دوافع الاستقرار:| "ندوة" متطلبات وحدود عملية التحول الديمقراطي الآمنة
23-2-2014

مرام ضياء الدين
* باحثة في العلوم السياسية.
تنتهي عملية التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 30 يونيو بإجراء الانتخابات البرلمانية. وإذا كان استكمال خريطة الطريق التي لا تزال الحكومة المصرية تحاول تطبيق بنودها قد قربت على الانتهاء، فإن محطتها الثانية المتمثلة في الانتخابات الرئاسية تعد هي الأصعب في تاريخ الدولة المصرية بعد 25 يناير.  في هذا السياق، عقد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء المصري، بالتعاون مع الوكالة الإسبانية للتعاون والتنمية الدولية، ورشة عمل ناقشت خريطة التحول الديمقراطي في مصر، بالإضافة إلى استخلاص الدروس المستفادة من تجربة التحول الديمقراطي في إسبانيا.
 
أولا- تأثير ثورات الربيع العربي فى عملية التحول الديمقراطي:
 
أكد المشاركون أن الدولة التي تتجه بعيدا عن الحكم الديكتاتوري تعد دولة في مرحلة التحول الديمقراطي، وذلك بحسبان أن  الظروف الهيكلية ليست عوامل رئيسية في بدء عملية التحول الديمقراطي. وأشار المتحدثون إلى أن عملية التحول الديمقراطي تمر بثلاث مراحل، هي: مرحلة البداية، حيث بداية ظهور مساحة للديمقراطية والتعدد السياسي، وضعف وانشقاق في النظام. ثم مرحلة التقدم والإنجاز، حيث ينهار النظام، وينشأ نظام جديد، وتتم الانتخابات والدستور. تليهما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة تماسك الديمقراطية، حيث الإصلاح المؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، وسيادة قوانين اللعبة الجديدة.
 
وأوضح المشاركون أن هناك العديد من الطرق نحو الديمقراطية، وأنه لا يوجد نموذج موحد للتحول الديمقراطي يناسب جميع الدول، بالإضافة إلى أن العلاقة بين نوع التحول والنظام الناتج عنه أكثر تعقيدا, وأن الانتقال بعيدا عن السلطوية لا يؤدي دائما إلي ديمقراطية شاملة، أو كاملة الأركان، فهي يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطيات غير ليبرالية أو ديمقراطيات جزئية "تعددية غير فعالة، أو سياسة القوة المهيمنة".
 
ثانيا- الحالة المصرية تجربة التحول الديمقراطي بعد 30 يونيو:
 
 تناول المتحدثون المعوقات الموجودة في مصر، والتي كانت حاجزا أمام عملية التحول الديمقراطي السريعة، حيث قالوا إن مصر عانت تراجعا اقتصاديا حادا، وقطبية اجتماعية، وعنفا سياسيا شديدا، وأعمالا إرهابية. وهنا، أشار المتحدثون إلى أن هذه المعوقات تواجه أغلب حالات التحول الديمقراطي. وأكد المتحدثون أن رغبة المصريين في الاستقرار، خلال هذه الفترة، قد تكون عائقا أمام تحقيق الديمقراطية، وهذا سيقود بسهولة للاعتقاد بأن المطلوب حاليا هو قيادة قوية فقط حتى لو كانت سلطوية . وأشار المتحدثون إلى أن المصريين يتناولن خمسة أبعاد لمفهوم الديمقراطية، هي "أ" الديمقراطية كتمثيل: فبالرغم من أن الانتخابات الديمقراطية هي التي تحدد من يمثل الشعب، فإنه يجب أن ندرك  أن أشهر الحكومات لا تفوز أبدا بدعم نسبة كبيرة جدا من الناس، فهناك من يصوتون لأحزاب أخرى، وهناك  من لا يهتم علي الإطلاق، فيجب احترام التعددية. "ب"  الديمقراطية، بحسبانها القدرة على ممارسة الحقوق الفردية والجماعية. ويمكن القول إن الثورة المصرية جعلت هذا طريقا لا يمكن الرجوع عنه. " ج"  البعد الاجتماعي والاقتصادي للديمقراطية، وهنا نتحدث عن المساواة والعدالة الاجتماعية. "د" الديمقراطية كوسيلة للمحاسبة، فقد تعب المصريون من تصرف المؤسسات والمسئولين كأنهم غير مسئولين، ولا يوجد سبيل لمحاسبتهم، وكان هذا سببا رئيسيا في الإطاحة بالرئيس السابق. " ه" الديمقراطية كطريق لاستعادة العدالة، فيجب تحقيق المساواة أمام القانون وإصلاح الأخطاء السابقة، وهو ما يرتبط بمفهوم "العدالة الانتقالية" التي ترتبط بالعدالة، وليس الانتقام، فيرون أنها لا تعنى فقط معاقبة الإخوان المسلمين على أخطائهم السابقة، وأن هذا المناخ لا يشجع المصالحة الوطنية على الإطلاق، وأخيرا، فهو يرى أن هناك بعدا آخر للديمقراطية لا يراه المصريون، هو النظر إلى الديمقراطية كوسيلة لحل المشكلات، والتعامل مع المشكلات التي لا يمكن حلها بطريقة متحضرة.
 
ووصف المتحدثون الوضع المصري الراهن، خاصة فيما يتعلق بالدستور، بأنه أفضل بكثير عن فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي،  وقالوا إن الدستور الحالي على الرغم من انه أكثر ديمقراطية من السابق، فإنه نظرا للسياق الذي تم فيه، ستظل هناك شكوك حول شرعيته، حيث إن نتيجة الاستفتاء، رغم أنها أعلى من السابق، فإنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن 20 مليونا فقط من 53 مليون صوت مسجل أيدوا الدستور، وأن التحدي الأكبر أمام مصر هو عدم استبعاد أحد، خاصة الإسلام السياسي، وأن االنظر إلى  الإخوان المسلمين على أنهم جماعة إرهابية غير مفيد على الإطلاق. وأضاف المتحدثون أن الدستور أنشأ ما يسمي "نطاقات أو مجالات محمية"، حيث إن هناك مؤسسات في الدولة أوضحت أنها سيظل لها القرار الأخير في الأمور ذات الأهمية بالنسبة لها والأكثر. 
 
ثالثا- دوافع الاستقرار السياسي بعد ربيع الثورات:
 
 أكد المتحدثون أن الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، والأمن المجتمعي يمكن تحقيقها في حال توافر المناخ المناسب، وأن تحقيق ذلك يتطلب سيادة القانون، ومجتمعا اقتصاديا قانونيا منظما يتبع القواعد والقوانين، ومجتمعا مدنيا فعالا ومستقلا. وأضاف المشاركون أن هناك مستجدات جديدة تمت في عمل اللجنة العليا للانتخابات تمت عقب ثورتي 25 يناير و30 يونيو، لعل أهما: إعداد كشوف قيد للناخبين عن طريق استخدام بيانات الرقم القومي، وكذلك استخدام الصناديق البلاستيكية، والأحبار الفسفورية، بالإضافة إلى السماح لمنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام العربية والعالمية بمتابعة الانتخابات.  
 
وأكد المشاركون أن التغيير في مصر والمنطقة العربية يتطلب وقتا طويلا، لأنه استغرق عقودا في دول أخري، ولذلك علينا الاهتمام بالتعليم، وإحداث تغييرات حقيقية وجذرية لخلق جيل جديد من الشباب لديهم إمكانيات الحوار والديمقراطية، وعدم الإقصاء. 

رابط دائم: