من الربيع العربي إلى أوكرانيا:|دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحراك الثوري
5-3-2014

شيلون هيملفارب وسين آدي
* خبيران في العلاقات الدولية

23 فبراير 2014
 

عرض: أحمد عبد العليم، باحث في العلوم السياسية

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك وتويتر) دورًا لا يمكن إنكاره في ثورات الربيع العربي، وبدا هذا الدور الكبير في بدايات هذه الثورات مبشرًا بأن ثمة أدوات جماهيرية جديدة آخذة في التشكُّل في مواجهة الاستبداد. ولكن مع الوقت وتراجع المأمول من ثورات الربيع العربي - في ظل واقع سياسي شديد التأزُّم والتعقيد - بدت هذه الأدوات ربما أقل تأثيرًا وقوةً.

في هذا السياق، نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تحليلا أعدّه كل من شيلون هيملفارب، وسين آدي مؤخرا حول دور وسائل الإعلام الجديدة في تحريك الجماهير، وبشكل أكثر تحديدًا دور مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جاء العنوان الرئيسي للتحليل "وسائل الإعلام التي تحرك الملايين".

وتساءل الكاتبان حول طبيعة هذا الدور لوسائل التواصل الاجتماعي، وعن مدى إمكانية أن تُشكِّل السلاح الأفضل للمُحتجِّين والثوّار، دون أن يخفي التحليل أن ثمة أبحاثا قد تمَّت على الثورة السورية توضح أن مقدار ضرر هذه المواقع الاجتماعية للثوّار يمكن أن يكون أكثر من نفعها لهم.

أوكرانيا على خُطى الربيع العربي

يبدأ الكاتبان تحليلهما بالإشارة إلى التظاهرات السلمية في مواجهة قوات الأمن العنيفة والصلبة في أوكرانيا، الأمر الذي يُذكِّر بحال دول الربيع العربي منذ ثلاث سنوات. ويريان أن ثمة دورا كبيرا تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في تمكين المحتجين الأوكرانيين من تحقيق ما يطمحون إليه، وهو دور حاسم لم يكن من الممكن أبدًا تصوُّره قبل عقد من الزمن.

وبينما يراقب العالم الاحتجاجات الأوكرانية، وهي تتكشف أحداثها، وتظهر تفاصيلها تباعًا، حيث صوت البرلمان على عزل الرئيس فيكتور يانكوفيتش بعد مظاهرات عارمة ، يخضع دور مواقع التواصل الاجتماعي في دعم الاحتجاجات الديمقراطية في بلدان الربيع العربي لمراجعة رئيسية وكبيرة، خاصة في ظل أن المكاسب الديمقراطية التي ظهرت في بداية هذه الاحتجاجات منذ ثلاث سنوات، وبرغم النظرة التفاؤلية الأولّية، يبدو أنها لم تكن سوى مكاسب مؤقتة زائلة غير مستمرة، وأن النظرة التفاؤلية لم تكن واقعية، خاصة في ظل تراجع المكاسب الحقيقية، مقابل تزايد حدّة العنف الذي أصاب تلك البلدان التي كانت على أعتاب مستقبل أكثر إشراقًا في الشرق الأوسط.

الإعلام الجديد في صالح الأنظمة أم الشعوب؟

يطرح الكاتبان تساؤلا رئيسيا متعلق بمدى أهمية وقوة وسائل الإعلام الجديدة في الحركات العالمية من أجل السلام والديمقراطية، وهذا التساؤل مرتبط بوجود كمّ كبير من البيانات والأدلة خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي يمكن أن تساعد في الوصول إلى إجابة، حيث يرى الكاتبان أن أهمية وقوة وسائل الإعلام الاجتماعية قد قوبلت بنوع من المبالغة والتبسيط على حدّ سواء، وأنه لا يمكن تبيان دور التكنولوجيا من خلال بُعدٍ واحد، وأنه بدلًا من ذلك يمكن معرفة هذا الدور من خلال تطبيق خمسة مستويات تحليلية مختلفة، وهي المتعلقة بتحوُّل الفرد، والعلاقات بين الجماعات، والعمل الجماعي، وسياسات النظام، والاهتمام الخارجي أو الدولي.

وبإسقاط ذلك على أهمية وقوة دور وسائل الإعلام الاجتماعية في الربيع العربي، فإنه من الممكن طرح التساؤل حول كيفية تأثير صورة قتل خالد سعيد في حشد المصريين بشكل فردي للانضمام إلى احتجاجات ميدان التحرير لثورة يناير، أو عن مدى تأثير موقع "الفيس بوك" كآلية فعّالة لتنظيم المتظاهرين المصريين من حركات مختلفة، رغم عدم نجاح ذلك في اليمن، وكذلك عن مدى إمكانية مساعدة مواقع التواصل الاجتماعي للثوار السوريين، وفي الوقت نفسه سهولة تعقُّب الحكومة السورية لهم، من خلال البصمات الرقمية، وكذلك عن مدى قدرة موقع "تويتر" مثلًا لنشر كلمة تدين عنف الأنظمة بالشكل الذي يجبر المجتمع الدولي على القيام بدور ما للحيلولة دون وقوع مزيد من العنف.

ويرى الكاتبان أن وسائل الإعلام الاجتماعية باتت تُشكِّل جزءا من الحركات الاحتجاجية لمكافحة عنف الأنظمة الاستبدادية، واحتكارها للمعلومات، رغم أنه قد تمَّت المبالغة بشكل كبير في دورها، وأن تلك المبالغة كانت قد بدأت مبكرًا مع بداية ثورات الربيع العربي في مطلع عام 2011.
وعلى سبيل المثال، لعب "تويتر" دورًا ثانويًا فقط داخل البلدان التي قامت فيها الثورات، وأنه لم يكن هناك أي ظهور لتأثير "دومينو الديمقراطية"، وأن الدليل على ذلك ليس فقط البيانات المتوافرة، ولكن من خلال، أيضًا، متانة الأنظمة الاستبدادية في تلك المنطقة. ومن المفارقات أن ما يتم طرحه حول أهمية الإعلام الجديد ودوره المؤثر قد تمَّ النظر إليه بمبالغة كبيرة، كما تمَّ منذ عقود حول قوة الإعلام التقليدي.

من ناحية أخرى، فإن الأنظمة الديكتاتورية في القرن الجديد بحاجة ملحة وضرورية من أجل تبنِّي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل تحقيق التقدُّم والازدهار، على الرغم من كون هذه التقنيات الحديثة يمكن أن تستخدم من قِبل الحركات الاحتجاجية لتقويض تلك الأنظمة المستبدة وحتى الإطاحة بها، وسيكون من غير المعقول التقليل من قدرة تلك الأنظمة على استخدام هذه التقنيات نفسها لنشر تضليلاتها للعامة، وكذلك استهداف الشخصيات المعارضة، بل واضطهادهم أيضًا، وهو ما كان واضحاً للغاية في عام 2009 في إيران، وكما هو الحال اليوم أيضًا في سوريا.

وبالرغم من ذلك، يرى الكاتبان أن وسائل الإعلام الاجتماعية تستخدم بشكل يُعزِّز من قوة الحركات الاحتجاجية في مواجهة الأنظمة التي تعارضها. ووفقا للبيانات المتوافرة، فإن موقع "تويتر" كان فعّالا بشكل خاص في نشر معلومات احتجاجات الربيع العربي في أشهره الأولى. ومن الناحية النظرية، كان لهذا الأمر تداعيات مهمة متمثلة في تحقيق ضغوط دولية للتأثير في الأنظمة الاستبدادية من أجل تجنُّب العنف الوحشي، ومنع العالم من غضّ الطرف عن أيّة إبادة جماعية، أو إراقة للدماء.

وتشير بعض التقارير إلى أن وسائل الإعلام الاجتماعية بالفعل كانت قد منعت إبادة وشيكة في بنغازي من قِبل قوات الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وهو ما ساعد في حثّ إدارة أوباما على قيادة تدخل دولي حال دون حدوث المجزرة. ومن ناحية أخرى، أدى ذلك إلى الإطاحة بالقذافي، وهو ما رجّح كفة الثورة الليبية في مواجهة النظام الليبي المستبد آنذاك.

مواطن القوة والضعف:

ويشير الكاتبان إلى أهمية أن يتجنب المحللون والنشطاء وصناع القرار الإفراط في التعميم حول نقاط القوة، والقيود على وسائل الإعلام الجديدة، حيث إنه ليس لكل وسائل الإعلام الجديدة المهام نفسها، ولا التأثير نفسه، ولا توفر بالضرورة حالة واحدة تمنح دروسا وعِبرا لما هو مقبل، وما يمكن أن يكون في المستقبل.  ولكن الحقيقة المهمة حول هذه الوسائط حديثة العهد نسبيًا أن دورها ونفوذها وأهميتها اليوم من الممكن ألا تكون هي نفسها غدًا.

إن الأزمة السورية توضح ذلك من نواح كثيرة، منها، على سبيل المثال، أن استخدام "تويتر" تطور بشكل كبير من حيث تأثيره في الأشهر الأولى من احتجاجات الربيع العربي في عام 2011 ، وفي المراحل الأولى مما حدث في سوريا، خاصة بعد السماح بعمل "تويتات"، وكذلك "هاشتاجات" باللغة العربية. وعند هذه النقطة، بدا الاهتمام بالوضع السوري أكثر بكثير خصوصًا داخل منطقة الشرق الأوسط.

ولأن موقع "تويتر" بالأساس يُستخدم باللغة الإنجليزية، وأن هذه اللغة هي المتداولة من قِبل الصحفيين الغربيين في المقام الأول، فإن الأخيرين باتوا بعيدين عن تلك الأحداث والمعلومات المهمة التي أصبحت متداولة باللغة العربية في فضاء "تويتر"، وهو ما يُشكِّل موطن ضعف لفهم الأحداث ومتابعتها، وهو ما يؤثر سلبًا فى موضوعية الصحافة الغربية، وكذلك يُلقي بظلاله في مدى التأثير المحتمل على صناع القرار في العالم من جانب، وفي الرأي العام العالمي من جانب آخر.

وهذه النتائج متشابهة كثيرًا مع الحالة الأوكرانية، والاحتجاجات العارمة فيها، حيث إن بعض الطلاب في جامعة نيويورك وجدوا أن كثيرا من "التويتات" كانت باللغة الإنجليزية من قِبل الأوكرانيين، قبل الحملة العنيفة من الشرطة عليهم في أوائل ديسمبر. ولكن أثناء وبعد ذلك، تحولت "التويتات" من الإنجليزية إلى الأوكرانية والروسية، حيث بدأ المتظاهرون باستخدام ذلك كوسيلة لنشر المزيد من المعلومات، وتنظيم ذلك داخليًا فيما بينهم، ولكن كان لذلك أثر سلبي بأن هذه اللغات المحلية جعلتهم بعيدين عن متابعة الصحافة الغربية لنشاطاتهم بشكل كبير، وكذلك عن الرأي العام العالمي.

وبالطريقة نفسها، وكما وجد الباحثون أن ثمة وظائف وتأثيرات عدة للصحف والكتابات مقابل التليفزيون، فإنه بالمثل أصبح بشكل متزايد ثمة تأثيرات مختلفة ومتعددة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات المختلفة. ولدينا أدلة على أهمية "تويتر" عن "الفيس بوك" لأسباب عديدة، ولكن يبدو من السابق لأوانه الحديث عن أيّ الأدوات فيهما أفضل لنشر المعلومات في الوقت الحالي، وكذلك في القوة والتأثير.  ولكن يمكن القول إن موقع " الفيس بوك" يمكن أن يكون أكثر فعالية من "تويتر" في تنظيم العمل الجماعي، ولكن في ذلك في ظل ظروف معينة.

ويرى الكاتبان أن هذه الاستنتاجات المؤقتة المتعلقة بموقع "الفيس بوك" وقدرته التنظيمية قد قوبلت بمعوقات عديدة، من أهمها عدم الوصول إلى كل البيانات أو البيانات المهمة، وهو ما يؤثر بالضرورة في امتلاك أدوات تحليل صحيحة. والسبب في قلة بيانات "الفيس بوك" المتاحة أن الشركة المالكة لديها مخاوف عدة بشأن الخصوصية، وهو ما انعكس في السيطرة الكاملة على البيانات الخاصة بالأفراد، وهو ما أثّر  بالتبعية في كمّ البيانات المتاحة والأدوات التحليلية الصحيحة.

تساؤلات مستقبلية

ويطرح الكاتبان ختامًا تساؤلا حول سبب سقوط نظام مبارك في مصر، وعدم سقوطه في البحرين، رغم قيام تظاهرات بها أيضًا ضد النظام، وبالتأكيد ليس السبب بالضرورة هو وسائل الإعلام الاجتماعية. وطرحا كذلك تساؤلا عن إمكانية نجاح الثورة الأوكرانية، وذلك لأنه متوقف على مدى قوة أحزاب المعارضة الأوكرانية، وكذلك الانقسامات الإقليمية داخلها، وهي عوامل قد لا تتضح كثيرًا على موقع "الفيس بوك".

أيضا، طرحا تساؤلا عن إمكانية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ولكن- وفقًا للكاتبين - يبدو أنه ولوقت طويل سوف تكون هناك أحداث دامية في سوريا، وأنه مهما حدث حتى هناك، يبدو أن المراحل التالية فيها ستكون فوضوية وغير ديمقراطية مثلما حدث في مصر بعد الإطاحة بنظام مبارك، ومثلما حدث في ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي.

وبنظرة أكثر قربًا، وبشكل واقعي، يمكن القول إن وسائل الإعلام الجديدة تملك من الأدوات التي تجعل من الصعب على النظم القمعية أن تخفي انتهاكاتها، سواء باستخدام تلك الأدوات لإعلام الرأي العام المحلي، أو إعلام الرأي العام العالمي. وتبدو بعض تلك الوسائل- خاصة "الفيس بوك"- لها أثر فعّال، وبشكل خاص في التنظيم، وجمع الأموال، وربط شتات الاجتماعات المهمة، والإعلان عن الاحتجاجات المستقبلية، وربما حتى بتوليد الإحساس بالانتماء للمجتمع، وخلق مساحات إبداعية مختلفة ومتزايدة للناشطين من أجل استخدام قدراتهم في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في مواجهة الأنظمة المستبدة.

ويرى الكاتبان أن موقع "أوشاهيدي" مثلاً - وكلمة "أوشاهيدي" هي كلمة إفريقية سواحيلية تعني "شهادة"، وهو موقع مَعني بتسجيل شهادات المواطنين عن العنف والفساد والفقر -  قد أسهم بشكل كبير في فضح انتهاكات الأنظمة المستبدة حول العالم.

وبشكل عام، يرى الكاتبان أنه يمكن القول إن وسائل الإعلام الجديدة قد خلقت بيئة أكثر ثراءً للمعلومات عن تلك التي قدمتها وسائل الإعلام التقليدية في أوقات سابقة مضت، وأنه بدا واضحًا أن وسائل الإعلام الجديدة ليست فقط بمثابة تصحيح لمحدودية وسائل الإعلام التقليدية، ولكن أيضًا لها مهام وأدوار وتأثيرات واضحة على نحو متزايد، وأن وسائل الإعلام، أيًا كان نوعها، وإن لم يكن من المُرجَّح أن تكون لديها القوة الحاسمة التي يأملها البعض، ويدّعيها البعض الآخر، فإنه ليس هناك أدنى شك فى أننا نعيش بها في عالم أكثر ارتباطًا من أي وقت مضى من تاريخ البشرية، وهي حقيقة متمثلة في التأثيرات الهائلة لوسائل الإعلام الجديدة على تعبئة الحركات الجماهيرية.


رابط دائم: