جماعات العنف الديني كتنظيم القاعدة الأم وفروعه بالعراق واليمن وسوريا، وما حركة داعش وجماعة الحوثي إلا مثال. ثم إن الموقف السعودي الداعم لاستقرار الدولة المصرية ولحقوق الشعب السوري لا يحتمل العبث.
 
السياق الثالث: خليجي. أثبت مجلس التعاون الخليجي على مدى عقود أنه واحد من أكثر المنظمات السياسية الإقليمية نجاحا، ولكن الجديد الذي يجب أن يجري التعامل معه بجدية هو استراتيجية احتضان جماعات ورموز العنف الديني والإسلام السياسي منذ منتصف التسعينات، والتفاصيل كثيرة جدا في هذا السياق وبخاصة بعد أحداث ما كان يعرف بالربيع العربي وبعد سقوط حكم «الإخوان» بمصر.
 
السياق الرابع: محلي. وقد جاءت خطوات السعودية متتابعة في هذا الإطار. حديث خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل عام تلاه نظام مكافحة الإرهاب وبعده الأمر الملكي قبل شهر ثم بيان الداخلية التفصيلي قبل يومين، والسعودية كما حاربت الإرهاب وانتصرت عليه فلديها تجربة أقدم في التعامل مع جماعات ورموز الإسلام السياسي منتصف التسعينات حين شقوا الصف وحرضوا ضد الدولة وحشدوا لنشر الفوضى، ورغم تعقد المشهد فهي لم تزل قادرة على تحقيق نجاحات أكبر.
 
ويمكن قراءة بيان الداخلية السعودية التفصيلي على أنه تطرق لثلاثة مستويات؛ الأول: مستوى المبادئ والمفاهيم، حيث تجريم الولاء لدولة أجنبية «بقصد الإساءة لوحدة واستقرار أمن المملكة وشعبها»، ومثله تجريم «البيعة» كمفهوم وكممارسة لغير الدولة، والبيعة لجماعة أو تنظيم أو رمز هو اختراع إخواني بالكامل. ومثله تجريم «الإفتاء» بمشروعية المشاركة في القتال خارج البلاد.
 
الثاني: مستوى الأفعال، حيث جرم البيان أفعال المشاركة أو الدعوة أو التحريض أو التأييد أو إظهار الانتماء أو التعاطف أو الترويج للجماعات أو التنظيمات التي جرت تسميتها في البيان، واستعداء دول أو هيئات أو منظمات دولية ضد البلاد، أو السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، الذي يشمل تيارات «استقرار الفوضى».
 
الثالث: مستوى الوسائل. حيث تجريم ممارسة ذلك في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأي وسيلة مشابهة، وكذلك حضور المؤتمرات أو الندوات المعادية.
 
أخيرا، فحماية استقرار الدولة ورغد الشعب تحكمه مصالح عليا لا تخضع لرغبات الجماهير ولا لآيديولوجيات المتطرفين.
 
-----------------------------
نقلا عن الشرق الأوسط، الأحد، 9/3/2014.

رابط دائم: