العودة للمربع الأول:| "مؤتمر" مستقبل حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي
25-2-2014

أميرة البربري
* باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.
أثار الصعود المفاجئ لحركات الإسلام السياسي، واعتلاؤها السلطة في معظم دول الثورات العربية، ثم السقوط السريع لها في مصر - بلد المنشأ لهذه الحركات – وما استتبعه من موجات غضب متصاعدة وصلت لدرجة المواجهة مع هذه التيارات في عدد من الدول العربية- عددا من التساؤلات الملحة، من أهمها: ما أسباب السقوط السريع لهذه التيارات؟، وما المنطلقات الفكرية والنظرية لحركات الإسلام السياسي؟، وهل فكرة الإسلام السياسي تؤدي بالضرورة إلى الشمولية ومن ثم العنف؟، وما هي السيناريوهات المستقبلية المحتملة لحركات الإسلام السياسي في الوطن العربي؟.
 
في هذا الإطار، عقد المركز العربي للبحوث مؤتمره بعنوان "مستقبل حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي" برعاية د. عبد الرحيم علي، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، رئيس المركز، وبرئاسة الكاتب الصحفي السيد يس، مدير المركز، وعدد من الخبراء والمتخصصين في شئون الحركات الإسلامية بالوطن العربي.
 
•أهداف المؤتمر:
 
افتتح د. عبد الرحيم على المؤتمر، مشيراً إلى اختطاف الثورات العربية من قبل جهات بعينها. وعند قيام ثورات أخرى، اختلفت الرؤي حول ما أسفرت عنه من نتائج بين مؤيد ومعارض، وهو ما يثير إشكالية حقيقية تحتاج إلى تفنيدها لاكتشاف روح الحقيقة، وتجليات الوضع السياسي الراهن، وهو ما يحاول المؤتمر تحليله من خلال النقد المعرفي لحركات الإسلام السياسي. 
 
كما أشار الكاتب الصحفي "السيد يس" إلى أن النظام الدولي الحالي يشهد تحولاً من الأحادية القطبية والهيمنة على العالم من خلال قطب أوحد إلى نظام متعدد الأقطاب لا يزال في مرحلة النشوء. وفي إطار التفاعلات المعقدة بين النظام العربي الأصيل، والشرق الأوسط الجديد الذي يفرض على المنطقة، يحاول المركز تقديم رؤية لهذه التفاعلات من خلال طرح رؤى لمستقبل حركات الإسلام السياسي، وتفعيل دور المثقف العربي في تطوير المجتمع، مؤكداً أن المثقفين العرب أدركوا أن الفشل في اجتياز الحداثة الفكرية، وإدراك أن العقل هو الوحيد المخول  بالحكم على الأشياء، قد أحدثا الاضطراب في المسيرة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
 
وأثار السيد يس إشكالية الإخفاق في التأليف الخلاق بين الحداثة الفكرية والأصالة الحضارية، موضحاً أن الفكر العربي يمر حالياً باللحظة الرابعة للتطور، والمتمثلة في إشكالية الدين والسياسة. واستشهد على ذلك بما فعله النظام المستبد – على حد تعبيره – والذي حاول الهيمنة على مقدرات المجتمع، وتفكيك الدولة، والتأسيس لخلافة مزعومة، مما أدى إلى سقوطه، نتيجة إحساس المواطن العادي بالخطر الداهم لهذه الحركات على بنية المجتمع. وفي إطار ذلك، حاول المركز دراسة مخاطر حركات الإسلام السياسي، وتوجيه نقد معرفي دقيق لها، للوصول إلى رسم سيناريوهات مختلفة لمستقبل هذه الحركات.
 
• رؤى حركات الإسلام السياسي في بناء الدولة والمجتمع:
 
في بداية الجلسة الثانية، أشارت المستشارة تهاني الجبالي – رئيس الجلسة – إلى أنه لا بد من مراجعة المشروع الفكري الإسلامي، وإعادة إنتاج الشكل السياسي لتوحد الأمة، بمعنى تحول الأمة الإسلامية إلى أمة سياسية، ومواجهة الفكر بالفكر. 
 
وأشارت الجبالي إلى أن أهم الأفكار التي لا بد من مواجهتها هي فكرة "الخلق"، فالمشهد الحالي يشهد فكرة خلق الفئة المضطهدة، لتصبح المظلومية بداية لتشكيل وعي جمعي. وأقرب دليل على ذلك ما فعلته الحركة الصهيونية بمظلوميتها من ابتزاز لدول العالم، فإما المساندة للفئة المضطهدة، أو مناهضتها. ولفتت إلى أن التأمل فيما حدث في رابعة من شعارات ودبلوماسية ممنهجة، واختزال المشهد في اشتباك بين فئة مضطهدة وفئة لا ترى هذا الاضطهاد، يجعلنا أمام هولوكوست جديد.
 
وأكدت أن تجربة مصر هي الفاصلة في حياة التيار الإسلامي الذي حكمها خلال عام، بحسبانها دولة المنشأ لهذا التيار، مما ينبئ ببداية النهاية لهذا التيار نهائياً.
 
وفي السياق نفسه، أشار د. قدري حفني، أستاذ علم النفس السياسي، إلى أن فكرة الولاء للعقيدة لدى جماعة الإخوان تعلو الولاء للوطن، وهي فكرة قديمة طرحها الأفغاني، ولكن الجديد هو أن هذا الفصيل يحول الفكرة إلى ممارسة عملية من خلال إخضاع الآخر بالقوة لا بالإقناع، ويكون أسلوب التجنيد من خلال خلق جماعة افتراضية تدعي المظلومية ليتوحد الآخرون معها على أساس هذه المظلومية، والجهاد معها وفي سبيلها. وأكد أن ما حدث في رابعة من تهديدات قد تحقق على أرض الواقع من عمليات إرهابية، وهنا يبرز وجود خلط لدى هذا الفصيل بين الدعوة والدولة.
 
• تجارب حركات الإسلام السياسي في السلطة:
 
أشار د. على الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية، إلى وجود قواسم مشتركة تحكم تجارب حركات الإسلام السياسي في السلطة، أهمها:
 
1. التناقض بين المرجعية الأممية، ومرجعية الدولة الحديثة.
 
2. تغليب السلطة على الدين، واستخدام الدين لتبرير سلوكيات السلطة.
 
3. الغواية السياسية في التعامل مع القوى المغايرة لضمان تأييدها للنظام في مرحلة معينة.
 
4. الاستحواذ والانفراد، ثم الإقصاء للآخر، وكل هذا يقود بالضرورة إلى الشمولية.
 
وحول التجربة الإسلامية في العراق، أشار د. واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، إلى أن ظهور وتطور الأحزاب السياسية الدينية في العراق جاء كرد فعل طبيعي على فشل التجارب السياسية السابقة، ويرى أن الأحزاب الدينية في العراق، شأنها شأن الأحزاب الإسلامية العربية، لم تستطع أن تقنع المواطن العربي بأدائها عند تسلم السلطة، وارتكبت أخطاء جسيمة أدت إلى تفتيت الدولة، وأثبتت أنها تصلح للعمل في المعارضة أكثر من عملها في إدارة الدولة.
 
أما بخصوص التجربة السودانية، فقد أوضح د. حيدر إبراهيم، مدير مركز الدراسات السودانية، أن الإسلاميين يبذلون كل جهدهم في صناعة العدو، وخلق صورة للخصم لتبرير الحاجة لقيام الحركة الإسلامية، على الرغم من أنهم لم يتعرضوا إلى الاضطهاد والقمع مثل الذي مارسته عليهم بعض الأنظمة العربية في البلدان الأخرى، ولكنهم هم الذين مارسوا القمع، وأدخلوا التعذيب وبيوت الأشباح لأول مرة في الحياة السياسية السودانية.
 
وأشار حيدر إلى أن الحركة الإسلامية السودانية اعتمدت بالكامل على المصدر المصري في الفكر والثقافة، وحتى الشكل التنظيمي، فقد كانت أقرب إلى أن تكون عالة في زادها الفكري والتنظيمي علي الخارج، ولازمتها الشعاراتية والشفاهة طوال تاريخها، وبقي كسبها الفكري هزيلاً رغم انتشارها وصوتها العالي. ويغلب على رؤيتهم للديمقراطية أنها تؤدي للفرقة والفتنة، مقابل الوحدة والشوكة، انطلاقاً من موقف فلسفي ثابت يقول بحاكمية الله من خلال التوحيد.
 
  وأكد حيدر أن سبب سقوط المشروع الحضاري يعود إلى عدم امتلاك الفكر الإسلامي لأي نموذج إرشادي مستمد من التاريخ لشكل ومضمون الدولة، وأن هذه التجربة الكارثية في السلطة تفرض على حركة الإسلام السياسي، إذا أرادت تجنب الانقراض، ضرورة تجديد الخطاب الإسلامي، والسعي لاجتهاد حديث يبلغ درجة الوصول إلى لاهوت تحرير إسلامي.                           
 
وفي مصر، يرى د. أحمد بدوي، الخبير بالمركز العربي للبحوث والدراسات، أن  جماعة الإخوان المسلمين، قد صنعت بنفسها ولنفسها عوائق معرفية واجتماعية أدت إلى تورطها في أخطاء مستمرة طوال تاريخها، حيث تأسس تنظيم الإخوان على بنية معرفية، تتناقض مع الأسس المعرفية للدعوة الإسلامية الأصيلة، فأخفقت في لعب دور الداعية، لتستبدله بلعب  دور الجماعة المجاهدة المغلوبة، لدغدغة المشاعر، وكسب التأييد الشعبي. واستدعى وجود العائق المعرفي ظهور العائق الاجتماعي الذي يحول دون تكيف التنظيم مع البيئة المحيطة، مفضلاً الانعزال في بعض الأحيان، أو التكيف المؤقت في أحيان أخرى، تمهيداً للثورة على هذه البيئة لحظة التمكن. 
 
وأشار إلى أن الجماعة استطاعت أن تكرس في الحس العام للمصريين، منذ السادات حتى مبارك، أنها أكثر القوى التي دفعت ضريبة النضال، فاكتسبت شعبية لدى قطاع كبير من الجماهير. وبعد توليها السلطة، استدعى التنظيم أهدافه الاستراتيجية، والإصرار على أن يلعب الجميع وفقاً لشروطه، دون حساب لأي قوى موجودة على الأرض، بما فيها القوة السلفية المتحالفة معها، وامتد العداء ليشمل قطاعات الجماهير، والقوى السياسية، ومؤسسات الدولة الرئيسية (الجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام، والثقافة).
 
وبعد ثورة يونيو 2013، اتجه التنظيم إلى إنكار الواقع، وممارسة العنف بكل السبل، مما أحدث تحولاً آخر في العلاقة بين جموع المصريين والدولة من جانب، والتنظيم في جانب آخر إلى علاقة عداء صريح، تلقى المقاومة من الأهالي، وتوصم بالجماعة الإرهابية من قبل الدولة.
 
 يكشف هذا التطور، الذي لحق بوجود تنظيم الإخوان، أن الجماعة تتبع في حركتها السياسية طرقاً دائرية في تقييم أفعالها السياسية وتبريرها، مما يجعل السيناريوهات المحتملة لمستقبلها تسير في مسار شبه حتمي.
 
• السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحركات الإسلامية واستراتجيات التعامل:
 
طرح د. أحمد بدوي رؤية لمستقبل حركات الإسلام السياسي، تتلخص في خمسة سيناريوهات، هي:
 
1. الاستمرار في مواجهة البيئة المصرية دون التكيف معها، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار المشهد الإقصائي في العهد الناصري، مع الوضع في الحسبان أن العداء أصبح ممتداً ليشمل المؤسسات والنظام السياسي والجماهير العادية، وهو السيناريو المحتمل، في حالة بقاء قيادات التيار القطبي مسيطرة على التنظيم.
 
2.  التغيير الشامل لهيكل القيادات القطبية، مع تبني مراجعة فكرية، والإقرار بالأخطاء، وهو صعب التحقق، لأنه يحتاج إلى مجهود فكري كبير، وقيادات مخلصة تؤمن بالدعوة الإسلامية الحقيقية، مع الوضع في الحسبان أنه بمجرد تبني هذا السيناريو، تفقد الجماعة مواردها الخارجية، وبالتالي ستقل فعاليتها في الحركة. 
 
3. حدوث تغيير في هيكل القيادة، دون تغيير في أسسها المعرفية، لكن مع الاعتراف بالوضع القائم، مصحوب بالإعلان عن وقف الصراع مع المجتمع، والالتزام بقواعد اللعبة السياسية، مما يعني أن الجماعة سوف تدخل في مرحلة تكيف مؤقت مع المجتمع المصري. ومعنى هذا أن يظل التنظيم قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
 
4. أن تؤدي عملية التحول الديمقراطي، في السنوات الأربع القادمة، إلى ظهور المجتمع الديمقراطي القائم على المحاسبة والشفافية والنزاهة، مما يدفع إلى تآكل تلقائي لادعاءات الجماعة، وتهافت أفكارها، وانصراف الأعضاء عنها، لتصبح رقماً سهلاً في المعادلة السياسية، غير أن ذلك مرتبط بتغيير حقيقي في نظام التعليم المصري، وضبط مجال الدعوة في المجتمع بالمرجعية الأزهرية. 
 
5. انقسام الجماعة إلى جماعتين: جماعة دعوية صريحة، تتشكل من الكوادر المهنية المنتمين للطبقة الوسطى، وأخرى تضم أعضاء النظام الخاص في الجماعة وكل القطبيين، وستكون هذه الجماعة سرية مسلحة صريحة، على غرار تنظيم القاعدة.
 
وفيما يتعلق بالاستراتيجيات المستقبلية للتعامل مع حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي، أكد د. علي الدين هلال أننا نتعامل مع ظاهرة تاريخية تعتمد على قوة هائلة في التأثير، وهي "الدين" ، ولها امتدادات تاريخية ضاربة في الجذور، وبالتالي فنحن لسنا أمام ظاهرة حديثة، وإنما صيغة حديثة من ظاهرة متكررة، لذا لا بد من التحديد الدقيق للهدف.
 
وفي هذا السياق، طرح د. هلال ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لحركات الإسلام السياسي، تتمثل في:
 
- التأجيل: بمعنى الإبقاء على الوضع القائم، واستمرار الحركات في العمل السياسي، مما يؤدي بالضرورة لمواجهات مستمرة – سواء عنيفة أو العكس - بينها وبين الدولة والنظم القائمة. 
 
- الاستئصال: وهو سيناريو كارثي، حيث تنعكس آثاره على الدولة والمجتمع والأفراد، وتكلفته السياسية والمعنوية مرتفعة، إذ إنه من الخطأ البالغ التعامل مع هذه الحركات على أنها مجرد أفكار، وإنما بحسبانها تستند لقواعد عميقة في التكوين الاجتماعي، يصعب حلها أمنياً فقط، كما أنه لا يمكن ضمان عدم تجاوز الأجهزة الأمنية، مهما حسنت النوايا.
 
- المواطنة: وهو السيناريو الأقرب إلى الواقع، ويتطلب إعادة بناء الدولة ثقافياً، وسياسياً، واجتماعياً، مع مراعاة أن تكون نقطة الانطلاق هي المساواة بين المواطنين، وتجريم التمييز بينهم، والهدف هنا هو تصفية هذا التيار بتصفية المنابع الثقافية التي تغذي هذه الأفكار، وهو ما يقتضي استراتيجية كاملة تتضمن حزمة من السياسات، تعتمد في الجانب الأساسي منها على البناء: مثل بناء دولة القانون، وجوهرها الحد من السلطة المطلقة، وسياسة ثقافية شاملة لتصفية الأساس الاجتماعي لها.
 
بينما أشار د. سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات،  إلى ضرورة عدم الاستهانة ببضعة أفراد يقدمون فكرة، ويتبارون في تنفيذها للسيطرة على العالم. ففي الاستراتيجيات، كل شىء يبدأ بفكرة، بما في ذلك المشروع الإسلامي الذي صاغه حسن البنا في لحظة كان يشعر فيها المسلمون في كل أنحاء العالم بالهزيمة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، فنشأت فكرة الخلافة أو الحلم الذي قامت الجماعة بناء عليه بتجنيد الشباب، والصغار، والكبار الذين يتبنون هذا الحلم. ومن هنا، لا بد من التعامل مع هذا الوهم، وإعادة التصور لتاريخنا الإسلامي، إذ إنه من الصعب اقتلاع فترة يعتز بها المسلمون، وهي الخلافة الراشدة، والحل هو الجسارة في المواجهة، وإعادة القراءة النقدية للتاريخ الإسلامي، وكيفية تدريسه.
 
وحول كيفية التعامل مع حركات الإسلام السياسي في المستقبل، أشار د. سعد إلى خطورة الحديث عن الإقصاء، وإنما لا بد من إرساء مشروع ديمقراطي ليبرالي حقيقي، يكون أكثر المستفيدين منه الشباب، والنساء، والأقباط، من خلال تمثيلهم في كل المجالس المنتخبة، بالإضافة إلى ضرورة قيام شباب الثورة- الذي وصف حالته "بالدلع الثوري"- بعمل نقد ذاتي لدورهم منذ بداية ثورة 25 يناير وحتى الآن. 
 
وقال د. سعد: "بما أن الحرب تبدأ كفكرة في عقول البشر، وكذلك السلام، فإن بناء مجتمع ديمقراطي لا بد أن يبدأ بفكرة أيضاً في عقول البشر، على أن تكون البداية الحقيقية من التربية والتعليم.
 
وفي نهاية المؤتمر، أكد السيد يس ضرورة ممارسة النقد الذاتي من قبل كل القوى السياسية، سواء الإسلامية أوالليبرالية، بحسبانه أساس التقدم الغربي، وتوظيف العلم الاجتماعي لفهم ديناميكيات الحركات الإسلامية، وإخضاع ثورات الربيع العربي للتجديد المنهجي والمعرفي.

رابط دائم: