الأمة المستغني عنها‮:‬| أزمة القيادة والسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط
2-2-2014

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية
مع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما،‮ ‬اهتمت كتب أمريكية،‮ ‬صدرت خلال عام‮ ‬2013،‮ ‬بتقييم القيادة والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬في وقت لم تعد فيه المنطقة مستقرة للمصالح الأمريكية‮. ‬فقد اندلعت ثورات الربيع العربي التي أفضت لتحولات في‮ ‬التوازنات المستقرة بالمنطقة بصورة أزعجت الإدارة الأمريكية،‮ ‬وأفقدتها حلفاءها في المنطقة‮.‬ كما أن وتيرة التطورات والأحداث في المنطقة سريعة،‮ ‬وتتجاوز ردة الفعل الأمريكي الذي اتسم بقدر كبير من البطء والانتقائية،‮ ‬وتراجع الدور والفعالية لصالح تنامي الدورين الصيني والروسي اللذين أضحيا يشكلان تهديدا للمصالح الأمريكية‮.‬ فالتنافس الجيوبوليتيكي مع الصين وروسيا لن يقتصر على النفوذ في آسيا، بل سيمتد لمنطقة الشرق الأوسط بصورة حتمية‮.‬
 
كانت خطابات الرئيس الأمريكي،‮ ‬باراك أوباما،‮ ‬خلال فترته الرئاسية الأولي‮ (‬2008‮ - ‬2012‮) ‬تجاه المنطقة مفعمة بالآمال والطموحات،‮ ‬فقد سعي‮ -‬منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض‮- ‬إلى تبني نهج مختلف في السياسة الخارجية الأمريكية، فكانت أولي مهامه التي أعلن عنها مع بداية فترته الرئاسية الأولي إنهاء حربي العراق وأفغانستان،‮ ‬والتواصل مع العالم الإسلامي‮.‬ ولكن مع انتهائها،‮ ‬تجلت إخفاقات إدارته على صعيد السياسة الخارجية،‮ ‬حيث اصطدمت خطاباته وطموحاته المفعمة باللغة الخطابية،‮ ‬والطموح والآمال بواقعية السياسة الخارجية، ليتبني مقاربات على الصعيد الخارجي لا تختلف كثيرا عن تلك التي تبناها الرئيس الأسبق،‮ ‬جورج دبليو بوش‮.‬
 
ومن أبرز الكتب التي صدرت خلال عام‮ ‬2013،‮ ‬مع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما،‮ ‬والتي تقيم السياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬خلال فترتها الرئاسية الأولي،‮ ‬كتاب والي نصر، المتخصص في قضايا منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، المعنون بـ‮ "‬الأمة المستغني عنها‮: ‬السياسة الخارجية الأمريكية في تراجع‮". ‬يركز الكاتب في كتابه على موقف الإدارة الأمريكية من الملف الأفغاني،‮ ‬وأزمة البرنامج النووي الإيراني،‮ ‬وعلى موقفها من دول الربيع العربي،‮ ‬لاسيما مصر، بحسبانها جميعا مؤشرا على إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة أوباما‮.‬
 
يصف الكاتب الولايات المتحدة في إدارة أوباما الأولي بـ‮ "‬الأمة المستغني عنها‮" -‬نظرا لإخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬المتمثلة في قيادتها التحالف ضد العقيد معمر القذافي الذي ارتكب مجازر ضد المدنيين‮- ‬من الخلف تحت قيادة حلفائها الأوروبيين، وفي عقم الخيارات الأمريكية في أفغانستان،‮ ‬حتي إنها وضعت هذا البلد أمام مستقبل‮ ‬غير موثوق، وكذلك في امتناع واشنطن عن لعب دور قيادي في إنهاء المجازر الإنسانية في سوريا، فضلا عن انسحابها من منطقة الشرق باتجاه آسيا‮. ‬وبهذا،‮ ‬يرد الكاتب على ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي الأسبق،‮ ‬بيل كلينتون،‮ ‬حين وصف بلاده بأنها‮ "‬الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها‮"‬،‮ ‬وذلك بعد خروجها منتصرة من الحرب الباردة،‮ ‬وانهيار الاتحاد السوفيتي،‮ ‬وتربع الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي كقطب أوحد بلا منافس، وقدرتها على حل الصراعات الدولية،‮ ‬وتقديم الدعم إلى الدول المأزومة‮. ‬فالكتاب يقول بدءا من عنوانه بكل بساطة إن أمريكا أضحت‮ "‬أمة مستغني عنها‮" ‬بسبب‮ "‬تراجع السياسة الخارجية الأمريكية‮".‬
 
ويرجع الكاتب إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة أوباما تحديدا إلى الفريق الرئاسي المحيط به، ويقول إنهم من صغار السن،‮ ‬وغير خبراء في صنع القرار الأمريكي الخارجي، وإنهم من المنشغلين بالصراع الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومهووسون بعناوين وسائل الإعلام لتكون في صالح الرئيس‮. ‬ويرجعها كذلك إلى تنامي دور المؤسسة العسكرية والاستخبارات في عملية صنع القرار على حساب وزارة الخارجية،‮ ‬المتمثلة في وزيرة الخارجية،‮ ‬هيلاري كلينتون،‮ ‬وريتشارد هولبروك،‮ ‬المبعوث الأمريكي لأفغانستان وباكستان‮.‬ وكان هم العسكريين وهدفهم ألا يظهر الرئيس ذاك الرجل الضعيف الذي يفضل الحلول السياسية في حل الصراعات والمشكلات‮.‬
 
يري نصر أن الولايات المتحدة أخفقت في تعاملها مع موجة الربيع العربي،‮ ‬وفي سياستها تجاه المنطقة، وأن الخطاب الأمريكي تجاه المنطقة والثورات العربية كان خطابا بلاغيا مفعما بالآمال والطموحات التي لم تجد لها سبيلا للتطبيق على أرض الواقع‮.‬ ويتحدث عن تأرجح الموقف الأمريكي من تطورات الربيع العربي بين دعم الأنظمة السياسية تارة،‮ ‬ودعم الشعوب الثائرة تارة أخري،‮ ‬ولم يعرف ماذا يفعل بعد ذلك‮.‬
 
يلخص نصر إخفاقات إدارة الرئيس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في أن الإدارة الأمريكية،‮ ‬خلال سنواتها الأربع الأولي في البيت الأبيض،‮ ‬لم تستغل الفرص السانحة لبناء مؤسسات إقليمية،‮ ‬وسياسية،‮ ‬وعسكرية،‮ ‬واقتصادية تساعد المنطقة على حل قضاياها،‮ ‬وإدارة أزماتها بدون أن يتطلب ذلك التضحية بمزيد من أرواح الأمريكيين،‮ ‬ومليارات الدولارات الأمريكية، وتقليل تنامي نفوذ تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية بالمنطقة، ودعم ونشر الديمقراطية، وإثناء إيران عن برنامجها النووي، وتقليل النفوذ الصيني المتنامي في الشرق الأوسط‮.‬
 
وفي سياق متصل،‮ ‬ينتقد نورمان ميلر في كتابه‮ "‬لماذا نحن في حرب؟‮" ‬الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة،‮ ‬خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين،‮ ‬والمستمرة إلى يومنا هذا‮.‬ فيري أن تلك الحروب لم يقتصر ضررها المباشر على الولايات المتحدة من حيث فقدانها لجنودها في هذه الحرب، وإنما الخسارة الكبري تكمن في صورة الديمقراطية التي فقدتها تدريجيا،‮ ‬فأصبحت‮ -‬من وجهة نظر الشعوب‮- ‬هي المروج الأول للديكتاتورية والفاشية، والتدخل في شئون الدول الأخري،‮ ‬وهو ما أدى إلى زيادة العداء واللهجة العدائية لحكومات معارضة للسياسات الأمريكية‮.‬ ومرجع ذلك الأساسي‮ ‬غطرسة السياسيين في البيت الأبيض والكونجرس على حساب تدمير أسس الديمقراطية الأمريكية عند الشعوب الأخري‮.‬
 
ومع اهتمام الرئيس الأمريكي باراك أوباما،‮ ‬على خلاف رؤساء الولايات المتحدة الأمريكيين،‮ ‬منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض،‮ ‬بقضية الصراع الفلسطيني‮ - ‬الإسرائيلي، ووضع عملية السلام على أولوياته، اهتمت كتابات أمريكية بتقييم السياسة الخارجية تجاه الصراع الفلسطيني‮ - ‬الإسرائيلي‮. ‬ففي كتابه‮ "‬الآمال المحطمة‮: ‬فشل عملية أوباما للسلام في الشرق الأوسط‮"‬،‮ ‬ينتقد جوش روبنر سياسات إدارة أوباما تجاه علمية السلام، فيري أنها فاشلة،‮ ‬وشابها الكثير من الأخطاء، فلم يضغط على إسرائيل لوقف المستوطنات،‮ ‬عندما تطلب الأمر ذلك، خوفا من نفوذ اللوبي الإسرائيلي،‮ ‬وتأثيره في فرص فوزه في انتخابات عام‮ ‬2012،‮ ‬ولم تدن إدارته سياسات الاستيطان الإسرائيلية في مجلس الأمن‮.‬ وفي المقابل،‮ ‬استمرت إدارته في نقد الجانب الفلسطيني في كل محفل‮.‬
 
وفي مؤلفه المعنون بـ‮ "‬وسيط مخادع‮: ‬كيف تقوض الولايات المتحدة عملية السلام في الشرق الأوسط؟‮"‬،‮ ‬يري الخبير في الشئون المنطقة والصراع العربي‮ - ‬الإسرائيلي،‮ ‬رشيد خالدي،‮ ‬أن الولايات المتحدة تسعي إلى تقديم نفسها كوسيط نزيه للصراع العربي‮ - ‬الإسرائيلي‮.‬ فمن وجهة نظر خالدي،‮ ‬لم تكن ذلك الوسيط النزيه أو المحايد في المفاوضات، بل إنها كانت طرفا منحازا للطرف الإسرائيلي ومدافعا عنه وعن سياساته التي من شأنها إفشال المفاوضات‮.‬
 
ومع تعدد الكتابات التي تنتقد السياسة الخارجية الأمريكية خارجيا،‮ ‬وتطالبها بدور أكثر انخراطا في الشئون الدولية،‮ ‬من أجل الحفاظ على المكانة والقيادة الأمريكية عالميا،‮ ‬يذهب رئيس مجلس العلاقات الخارجية،‮ ‬ومدير التخطيط الأسبق في الخارجية الأمريكية،‮ ‬ريتشارد هاس،‮ ‬في كتابه الذي جاء تحت عنوان‮ "‬السياسة الخارجية تبدأ في الداخل‮: ‬قضية إعادة ترميم البيت الأمريكي‮" ‬إلى أن حفاظ الولايات المتحدة على مكانتها في النظام الدولي،‮ ‬وتفردها على قمة النظام الدولي،‮ ‬يفرض عليها إصلاح السياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬والذي يبدأ‮ -‬من وجهة نظر الكاتب‮- ‬من الداخل،‮ ‬وإعادة ترتيب البيت الأمريكي داخليا، انطلاقا من أن مخاطر تهديد الأمن والرفاهية الأمريكية لا تتمثل في الصعود الصيني،‮ ‬ولا الإرهاب،‮ ‬ولا الاضطرابات في الشرق الأوسط،‮ ‬ولكن تنبع من الداخل الأمريكي،‮ ‬المتمثل في عجز الموازنة،‮ ‬والبنية الأساسية،‮ ‬والتعليم،‮ ‬والهجرة‮. ‬ويري هاس أن تأثير الداخل في مكانة أمريكا يفوق تأثير التهديدات الخارجية‮.‬

رابط دائم: