فرص الحوار بين دول الخليج وإيران
14-1-2014


*
تسعى إيران لإعادة التموضع re-positioning فى منطقة الخليج، من خلال الحصول على اعتراف أمريكى بكونها قوة رئيسية مهمة فى هذه المنطقة، دون أن تقدم تنازلات حقيقية لدول الخليج الست، خاصة السعودية، لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الخلافية بين الجانبين، سواء قضية التدخل فى الشئون الداخلية للبحرين، أو الجزر الإماراتية الثلاث، أو الوجود الإيرانى فى العراق، أو مشكلة توازن النفوذ بين إيران وهذه الدول فى المنطقة، لاسيما السعودية.
 
ويعد هذا الوضع سببا رئيسيا فى اعتقاد تيار مؤثر فى دوائر صنع القرار فى الخليج، بأن إيران لم تتغير بعد وصول حسن روحانى للسلطة، وأنها لا تزال مصدر كل المشكلات فى الخليج، وأنها غير راغبة فى تغيير سياستها فى الخليج، طالما أن الولايات المتحدة لا تطالبها بذلك.
 
تعد العلاقات بين دول الخليج الست وإيران علاقة معقدة، رغم بساطتها الظاهرية، ولا تخدم بالضرورة التصور المسيطر على التوجهات المعلنة للقيادات الخليجية بكون إيران مهددة لأمن الخليج، فمن ناحية تختلف دول الخليج الست فى تصنيفها لإيران، بحسب خبرتها التاريخية ورؤيتها لمصالحها الوطنية، ففى الوقت الذى تصور فيه البحرين إيران على أنها مصدر التهديد الاول لأمنها، وتراها السعودية على أنها مصدر تهديد رئيسى لنفوذها فى المنطقة وأمنها الداخلى، تراها قطر على أنها مصدر تهديد يأتى فى مرتبة ثانية، بينما تصورها عمان على أنها «صديق» أو «شريك» فى المنطقة، وقد انعكس هذا التصور فى سياسات عمان تجاه البرنامج النووى الإيرانى، والدور الذى لعبته كقناة اتصال بين إيران ومجموعة 5+1 فى الأشهر الأخيرة لحكم أحمدى نجاد. كما تتعامل الكويت والإمارات مع إيران على أنها دولة مثيرة للمشاكل trouble maker، ولكن يمكن التعامل معها.
 
ومن ناحية ثانية، توجد مصالح استراتيجية مشتركة بين إيران ودول الخليج الست، ومنها الحفاظ عل استقرار العبور فى مضيق هرمز، نظرا لأهميته الحيوية فى خط نقل نفط الخليج، ورغم محاولات دولة الامارات ايجاد خط بديل لنقل النفط، من خلال تطويرها خط جشمان الفجيرة، فإن هرمز لا يزال يتمتع بأهمية استراتيجية فى تجارة النفط. كما أن السوق الإيرانية والاستثمارات الإيرانية تظل مهمة لاقتصادات دول الخليج بدرجات متفاوتة، لاسيما فى حالة البحرين والإمارات، فعلى سبيل المثال، ورغم سعى الإمارات لتنفيذ العقوبات المفروضة على إيران خلال العام 2012، فإنها ظلت تستحوذ على 16.3% من اجمالى التجارة الخارجية لإيران، وظلت الشريك التجارى الثانى لإيران على مستوى العالم.
 
ومن ناحية ثالثة، يعد العامل الشعبى عامل مؤثر فى تعقيد هذه العلاقة، حيث إن حجم مهم من مواطنى دول الخليج لهم أصول إيرانية، أو تربطهم علاقات مصاهرة مع أسر إيرانية، أو أنه يرتبط بعلاقات تجارية مع رجال أعمال إيرانيين، كما أن الثقافة فى معظم مجتمعات الخليج، تأثرت تاريخيا بالثقافة الإيرانية ونمط الحياة الإيرانى، سواء فيما يتعلق باللهجة المحلية، وانتشار بعض الكلمات ذات الأصل الإيرانى، أو فيما يتعلق بانتشار المطاعم الإيرانية فى دول الخليج، لتنقل معها إلى جانب الأطعمة الإيرانية، الثقافة الإيرانية، وأحيانا نمط الحياة، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة بين المنتمين للطائفة الشيعية من مواطنى دول الخليج.
 
تحتاج دول الخليج لاستراتيجية جديدة فى التعامل مع إيران، تتفق وما ميز سياسات دول الخليج الست بدرجات متفاوتة تجاه إيران من براجماتية طوال الفترة الماضية، وهذه الاستراتيجية تضع فى الاعتبار، صغر حجم هذه الدول، وإدراكها أنها لا تستطيع الدخول فى مواجهة مباشرة مع إيران، فإذا كان الملك عبدالله ملك السعودية، يعد إيران «نمر من ورق»، لا تستطيع الدخول فى مواجهة مباشرة مع السعودية، فإن دول الخليج لا تملك القدرة منفردة على الدخول فى هذه المواجهة المباشرة.
 
كما أن دول الخليج لا تستطيع التأثير فى سياسات الولايات المتحدة، والدول الغربية بصفة عامة اتجاه إيران، وتغيير التوجه الانفتاحى الذى تتبعه حاليا، والذى من المتوقع أن يكلل بصفقة شاملة، لا تتعلق بالقضية النووية فقط، وإنما تمس كل القضايا «غير النووية»، وهو أمر سيعيد تعريف دور إيران فى المنطقة.
 
ويبدو أنه بعد اتفاق جنيف النووى بين إيران ومجموعة 5+1، تتجه دول الخليج، بدرجات متفاوتة، لاتباع سياسة «مرافقة» التغيير أو التحول فى وضع إيران فى الإقليم والذى يحمله هذا الاتفاق، وهذا ما يعكسه الترحيب الحذر من قبل دول الخليج باتفاق جنيف. ولكن الاكتفاء بسياسة «مرافقة» التغيير، قد يترتب عليها خصم من الثقل السياسى الذى أصبحت تمتلكه دول الخليج، فى الفترة الماضية، خاصة منذ ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر، وبالتالى فإن الحفاظ على هذا الثقل، يتطلب اتباع هذه الدول استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران، لا تقوم على «عزل» إيران، أو تصويرها كمصدر تهديد فقط، وقد تكون استراتيجية con-gagement تجمع بين الاحتواء والانخراط هى الاستراتيجية الأكثر ملاءمة لدول الخليج، حيث تضمن لها الانخراط مع إيران فيما يتعلق بالمصالح المشتركة، واحتواء المخاطر التى تطرحها إيران لاسيما الأمنية.
 
ويرتبط بهذه الاستراتيجية، أهمية أن تتداول دول الخليج فكرة الحوار المشروط مع إيران، بحيث يكون مرتبطا بقضايا تهم الخليج، وأن يكون هناك ضامن «دولى» لالتزام إيران بما سيتم التوصل إليه فى هذا الحوار من التزامات. كما يرتبط بذلك أهمية أن يكون الحوار، بين إيران ودول الخليج باعتبارهم شركاء فى المنطقة، وليسوا أتباعا لها، وهو أمر يتطلب تغييرا فى التوجهات الإيرانية تجاه هذه الدول، بضغط أمريكى ما. وتسعى له دول الخليجى منذ فترة، وبصيغ مختلفة، للقيام بدورها فى هذا المجال، تارة من خلال تطوير امتلاكها القدرات النووية السلمية، أو تطوير القدرات العسكرية الذاتية لموازنة القوى الإيرانية، أو من خلال بحثها عن صيغ اتحادية متنوعة، لتغيير ميزان القوى لصالحها.
 
-----------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الثلاثاء، 14/1/2014.

رابط دائم: